الهجرة الأميركية اللاتينية تحدٍ مزدوج لواشنطن ومكسيكو سيتي

«جدار الفصل» والرسوم الجمركية على خلفية سياسات اليمين واليسار

الهجرة الأميركية اللاتينية تحدٍ مزدوج لواشنطن ومكسيكو سيتي
TT

الهجرة الأميركية اللاتينية تحدٍ مزدوج لواشنطن ومكسيكو سيتي

الهجرة الأميركية اللاتينية تحدٍ مزدوج لواشنطن ومكسيكو سيتي

في التاسع عشر من يونيو (حزيران) الماضي، وقف كيفن ماكلينان، رئيس قسم الهجرة في وزارة الأمن القومي بالولايات المتحدة، أمام لجنة الرقابة والإصلاح التي تعد أهم لجان التحقيق والمساءلة في الكونغرس الأميركي، ليستمع إلى رئيس اللجنة الديمقراطي إليجا كامينغز وهو يؤنبه على التقصير في معاملة المهاجرين غير الشرعيين «المتكدسين كالماشية» في مراكز الاعتقال على الحدود مع المكسيك، ويفتقرون إلى أدنى الخدمات الإنسانية والعناية الصحية.
كامينغز قال يومذاك في تأنيبه: «... ماذا يعني أنكم تقومون بما في وسعكم والعالم بأسره يشاهد صور الأطفال ينامون على برازهم؟! كيف يمكن أن نقبل بذلك؟! ألهذا الحد قد وصلنا؟! سئمت سماع مثل هذا الكلام الفارغ... هذه لم تعد مسألة هجرة فحسب، بل باتت قضية عنصرية!».
كان ذلك مؤشراً آخر على مدى الخطورة التي بلغتها أزمة الهجرة في الولايات المتحدة، وعمق تداعياتها الاجتماعية في إحدى أكثر المراحل السياسية اضطراباً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
عندما بدأ دونالد ترمب مسيرته الحافلة بالمفاجآت إلى سدّة الرئاسة الأميركية في عام 2016، كان فريقه الاستراتيجي، الذي أسسه وأشرف عليه ستيف بانون، قد حدد له مجموعة من الأهداف ليصوب إليها سهام حملته الانتخابية الهجومية، ويعلن قائمة طويلة من الوعود. تلك الوعود بدت عرقوبيّة في حينه، لما كانت تحمله من خروج عن المألوف ومجازفة في تحقيقها، غير أنه تبيّن فيما بعد أنها تشكل الركائز الأساسية لسياسته التي قلبت معظم الموازين والأعراف السائدة، وأحرجت حلفاء الولايات المتحدة وأصدقاءها أكثر من خصومها وأعدائها.
المكسيك، «الجارة الجنوبية» اللدود، كانت على رأس قائمة العناوين التي بنى عليها ترمب حملة أدهشت كثيرين بما حملته من تهديد ووعيد للمهاجرين والأقليات في بلد تأسس عليهم، وتشكلت منهم هويته.
بما يخص المكسيك، أعلن ترمب اعتزامه بناء «جدار فصل» على طول الحدود الجنوبية لأميركا، والإصرار على أن تتحمل المكسيك تكلفته، كما تعهد بطرد المهاجرين المقيمين بصورة غير شرعية في الولايات المتحدة، وخفض المساعدات الاجتماعية للوافدين، وتشديد إجراءات الدخول وشروط طلب اللجوء إلى الأراضي الأميركية.

