مبادرة روسية لتسوية أزمات المنطقة تتجاهل تجاوزات إيران

مبادرة روسية لتسوية أزمات المنطقة تتجاهل تجاوزات إيران
TT

مبادرة روسية لتسوية أزمات المنطقة تتجاهل تجاوزات إيران

مبادرة روسية لتسوية أزمات المنطقة تتجاهل تجاوزات إيران

كشفت موسكو عن رؤية روسية لإحلال الأمن والتعاون في منطقة الخليج، قالت إنها تسعى لإنضاجها وتقديمها إلى مجلس الأمن الدولي بوصفها مبادرة متكاملة تهدف إلى ترسيخ نظام أمني مستقر في المنطقة يراعي مصالح كل الأطراف.
ونظمت وزارة الخارجية اجتماعا مغلقا دعت إليه سفراء ودبلوماسيين من عدد من البلدان العربية، والبلدان دائمة العضوية في مجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، فضلا عن البلدان «الحليفة» لروسيا في مجموعة «بريكس» وحضره نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الذي أطلع الحاضرين على مضمون الأفكار الروسية حول آليات ضمان الأمن في المنطقة ونزع التوتر القائم حاليا، ووضع أسس لبلورة نظام إقليمي مستقر.
وأشار بوغدانوف في بداية الحديث إلى «التوتر الهائل في منطقة الخليج على مدى العقود الأخيرة»، بالإضافة إلى «تكوين شبكة الإرهاب الدولي بالقرب من المنطقة». ورأى أن فكرة إنشاء نظام أمن مشترك في الخليج قد تلعب دورا أساسيا في حشد النشاط السياسي والدبلوماسي لدول المنطقة بهدف تطبيع الوضع وتعزيز الاستقرار وتسوية النزاعات القائمة.
ووفقا لنائب الوزير، فإن الأفكار الروسية تطورت خلال العقدين الماضيين على خلفية التطورات الحاصلة في المنطقة، ورأى أن تقديمها في الوقت الحالي يكتسب أهمية خاصة على خلفية تفاقم التوتر حول إيران. وزاد أن الأهداف التي تتطلع إليها موسكو تشتمل على توحيد الجهود من أجل إنهاء خطر المنظمات الإرهابية وتسوية كاملة للأزمات في كل من سوريا واليمن والعراق. وتأكيد الالتزام بالقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن حول أهمية أن يكون نظام الأمن في الخليج كاملا وشاملا ويخدم مصالح جميع الأطراف المعنية وفي المجالات الاقتصادية والعسكرية كافة، وكذلك في مجال الطاقة. مع ضرورة توفير المساعدات الإنسانية للدول المحتاجة بهدف تسوية الأزمات واستقرار المجتمعات المحلية.
وأبلغت أوساط دبلوماسية عربية في موسكو «الشرق الأوسط» أن أفكار موسكو بحاجة إلى «عمل طويل لإنضاجها خصوصا أنها تتجاهل التجاوزات الإيرانية ومساعي زعزعة الأمن الإقليمي من جانب طهران عبر التحريض على الفتن واستخدام الجماعات الطائفية للتخريب في دول الجوار». ووفقا لمصدر دبلوماسي عربي، فإن المشكلة الأبرز في الرؤية الروسية أنها تسعى إلى وضع تصور بعيد المدى لتسوية أزمات المنطقة، بينما تحتاج المنطقة إلى خطوات عاجلة وسريعة لنزع فتيل التوتر ووقف التجاوزات من جانب إيران.
ولفت دبلوماسي آخر، إلى أن الأفكار الروسية حول الأمن في منطقة الخليج مطروحة منذ وقت طويل، وأن الجديد فيها هو مسعى توسيع دائرة البلدان المشاركة في النظام الأمني لتشمل روسيا والولايات المتحدة وأطرافا أوروبية وآسيوية مثل الهند. في حين أن مطلب الأمن الجماعي في المنطقة هو بالدرجة الأولى مسؤولية بلدان المنطقة ذاتها.
وقال بوغدانوف إن تشكيل نظام الأمن الجماعي يجري بطريقة تدريجية ابتداء من حل القضايا الحادة مثل مكافحة الإرهاب الدولي وتسوية الأزمات العراقية والسورية واليمنية، وتحقيق كل الاتفاقات بشأن البرنامج النووي الإيراني، معتبرا نظام الأمن المشترك في الخليج «جزءا لا يتجزأ من نظام الأمن في منطقة الشرق الأوسط». وقال إنه «يجب أن يقوم على مبادئ التزام احترام السيادة وحل القضايا الداخلية من دون تدخل خارجي وعن طريق الحوار الوطني».
