جونسون أدخل الشعبوية إلى داوننغ ستريت

وعد بتحويل بريطانيا إلى «أعظم دولة على وجه الأرض»

بوريس جونسون بين مؤيديه خلال زيارة لمدينة برمنغهام بعد توليه رئاسة الحكومة (رويترز)
بوريس جونسون بين مؤيديه خلال زيارة لمدينة برمنغهام بعد توليه رئاسة الحكومة (رويترز)
TT

جونسون أدخل الشعبوية إلى داوننغ ستريت

بوريس جونسون بين مؤيديه خلال زيارة لمدينة برمنغهام بعد توليه رئاسة الحكومة (رويترز)
بوريس جونسون بين مؤيديه خلال زيارة لمدينة برمنغهام بعد توليه رئاسة الحكومة (رويترز)

لم تعد الشعبوية شعاراً فقط. إنها الآن برنامج حكم يتسع على امتداد عدد من الدول الغربية المؤثرة ويمتد صداه إلى دول أخرى. آخر الحصاد الشعبوي تمثل بوصول بوريس جونسون إلى منصب رئيس الحكومة البريطانية. حدث كهذا كان يبدو مستبعداً قبل عقد من الزمن. أن يصل سياسي بمواصفات جونسون إلى قيادة إحدى أعرق الديمقراطيات الغربية. لا حزبه، حزب المحافظين، كان يتيح ذلك، نظراً إلى ميل تقليدي في صفوفه إلى الاعتدال واتساع مساحة النقاش الداخلي، ولا بريطانيا كانت تعرف عنها مسايرتها لسياسات هي أقرب إلى العنصرية والتماهي مع اليمين المتطرف، كما هي اليوم.
لكن هذا المد الشعبوي الذي وصل إلى لندن كان قد سلك طرقاً أخرى بنجاح. أبرزها طبعاً طريقه إلى البيت الأبيض؛ حيث يحكم أبرز الشعبويين، دونالد ترمب، الذي يفاخر بإطلاق لقب «ترمب بريطانيا» على صديقه بوريس جونسون. وعلى الجانب الآخر من القارة الأوروبية، هناك رئيس حكومة المجر فيكتور أوربان ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، اللذان يتشاركان سياسات العداء للمهاجرين، والدعوة إلى «تنظيف» القارة الأوروبية، وإعادتها إلى «أصولها المسيحية»، التي يعتبران أن الاختلاط العرقي والديني في أوروبا أصبح يشكل خطراً عليها.

