أليكس ساموند «القلب الشجاع».. {مفكك} المملكة المتحدة؟

في «القلب الشجاع»، يجسد الممثل ميل غيبسون الدور الرئيس للبطل القومي الاسكوتلندي الأسطوري ويليام واليس، المقاتل الشرس الذي انتصر على الملك إدوارد الأول في معركة تعود للقرن الرابع عشر، رغم الفرق الشاسع في عدد المقاتلين بين الإنجليز والاسكوتلنديين.
واليس.. شخصية مهمة في التاريخ الاسكوتلندي وفي العلاقة التي يشوبها الكثير من التنافس والاحتكاك بين إنجلترا واسكوتلندا، رغم أن الاتحاد بينهما، الذي يعود لعام 1707. قائم بمحض إرادة الطرفين دون سيطرة أي منهما على الآخر. لكن اختيار أليكس ساموند، رئيس وزراء إقليم اسكوتلندا، عام 2014 للاستفتاء على انفصال اسكوتلندا لم يكن بمحض الصدفة، إنها الذكرى الـ700 لمعركة بانوكبيرن؛ وهي المعركة التي انتصر فيها الاسكوتلنديون على الإنجليز، وبنتيجتها انفصلت اسكوتلندا عن إنجلترا. الاعتقاد السائد أن زعيم الحزب الوطني الاسكوتلندي، أليكس ساموند، أراد من هذا التاريخ تأجيج الشعور القومي ضد إنجلترا ولندن.
وقال ساموند في تقديمه للكتاب الأبيض، الذي يوضح الخطوط العريضة لآلية الاستفتاء وكذلك يجيب في 650 صفحة عن أسئلة تحدد رؤية الحزب الحاكم لاسكوتلندا المستقلة، لدى إطلاق الخطة في غلاسكو: «الاستقلال ليس غاية في حد ذاته، ولكنه وسيلة لتغيير اسكوتلندا إلى الأفضل». ساموند حريص جدا في تصريحاته على عدم إظهار أي توجهات قومية شوفينية في حملته الانفصالية، ولم يتطرق إلى الهجرة - الموضوع الذي فرض نفسه في السنوات الأخيرة على الأجندات السياسية لمعظم الأحزاب البريطانية. على العكس من ذلك، فقد تصدر الكثير من الوجوه الآسيوية الشهيرة في الحياة الثقافية ببريطانيا حملة الانفصال، مثل الكوميدي هارديب سينغ كولي، الذي ينحدر من أصول هندية ويعتمر دائما غطاء الرأس الذي يرتديه السيخ على رؤوسهم. كولي مثل في يوليو (تموز) الماضي حملة «نعم» في المناظرة التي نظمت في الحي المالي بلندن حول الاستفتاء، وكان الوجه الآسيوي الوحيد على المنصة بين المشتركين. هذا ما يريده ساموند، في رسالته لجمهور الناخبين، بأن الانفصال ليس كما يعتقد البعض، هو تثبيت الهوية القومية لاسكوتلندا، وإنما المصلحة العامة للجميع، بما في ذلك الأقليات التي تعيش في هذا البلد الذي يعاني نقصا في عدد السكان.
لم يختر أليكس ساموند، هذا السياسي المحنك، إطلاق حملة الاستقلال من العاصمة أدنبره. اختار مكانا يتمتع بوجود كثيف لأبناء الطبقة العاملة الاسكوتلندية؛ أي غلاسكو، أكبر مدينة في اسكوتلندا والثالثة في بريطانيا، وتمتع بكثافة سكانية عالية. وقال في تقديمه للكتاب الأبيض عندما اتفق مع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون على تحديد موعد الاستفتاء دستوريا: «هذا الدليل يحتوي على سياسات تعد ثورة في التوظيف والسياسة الاجتماعية لاسكوتلندا ورعاية الأطفال».