«الجدار» مع المكسيك
وبعد وصول ترمب إلى البيت الأبيض، وتأكيده على أن الوعود الانتخابية ما كانت مجرد شعارات جذابة لاستقطاب التأييد الشعبي، بل هي عناوين رئيسة للسياسة التي يعتزم تطبيقها، كانت المكسيك تعد لانتخاب أول رئيس يساري في تاريخها الحديث، وهو الرئيس مانويل لوبيز أوبرادور. وبينما كانت المكسيك تتهيأ للاتجاه يساراً، كانت واشنطن تتوقع أن رياحاً جديدة ستهب عليها من حدودها الجنوبية التي تمتد على أكثر من 3 آلاف كيلومتر، وتتجهز للتحرك في الوقت المناسب من أجل ضبط الإيقاع مع «جارتها» التي قال رئيسها في أحد مهرجاناته الانتخابية عن العلاقة مع الولايات المتحدة: «سنعلمهم من الآن كيف يتعاملون معنا باحترام وندية».
الفريق الاستراتيجي الذي كان يحيط بـ«المرشح» ترمب كان يدرك أن موضوع الهجرة، وبالذات موضوع المهاجرين من أميركا اللاتينية، غدا قنبلة موقوتة بالنسبة للحريصين على «النقاء العرقي» للولايات المتحدة... الذين يشكلون القاعدة الانتخابية التي أوصلت ترمب إلى البيت الأبيض. وكان هذا الفريق يعرف أيضاً، من الاستطلاعات والدراسات الاجتماعية، أن نسبة عالية من المهاجرين الذين يقيمون بصورة شرعية في الولايات المتحدة، ومن المتحدرين حديثاً من أصول أجنبية، يؤيدون سياسة أكثر تشدداً في إجراءات اللجوء والهجرة. ومن هنا كان الإصرار على جعل موضوع «الجدار» أحد العناوين الرئيسية لحملة ترمب، ثم محوراً أساسياً في حربه الداخلية مع خصومه الديمقراطيين، قبل أن «يكتشف» سلاح القصف الضريبي الذي صار أداته المفضلة لتحقيق أهدافه في السياسة الخارجية.

الحاجة المكسيكية بالأرقام
يوم 5 يونيو (حزيران) الفائت، وبعدما تيقن الرئيس الأميركي من استحالة تنفيذ وعده ببناء «الجدار» على الحدود مع المكسيك بسبب المعارضة الشديدة للديمقراطيين الذين صاروا يسيطرون على مجلس النواب، أعلن أنه سيبدأ بفرض رسوم جمركية تصاعدية على الواردات المكسيكية، ما لم تبادر المكسيك إلى اتخاذ التدابير اللازمة لوقف تدفق المهاجرين الآتين من دول أميركا الوسطى عبر أراضيها إلى الولايات المتحدة.
لم يترك إعلان ترمب المفاجئ أي مجال للمناورة أو الرد بالمثل أمام المكسيك التي تعرف جيداً أن أرقام العلاقة مع «جارتها» الكبيرة تجعل من الولايات المتحدة قدراً محتوماً لا بد من التعايش مع مقتضياته، والتكيف مع مزاجيته وشروطه. فالمكسيك هي الدولة المصدرة التاسعة في العالم، بقيمة إجمالية قدرها 418 مليار دولار أميركي سنوياً، منها 307 مليارات إلى الولايات المتحدة. وهذا يعني أن ثلاثة أرباع الدم الذي يجري في عروق الاقتصاد المكسيكي مصدره السوق الأميركية التي تأتي منها أيضاً تحويلات مالية صافية لعائلات المهاجرين تعادل 11 في المائة من إجمالي الناتج القومي المكسيكي، ناهيك عن أن مفاتيح الاستثمارات الأجنبية التي تحتاج إليها المكسيك موجود معظمها في واشنطن.
وهكذا، انحنت الحكومة المكسيكية أمام «العاصفة»، وسارعت إلى إرسال وفد للتفاوض مع الإدارة الأميركية، قبِل بمعظم شروطها لوقف تنفيذ إجراءات فرض الرسوم الجمركية التصاعدية على الصادرات المكسيكية. وكان الشرط الأميركي الوحيد الذي أصرت المكسيك على رفضه اعتبارها «دولة ثالثة آمنة» يفترض بها، بموجب الاتفاقية العالمية للهجرة، أن تستقبل المهاجرين الذين تُرفض طلبات لجوئهم إلى الولايات المتحدة. لكن الشروط الأخرى التي فرضتها واشنطن، مثل عدم البت بطلبات اللجوء إلا في الحالات التي تكون هذه الطلبات قد رُفضت في دولة أخرى، يجعل من المكسيك عملياً «دولة آمنة» يفترض بها أن توفر للمهاجرين العابرين، أو المرحلين من وراء الحدود، فرص العمل والتعليم والعناية الصحية... ريثما تبت الأجهزة الأميركية بطلباتهم. كذلك يتوجب على المكسيك أن تتدبر أمر الذين ترفض السلطات الأميركية دخولهم إلى أراضيها.

