صحافية حربية كردية تتحدى الصور النمطية من خط النار

فيفيان فتاح غطت أكثر جبهات سوريا والعراق سخونة... واكتشفت خبر وفاة والدها من مواقع التواصل

الإعلامية الكردية الشابة فيفيان فتاح
الإعلامية الكردية الشابة فيفيان فتاح
TT

صحافية حربية كردية تتحدى الصور النمطية من خط النار

الإعلامية الكردية الشابة فيفيان فتاح
الإعلامية الكردية الشابة فيفيان فتاح

في يوم 12 مارس (آذار) 2004، كانت الإعلامية فيفيان فتاح برفقة والدها لمشاهدة مباراة كرة قدم بين فريقي «الفتوّة» من دير الزور، و«الجهاد» من القامشلي، بملعب الأخير. وقعت حينذاك أحداث دامية بين مشجعي الفريقين، على أثرها تدخلت أجهزة الأمن والشرطة لصالح «الفتوة» واستخدمت العنف المفرط لقمع الشغب. أدى ذلك إلى بداية انتفاضة شعبية كردية استمرت أيّاماً عدة وعمّت عدداً من المدن السورية وراح ضحيتها 36 كردياً.
كانت فيفيان آنذاك لم تتخطَّ الـ13 ربيعاً. تتذكر الحادثة وتروي التفاصيل والصور والذكريات المثقلة وكأنها حدثت معها قبل قليل. قالت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كانت لدي رغبة شديدة في نقل ما يحدث بالملعب، شاهدت بعيني كيف أطلقوا الرصاص الحي على المشجعين الأكراد، لحظتها كنت أريد نقل الحقيقة».
تلك الفتاة لم تعلم أنّ هذه الحادثة ستترك أثراً بليغاً لديها لتختار العمل في مجال الإعلام لاحقاً. بعد عودتها من المباراة بدأت تدون تلك الوقائع في دفاتر المدرسة، لتنتقل إلى كتابة اليوميات وأبرز مشاهداتها، حتى اكتشف أمرها خالها الذي أقدم على حرق كل الدفاتر التي امتلأت بالكتابات، وعلقت على الموضوع قائلة: «كان يخاف كثيراً عليّ، وحريصاً على إكمال دراستي وعدم فضح أمري».
فيفيان فتاح، التي تعمل مع شبكة «رووداو الإعلامية»، من مواليد مدينة القامشلي عام 1992، وهي حاصلة على إجازة في علم النفس من جامعة حمص وسط سوريا، وتنتمي لعائلة لديها شغف كبير بمتابعة السياسة، وتزيد: «فإذا كانت بنات جيلي قضينّ وقتهنّ في مشاهدة أفلام الكرتون وبرامج الموضة، فأنا كنت أتابع القنوات الإخبارية وأسمع تحليلات الكبار وآراءهم».
بعد انتهاء الدراسة الثانوية العامة صيف 2009 في مدارس القامشلي، كانت لديها رغبة قوية في التسجيل بالصحافة والإعلام، لكن وبسبب ممانعة والدها بحجة ارتباط هذا القسم بأعضاء حزب البعث الحاكم، درست علم النفس وتخرجت منتصف 2015.
ونظراً لأن فرعها 5 سنوات، فقد درسته بجامعة حمص بين أعوام 2010 و2015، ولا تزال تتذكر صيحات المتظاهرين في ساحة «الساعة» في شهر أبريل (نيسان) 2011 في أول أيام الثورة السورية. شاركت في ذاك الاعتصام وحملت هاتفها الجوال بهدف التقاط صور وأرشفتها لنشرها لاحقاً، وهي أول تجربة إعلامية لها، وأشارت: «لم تكن لدي قنوات اتصال مع القنوات العربية والجهات الإعلامية السورية، وقتها قررت وبعد انتهاء دراستي الجامعية العمل بمجال الإعلام».
تطلق على مدينة حمص «عاصمة الثورة السورية»، وتحدثت بشكل مستفيض عن أزير طائرات الـ«ميغ» التابعة لسلاح الجو السوري، وكيف كانت تقصف مناطق المعارضة آنذاك، فعندما كانوا في قاعة المحاضرة كانوا يسمعون صوتها لدرجة أن بناء الجامعة من شدة الاهتزاز وقوة الصوت بدا كأنه سيقع فوق رؤوسهم، وقالت: «كنت على يقين أنها تذهب لقصف المناطق المتمردة، وبالتالي سيسقط مدنيون أبرياء».
بعد تخرجها في الجامعة عادت إلى مدينة القامشلي التي كانت تتمتع بإدارة ذاتية أعلنها أكراد سوريا. عملت في قناة تلفزيونية محلية لمدة عام مصورة صحافية، لتسافر بعدها إلى إقليم كردستان العراق المجاور، وعملت في قنوات كردية محلية مقدمة ومذيعة أخبار، وبقيت هناك 3 سنوات.
في أحد الأيام وعندما كانت تقدم نشرة الأخبار، وصل إليها من غرفة التحرير خبر عاجل بعنوان: «مدني يفقد حياته إثر انفجار لغم أرضي بمدينة القامشلي»، وبعد انتهاء النشرة؛ خرجت من الاستوديو لتكتشف أنّ المدني هو والدها، وأعربت عن مشاعرها بحزن عميق: «تصفحت مواقع التواصل الاجتماعي، وشاهدت صور أبي منتشرة على جميع المنصات، كانت الصدمة كبيرة للغاية أن تنقل خبر وفاة والدك وأنت لا تعلم».
وفي أبريل (نيسان) 2018 بدأت العمل مع قناة «رووداو» الكردية، مراسلة ميدانية غطت أكثر الجبهات سخونة وخطورة؛ فمنذ بداية المعارك في ريف دير الزور شرق سوريا ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، تنقلت بين جبهات عدة كانت أخراها جبهة الباغوز، وكانت أول مراسلة أعلنت القضاء جغرافياً على مناطق التنظيم.