«إنه رجل جيد... إنه قوي وذكي. يسمّونه ترمب بريطانيا، وهذا شيء جيد، إنهم يحبونني هناك». هكذا هنّأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب «صديقه» بوريس جونسون، الذي فاز برئاسة الوزراء في بريطانيا. وهكذا اختصر ترمب قصة نجاح رئيس الوزراء الشاب، وتباهى بقوة تأثير ظاهرة أرادها مستشاره السابق ستيف بانون عابرة للقارات.
في أول خطاب له رئيسا للوزراء، وعد جونسون بـ«عصر ذهبي جديد»، عبر «توحيد وتنشيط المملكة المتحدة، وجعلها أعظم دولة على وجه الأرض»، كما أولى اهتماما خاصا بتحقيق ازدهار اقتصادي باهر وتجاوز الاقتصادات الأوروبية بحلول 2050، كلها محاور اختارها جونسون بعناية، تعيدنا أصداؤها إلى خطاب الرئيس ترمب الشعبوي المبني على «استعادة عظمة أميركا» و«السيطرة على الحدود» و«تحقيق أقوى اقتصاد في التاريخ».
ليست هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها خطابا ترمب وجونسون، المعروفان بميلهما لتزوير الحقائق لتعزيز موقفهما. فقد شاب فترة عمل جونسون في بروكسل بصفته مراسلا لصحيفتي «ذي تايمز» و«ذي ديلي تيلغراف» كثير من التزوير وتحريف الحقائق والمبالغات، أدّت إلى طرده من الأولى وشهرته في الثانية. كما يذكّر سجل جونسون كوزير للخارجية المليء بالزلات الدبلوماسية والمزحات المستفزة أحياناً بأسلوب الرئيس الأميركي المثير للجدل. وكان أسوأ خطأ اقترفه جونسون بحق السجينة نزانين زغاري رادكليف، حاملة الجنسيتين الإيرانية والبريطانية، والتي اعتقلتها إيران بتهمة العمل لصالح حكومة أجنبية لإسقاط النظام. وناقض جونسون علناً عائلة رادكليف التي أكدت أنها ذهبت إلى طهران في زيارة عائلية، بعدما قال إنها كانت تدرب صحافيين في إيران قبل اعتقالها. ونفت عائلة نزانين ذلك بشدة، وعبرت عن غضبها وخشيتها من أن تصريحه أثر سلباً على قضيتها وأطال فترة سجنها. كما واجه جونسون وابل انتقادات من داخل حزبه وخارجه، بعدما وصف المنتقبات بـ«صناديق البريد أو لصوص البنوك»، في مقال رأي. ورغم أن هذا الوصف جاء في سياق مقال يعارض حظر النقاب، فإن الانتقادات ربطت بين حديث جونسون وظاهرة الإسلاموفوبيا.
إلا أن هذه المقارنة بين ترمب وجونسون قد لا تروق لأنصار السياسي البريطاني المحافظ، الذي توقّع لنفسه مستقبلا باهرا، وأكد لشقيقته وهو طفل أنه سيصبح «ملك العالم». فرغم ترحيبه بـ«صداقة» الرئيس الأميركي، واقتباسه من قاموسه وتباهيه بقدرته على إبرام اتفاق تاريخي للتجارة الحرة مع واشنطن بعد «بريكست»، فإن جونسون الذي خطّط للوصول إلى رئاسة الوزراء منذ شبابه يدرك أن الخطاب الشعبوي لن ينجح في استمالة غالبية الناخبين في المملكة المتحدة، ولن يضمن له النجاح الذي حققه ترمب، بسبب اختلاف التركيبة السياسية في البلدين الحليفين.
وبينما تبقى أوجه الشبه بين الرجلين كثيرة، من الخطابات السياسية النارية التي كثيرا ما تحمل إساءات عنصرية أو دينية، إلى الوعود الفضفاضة بالعظمة والازدهار، مروراً بمشاركتهما الإعجاب الشديد بتشيرشل وحبهما لمدينة نيويورك مسقط رأسهما، فإن وراء الشعر الأشقر وربطات العنق الطويلة وفضائح الخيانات الزوجية، نجد اختلافات جوهرية بين ترمب و«نسخته» البريطانية.
يقول النائب المحافظ وأحد أبرز الداعمين لجونسون، دانييل كازينسكي، إنه «بخلاف لون شعرهما، لا أرى كثيرا من أوجه التشابه بين الرجلين». وأضاف متحدّثا لـ«الشرق الأوسط» أن «الرجلين يتشاركان في نقطة أساسية، وهي عزمهما على الدفاع عن بلديهما واتخاذ قرارات مثيرة للجدل أحيانا لتحقيق هذا الهدف». وتابع أن ما يثير إعجابه في جونسون هو حنكته السياسية وقدرته على الفوز بحملات انتخابية صعبة، ضاربا المثل بفوزه برئاسة بلدية لندن أمام كين ليفينغستون رغم تأخره بـ17 نقطة في استطلاعات الرأي. وردا على ما إذا كان جونسون شعبويا، قال كازينسكي إن ما يسميه البعض شعبوية هو في الحقيقة قدرة على تقديم سياسات تلقى أصداء إيجابية لدى الناخبين. وتابع أن «جونسون قادر على تغيير مزاج حزب المحافظين والبلاد بشكل عام. هناك حماس ملموس لتسلمه مهام رئاسة الحكومة».
ولعل أبرز اختلاف بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني هو أن الأول بنى شعبيته على انتقاد «النخب» السياسية و«مستنقع» واشنطن المؤسساتي، فصنع لنفسه سمعة «ممثّل الشعب» داخل البيت الأبيض الذي يسعى لانتزاع حقوق الطبقات العاملة من «شراهة» سياسيي العاصمة. فيما يعدّ جونسون في المقابل رجل نخبة بامتياز، فقد ارتاد كلية «إيتون» النخبوية التي أنتجت 20 رئيس وزراء بريطانيا، والتحق بجامعة «أوكسفورد» التي تشارك صفوفها مع ديفيد كاميرون، قبل أن ينضمّ إلى صحيفتين مرموقتين ويُطلق مسيرة سياسية متعثّرة وصلت به إلى «10 داونينغ ستريت» هذا الأسبوع.
أما الاختلاف البارز الثاني، فيتعلق ببرنامجهما السياسي. ففي الوقت الذي يلتقيان عند «بريكست»، فإنهما يختلفان حول قضايا الهجرة واستغلالها لتعزيز الشعور القومي. جونسون لم يخفِ دعمه لتقديم عفو عام عن المهاجرين المخالفين المستقرين بالمملكة المتحدة، وإلغاء سقف الهجرة الذي حددته حكومة تيريزا ماي من قبله. إلى ذلك، اختار جونسون تشكيلة حكومية يعكس تنوع أعضائها الاختلاف العرقي في بريطانيا، كما انتقد دعوة ترمب نائبات في الكونغرس إلى «العودة إلى بلدانهن»، واعتبرها غير مقبولة.
ورغم اختلاف أجندتهما السياسية، يراهن ترمب على أن يعمل جونسون بنصيحته ويتعاون مع رئيس حزب «بريكست» الجديد نايجل فاراج، الذي يعتبره ترمب «رجله» في لندن. وكر الرئيس الأميركي هذه الدعوة، عندما استقبل فاراج في تجمع انتخابي بواشنطن وهنّأه على أدائه في الانتخابات الأوروبية. وبينما يتشارك ترمب وجونسون العفوية السياسية، تكاد القناعات السياسية والاجتماعية لترمب وفاراج تتطابق.
ويبقى الاختبار الحقيقي لعلاقة الرئيس الأميركي وساكن «10 داونينغ ستريت» الجديد في مدى نجاح الأخير في تنفيذ «بريكست» وإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في آخر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، والانتقال لإبرام اتفاق تجارة «عادل» للولايات المتحدة وبريطانيا.