مخاوف مكسيكية حقيقية
في الواقع، تحذر أوساط سياسية في المكسيك من أن القبول بكل الشروط التي فرضتها واشنطن، والتي يمكن أن تضاف إليها شروط أخرى في حال العودة إلى طاولة المفاوضات إذا فشلت التدابير الأولى في الحد من تدفق المهاجرين بعد 90 يوماً كما يلحظ الاتفاق، من شأنه أن يحقق الحلم الذي يراود الحكومات الأميركية منذ عقود بتحويل المكسيك، رغماً عنها، إلى «بلد مستضيف للمهاجرين» من البلدان المجاورة. وللعلم، تتوقع المنظمات الدولية أن ترتفع أعدادهم بشكل كبير خلال السنوات المقبلة.
وكانت الحكومة المكسيكية قد أعلنت في مايو (أيار) الماضي عن خطة للتنمية المتكاملة في أميركا الوسطى، بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة في أميركا اللاتينية، بهدف التشجيع على الاستثمار في مشاريع لمكافحة البطالة، ومعالجة أسباب الهجرة في بلدان المصدر، مثل غواتيمالا وهندوراس والسلفادور. ولقد تعهدت الولايات المتحدة بالمساهمة في تمويل هذه الخطة التي تبلغ تكاليفها 11 مليار دولار على مدى 5 سنوات، وتشارك المكسيك في تمويل ثلثها لتنفيذ مشاريع في المناطق الحدودية مع هذه البلدان. وتشمل هذه الخطة إنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، وتوسيع شبكات توزيع الطاقة في المنطقة، وبناء شبكة جديدة للطرقات السريعة، ومد خطوط أنابيب لنقل الغاز من خليج المكسيك إلى المنطقة الصناعية في هندوراس، وكلها مشاريع ينتظر أن توفّر عشرات آلاف فرص العمل خلال فترة تنفيذها، ونحو 7 آلاف فرصة عمل دائمة في المرحلة التالية.
وراهناً، تحاول الحكومة المكسيكية إقناع واشنطن بضرورة الإسراع في تنفيذ هذه الخطة التي قال عنها الرئيس المكسيكي لوبيز أوبرادور إنها «السبيل الحضاري الوحيد لمعالجة هذه الأزمة من جذورها، قبل أن تتفاقم وتنفجر في وجوهنا جميعاً».
وكانت المكسيك قد سارعت حقاً، بعد تهديدات واشنطن، بنشر آلاف الجنود من «الحرس الوطني» على حدودها الشرقية مع غواتيمالا، لمنع تدفق المهاجرين الذين كانوا يعبرون أراضيها في قوافل بشرية طويلة باتجاه الولايات المتحدة. كما تعرضت المكسيك لانتقادات شديدة من منظمات دولية تدافع عن المهاجرين وعن حقوق الإنسان بسبب «العسكرة المُفرطة» لحدودها، وتجريم العابرين لأراضيها، عوضاً عن اتخاذ إجراءات لمعالجة أسباب الهجرة في «مثلث الشمال» الذي يسوده العنف والبؤس والفقر. وتحذر المنظمات الدولية من تحول هذا «المثلث» إلى بركان اجتماعي قد ينفجر في أي لحظة، بينما تجهد المنطقة بصعوبة فائقة لمواجهة أزمة النزوح الكثيفة من فنزويلا.

