سينما لاتينية جديدة تتحدث عن مواطني القارة الأصليين

هل استلهمت من «روما» حوافزها؟

مشهد من «الموتى والآخرون»
مشهد من «الموتى والآخرون»
TT

سينما لاتينية جديدة تتحدث عن مواطني القارة الأصليين

مشهد من «الموتى والآخرون»
مشهد من «الموتى والآخرون»

قبل نحو عام كامل، فاجأنا المخرج ألفونسو كوارون بفيلمه «روما» الذي شهد عرضه الأول في مهرجان فينيسيا الماضي وتلا ذلك فوزه بذهبية ذلك المهرجان لينطلق بعد ذلك مستحوذاً على 3 أوسكارات وجائزتي غولدن غلوبس و4 بافتا البريطانية. هذا كله بالإضافة إلى 211 جائزة أخرى (صغيرة وكبيرة) حصدها حول العالم عدا 187 ترشيحاً لو فاز بها لأصبح عدد الجوائز التي استحوذ عليها 407 جوائز.
لكن «روما» لم يكن فيلم مذكرات شخصية بالكامل. المخرج المكسيكي لم يتناول فصول حياته وسيرة ذاتية تخصه وحده، بل سرد حكاية عايشها وهو صغير. والداخلون إلى فيلمه «روما» باعتقاد إنهم سيرون فيلماً «بيوغرافياً» لحياة ومراحل وأزمنة المخرج اكتشفوا أنهم يتابعون حياة خادمة البيت كليو (ياليتزا أباريثيو) بوضعها ضمن عائلته وفي فترة زمنية كان لا يزال فيها صبياً لا يتعدى الثالثة عشرة من العمر.
كون الخادمة من مواطني المكسيك الأصليين، جرى التقليد على تسميتهم وباقي مواطني القارة الأميركية بأسرها بـ«الهنود الحمر»، زاد من تميّز الفيلم. فكليو بدكانة لون بشرتها وبانتمائها إلى عنصر غير إسباني ثم بحقيقة انتمائها إلى طبقة اقتصادية سفلى في المجتمع حدد لنا معالم الوضع العام لما يتحدث عنه كوارون عندما يصوّر ما عانته الخادمة من أحداث عندما حبلت الخادمة من شاب هندي تركها لمصيرها. المشهد الذي نراها فيه تزوره في مخيم للتدريب على فنون القتال دال على محاولة المواطنين اتخاذ الرياضة وسيلة للدفاع عن النفس بقدر ما قد يكون سبيلاً لتأكيد الذات وهو لا يقل أهمية عن مشهدين لاحقين: المشهد الذي تلد فيه طفلها ميتاً والمشهد الذي تنقذ فيه شقيقة المخرج من الغرق بخوضها البحر الهائج وهي لا تعرف السباحة.
طعم ذاتي
منذ خروج هذا الفيلم للعرض في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي وهناك أفلام أخرى قادمة من أميركا اللاتينية تتحدث عن المواطنين الأصليين للبلاد في أفلام تحيط بالواقع المعاش وتنبش فيه. ليس أن السينما اللاتينية (من المكسيك إلى البيرو وتشيلي وكولومبيا وسواها) لم تتناول الموضوع في أفلام ظهرت قبل «روما»، لكن فيلم كوارون يتبدى، مع ازدياد عدد الأفلام التي تدور في رحى تلك البيئة، كما لو لعب دور الدافع الضمني لذلك.
«الموتى والآخرون» لرنيه نادر ميسورا هو أحد هذه الأفلام. شهد عرضه العالمي الأول في دورة مهرجان «كان» هذه السنة ونال جائزة خاصة من لجنة تحكيم مسابقة «نظرة ما». هو أيضاً من تلك الأفلام التي انتشرت في مهرجانات أخرى من بينها فيينا وريو ديجنيرو ومراكش ولندن. وهو إنتاج برازيلي- برتغالي تعمد فيه المخرجة إلى رصد حياة قبيلة كراهو من خلال دراما يقودها شاب تتراءى له أرواح أسلافه. حكيم القرية التي تقع في شمال البلاد يخبره بأن هذه الرؤى تؤكد أنه سيصبح رجلاً حكيماً مثله. لكن إيهياك لا يريد هذا الدور فينزح إلى المدينة لعله يجد حلاً علمياً لأوجاعه التي تصاحب رؤاه. يمر الفيلم هنا على منوال المقارنة بين الحياة في الغابة والشعور بطعم الاستقلال الذاتي في تلك الحياة (على صعوبتها) وبين تحوّله إلى لا أحد في مدينة كبيرة لا يعرف المواطنون البيض فيها كيفية كتابة اسمه في البيانات.
وهو فيلم من شقين يتغير فيهما أسلوب الروي لدى المخرجة من الرصد شبه التسجيلي إلى المعالجة الدرامية علماً بأنها لا تدعي أنها تقدم على تنفيذ عمل غير روائي على الإطلاق.
هذا الجهد لن يحظى، على الأغلب ورغم حسناته، بالنجاح الذي ينجزه حالياً «طيور الممر» لكرستينا غاليغو وسيرو غويرا. فيلم كولومبي (مع مساهمة مالية من الدنمارك وألمانيا) يعود بنا إلى السبعينات. مثل الفيلم السابق يبدأ بالإحاطة في الحياة التي تعيشها إحدى القبائل وبذلك يمهد لنقلنا إلى الحياة البديلة التي انتقلت إليها عندما اكتشفت أن التجارة بنبات الماريوانا سيرفع من دخلها.
لكن الثمن مرتفع في هذه الحالة. النمو الاقتصادي لتلك البيئة المهملة من كولومبيا يحدث سريعاً وعلى حساب تقاليد وعادات ومبادئ تقرر العائلة التي تقود القبيلة الانغمار فيها لتحصد في النهاية الموت ودمار الثروة بعد دمار الأنفس.
في الصدد نفسه يدخل «أغنية بلا اسم» لمخرجته مالينا ليون. فيلم من إنتاج البيرو وتشيلي مع مساهمة إسبانية تم كذلك عرضه في مهرجان «كان» إنما في إطار تظاهرة «نصف شهر المخرجين» المستقلة.
ذاكرة جمعية
«أغنية بلا اسم» (بالأبيض والأسود كحال فيلم «روما») هو الفيلم الأول لمخرجته استوحته من تحقيق صحافي اشتغل والدها إسماعيل عليه في الثمانينات. جيورجينا امرأة من مواطني البيرو الأصليين تعيش في إحدى الضواحي المعدمة للعاصمة ليما وتبيع البطاطا في سوق البلدة. هي حامل وتشعر باقتراب موعد الوضع وعندما تسمع إعلاناً إذاعياً لتلك العيادة في العاصمة تقرر الذهاب إليها منفردة وقد اقترب الوضع. تضع المخرجة الكاميرا على جانب وجه بطلتها وتصوّرها وهي تصرخ من آلام الولادة. المكان موحش وعبارة عن غرفة وضيعة مع سرير ضيق ومصباح «نيون» ينير ما تيسر من الغرفة. لكن في مشهد الولادة حيث تلتقط الكاميرا وجه والجزء الأعلى من جسد جيورجينا على ذلك السرير وإلى جانب ذلك الحائط هو أكثر دكانة. لا نرى أحداً آخر (فقط صوت الممرضة ثم للحظات صوت الطفل).
لا تتوقف جيورجينا عن طرق باب العيادة. تعود إليها وحيدة ثم تعود إليها مع زوجها لكن المكان أصبح شاغرا. حين تعلم أنها وقعت في خديعة تتجه إلى الشرطة التي تأخذ أقوالها وتضعها في ملف. جيورجينا مصرّة على أن يستمع إليها أحد. تريد طفلها بأي ثمن. تتجه إلى صحيفة يومية وتصرخ «لقد سرقوا طفلي». ينبري صحافي شاب (تومي باراغا) للتحقيق. يعود وإياها إلى موقع العيادة كما يعود منفرداً. يطرق الباب لكن لا جواب. يسأل ويحقق وتتشكل أمامه صورة لعملية منظمة تنفذها عصابة لديها من يحميها من المسؤولين.
إحدى حسنات الفيلم المتعددة هنا هي أن مخرجته لا تحوّل النص الذي كتبته إلى فيلم تشويقي بل تسيطر على تداعيات أحداثه على نحو يجنبه الانزلاق من شأن الألم الفردي والمعاناة الاجتماعية. بذلك فإن الكشف عن وجود عصابة منظمة لسرقة الأطفال يتضمن بذل الصحافي المخلص من ناحية وتعرضه لاحتمالات الخطر قتلاً إذا لم يتخل عن القضية.
إذا ما كان فيلم ألفونسو كوارون «روما» تناول أحداثاً رواها المخرج من معايشته وضعاً اجتماعياً خاصّاً بخادمة منزل والديه، فإن «أغنية بلا اسم» يغوص في وضع مشابه ولو أن الذاكرة هنا جمعية عوض أن تنتمي إلى فرد واحد.
بسهولة يمكن ضم هذه الأفلام إلى أعمال سابقة مثل «صديق لي» (إكوادور، 1994) و«شوكوياغو» (بوليفيا، 1976) و«صرخة الغابة» (بوليفيا، 2008). لكن تباعد تلك الأفلام وانحسار عروض معظمها في الصالات التجارية المحلية (سوق أميركا اللاتينية وإسبانيا) لم يسعفها تكوين الحافز لتشكيل تيار متواصل على عكس ما نشهده اليوم مع ورود أفلام كتلك التي ترد هنا.