مستقبل إردوغان والحزب الحاكم... سؤال تركيا الكبير

عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
TT

مستقبل إردوغان والحزب الحاكم... سؤال تركيا الكبير

عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)

أمضت تركيا أكثر من 22 عاماً تحت حكم حزب «العدالة والتنمية» الذي شهدت مسيرته محطات حرجة وتحديات سياسية واقتصادية، بين صعود وهبوط، وانعكست على السياسة الخارجية على وجه الخصوص.

الحزب ذو الجذور الإسلامية الذي أسسه الرئيس رجب طيب إردوغان ومجموعة من رفاقه أبرزهم الرئيس السابق عبد الله غل، والسياسي المخضرم بولنت أرينتش، ظهر في 14 أغسطس (آب) 2001، وفاز منفرداً بحكم تركيا في أول انتخابات تشريعية خاضها في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2002، وبقي في الحكم حتى الآن.

وخاض الحزب في البداية صدامات مع النخبة العلمانية والجيش والقضاء وصلت ذروتها عند ترشيح عبد الله غل، الذي كان وزيراً للخارجية، للرئاسة عام 2007 خلفاً للرئيس الأسبق أحمد نجدت سيزر.

أزمات ومعارك

أحدث ترشيح غل أزمة كبيرة في تركيا التي شهدت تجمعات مليونية في أنقرة وإسطنبول رفضاً له. وأفلت الحزب أيضاً من الحل في دعوى أقيمت ضده أمام المحكمة الدستورية التي قضت بالغرامة المالية دون الإغلاق في عام 2008، بسبب انتهاكه «مبادئ العلمانية».

ومنذ عام 2010، بدأ الحزب حملة تغييرات واسعة، عبر تعديل الدستور، بعدما استفاد من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي التي انطلقت رسمياً عام 2005 في إرساء العديد من حزم الإصلاحات في النظام القضائي والقوانين.

وخاص الحزب العديد من المعارك، كما نزع فتيل محاولات استهدفته على غرار قضايا «أرجنكون» و«المطرقة» و«القفص» التي حاول فيها عسكريون الإطاحة بحكومة إردوغان.

وعد إردوغان، الرجل القوي الذي لا يزال قابضاً بقوة على السلطة في تركيا، أن احتجاجات «غيزي بارك» في مايو (أيار) 2013، وما أعقبها من تحقيقات «الفساد والرشوة» التي جرت في 17 و25 ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته، كانت محاولات للإطاحة بحكومته.

ونُسبت تحقيقات في تهم فساد ورشوة طالت أبناء وزراء في حكومة إردوغان ورجال أعمال مقربين منه، وامتدت إلى أفراد عائلته، إلى حركة «الخدمة» التي تزعمها حليفه الوثيق السابق، فتح الله غولن، الذي توفي منذ أشهر.