وتتمتع اسكوتلندا حاليا بحكم ذاتي ولها برلمان، وحكومة محلية تدير شؤون الصحة والتعليم والنظام القضائي، لكن لندن تتحكم في المجالات الأخرى، مثل الضرائب والدفاع والشؤون الخارجية والأمن القومي. لكن ساموند - الذي درس الاقتصاد وتاريخ العصور الوسطى في جامعة سانت أندروز المرموقة، التي تخرج فيها الأمير ويليام وزوجته دوقة كمبردج كيت ميدلتون وتعد بمثابة جامعة أكسفورد الاسكوتلندية - يريد أكثر من هذا. يريد اسكوتلندا مستقلة بالكامل، تدير شؤونها بنفسها وتوزع ثروتها من عائدات البترول والقطاع المالي الضخم والثروة السمكية وغيرها. إلا أن البرامج السياسية للأحزاب السياسية الرئيسة، أي أحزاب الحكومة المركزية في ويستمنستر، أي المحافظين والديمقراطيين الأحرار وحتى حزب العمال، الذي كان أليكس ساموند قريبا منه في بداية حياته أيام الدراسة الجامعية، لا تمثل بالنسبة له مصالح أبناء الفئات العمالية والفقيرة من الاسكوتلنديين. ويقول ساموند إن اسكوتلندا تدار من قبل حزب محافظين لا يوجد له أعضاء في مجلس العموم يمثلون الدوائر الانتخابية الـ59 في اسكوتلندا (يوجد مقعد واحد يمثله مالكولم ريفكند وزير الخارجية البريطاني الأسبق). وحتى حزب العمال البريطاني الذي يتزعمه إد ميليباند، فقد خسر الكثير من مقاعده في الانتخابات البرلمانية في الحكومتين، المحلية والمركزية، لصالح الحزب الوطني الاسكوتلندي الذي يتزعمه أليكس ساموند.
حكومة توني بلير التي جاءت للسلطة عام 1997 وأعطت وعودا لاسكوتلندا وإقليم وويلز بتشكيل برلمانات محلية تدور شؤونها الداخلية، على أن تبقى قضايا السياسة الخارجية والدفاع والمالية والأمن القومي، في أيدي الحكومة المركزية في لندن. وكانت حكومة بلير تطمح إلى أن ذلك سيكون كافيا لها ويساعد الحكومة المركزية في الإدارة البيروقراطية للبلاد وينهي أي مطالب مستقبلية بخصوص الانفصال.
لكن حسابات ويستمنستر لم تكن دقيقة، كما قال قبل أيام السير جون ميجور، رئيس الوزراء البريطاني المحافظ الأسبق، في مقابلة مع الإذاعة الرابعة (راديو 4) لهيئة البث البريطاني «بي بي سي»، وفي مقال كتبه في صحيفة «التايمز». ويعتقد السير جون ميجور أن الحكومة العمالية التي تسلمت من بعده لم تتنازل فقط عن بعض السلطات للحكومة المحلية، التي كان هو يعارضها، لكنها وقعت في فخ الزعيم الاسكوتلندي ساموند و«الحزب الوطني»، الذي عندما تشكل البرلمان المحلي كان مجرد تجمع سياسي لا يتمتع بأي شعبية كبيرة، وكان يمثله فقط 3 أعضاء في البرلمان الجديد.
ويعتقد جون ميجور أن رئيس الوزراء المحافظ الحالي، ديفيد كاميرون، اقترف خطأ آخر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 عندما وقع على اتفاقية أدنبره التي حددت يوم 14 سبتمبر (أيلول) يوما للاستفتاء عندما أصر على أن يكون الاستفتاء بكلمة واحدة، إما «نعم» وإما «لا»، لا ثالث لهما، رغم أن أليكس ساموند قد طالب بأن يكون هناك خيار آخر وهو زيادة صلاحيات البرلمان المحلي دون انفصال كامل عن الاتحاد. وهذا ما رفضه كاميرون، لأنه كان متأكد من أن الاسكوتلنديين سيرفضون الانفصال، وبذلك ينتهي الحوار حول هذه القضية وللأبد.
جون ميجور عد ذلك خطأ دستوريا لأنه لم يثبت أي روابط واقية، ومن ثم أوصل بريطانيا إلى هذا الوضع الذي قد يؤدي إلى تفككها بالكامل، وأن ويلز وشمال آيرلندا وأجزاء أخرى من بريطانيا قد تطالب بالانفصال هي الأخرى عن الاتحاد. وكرر السير جون ميجور ما ردده بعض الخبراء الاستراتيجيين بأن انفصال اسكوتلندا يعني إضعاف موقف بريطانيا على الصعيد الدولي. وقال إن الانفصال سيضعف موقف بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي وفي علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وفي المحافل الدولية والأمم المتحدة. وأضاف: «أشعر بقلق شديد تجاه هذه التطورات. سنصبح أضعف بكثير كأمة على جميع الأصعدة - أخلاقيا وسياسيا وفي جميع القضايا المادية إذا انفصلت اسكوتلندا عن المملكة المتحدة»، مضيفا أن القدرات النووية الرادعة ستصبح غير فعالة. «أن يكون ذلك سببه الأعداء فهذه كارثة، لكن أن يكون سببه الأصدقاء فهذا شيء لا يمكن تصديقه».
وقال ميجور في المقابلة، إن «الاسكوتلنديين جيراننا وأصدقاؤنا ومن يخدمون في الجيش وهم أبناء الفئة السياسية الحاكمة في كل مؤسساتنا، وهؤلاء يصبحون بين ليلة وضحاها أجانب في بلدنا. الحزب الوطني الاسكوتلندي سينهي أنجح اتحاد في التاريخ، الذي دام أكثر من 300 سنة».