وتيرة هجرة... وتهم
وما يستحق الإشارة أن وكالة الجمارك وحماية الحدود في الولايات المتحدة كانت قد أفادت بأنها أوقفت 133 ألف مهاجر دخلوا الأراضي الأميركية عبر الحدود المكسيكية في شهر مايو (أيار) الماضي وحده، أي بزيادة 32 في المائة عن الشهر السابق. وأفادت السلطات المكسيكية من ناحيتها بأنها أوقفت 45 ألف مهاجر وأعادتهم إلى بلدانهم.
وبالمناسبة، كانت الإدارة الأميركية قد احتجت بقوة على ما سمته سياسة «الأبواب المفتوحة» التي أعلنها الرئيس المكسيكي اليساري بعد تسلمه مهامه مطلع هذا العام، والتي كانت - في رأي واشنطن - من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تزايد تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة. ولقد رصدت الأجهزة الأميركية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، إضافة إلى المهاجرين من أميركا الوسطى، أعداداً كبيرة من المهاجرين وصلوا من الكاميرون والكونغو والهند وبنغلاديش وكوبا وهاييتي. وأيضاً لاحظت هذه الأجهزة أن عدد الأطفال بين المهاجرين قد ازداد بنسبة 81 في المائة، وازداد عدد النساء بنسبة 88 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الفائت.
ولكن يوم الأحد الماضي، تنفست الحكومة المكسيكية الصعداء بعد التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في نهاية المباحثات التي أجراها مع نظيره المكسيكي مارسيلو إيبرارد في مكسيكو، حيث قال بومبيو: «بعد 45 يوماً على توقيع الاتفاق بين الحكومتين الأميركية والمكسيكية للحد من التدفق الكثيف للمهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود المشتركة باتجاه الولايات المتحدة، سجلت أجهزة المراقبة تراجعاً في عدد المهاجرين بنسبة 29 في المائة، مما يدل على أن السلطات المكسيكية قد قامت بخطوات مهمة لتنفيذ الاتفاق».

تحدي الاستقرار الداخلي
ومن جهته، أكد الوزير المكسيكي أن بلاده ترفض مبدأ اعتبارها «دولة ثالثة آمنة»، بالمفهوم المتداول في عالم الهجرة، وأردف أنها ستواصل تطبيق سياسة اللجوء التقليدية، بغض النظر عن القواعد الجديدة التي ينص عليها الاتفاق الموقع مع الولايات المتحدة. لكن من الواضح أن المكسيك تواجه صعوبة كبيرة في تطبيق هذه السياسة، بعدما تضاعف عدد الذين يطلبون اللجوء إلى أراضيها ثلاث مرات في أقل من شهرين، وفي ظل الإجراءات التقشفية الصارمة التي فرضها الرئيس لوبيز أوبرادور لخفض العجز الكبير الذي تعاني منه الخزينة المكسيكية. ويخشى مراقبون حالياً أن تتحول أزمة المهاجرين من أميركا الوسطى نحو الولايات المتحدة إلى أزمة اجتماعية أخرى متفجرة في المكسيك، خصوصاً أن المهاجرين الذين يدخلون عبر الحدود مع غواتيمالا ينتظرون فترات طويلة في الولايات المتاخمة (أقصى جنوب شرقي البلاد)، وهي أفقر الولايات في المكسيك وأكثرها عنفاً، مثل ولاية تشياباس، قبل أن تبت السلطات في طلباتهم.
ومن جهة أخرى، تبدو حكومات غواتيمالا وهندوراس والسلفادور عاجزة عن إدارة هذه الأزمة بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة فيها، وانتشار العنف الذي يدفع بعائلات كاملة إلى الهجرة، سعياً وراء الأمان وسراب الحياة الأفضل. أما في الولايات المتحدة، فبات من المؤكد أن الهجرة ستكون أحد المحاور الرئيسية، بل الرحى التي ستدور حولها حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما يواصل الرئيس دونالد ترمب رشّ الملح على الجرح العرقي الذي يكتشف الأميركيون من فترة لأخرى أنه لم يندمل بعد.