حشد من الأتراك يحتفلون وسط إسطنبول فوق دبابة هجرها ضباط من الجيش بعد محاولة انقلاب فاشلة في 16 يوليو 2016 (غيتي)

مواجهة أخيرة

كانت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، التي نفذتها مجموعة من الجيش، نُسب إليها الانتماء إلى حركة غولن، هي آخر المواجهات التي مكنت إردوغان من إخضاع المؤسسة الحامية للعلمانية في البلاد (الجيش) بعدما تمكن من السيطرة على أجهزة الأمن والقضاء عقب تحقيقات الفساد والرشوة، وقام بتطهيرها من أنصار غولن، الذي كان حليفاً لحزب «العدالة والتنمية» منذ ظهوره.

ووسط هذه المعارك التي مكنت إردوغان وحزبه من السيطرة على جميع مفاصل الدولة وإزالة مشكلة حظر الحجاب من أجندة تركيا، كان الحزب يخوض مسار صعود اقتصادي أزال أثر الأزمة الحادة التي عاشتها البلاد في 2001، وكانت العامل الأساسي في فوزه الكاسح بأول انتخابات يخوضها.

صعود اقتصادي وتقلبات سياسية

استمر الصعود الاقتصادي، وساعد في ذلك اعتماد حزب «العدالة والتنمية» سياسة «صفر مشاكل» مع دول الجوار التي أسس لها وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي تولى لاحقاً رئاسة الحكومة، التي كان لها الفضل في إذابة الجليد في علاقات تركيا مع محيطها في الشرق الأوسط والعالم العربي، فضلاً عن توسيع علاقات تركيا بالشرق والغرب.

ولم تخف توجهات السياسة التركية في هذه الفترة اعتمادها على نظرية «العثمانية الجديدة»، واستعادة مناطق النفوذ، التي انطلقت من نظرية «العمق الاستراتيجي» لـ«داود أوغلو»، وبعدما بدأت تركيا التمدد من الدول العربية إلى أفريقيا اعتماداً على أدوات الدبلوماسية الناعمة والمساعدات الإنسانية وعامل الدين والتاريخ المشترك، جاء ما عرف بـ«الربيع العربي» ليقلب سياسة تركيا إلى التدخل المباشر والخشن عبر أدوار عسكرية امتدت من سوريا وليبيا إلى القرن الأفريقي، وفتحت لها باب التوسع بإقامة القواعد العسكرية في الخارج.

وتسبب انحياز تركيا إلى جماعة «الإخوان المسلمين» وجماعات متشددة، ودعمها في تونس ومصر وسوريا وليبيا، في حصارها في المنطقة، وهو ما حاول سياسيوها تبريره بشعار «العزلة القيمة».

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان... ربع قرن عاصف بالتحولات (غيتي)

بين الكرد والقوميين

جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016 لتضيف مزيداً من التوتر إلى علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين بسبب ما عدّته أوروبا وأميركا، استغلالاً لها في سحق معارضي إردوغان على اختلاف انتماءاتهم وليس أنصار غولن فقط، والتوسع في انتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير عبر الاعتقالات الواسعة، وإغلاق المنصات الإعلامية، وهو ما أدى إلى «دفن» مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، التي كانت مجمدة بالفعل منذ عام 2012.

الحال، أن الانسداد في العلاقات مع أوروبا كان قد تأجج في فترة الانتخابات البرلمانية في تركيا عام 2015 التي شهدت مصادمات مع الكرد، وخسر فيها حزب «العدالة والتنمية» الأغلبية للمرة الأولى في الانتخابات التي أجريت في 7 يونيو (حزيران) من ذلك العام للمرة الأولى في مسيرته، قبل أن يلجأ إردوغان إلى الانتخابات المبكرة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته، ليفوز بها حزبه.

وفي هذه الفترة كان «العدالة والتنمية» أطلق في عام 2013 مبادرة للسلام الداخلي وحل المشكلة الكردية، قبل أن يعلن إردوغان إنهاءها في 2015 قائلاً إنه لا توجد مشكلة كردية في تركيا.

وأثبتت القضية الكردية أنها الورقة التي يلجأ إليها إردوغان في لحظات الضعف التي يمر بها حزبه وتتراجع شعبيته، فقد عاد الحديث في الأسابيع الماضية عن مبادرة جديدة للحل، أطلقها رئيس حزب «الحركة القومية»، الحليف لإردوغان، دولت بهشلي، ودعا من خلالها إلى حوار مباشر مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» المحكوم بالسجن مدى الحياة في تركيا، عبد الله أوجلان، بل دعوته للحديث في البرلمان، والنظر في العفو عنه.