لكن بالنسبة لأليكس ساموند، فهذا بالضبط ما يريده وهذا برنامج حزبه الانتخابي، وهو إضافة إلى توزيع عادل لثروة البلاد، أو بشكل أدق تضييق الهوة في المداخيل بين الأغنياء والفقراء، وإنهاء أي وجود للأسلحة النووية في بلاده، إذ توجد قواعد الغواصات النووية البريطانية فيها، الذي يعدها المحلليون الاستراتيجيون صمام الأمان في مفهوم الردع والمكانة الدولية لبريطانيا العظمى. لكن ساموند يعد وجودها غير أخلاقي لأنها أسلحة دمار شامل وتهديد للبشرية. كما قال في مناسبات كثيرة إن أكثرية أبناء الشعب الاسكوتلندي عارضوا الحرب على العراق، وإن نسبة عالية من الشعب البريطاني عارضها وخرج ما يقارب المليونين في لندن بمظاهرة كانت الأكبر في تاريخ بريطانيا، إلا أن هذا، قال ساموند، لم يكن كافيا لإقناع الحكومة العمالية بقيادة توني بلير بالعدول عنها.
بالنسبة لساموند، فإن مسألة انفصال اسكوتلندا، وهذا ما ردده أحد مساعديه أول من أمس في برنامج وثائقي حول الاستقلال، ليست - كما يعتقد البعض - تثبيت الهوية القومية للشعب الاسكوتلندي، وإنما احترام الخيار الديمقراطي للناس الذين يحكمون من خلال سياسات لإدارات متعاقبة في ويستمنستر، عمالية كانت أو ومحافظة.
صعود أليكس ساموند للسلطة في برلمان هوليروود بالعاصمة الاسكوتلندية أدنبره كان مفاجئا على الساحة السياسية، وهذا بسبب أن الكثير من السياسيين يخطئون في تقييمه، كما يقول مايكل بورتيلو، وزير الدفاع الأسبق المحافظ، الذي حذر منه مرارا منذ أن أعلن موعد الاستفتاء. بورتيللو وصفه بأنه من أمكر السياسيين في بريطانيا، مضيفا أن بريطانيا قد تجد نفسها أمام قرارات مؤلمة من صنع أليكس ساموند.
ساموند، من مواليد لينليثغو في اسكوتلندا، ويكمل عامه الستين في 31 ديسمبر (كانون الأول)، متزوج بمويرا ساموند منذ 1981 التي عمل معها في الجهاز الإداري بوزارة اسكوتلندا وكانت مديرته وتكبره سنا بـ17 سنة. خلال عمله الجامعي، انضم ساموند عام 1973 إلى فيدرالية الطلبة الوطنيين في جامعة سانت وندروز. في تلك الفترة وحتى انتخابه عضوا في برلمان ويستمنستر وبرلمان اسكوتلندا فيما بعد، كانت آراؤه السياسية تصب معظمها في معسكر اليسار، وعلى يسار حسب العمال البريطاني، وبدأ يعتقد من بداية حياته السياسية وبسبب خلفيته الاقتصادية أن العوامل الاقتصادية تميل إلى مصلحة اسكوتلندا، وهذا سيشكل عصب الحوار الدائر حول قدراتها ككيان سياسي واقتصادي مستقل. إلا أن بعض منتقديه من اليمين واليسار يعدونه انتهازيا وأن مشروع الاستقلال أصبح مشروعه الشخصي. وفي الأيام الأخيرة، كان هناك اصطفاف للبنوك والشركات الكبيرة التي أظهرت، ليس فقط انحيازها إلى معسكر الذي ينادي بالحفاظ على الاتحاد، وإنما هددت بنقل مقراتها إلى لندن، وبذلك أثارت علامات استفهام حول وجهة نظر ساموند بخصوص المقومات الاقتصادية لاسكوتلندا المستقلة ووعوده بزيادة الوظائف في سوق العمل. أما الانتقادات التي أثيرت من قبل بعض اليساريين، مثل اليساري عضو البرلمان جورج غلاوي، فقد جاءت على خلفية العلاقات «الحميمة» التي يقيمها ساموند مع أشخاص مثل قطب الإعلام الأسترالي الأصل روبرت ميردوخ، وبعض الرأسماليين الأميركيين. وصرح أحد المقربين، الذي رافقه في تنقلاته في الحملات الانتخابية، لصحيفة «الإندبندنت»، قائلا بأن ساموند يتمتع بقدرات عالية جدا على تغيير خطابه ليتلاءم مع الحدث، مضيفا: «جميع السياسيين يسلكون هذا المسلك، لكن ساموند يعملها بالفطرة، ويعرف بالضبط ما يريد أن يسمعه جمهوره».