مشهد سياسي جديد في تونس بعد قائد السبسي

تحالفات تخلط الأوراق وتهدّد مصير «الزعماء»

مشهد سياسي جديد في تونس بعد قائد السبسي
TT

مشهد سياسي جديد في تونس بعد قائد السبسي

مشهد سياسي جديد في تونس بعد قائد السبسي

بعد وفاة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، أكد الرئيس المؤقت محمد الناصر ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس الهيئة العليا للانتخابات نبيل بافون، وكل زعماء الأحزاب والنقابات التونسية على استمرارية المسار الانتخابي والدولة التونسية ومؤسساتها، رغم التعديل الجزئي المرتقب في تواريخ الاقتراع العام. فكيف سيتطور المشهد السياسي التونسي بعد وفاة الرئيس قائد السبسي؟ وهل ستثبت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة للشعب التونسي ولدول المنطقة قابلية «الاستثناء الديمقراطي التونسي» على الصمود في واقع عربي ودولي متأزم أو العكس؟ وهل تقنع حرب ليبيا وأحداث الجزائر وبقية أزمات المنطقة ملايين الناخبين بالدفاع عن مسارهم السياسي السلمي والتوافقي، أم تنتقل إليهم عدوى العنف اللفظي والمادي الذي انتشر في كثير من دول المنطقة؟
تكشف المعطيات الأولية التي أعلنت عنها قيادات الأحزاب ورئاسة الهيئة العليا للانتخابات في تونس أن البلاد مقبلة على «فسيفساء سياسية جديدة» يرجح أن تزيد من خلط الأوراق وإرباك المشهد العام. وخلافاً لانتخابات 2011 و2014 حيث أثر «الاصطفاف الآيديولوجي» والموقف من «الإسلام السياسي» في سلوكيات غالبية الناخبين والشباب، يوشك المسار الانتخابي الحالي أن يفرز أقطاباً حسب أولويات جديدة، من بينها المشاريع الاقتصادية والاجتماعية.

تحذيرات من «المافيات»
ولقد شهدت الأسابيع القلية الماضية تصعيداً غير مسبوق في الاتهامات السياسية والعنف اللفظي بين معظم كبار الفاعلين السياسيين. وانخرط رسميون كبار وقياديون في الائتلاف الحكومي وفي حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد في التصعيد والتحذيرات من الدور السياسي لما يُوصَف بـ«المافيا» المالية وبعض «رموز الفساد وتبييض الأموال والتهرّب من الضرائب» و«العائلات التي تحتكر الثروات والنفوذ»، ومن محاولتها توجيه المشهد السياسي. وانخرط شباب مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» وغيره، في المعركة المحتدمة.
وفي هذا السياق، اعتبر محسن مرزوق، رئيس حزب «حركة مشروع تونس» والوزير المستشار السابق لرئاسة الجمهورية، أن «الشكل المافيوي للحكم أصبح واضحاً». وانتقد مرزوق، بالخصوص، رجل الأعمال البارز ورئيس حزب «قلب تونس» نبيل القروي، إذ اتهمه باستغلال قناته التلفزيونية «نسمة» لتصوير نفسه على أنه المدافع عن الفقراء والمهمّشين اجتماعياً والأعمال الخيرية... تمهيداً لدفع البلاد نحو «حكم المافيا» و«اليمين المتوحّش»، وفق زعمه.
كذلك انتقد مرزوق عدداً من المرشحين الذين اتهمهم بـ«الشعبوية» بعدما جعلتهم استطلاعات الرأي في المراتب العليا المتقدمة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، متقدمين على مرشحي الأحزاب الحاكمة والمعارضة الكبرى، كالمحامية عبير موسي زعيمه الحزب الحرّ الدستوري، والمرشح الحقوقي المستقل قيس سعيد. واستطرد مرزوق قائلاً: «إن وصول هؤلاء الشعبويين إلى الحكم سيقود البلاد إلى صراعات لا نهاية لها، وسيعني تسليم البلاد إلى مافيا المال السياسي والفساد».

