العدني فاروق لقمان... «سندباد» مهنة المتاعب و«عرّاب» الصحافة الإنجليزية غطّى قلمه ورحل

أطل على قراء «الشرق الأوسط» عبر عالم بلا حدود

الراحل فاروق لقمان
الراحل فاروق لقمان
TT
20

العدني فاروق لقمان... «سندباد» مهنة المتاعب و«عرّاب» الصحافة الإنجليزية غطّى قلمه ورحل

الراحل فاروق لقمان
الراحل فاروق لقمان

برحيل الكاتب والصحافي والمؤلف فاروق لقمان، الذي ودع الحياة أمس السبت، بعد معاناة طويلة مع المرض عقب تعرضه لجلطة دماغية قبل عامين، تنطوي صفحة ناصعة في تاريخ الصحافة العربية، حيث عُدّ الراحل رائدها وأحد فرسانها، وسجل فيها حضوراً وسبقاً، وخصوصاً تلك الصادرة باللغة الإنجليزية، حيث ساهم الراحل في تأسيس ورعاية أول صحيفة سعودية صادرة باللغة الإنجليزية، تخطى انتشارها حدود دول الجزيرة العربية والخليج إلى معظم دول الشرق الأوسط.
كما عد الراحل مؤسساً لما يمكن وصفه: «المدرسة الصحافية الحديثة في كتابة العمود اليومي»، وقاد نجاح فاروق لقمان في أعماله الصحافية اللافتة خلال المحطات التي عمل بها، دارساً للعلوم السياسية، والصحافية، وممارساً لها إلى وصفه بـ«سندباد» الصحافة.
في حياة الراحل فاروق لقمان محطات كثيرة شكلت مسار حياته وأعماله، وصنعت تميزه وحضوره، بدءاً من دراسته في عدن مراحل التعليم العام إلى ذهابه إلى الهند لدراسته الجامعية فيها سائراً بذلك على خطى والده، ثم توجهه إلى أميركا ليحصل من إحدى جامعاتها العريقة على الماجستير في الصحافة، ليعود إلى عدن ويعمل في دار نشر تابعة لأسرته، جنباً إلى جنب: مراسلاً لصحف أجنبية مرموقة، ثم يحمل حقائبه إلى السعودية ويستقر فيها بعد قرار تأمين الصحافة في عدن ومصادرة دار نشر أسرته التي عمل بها، ويسهم من جدة في منتصف السبعينيات في إصدار أول صحيفة سعودية ناطقة بالإنجليزية ويرعاها وليده، ثم يصبح رئيساً لتحريرها ويحلق بها في الآفاق ويصل بقرائها إلى مختلف دول الشرق الأوسط.
اختير بعد ذلك مديراً لتحرير صحيفة «الاقتصادية»، ثم مديراً لمركز التدريب الصحافي التابع للشركة السعودية للأبحاث والنشر الذي أقرته الشركة لتدريب الصحافيين على فن الاحتراف الصحافي سواء المكتوب بالعربي أو الإنجليزي، وقد استفاد من هذه الدورات الكثير من الصحافيين الذين أصبح أكثرهم نجوماً، كما أطل الراحل على قراء جريدة «الشرق الأوسط» أواخر الثمانينات من خلال عموده اليومي «عالم بلا حدود»، وعد هذا العمود الأبرز والأكثر قراءة في الصحافة العربية، وجاءت لغة عموده القصير بأسلوب سلس ومفردات جميلة وخيال رحب، متنقلاً بين موضوعات عدة ومتنوعة، وجاء طرحه لينم عن ثقافة واسعة وحس صحافي عالٍ وقدرة عجيبة على الاختزال.
شغف الراحل فاروق لقمان بالصحافة مبكراً، خصوصاً أنه سليل إحدى القامات الصحافية العدنية، حيث إن والده محمد علي لقمان مؤسس أول صحيفة عدنية صدرت في الأربعينيات وهي صحيفة «فتاة الجزيرة»، وتوقفت في السنة الأولى من الاستقلال الوطني عام 1967م، وكتب فيها المقالة، والقصة الإخبارية، وحاور المئات من القادة السياسيين، ورؤساء الحكومات، والبارزين من ذوي الحضور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإنساني، وجال من أجل ذلك مختلف دول العالم. وبالإضافة إلى حضوره المميز والقوي في الصحافة، فإن الراحل دخل عالم التأليف والحكاية، حيث طرح تجربته ونتاجه الصحافي الطويل في كتب هي: عالم بلا حدود بجزأيه، وتوابل هندية، وبصمات.



عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
TT
20

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

في حالة استثنائية تجسد عمق الالتزام والإرث الدبلوماسي، حملت أسرة بن زقر التجارية العريقة في مدينة جدة (غرب السعودية) شرف التمثيل القنصلي الفخري لجمهورية فنلندا عبر 3 أجيال متعاقبة، في مسيرة دبلوماسية وتجارية متواصلة امتدت لأكثر من 7 عقود.