وطرح بوغدانوف رؤية موسكو لإنضاج الحوار حول المبادرة التي نصت على خمسة بنود، مشيرا إلى اقتراح بالبدء في المشاورات الثنائية ومتعددة الأطراف وفي إطار مجلس الأمن الدولي أو جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي، على أن تكون نتيجة هذه المشاورات تشكيل مجموعة عمل تقوم بتحضير مؤتمر دولي للأمن والتعاون في منطقة الخليج.
وتضمنت الأفكار الروسية مجموعة إجراءات من شأنها تأمين الملاحة في الخليج وبناء الثقة بين دول المنطقة والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. وبينها:
أولا: تأكيد دول المنطقة والأطراف الخارجية التزاماتها الدولية، وتحديدا التخلي عن استخدام القوة في حل المسائل الخلافية، واحترام سيادة دول المنطقة وسلامة أراضيها، والالتزام بمبدأ تسوية الخلافات بشأن ترسيم الحدود عن طريق التفاوض أو غيره من الوسائل السلمية بشكل حصري.
ثانيا: أن تأخذ دول المنطقة على عاتقها التزامات متبادلة متعلقة بالشفافية في المجال العسكري، وبينها الحوار بشأن العقائد العسكرية واجتماعات لوزراء دفاع الدول الإقليمية، وإقامة «خطوط ساخنة»، وتبادل الإخطارات بصورة سابقة حول إجراء التدريبات وطلعات الطيران العسكري، وتبادل المراقبين، وعدم نشر قوات لدول خارج المنطقة على أساس دائم على أراضي دول الخليج، وتبادل المعلومات بشأن القوات المسلحة وشراء الأسلحة.
ثالثا: توقيع اتفاقية للتحكم والرقابة على انتشار الأسلحة، بما في ذلك احتمال إنشاء مناطق منزوعة السلاح، وحظر التكديس المزعزع للاستقرار للأسلحة التقليدية، ومن بينها مضادات الصواريخ، وخفض تعداد القوات المسلحة من جانب جميع دول المنطقة.
رابعا: في سياق تعزيز نظام عدم الانتشار النووي في الشرق الأوسط، اتخاذ تدابير تهدف إلى تحويل الخليج إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
خامسا: إبرام اتفاقات مكافحة الإرهاب الدولي والاتجار غير المشروع بالأسلحة والهجرة والاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة.
وإضافة إلى الإجراءات المذكورة، أشار بوغدانوف خلال اللقاء المغلق إلى ضرورة إطلاق حوار تدريجي حول تقليص الوجود العسكري الأجنبي بالمنطقة، ووضع تدابير مشتركة لبناء الثقة بين دول الخليج ودول أخرى، مع إحراز تقدم في إنشاء هيكل نظام أمن خليجي، لافتا إلى أن الغرض الرئيس على الأمد البعيد يتمثل في إنشاء منظمة للأمن والتعاون بالخليج تشمل الدول الإقليمية وروسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، وغيرها من الأطراف الدولية المعنية بصفة مراقبة أو كأعضاء أساسيين.
ورغم أن بوغدانوف أكد في وقت لاحق أمس، أن بلاده تعمل لعرض المشروع كمبادرة روسية في مجلس الأمن، لكن بدا واضحا أن موسكو تولي أهمية كبرى لتوسيع النقاش حول الأفكار المعروضة في مسعى لإنضاجها وحشد تأييد إقليمي حولها.
وترى الأوساط الدبلوماسية العربية أن النقاش حول الأفكار الروسية يتطلب مراعاة رفض إيران التحول إلى «دولة طبيعية» والتخلي عن طموحات توسيع النفوذ الإقليمي لطهران على حساب مصالح بلدان المنطقة. ما يعني أن السؤال المطروح هو عن قدرة موسكو على ممارسة تأثير على طهران لتغيير سياساتها الإقليمية.
وأشارت مصادر دبلوماسية أيضا إلى الحاجة لإجبار إيران على إبداء أكبر قدر ممكن من الشفافية حول برنامجها النووي، وأن هذا الأمر لم يضمنه الروس في الأفكار المطروحة. فضلا عن تأكيد أنه لا يمكن الفصل بين أزمات المنطقة، نظرا لأن إيران تقوم باستخدام الجماعات الموالية لها لتأجيج الوضع في اليمن وسوريا ولبنان وغيرها من بلدان المنطقة.