وجاءت هذه الخطوة، كما يرى مراقبون، محاولة من إردوغان لجذب كتلة أصوات الكرد بعد الهزيمة التي تلقاها حزبه في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس (آذار) الماضي، بعدما فاز بصعوبة بالغة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو 2023، والحصول على دعم نواب حزب «الديمقراطية المساواة للشعوب»، المؤيد للكرد لفتح الطريق أمام إردوغان للترشح للرئاسة للمرة الرابعة في انتخابات مبكرة تُجرى قبل عام 2028 بطلب من 360 نائباً، وهو ما لا يملكه «تحالف الشعب»، الذي تأسس مع تحول البلاد إلى النظام الرئاسي عام 2018، ليضم حزب «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، وأحزاب قومية وإسلامية أخرى صغيرة مثل «الوحدة الكبرى»، و«هدى بار».

وتسبب التحالف مع القوميين في انتقال «العدالة والتنمية» من حزب وسطي إصلاحي يخدم الشعب بلا تمييز ويعمل على دفع الاقتصاد والانضمام للاتحاد الأوروبي، إلى حزب يرفع شعارات الفكر القومي والأمة، ويبشر بالعثمانية الجديدة و«الوطن الأزرق» في ظل نظام يصفه معارضوه في الداخل وحلفاؤه في الغرب بأنه يكرس الديكتاتورية وحكم الفرد منذ إقرار النظام الرئاسي من خلال تعديلات دستورية تم الاستفتاء عليها عام 2017.

إردوغان (يمين) ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني في ديار بكر جنوب تركيا نوفمبر 2013 (غيتي)

ألغاز السياسة الخارجية

ربما تكون السياسة الخارجية لتركيا تحت حكم إردوغان و«العدالة والتنمية» هي أكبر الألغاز المحيرة، فبعدما أريد لها الانفتاح وتصفير المشاكل، انتقلت منذ 2011 إلى التدخل في أزمات المنطقة، ثم رفعت شعار «العزلة القيمة»، بعدما حدثت شروخ عميقة في العلاقات مع محيط تركيا الإقليمي من مصر إلى دول الخليج إلى سوريا والعراق، في مرحلة ما، ثم محاولة العودة بعد 10 سنوات ضائعة إلى مسعى «تصفير المشاكل» مرة أخرى.

وهكذا عملت تركيا على إصلاح العلاقات مع دول الخليج ومصر، وعدم التمادي في تدمير العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من إدانتها الصارخة لحربها في غزة ولبنان وهجماتها في سوريا، وصولاً إلى الحوار الإيجابي مع اليونان وأرمينيا.

واتسمت هذه السياسة أيضاً بتبديل غير مستقر للمحاور بين الشرق والغرب، عبر محاولة توظيف ورقة العلاقات مع روسيا والصين وإيران، وتقديم طلب عضوية في مجموعة «بريكس»، والحضور في قمة منظمة شنغهاي للتعاون على المستوى الرئاسي، للضغط من أجل تحريك مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكسر فتور العلاقات مع أميركا.

وشكل التذبذب في العلاقات بين تركيا وروسيا ملمحاً مميزاً، وكذلك مع إيران، لكن بصورة أقل علانية، إلى أن دخلت العلاقات معهما منعطفاً حاداً بسبب التطورات الأخيرة التي أطاحت بحكم بشار الأسد في سوريا، فضلاً عن عدم الرضا من جانب روسيا عن نهج تركيا في التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية.

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة منظمة شنغهاي في سمرقند سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)

هواجس المستقبل

الآن، وبعد نحو ربع قرن ساد فيها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، يبدو أن إردوغان يجد صعوبة كبيرة في تنفيذ وعده لناخبيه عقب فوزه بالرئاسة في مايو 2023 بتأسيس «قرن تركيا».

يواجه إردوغان الآن معارضة عرفت طريقها إلى الشارع بعد أكثر من 22 عاماً من التشتت، وركاماً اقتصادياً أجهض ما تحقق من مكاسب في الحقبة الذهبية لحزبه، الذي أتى بالاقتصاد، والذي قد يرحل بسببه، بعدما بدأ رحلة تراجع منذ تطبيق النظام الرئاسي في 2018، مع صعوبة التغلب على المشاكل الهيكلية، وكسر حلقة التضخم الجامح وغلاء الأسعار وتآكل الدخل.

كما يدخل الحزب عام 2025 مع سؤال كبير وملحّ: «هل يضعف (العدالة والتنمية) أو يتلاشى إذا غابت عنه قيادة إردوغان القوية؟»، ومع هذا السؤال يبدو أن سيناريوهات مقبلة في الطريق لإبقاء الرجل على رأس الحزب والسلطة في تركيا.