غير أنّ أكثر الوظائف المقربة إلى قلبها هي إعداد وتقديم نشرات الأخبار، لكن نظراً لشخصيتها المتمردة، فقد اختارت العمل مراسلة حربية ميدانية، وأضافت فيفيان: «العمل الإعلامي أوسع وأكبر من غرفة الاستوديو، مهمتنا نقل الصورة بمهنية وموضوعية».
وخلال سنوات عملها، غطت معارك مدينتي كركوك والموصل في العراق. أما في سوريا، فقد ذهبت إلى مدينة عفرين عندما تعرضت لهجوم واسع من قبل الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة موالية لها العام الماضي.
وعن كسر الصورة النمطية بمشاهدة مراسل حربي رجل يغطي الجبهات الساخنة، وقلة وجود النساء في هذه المهنة، علقت قائلة: «بشكل لا شعوري كنت من بين السيدات اللاتي كسرن هذه القوالب. حقيقة لا أعاني من أني فتاة أعمل في مهنة أشبه بالمشي في حقل ألغام».
ويتحدث كثير من زميلاتها وزملائها في العمل عن أنها منعطف في الإعلام الكردي، وعبرت عن رأيها لتقول: «هذا الكلام للوهلة الأولى جميل ومدعاة فخر، لكن أنا وكل زميلاتي العاملات بهذا الحقل يقع على عاتقنا مسؤولية مضاعفة؛ مرة لأن المهنة كانت حكراً على الرجال سابقاً، ومرة لأنها مهنة تتطلب المصداقية والموضوعية في نقل الصورة»، بحسب فيفيان.
لم تخفِ أن الصراع الحزبي يعد من بين أبرز المواضيع التي تستشعر حساسيتها، وعندما تتلقى الانتقادات من جهة سياسية تدرك أنها موضوعية ومهنية في نقل الحدث ولا تنحاز إلى أي طرف سياسي، ولفتت: «(المجلس الكردي) المعارض ينتقد عملي، وأيضاً (حركة المجتمع) و(حزب الاتحاد)... هذا دليل كافٍ على أنني أعمل بمهنية عالية».
وأثناء مشاركتها في نشرة الأخبار تحرص على أن تكون مبتسمة بداية الحديث، وتعلل ذلك: «ليكون المشاهد مرتاحاً نفسياً حتى أتمكن من نقل الخبر، عدا أخبار الكوارث والموتى؛ وقتها يتطلب الأمر أن أكون بحجم المأساة».
فيفيان، بالإضافة إلى عملها مراسلة ميدانية، تدرس الماجستير في مجال علم النفس الإعلامي في جامعة دمشق بهدف تطوير الإعلام الكردي، وترى ضرورة وضع قوانين وقواعد صارمة للعمل في مجال الإعلام بمناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، وتشرح السبب: «في تغطياتي اليومية يقف إلى جانبي زميل بعمر 15 و16 سنة؛ أي هو قاصر، فالإعلام الكردي متهم بعمالة الأطفال، وهذا بحد ذاته سبب يدعو لوضع قوانين وقواعد صارمة»، على حد تعبيرها.
وقناة «رووداو» الكردية التي انطلق بثها قبل 6 سنوات من مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، اختطف مراسلها بشمال شرقي سوريا فرهاد حمو على يد متطرفي تنظيم «داعش» ولا يزال مصيره مجهولاً. كما فقدت الإعلامية شفا كردي مراسلة القناة بإقليم كردستان حياتها في معارك قوات البيشمركة ضد التنظيم، ورغم ذلك، فإن فيفيان تمضي في عملها؛ لتزيد: «قد أكون معرضة للخطر كباقي زملائي، لكن عندي إيمان مطلق برسالتي أن المشاهد الكردي يستحق الأفضل».
أثناء تغطيتها الإعلامية في جبهة الباغوز، شاهد كثير من الصحافيين والإعلاميين المراسلة فيفيان فتاح وهي تنتظر وصول نساء وأطفال يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم «داعش» المتطرف، كانت تقوم بعملها مراسلة ثم تقوم بحمل الأطفال ومساعدة النساء الناجيات، لتقول: «حسي الإعلامي والإنساني موجود في كل مكان وزمان».
وكانت الصورة النمطية ظهور مذيعات إلى جانب الرجال في نشرات الأخبار والبرامج المنوعة والتغطيات الإخبارية بصورة منتظمة على شاشات كثير من القنوات التلفزيونية، وفقاً لدراسة أبرزت أن النساء يمثلن 38 في المائة فقط من قوة غرف الأخبار، ووفقاً لبحث من مؤسسة «نيومن» للصحافة بجامعة هارفارد، فإن تلك النسبة زادت 4 في المائة فقط في الثلاثين سنة الأخيرة. وذكر تقرير لـ«شبكة الصحافيين الدوليين» أن النساء يشغلن فقط نحو 15 في المائة من الوظائف التكنولوجية.
وعن مشاعرها حول وجود زميلات ونساء يعملن في تغطية الجبهات ويقفن أمام عدسات الكاميرات، اختتمت الإعلامية فيفيان حديثها بالقول: «يتولد لدي شعور فخر واعتزاز بهنّ. لم أتوقع أن تكون هناك خبرات وخامات صحافية نسائية ينقلن صورة ما يحدث في هذه البقعة الجغرافية من سوريا».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.