فسيفساء المجتمع الأميركي... وتعداد المهاجرين
> مجتمع الولايات المتحدة من أكثر المجتمعات تمازجاً على الصعيد العرقي في العالم، والهجرة التي تُعتبر من سماته الأساسية كانت مثار جدل في مراحل عدة من تاريخه.
في عام 1870، كانت نسبة المهاجرين 9 في المائة في المجتمع الأميركي، وبلغت 15 في المائة في عام 1910. وعندما قررت الحكومة وضع حدود قصوى لعدد المهاجرين من بلدان معينة، تراجع العدد إلى 4 في المائة في عام 1970. لكن في أواسط ثمانينات القرن الماضي، أصدرت الحكومة الأميركية عفواً عاماً عن كل المقيمين بصورة غير شرعية، وأصدرت قانوناً يسمح بلم شمل العائلات، فعاد العدد للارتفاع إلى 14 في المائة في عام 2017.
جدير بالذكر أنه في عام 1950، كانت نسبة المتحدرين من أصول أميركية لاتينية 1 في المائة من مجموع سكان الولايات المتحدة، لكنه ارتفع إلى 10 في المائة في عام 1995، ليصل إلى 14.6 في المائة العام الماضي. ومن المتوقّع أن تبلغ هذه النسبة 24.5 في المائة في عام 2050، في حين تقدر بعض الجهات أنها قد تصل إلى 30 في المائة.
في المقابل، في عام 1910، كان الأوروبيون يشكلون 90 في المائة من المهاجرين الذين يصلون إلى الولايات المتحدة. أما اليوم، فإن نسبتهم لا تتجاوز 10 في المائة. وبتفصيل أكثر، ففي القرن الماضي كانت الغالبية الساحقة من المهاجرين تأتي من أوروبا، موزعة على الشكل التالي: 19 في المائة من ألمانيا، 12.5 من النمسا والمجر، و12 في المائة من روسيا، و10 في المائة من آيرلندا، و10 في المائة من إيطاليا، و9 في المائة من كندا، و9 في المائة من بريطانيا، و9.3 من البلدان الاسكندنافية. أما اليوم، فإن غالبية المهاجرين تأتي من دول أميركا اللاتينية وآسيا.
ونشير إلى أنه في عام 1910، كانت نسبة المكسيكيين بين الأجانب المقيمين بصورة شرعية في الولايات المتحدة لا تتجاوز 2 في المائة، أما اليوم فقد بلغت نسبتهم 27 في المائة.
وعلى صعيد التوزع داخل البلاد، فإن معظم الولايات الكبرى يزيد عدد الأميركيين اللاتينيين بين سكانها على 20 في المائة، وقد أصبحوا يشكلون ما لا يقل عن 5 في المائة في ولايات الجنوب الشرقي التي نادراً ما كانت تصل إليها موجات المهاجرين في الماضي.
كذلك تفيد الإحصاءات الأميركية الرسمية بأن عدد المهاجرين الذين يصلون اليوم إلى الولايات المتحدة هو نصف عدد الذين كانوا يصلون مطالع القرن الماضي، لكن عدد المقيمين الذين ولدوا في الخارج ما زال كما هو، وذلك لأسباب عدة، من بينها تدني نسبة الإنجاب عند المولودين في الولايات المتحدة. ثم إن أكثر من 700 ألف أجنبي يحصلون كل عام على الجنسية الأميركية، بينما يقدر عدد الذين يقيمون بصورة غير شرعية في الولايات المتحدة حالياً بـ11 مليون نسمة.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»