مع الشاهد وضده
يُذكر أن المكتب السياسي الموسّع لحزب «تحيا تونس» الذي يتزعمه رئيس الحكومة يوسف الشاهد عقد اجتماعاً بحضور نحو 70 من كوادره، وأصدر بياناً في التوجّه نفسه. واتهم الحزب، بالمناسبة، مجدداً حافظ قائد السبسي، نجل رئيس الجمهورية الراحل، الباجي قائد السبسي، وعدداً من المقرّبين منه، بينهم رجل الأعمال القروي، بـ«الفساد، وبالتحضير لإبرام صفقة مالية سياسية تؤثر سلباً على الانتخابات، وعلى مصداقية المسار الديمقراطي التعددي في البلاد».
كذلك اعتبر البرلماني الصحبي بن فرج، القيادي في «تحيا تونس»، أن ملفات التنمية الشاملة والحرب على الفساد ستتصدّر الحملات الانتخابية، ومن ثم، اتهم نجل الرئيس بالتسبب في انشقاق غالبية الحزب الحاكم السابق (أي حزب «نداء تونس»)، لأسباب كثيرة، من بينها تحالفه مع من يزعم أنهم متهمون بـ«الفساد المالي»، مثل المرشح للرئاسة نبيل القروي، وشقيقه غازي. وهنا تجدر الإشارة، إلى أن الأخوين القروي كانا قد مثلا قبل أيام، مجدداً، أمام قاضي التحقيق في القضايا الاقتصادية، وجرى الاستماع إليهما لمدة ساعات، ووجه إليهما الادعاء القضائي التونسي للمرشح الرئاسي اتهامات، من بينها تبييض الأموال والتهرب من الضرائب.
وهنا نشير إلى أن الشاهد باشر قبل سنتين حملة ملاحقة ضد عدد من رجال الأعمال والسياسيين وُجهت إليهم تهم بالفساد والتهرّب الضريبي والتهريب والتآمر على آمن الدولة، بينهم شفيق جراية، هو أحد أبرز أصدقاء نبيل القروي، وبعض السياسيين ورجال الأعمال الليبيين، مثل عبد الحكيم بالحاج زعيم حزب «الوطن» في ليبيا وصاحب قناة «النبأ» الليبية.
وفي حينه، لقي فريق الشاهد دعماً سياسياً وإعلامياً من قبل تيار من المعارضة والحقوقيين عند فتح ملفات الفساد، إلا أنه أصبح بدوره عرضة لاتهامات باعتماد «سياسة الكيل بمكيالين» وأيضاً التعامل بطريقة انتقائية مع المتهمين بالتهريب والتهرب الضريبي.
وفي كل الحالات، يرى مراقبون أن إعادة فتح هذه الملفات اليوم تعني أن الشاهد وأنصاره يلعبون في هذه الانتخابات بورقة محاربة الفساد والتهريب، ويدفعون الناخبين بين المفاضلة بين جبهة انتخابية مع الشاهد وأخرى ضدها، حسب الموقف من الحرب على الفساد.

حلفاء الشاهد من خارج حزبه
ورغم تعطيل المقربين من رئيس الجمهورية الراحل القانون الانتخابي الجديد، الذي يمنع رؤساء الجمعيات الخيرية والمتهمين بالفساد المالي من الترشح للرئاسة والبرلمان، فإنه كان مدخلاً لتشكيل تحالف سياسي حول الشاهد من داخل الائتلاف الحاكم والمعارضة وآخر ضده.
في هذا السياق، انخرطت قيادات حزب «حركة النهضة» وحزب «مشروع تونس» وحزب «التيار الديمقراطي» وبرلمانيون مستقلون في الجبهة القريبة للشاهد، التي تسعى لإقصاء مَن تصفهم بـ«رموز الفساد والاستبداد» من السباق نحو قصر الرئاسة في قرطاج، وأيضاً باتجاه البرلمان المقبل. ولقد دافع محمد عبو زعيم «التيار الديمقراطي» المعارض عن هذا الموقف الذي وصفه بـ«المبدئي»، دعماً للحرب على الفساد التي انخرط فيها رئيس الحكومة ومقربون منه. كما اتهم البرلماني المعارض غازي الشواشي بقوة رموز الجبهة المنافسة للشاهد التي يتزعمها راهناً حافظ قائد السبسي ونبيل القروي. وبرّر الشواشي موقفه بـ«إيمان حزبه بواجب إعطاء الأولوية لمطلب تحقيق الشفافية ومحاربة الفساد، عند انتخاب رئيس الدولة والبرلمان الجديدين».