بدأت القصة كما يرويها الحفيد سعيد بن زقر، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما علم الجد سعيد بن زقر، بوجود جالية مسلمة في فنلندا تعاني من غياب مسجد يجمعهم، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بالسفر إلى هناك لبناء مسجد يخدم احتياجاتهم الدينية.

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

لكن الشيخ سعيد واجه بعض التحديات كما يقول الحفيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، تتمثل في منع القانون الفنلندي تنفيذ المشروع في ذلك الوقت، وأضاف: «بعد تعثر بناء المسجد، تقدمت الجالية المسلمة هناك بطلب رسمي إلى الحكومة الفنلندية لتعيين الجد سعيد قنصلاً فخرياً يمثلهم، وهو ما تحقق لاحقاً بعد موافقة الحكومة السعودية على ذلك».

وفي وثيقة مؤرخة في السابع من شهر سبتمبر (أيلول) 1950، اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تظهر موافقة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، على تعيين الشيخ سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة.

وجاء في الوثيقة: «فلما كان حضرة صاحب الفخامة رئيس جمهورية فنلندا، قد عيّن بتفويض منه السيد سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة، ولما كنا قد وافقنا على تعيينه بموجب ذلك التفويض، فأننا نبلغكم بإرادتنا هذه أن تتلقوا السيد سعيد بن زقر بالقبول والكرامة وتمكنوه من القيام بأعماله وتخوّلوه الحقوق المعتادة وتمنحوه المميزات المتعلقة بوظيفته».

وثيقة تعيين الجد سعيد بن زقر صادرة في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه (الشرق الأوسط)

وأضاف الحفيد سعيد، القنصل الفخري الحالي لفنلندا: «أعتقد أن جدي كان من أوائل القناصل الفخريين في جدة، حيث استمر في أداء مهامه حتى عام 1984، لينتقل المنصب بعد ذلك إلى والدي، الذي شغله حتى عام 2014، قبل أن يتم تعييني خلفاً له قنصلاً فخرياً».

وفي إجابته عن سؤال حول آلية تعيين القنصل الفخري، وما إذا كانت العملية تُعد إرثاً عائلياً، أوضح بن زقر قائلاً: «عملية التعيين تخضع لإجراءات دقيقة ومتعددة، وغالباً ما تكون معقدة، يبدأ الأمر بمقابلة سفير الدولة المعنية، يعقبها زيارة للدولة نفسها وإجراء عدد من المقابلات، قبل أن تقرر وزارة الخارجية في ذلك البلد منح الموافقة النهائية».

الأب محمد بن زقر عُين قنصلاً فخرياً على مستوى مناطق المملكة باستثناء الرياض مقر السفارة (الشرق الأوسط)

وتابع قائلاً: «منصب القنصل الفخري هو تكليف قبل أن يكون تشريفاً، حيث تلجأ بعض الدول إلى تعيين قناصل فخريين بدلاً من افتتاح قنصلية رسمية، لتجنب الأعباء المالية، وعادةً ما يتحمل القنصل الفخري كل التكاليف المترتبة على أداء مهامه».

ووفقاً للأعراف الدبلوماسية فإن لقب القنصل الفخري، هو شخص من مواطني الدولة الموفد إليها، بحيث تكلفه الدولة الموفِدة التي لا توجد لديها تمثيل دبلوماسي بوظائف قنصلية إضافة إلى عمله الاعتيادي الذي عادة ما يكون متصلاً بالتجارة والاقتصاد.

يسعى الحفيد سعيد بن زقر إلى مواصلة إرث عائلته العريق في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية وفنلندا، والارتقاء بها إلى مستويات متقدمة في شتى المجالات. يقول بن زقر: «منذ تعييني في عام 2014، حرصت على تأسيس شركات وإيجاد فرص استثمارية في فنلندا، خصوصاً في مجالات تكنولوجيا الغذاء والوصفات الصناعية، إذ تتميز فنلندا بعقول هندسية من الطراز الأول، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة للتعاون والابتكار».

الحفيد سعيد بن زقر القنصل الفخري الحالي لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

ويرى القنصل الفخري لجمهورية فنلندا أن هناك انفتاحاً سعودياً ملحوظاً على دول شمال أوروبا، ومن بينها فنلندا، وأوضح قائلاً: «تتركز الجهود بشكل كبير على شركات التعدين الفنلندية التي تُعد من بين الأكثر تقدماً في العالم، إلى جانب وجود فرص واعدة لم تُستغل بعدُ في مجالات صناعة السيارات، والطائرات، والصناعات الدفاعية».

وفي ختام حديثه، أشار سعيد بن زقر إلى أن القنصل الفخري لا يتمتع بجواز دبلوماسي أو حصانة دبلوماسية، وإنما تُمنح له بطاقة تحمل مسمى «قنصل فخري» صادرة عن وزارة الخارجية، وبيّن أن هذه البطاقة تهدف إلى تسهيل أداء مهامه بما يتوافق مع لوائح وزارة الخارجية والأنظمة المعتمدة للقناصل الفخريين بشكل رسمي.