البرلمان الإيراني يُسقط الثقة عن وزير الاقتصاد

همتي يدافع عن سجله أمام نواب البرلمان اليوم (أ.ب)
همتي يدافع عن سجله أمام نواب البرلمان اليوم (أ.ب)
TT

البرلمان الإيراني يُسقط الثقة عن وزير الاقتصاد

همتي يدافع عن سجله أمام نواب البرلمان اليوم (أ.ب)
همتي يدافع عن سجله أمام نواب البرلمان اليوم (أ.ب)

صوت البرلمان الإيراني بحجب الثقة عن وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي في جلسة وجه النواب له فيها سيلاً من الانتقادات الحادة لإدارة الملف الاقتصادي في حكومة مسعود بزشكيان، ما أدى إلى تفاقم الأزمات.

وبدأت جلسة البرلمان اليوم بخطابات النواب المعارضين لبقاء همتي في منصبه، بعد استمرار تدهور الوضع الاقتصادي، خصوصاً الانخفاض الحاد في قيمة العملة الوطنية (الريال) بحكومة بزشكيان التي بدأت مهامها أغسطس (آب) الماضي.

وأفاد موقع البرلمان الإيراني بأن الجلسة التي استمرت نحو 5 ساعات، جاءت استجابةً لطلب 119 نائباً، وتركزت حول تأثير السياسات الاقتصادية على الأوضاع المعيشية والتضخم.

وفي النهاية، أعلن رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف أن 182 نائباً صوتوا لتأييد سحب الثقة من الوزير، بينما عارض 89 مشرعاً، وامتنع نائب عن التصويت. وحضر جلسة اليوم 273 من أصل 290 نائباً في البرلمان الإيراني.

وكشفت الجلسة عن انقسام حاد بين البرلمان والحكومة بشأن إدارة الملف الاقتصادي، بينما يترقب الشارع الإيراني مآلات الملف الاقتصادي، بعدما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب إعادة استراتيجية الضغوط القصوى التي تتمحور على منع بيع النفط الإيراني.

وحاول الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الدفاع عن الوزير أمام النواب. وقال بزشكيان: «نحن في خضم حرب (اقتصادية) مع العدو».

وأضاف: «المشاكل الاقتصادية التي يشهدها مجتمعنا اليوم غير مرتبطة بشخص واحد، ولا يمكننا إلقاء اللوم فيها على شخص واحد»، حسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

بزشكيان يدافع عن وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي اليوم (إ.ب.أ)

ورفع كثير من النواب أصواتهم، وتناوبوا على انتقاد الوزير بغضب، معتبرين أنه المسؤول عن الوضع الاقتصادي المزري.

وقال العضو في البرلمان روح الله متفقر آزاد: «لا يستطيع الناس تحمل الموجة الجديدة من التضخم، ولا بد من السيطرة على ارتفاع أسعار العملات الأجنبية والسلع الأخرى».

في المقابل، أكدت النائبة فاطمة محمد بيغي: «لا يستطيع الناس تحمل تكاليف شراء الأدوية والمعدات الطبية».

من جانبه، أكد الوزير عبد الناصر همتي الذي كان في السابق محافظ البنك المركزي، إن «المشكلة الكبرى التي تواجه الاقتصاد هي التضخم. إنها مشكلة مزمنة تؤثر على الاقتصاد منذ سنوات».

وتولى مسعود بزشكيان منصبه في يوليو (تموز) مع طموح معلن بإنعاش الاقتصاد، وإنهاء بعض العقوبات التي فرضها الغرب.

لكن وتيرة انخفاض قيمة العملة الإيرانية (الريال) ازدادت، خصوصاً منذ سقوط الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول)، الذي كانت إيران حليفته الرئيسية.

وقال همتي: «سعر الصرف ليس حقيقياً والسعر عائد إلى توقعات تضخمية».

«تضخم مزمن»

وتابع الوزير: «المشكلة الأخطر في اقتصاد البلاد هي التضخم، وهو تضخم مزمن يعاني منه اقتصادنا منذ سنوات».

وبحسب أرقام البنك الدولي، ظل معدل التضخم في إيران أعلى من 30 في المائة سنوياً منذ عام 2019.

ووصل إلى 44.5 في المائة بحلول عام 2023، بحسب هذه المؤسسة التي يقع مقرها الرئيسي في واشنطن. ومعدل العام الماضي غير معروف.

وأضرت العقوبات الغربية لا سيما الأميركية المفروضة منذ عقود بالاقتصاد الإيراني، مع تفاقم التضخم منذ انسحاب واشنطن عام 2018 من الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

وأعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي عاد إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، إحياء سياسته المتمثلة بممارسة «ضغوط قصوى» على إيران، ما أدى إلى تشديد القيود على الجمهورية الإسلامية.

وبموجب الدستور الإيراني، تصبح إقالة الوزير سارية المفعول على الفور، مع تعيين قائم بأعمال الوزير حتى تختار الحكومة بديلاً.

وسيكون أمام الحكومة بعد ذلك 3 أشهر لتقديم بديل، والذي يتعين التصديق على تعيينه من خلال تصويت آخر في البرلمان.

وفي أبريل (نيسان) 2023، حجب أعضاء البرلمان الثقة عن وزير الصناعة آنذاك رضا فاطمي أمين، بسبب ارتفاع الأسعار المرتبط بالعقوبات الدولية.

وفي السوق السوداء الأحد، كان الريال يتداول بأكثر من 920 ألفاً في مقابل الدولار الأميركي، مقارنة بأقل من 600 ألف في منتصف عام 2024.