سنوات السينما

فاروق الفيشاوي في «مشوار عمر»
فاروق الفيشاوي في «مشوار عمر»
TT

سنوات السينما

فاروق الفيشاوي في «مشوار عمر»
فاروق الفيشاوي في «مشوار عمر»

مشوار عمر
(1986)
على طريق سريع بلا اتجاه محدد
هذه الدراما الاجتماعية التي كتبها رؤوف توفيق وقام ببطولتها فاروق الفيشاوي مع مديحة كامل وممدوح عبد العليم مع أدوار مساندة لعثمان عبد المنعم وزهرة العلا وأحمد بدير، كانت الفيلم التاسع في سلسلة أعمال المخرج الراحل محمد خان وأفضل أفلامه إلى ذلك الحين.
تكمن في «مشوار عمر» خصائص نلحظها في أفلام خان السابقة واللاحقة. فعنوان الفيلم مرتبط باسم الشخصية التي تقود الأحداث كما حال «ضربة شمس» (نور الشريف في دور شاب اسمه شمس) و«أحلام هند وكاميليا» و«فارس المدينة» (حيث محمود حميدة يؤدي شخصية رجل اسمه فارس). كذلك فإن حكايته تلغي العقدة التقليدية وتستبدلها من خلال أحداث غير متوقعة مشغولة بمهارة وسلاسة المخرج وبراعته في رصف الأحداث واقعياً وبأسلوبه الخاص. يبقي خان الدلالات منضوية تحت سمة ما يقع ولا يبرزها لتقود ما يجعل الفيلم ثرياً ويمنحه سمات فنية أعلى منها فيما لو عمد المخرج إلى إيضاح المواقف أو تداولها علناً.
«مشوار عمر» هو فيلم طريق (Road Movie) بطله الشاب عمر (الفيشاوي)، ابن تاجر المجوهرات (محمد رضا) الذي بعثه في مهمّة لتسليم مجوهرات لتاجر في مدينة طنطا (في مطلع الفيلم يقدر الأب ثمنها بـ20 ألف جنيه، لكن لاحقاً يرتفع الرقم المتداول حولها إلى 40 ألف جنيه). يلغي المخرج الموسيقى (التي كانت وجع رأس في معظم أفلامه السابقة) ويعمد، على نحو طبيعي مناسب، لمحطة «مونتي كارلو» التي كانت آنذاك من أقوى المحطات الإذاعية الناطقة بالعربية.
هناك مرّة واحدة يستمع فيها عمر إلى محطة مصرية ما يعكس التغرب النفسي لبطله أو ربما هو التوق للحرية بعيداً عن التقليد وبحثاً عن متنفس غير نمطي. إذ ينطلق عمر خارجاً من مدينة القاهرة يلتقط راكباً صعيدياً (أحمد بدير) يحاول الوصول إلى بنها. يقود عمر السيارة في جنوح هاربا من شرطي يلاحقه بسبب سرعته. يفلت من المطاردة بولوج طريق زراعي. يطلب منه الراكب التوقف وإنزاله لشعوره بالقلق (على الأقل) من سرعته وجنونه. المشهد أكثر من تفعيله إذ يؤدي إلى المشاهد التالية ففي هذه الطرق الريفية المنبسطة سيفقد عمر اتجاهه. سيذهب في اتجاهات غير مجدية قبل أن ينفد الوقود من السيارة فيوقفها إلى جانب طريق زراعي آخر وينام ليلته في السيارة.
بعد ذلك، يطلب عمر المساعدة من الآخرين بعدما كان سيد مواقفه سابقاً. نراه يصعد شاحنة صغيرة تحمل عائلات وأطفالاً لإيصاله إلى محطة بنزين. وهناك يتعرّف على عمر آخر. عمر القروي (ممدوح عبد العليم) شاب بريء يحلم بعمل أفضل ويبدي كل استعداد لمساعدة عمر ابن المدينة. بعد حين وجيز سيقوم سائق الشاحنة (أحمد عبد الوارث) بسرقة سيارة عمر وما فيها ما سيضطر عمر وعمر قيادة الشاحنة الكبيرة بحثاً عن السارق ومعهما امرأة اسمها نجاح (مديحة كامل) كانت جاءت لزيارة أمها.
توليفة هذه الشخصيات رائعة. العلاقات التي يرسمها محمد خان في هذا الفيلم من أجمل وأعمق ما رسمته السينما المصرية. أبطال الفيلم الثلاثة نماذج متباينة: عمر ابن المدينة العابث وعمر ابن القرية البريء ونجاح ابنة الليل المدمّرة. التواصل بينها يتبخر سريعاً كاشفاً عن انقطاع هذه النماذج عن التواصل. كل يغني على ليلاه في وضع طارئ يكشف وجوهاً تحت أقنعة مختلفة. من ناحيته قدّم فاروق الفيشاوي هنا دوراً يميّزه عن معظم أدواره السابقة واللاحقة. دور ما زال من بين أفضل أداءاته إلى اليوم.



شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.