تزايد تأثير «الشعبويين»
في المقابل، نفى أنصار الحزب الحر الدستوري، بزعامة عبير موسي، وحزب «قلب تونس»، بزعامة القروي والناشط الحقوقي المستقل قيس سعيد، وكذلك المرشح العروبي المثير للجدل الصافي سعيد عن أنفسهم الصبغة «الشعبوية». واعتبر هؤلاء أنهم «يدافعون عن الشعب وليس عن الشعبويين». بيد أن الوزير المستشار السابق محسن مرزوق عاد ليشن حملات عليهم في سلسلة من التصريحات أدلى بها إلى وسائل الإعلام التونسية. وطعن مرزوق في مصداقية بعض المثقفين وممثلي النخبة السياسية الذين ينحازون إلى مَن وصفهم بـ«المرشحين الشعبويين»، ويساندون وصولهم إلى الحكم «بحجة أن ذلك ضد يوسف الشاهد وحزبه وحركة النهضة أو الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم».
وتابع مرزوق قوله: «البعض اليوم مستعد لأي شيء لمجرد أنه يظن أن هذا يضرّ انتخابياً بيوسف الشاهد... وأنا لا أتفق مع الشاهد، ولا حركته، لكنني لا أقبل بهذا، لأنه يضرّ بمصلحة تونس أولاً».

مشاركة الوزراء والرسميين
وفي السياق ذاته، طالب عدد من السياسيين قيادات فريقي الحكم والمعارضة، مثل زهير المغزاوي، زعيم حزب «الشعب» المعارض، ورئيس الحكومة الشاهد، والوزراء الحاليين، بالاستقالة من مسؤولياتهم الحكومية إذا ما قرّروا الترشح للانتخابات المقبلة. كذلك طالب البرلماني والقيادي في حزب «حراك تونس - الإرادة» عماد الدايمي الوزراء والمحافظين وبقية كبار المسؤولين في الدولة «باحترام قاعدة حياد الإدارة» والانسحاب من وظائفهم إذا قرروا الترشح للانتخابات. ناهيك باعتبار الزعيم المعارض غازي الشواشي أن «من يرغب في الترشح عليه أن يترك منصبه، إذ لا يُعقل أن يترشح وزير للانتخابات... ونحن تطالب بالحياد التام في إدارتها». وأردف: «ما دفع بعض التونسيين إلى الشعبوية هو سلوك بعض المسؤولين وأداؤهم السيئ وتعمدهم الخلط بين الحكم والمشاركة في السباق الانتخابي والسياسي».

تأثير المال السياسي
من ناحية أخرى، تشكلت أخيراً جبهات سياسية انتخابية تتحكّم فيها بعض «اللوبيات» المالية والإعلامية والسياسية، في وقت بدأت تتضح فيه ملامح مشهد سياسي جديد يتحكم فيه أساساً أرباب المصالح والبراغماتيون والمتمردون على الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ نحو 9 سنوات، ولا سيما، بعد تراجع تأثير الزعامات الحزبية والآيديولوجية التي تعلن وفاءها لشعارات ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 و«الربيع العربي».
وفي هذا السياق العام، ثمة مَن يتساءل عن مصير الاستقطاب الثنائي الذي تعاني منه تونس منذ عشرات السنين بين ما يُسمى بجبهتي الحداثيين وأنصار الإسلام السياسي؟ وهل سيتوقف مسلسل الصراعات الآيديولوجية الحادة التي عاشتها تونس وكل محطاتها الانتخابية منذ أكثر من 60 سنة بين العلمانيين والإسلاميين؟
المهدي جمعة، رئيس الحكومة الأسبق وزعيم حزب «البديل»، يعتبر أن الناخبين التونسيين «سئموا الجدل الآيديولوجي العقيم، والمعارك بين الجبهات التقليدية التي تهمّش الملفات الاقتصادية والاجتماعية وتضخّم الخلافات حول المسائل العقائدية والتراثية والنظريات».
ويعتبر جمعة أن مرشحي حزبه في صدارة المتنافسين في الرئاسيات والانتخابات البرلمانية المقبلة، ويستدل على ذلك باحتلال مرشحيه المرتبة الثانية في الانتخابات البلدية الجزئية الرمزية التي نظمت قبل أسبوعين في بلدية باردو بالعاصمة، تونس، حيث مقر البرلمان وعدد من مؤسسات السيادة.

