تجسيد الحارة المصرية في معرض «فرسان التشكيل»

يضم أعمالاً لـ6 فنانين شباب

الطبقة الكادحة في أعمال الفنان محمد التهامي
الطبقة الكادحة في أعمال الفنان محمد التهامي
TT

تجسيد الحارة المصرية في معرض «فرسان التشكيل»

الطبقة الكادحة في أعمال الفنان محمد التهامي
الطبقة الكادحة في أعمال الفنان محمد التهامي

في محاولة للبحث عن المبدعين الشباب الذين يعملون على تقديم فن يتماهى مع هويتهم وتاريخهم، ويعبر بوضوح عن واقعهم الراهن يحتفي «أتيليه العرب للثقافة والفنون... غاليري ضي» بالفائزين بجوائز مسابقة مهرجانه للشباب العربي، وذلك عبر إقامة معرض فني يضم مجموعة كبيرة من أعمالهم في التصوير والرسم والنحت والغرافيك تحت عنوان «فرسان ضي الثاني».
و«يهدف المهرجان إلى الوصول إلى المواهب العربية الحقيقية، لمنحها فرصتها الأولى وتقديمها إلى الساحة التشكيلية؛ لإثرائها، وإكسابها مزيداً من ملامح الفن الجميل»، بحسب ما يقول هشام قنديل رئيس مجلس إدارة الغاليري في حديثه إلى «الشرق الأوسط».
ويضيف: «إن ما يثبت نجاح فكرة المهرجان، ومسابقته أن فرسان نسخته الأولى، انطلقوا في المشهد التشكيلي، ومنهم من نال جائزة الدولة التشجيعية، ومنهم من أقام معرضه الفردي الأول، كما أن هناك أيضاً من نال جوائز أخرى رفيعة».
ونال جائزة مسابقة مهرجان الشباب العربي في نسخته الثانية، الفنانون: «عبد الرحمن العجوز، ومنى رفعت، وعمر سنادة، ودعاء عبد الواحد، ورواء الدجوي، ومحمد التهامي».
ويقدم المعرض الذي افتتحه الفنان القدير أحمد نوار رئيس قطاع الفنون التشكيلية الأسبق، السبت الماضي، أعمالاً لفنانين يستمدون مكوناتهم من عوامل اجتماعية وثقافية متعددة، ومزودة بقيم غنية وأصيلة، يعبرون عنها بمفردات جمالية وبصرية متميزة وبتكنيك فني جديد، مما يجعلهم قادرين على التأثير العميق في الحركة التشكيلية حاضرها ومستقبلها. وتقول منى رفعت رزق مدرس مساعد بكلية الفنون الجميلة قسم التصوير الزيتي والفائزة بالجائزة الكبرى بالمسابقة: «ما دفعني للمشاركة في المهرجان هو رغبتي في الوجود بقوة بالساحة الفنية بعد انشغالي لفترة طويلة في المسار الأكاديمي».
وتُعد مشاركة منى رفعت في معرض «فرسان ضي» بمثابة معرض مستقل يضم نحو 40 عملاً تحت عنوان «تكوينات»، وتتنوع فيه الموضوعات ما بين المناظر الطبيعية والطبيعة الصامتة والشخوص. وتسيطر على اللوحات التي استخدمت فيها الألوان الزيتية أسلوبها الواقعي خاصة في رسم الشخوص، حيث تتعمق في أغوار النفس بصفاتها المركبة والمتشابكة.
وتوضح: «أحاول دوماً تطوير تجاربي الفنية الواقعية نحو التجديد لتتماشي مع مفاهيم الفن المعاصر دون المساس بالقواعد الأساسية للواقعية».
تحتفي منى بتصوير مظاهر الحارة الشعبية المصرية، لا سيما الطفولة حيث تسجل بفرشاتها أجمل لحظات اللعب والمرح، والحركات العفوية لدى أطفال البيئة الشعبية، فيجمع التكوين ما بين العلاقات الخطية المتنوعة والتي تتراوح بين الرأسي والمائل والمقوس، تساندها الحركة الإيقاعية التي تعتمد على اتزان الأشكال وانسجام الدرجات اللونية بين الفاتح والقاتم، والبارد والساخن.
أما ما يميز عملها الفائز بالجائزة «لوحة العائلة المصرية»، فهو عدم تحديد بؤرة بعينها في اللوحة، مما يؤدي إلى الاهتمام بمجمل المساحة التصويرية، واعتبارها وحدة واحدة، كما جاء اختيارها لشخصية الفتاة التي ترتدي ثياباً بيضاء لجذب عين المشاهد إليها، صانعة قدراً من الإيحاء بالعمق، وما أسهم في تأكيد تلك المعاني هو الحركات المتواصلة لكفوف الأيدي، وتعدد اتجاهاتها.
بدوره، يصف الفنان محمد التهامي، مدرس مساعد بقسم الغرافيك كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان فوزه في المسابقة قائلاً: «بداية انطلاقة فنية»، ويتابع: «يتيح لي المعرض تقديم نحو 20 لوحة تعكس تجارب ورؤى فنية مختلفة لي، وقد دفعني المعرض إلى العمل المتواصل، للمشاركة المتميزة مع فنانين أعمالهم أكثر من رائعة، ولذلك اعتبر المعرض نقطة تحول لي في مسيرتي الفنية».
تتعدد الأساليب الفنية والمساحات والخامات التي يستعين بها التهامي ما بين من الأقلام الخشب والأحبار وألوان أكريلك وباستل والحفر الغائر والحفر البارز وغير ذلك، لكن يبقى المضمون واحداً، وهو تناول الطبقة الكادحة من العالم الثالث بأسلوب يعتمد الواقعية.
وتستوقفك في المعرض المستمر لمدة ثلاثة أسابيع الأعمال النحتية المتميزة للفنانة رواء الدجوي، بما تحمله من طاقة إيجابية وثورة على الإرث الثقافي للمجتمع تجاه المرأة، حيث تدور الأعمال السبعة التي تشارك بها في المعرض حول المرأة كعنصر أساسي، باعتبارها رمزاً للعطاء والقوة والمثابرة برغم كل ما يواجهها من تحديات في المجتمع العربي، وتظهر في المنحوتات براعتها في المزج بين الأسلوبين التجريدي والسريالي، والجمع بين الارتكاز والاتزان، مستخدمة خامتي البرونز والبولي أستر، وتقول: «المعرض فرصة لخوض المشهد التشكيلي بثقة، حيث يمثل ضي مؤسسة فنية ذات دور مؤثر في الساحة الفنية».
إلى هذا يشارك النحات عبد الرحمن العجوز بـ15 عملاً فنياً تقوم على تجريد الجسم البشري، ليقدم لنا شخوصاً تتميز بالخفة والرشاقة رغم السمنة الواضحة، مُعتمداً على التضاد في الفكرة والتبسيط في الكتلة. ويقول العجوز: إن «مسابقة ضي تعد من أهم المسابقات المحفزة لشباب الفنانين من حيث تحقيق الوجود الفني وبث روح المنافسة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».