عروض جديدة
White Snake(جيد)
* إخراج: أمب وونغ.‬
* النوع: رسوم
فيلم وونغ مبني على حكاية فولكلورية حول أفعى بيضاء تنقلب إلى امرأة جميلة حالما تتعرف على الرجل الذي تقع في حبه. الإنتاج تم مع شركة وورنر الأميركية وسجل 67 مليون دولار في عروضه الصينية حتى الآن.

The Bull (جيد)
* إخراج: بوريس أكوبوف
* النوع: دراما.
الفيلم الأول لمخرجه مُستخلص من ملفات الواقع حول خريج سجون سابق يقوم بالتخطيط لمواصلة حياة الجريمة اسمه أنطون مكنى بـ«الثور».
يسبر المخرج غور الموضوع إلى حد مقبول (من عروض مهرجان كارلوفي فاري).

Lying and Stealing (لم يُشاهد بعد)
• إخراج: ‪مات أسلتون‬
• النوع: تشويق بوليسي.
حكاية لص ماهر يعرف دخول المنازل وسلبها من المجوهرات ثم الخروج منها بكل مهارة.
تقع الأحداث في الزمن الحالي، لكن معالجة المخرج مستلهمة من أفلام الستينات. بطولة ثيو جيمس وفرد ميلامد



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.