البراغماتية أولاً
وفي هذه الأثناء، أكد علي العريض، رئيس الحكومة الأسبق ونائب رئيس «حزب النهضة» على أولوية البرنامج الانتخابي لحزبه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وتابع قائلاً: «خطابنا لن يكون آيديولوجياً ولا مسانداً للإسلام السياسي، بل سيكون اقتصادياً اجتماعياً براغماتياً». وكان قد أكد التوجه نفسه رئيس «النهضة»، راشد الغنوشي، في كلمة خلال الندوة السنوية للتكنوقراط والكوادر الاقتصادية والإدارية للحزب.
إذ اعتبر الغنوشي أن الطبقة السياسية «نجحت خلال السنوات الماضية في صياغة دستور تقدمي وقوانين دعمت دولة المؤسسات والحريات العامة والفردية، وأصبحت الأولوية اليوم للمشاغل الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الشعبية والوسطى»... ومن وصفهم بـ«المستضعفين».
هذا، وتكشف تصريحات رئيس المكتب السياسي لـ«النهضة» نور الدين العرباوي، الذي سيرأس القائمة الانتخابية للحزب في محافظة القصرين الفقيرة أن «الوقت حان لوقف استنزاف الطاقات في المعارك الآيديولوجية والسياسوية، ولإعطاء الأولوية لمشاغل الشباب ومشاكله وللعمل المشترك خلال العملية الانتخابية وبعدها مع الأطراف التي تضع على رأس أولوياتها ملفات التنمية».
وإجمالاً، يبدو أن من أبرز المستفيدين من غياب الرئيس قائد السبسي، في قصر قرطاج وفي قيادة حزب «نداء تونس»، المنشقين عنه الذين التحقوا بحزب الشاهد «تحيا تونس» أو بحزب رئيس حكومة التكنوقراط في 2014، المهدي جمعة.
ولئن نوه قادة معظم الدول الغربية بالوقت القياسي لنقل السلطات سلمياً بعد ساعات من وفاة الرئيس قائد السبسي، فقد تبين أن تونس نجحت حقاً في بناء مؤسسات وقانون لعبة سياسية وانتخابية يحميه الدستور.

ورقة «التطبيع» مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا
> يعتقد كثيرون من صُناع القرار في تونس أن من بين ضمانات الاستقرار في المشهد السياسي الحالي في تونس ما لقيته الحكومات المتعقبة منذ «ثورة يناير» 2011، وأبرز الأحزاب العلمانية والإسلامية من دعم أميركي وأوروبي ودولي.
وفي ظل تمديد الحرب في ليبيا وتعقد الأوضاع في الجزائر، وفي عدد من الدول المغاربية والأفريقية التي تزايد فيها خطر الميليشيات المسلحة والعصابات الإرهابية، قامت باريس وروما وبرلين ولندن وواشنطن بخطوات جديدة في اتجاه تطبيع علاقاتها مع أبرز القيادات السياسية التونسية، بما في ذلك قيادة حزب «حركة النهضة» الذي استقبل وفق قيادي منه خلال الأسابيع الماضية في البرلمانات ووزارات الخارجية في الاتحاد الأوروبي.
وأعلم الرسميون والساسة الفرنسيون والألمان والإيطاليون قيادة «النهضة» أنهم يراهنون على أن تلعب دوراً في تهدئة الأوضاع في ليبيا، وفي إقناع ساستها المحسوبين على التيار الإسلامي بتطبيع علاقاتهم مع الدول الغربية، وبوقف كل أشكال التعامل مع الميليشيات المتهمة بالإرهاب.

من هم أبرز زعماء الكتل السياسية والانتخابية؟
> يوسف الشاهد: رئيس الحكومة منذ سنتين ونصف السنة، وهو سياسي شاب عمره 43 سنة. كان مقرباً جداً من الباجي قائد السبسي، إلا أنه تمرَّد عليه قبل سنة وأسس حزب «تحيا تونس»، واعتمد خاصة على المنشقين عن حزب «النداء»، بسبب خلافاته مع أفراد من عائلة الرئيس، خصوصاً مع نجله حافظ.
> سليم العزابي: الأمين العام لحزب «تحيا تونس» الذي يرأسه يوسف الشاهد. سياسي شاب في الـ42 من العمر. كان كاتباً عاماً للرئاسة، ثم وزيراً مديراً لمكتب الرئيس، لكنه انشق بدوره عن السبسي بسبب خلافات مع نجله وأفراد عائلته الذين اتهموا بكثرة التدخل في شؤون المال والحكم.
> راشد الغنّوشي: رئيس حزب «حركة النهضة» الإسلامي منذ تأسيسه قبل نحو 50 سنة تحت تسمية «الجماعة الإسلامية» عام 1972، ثم «حركة الاتجاه الإسلامي» عام 1981، وصولاً إلى التسمية الحالية منذ 1989. أعلن أنه سيترشح لعضوية البرلمان وقد يترشح لرئاسته إذا فاز «حركة النهضة» وحلفاؤه بالغالبية.
> محمد عبو: زعيم حزب «التيار الديمقراطي» (يسار الوسط) المعارض، وهو حقوقي شاب كان قيادياً في حزب «المؤتمر» (يسار الوسط) بزعامة الرئيس السابق الدكتور المنصف المرزوقي ودخل حكومة «الترويكا» عام 2012. لكنه سرعان ما استقال منها بعد أن اتهمها بالتسامح مع المتورّطين بالفساد والاستبداد.
> الدكتور منصف المرزوقي: الرئيس السابق للجمهورية ولحزب «الحراك» (يسار الوسط) المعارض. طبيب ومثقف كان في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي رئيساً للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وناشطاً سياسياً معارضاً. أعلن أخيراً عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة بالتحالف مع رئيس الحكومة الأسبق حمّادي الجبالي (حركة النهضة) وعدد من الحقوقيين السابقين، بينهم المحامي عبد الرؤوف العيادي الأمين العام لحركة «وفاء». ويحاول المرزوقي والجبالي والعيادي وأنصارهم تزعم السياسيين والناخبين المعارضين لمنظومة الحكم الحالية، والمتمسكين بشعار تغيير كامل الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ 5 سنوات.
> عبير موسي: محامية مناوئة للتيار الإسلامي، كانت أمينة عامة مساعدة للحزب الحاكم قبل «ثورة يناير» 2011. تميّزت عبير موسي منذ مطلع 2011 بمعارضتها القوية للذين اتهمتهم بـ«الانقلاب» على بن علي. وأصبحت منذ سنتين زعيمة للحزب الدستوري، الذي وضع على رأس أولوياته تكوين جبهة معادية لـ«حركة النهضة» ولمَن تصفهم بقوى «الإسلام السياسي». ولقد رجّحت استطلاعات الرأي فوز موسي وحزبها بما لا يقل عن 10 في المائة من الأصوات في الانتخابات.
> نبيل القروي: رجل إعلام وأعمال وصاحب قناة «نسمة» الخاصة التي أسسها مع رجال أعمال من أوروبا والعالم العربي، بينهم رئيس الحكومة الإيطالية السابق سيلفيو برلسكوني، ورجل الأعمال المصري نجيب ساويرس. أعلن قبل أسابيع عن تأسيس حزب «قلب تونس»، ونيته الترشح، قائلاً إن حزبه سيخوض التنافس في كل الدوائر الانتخابية.
تعطيه استطلاعات الرأي المرتبة الأولى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية رغم الملاحقات القضائية التي تستهدفه مع شركاته بتهم كثيرة، منها تبييض الأموال والتهرّب من الضرائب.
> حمّة الهمّامي: الأمين العام لحزب العمال الشيوعي ورئيس «الجبهة الشعبية» اليسارية التي فازت في انتخابات 2014 بـ15 مقعداً. ترشّح الهمامي في الانتخابات الرئاسية الماضية وحلّ في المرتبة الرابعة، غير أن الانقسامات والانشقاقات داخل تحالفه الانتخابي السياسي «الجبهة الشعبية» استفحلت، وتطوّرت إلى معارك قانونية وسياسية علنية، ما قد يُضعف من حظوظها وحظوظ زعيمها في الانتخابات المقبلة.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.