اختلاف الرؤى بين باريس ولندن حول خطة أمن الخليج

اختلاف الرؤى بين باريس ولندن حول خطة أمن الخليج
TT

اختلاف الرؤى بين باريس ولندن حول خطة أمن الخليج

اختلاف الرؤى بين باريس ولندن حول خطة أمن الخليج

لم تتضح بعد صورة ما تريد البلدان الأوروبية الرئيسية الثلاثة «بريطانيا وفرنسا وألمانيا» وهي الموقّعة على الاتفاق النووي مع إيران القيام به في مياه الخليج بعد الدعوة البريطانية التي جاءت على لسان وزير الخارجية جيريمي هنت، يومي الاثنين والثلاثاء، والداعية إلى إقامة «قوة حماية بحرية» من أجل مواكبة السفن العابرة في مضيق هرمز وضمان سلامتها.
وبما أن الدعوة ما زالت مبدئية، فإن العمل على إخراجها إلى أرض الواقع يتطلب الكثير من الاجتماعات والدخول في التفاصيل. وقبل ذلك كله يتعين، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية، التوصل إلى تفاهم بين الدول المدعوة للمشاركة فيها على مسألتين أساسيتين: الأولى، تتناول الأهداف العملية التي يتعين على «قوة الحماية» تحقيقها والوسائل الآيلة إلى ذلك. والأخرى، الغطاء القانوني الذي من شأنه تظليلها ومنع اتهامها بالخروج على القواعد الدولية.وبكلام آخر، هل سيحتاج السير بهذه الخطة إلى ضوء أخضر من مجلس الأمن الدولي أم أنها لن تكون بحاجة إليه، وفق ما صرحت به المندوبة البريطانية في مجلس الأمن، مساء أول من أمس؟
حقيقة الأمر أن شأناً كهذا لا يمكن الاستهانة به أو بتداعياته وخصوصاً بردود الأفعال من الطرف الآخر المقصود به هنا الجانب الإيراني. وما يزيد الأمور تعقيداً، وفق قراءة فرنسية اطّلعت عليها «الشرق الأوسط»، أن المطلوب عملياً «ردع» الطرف الإيراني عن إعاقة الملاحة في أحد أهم الممرات المائية الدولية عن طريق إظهار العضلات ولكن، في الوقت عينه، تجنب إثارته أو التسبب بردود أفعال تصعيدية من جانبه وكذلك الاستمرار في الوقوف إلى جانبه في الملف النووي واستمرار العمل على إقناعه للبقاء داخله ومساعدته على الالتفاف على العقوبات الأميركية، ما يعني ردعه وإرضاءه معاً.
ولأن الأمور تتسم بهذه الدرجة من التعقيد، فمن البدهي أن تظهر التمايزات بين الأطراف الأوروبية لجهة تصور هذه القوة ومهماتها والأطر التي ستحكم عملها.
وحسب التصور البريطاني، فإن هذه القوة يجب أن تكون بقيادة بريطانية - فرنسية وذلك لأسباب تعود، بالدرجة الأولى، إلى «تمييزها» عن «التحالف الدولي» الذي تسعى واشنطن لقيامه على غرار التحالف الدولي الذي حارب «داعش» في العراق وسوريا، وفي المرتبة الثانية للحضور العسكري والبحري للدولتين الموجود سلفاً في منطقة الخليج ولكون البلدين عضوين دائمين في مجلس الأمن إضافةً إلى كونهما قوتين نوويتين. ولهذه الأسباب، فإن الغوص في تفاصيل الموقف الفرنسي المفترض به أن يكون «الأقرب» لبريطانيا، يكشف بالطبع عن وحدة الأهداف العامة «حماية الملاحة في الخليج والمضايق» ولكن يُبرز اختلافاً في التصور وفي أساليب العمل.
صحيح أنه في كلام وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، أمام مجلس النواب أول من أمس، تأكيد أن العواصم الأوروبية الثلاث تسعى لإقامة «مهمة متابعة ورقابة للأمن البحري في الخليج». والثابت أن فرنسا وألمانيا، شريكتي بريطانيا الأوروبيتين في الاتفاق النووي سارعتا للإعراب عن التجاوب «المبدئي» مع الطلب الذي أطلقته لندن بعد أن احتجزت إيران ناقلة نفطية ترفع العلم البريطاني وقادتها إلى أحد موانئها.
وقال لو دريان ما حرفيته: «إننا في هذا الوقت نعمل على مبادرة أوروبية مع البريطانيين والألمان بحيث نوفر مهمة متابعة ورقابة للأمن البحري في منطقة الخليج». والحال أن مهمة «الرقابة والمتابعة» بعيدة كل البعد عن «قوة الحماية البحرية» وفق الفهم البريطاني. ويعكس هذا الاختلاف في التعبير فروقاً في الرؤية ويبين أن الموافقة الأوروبية تتميز، في الوقت الحاضر، بأمرين: الأول، أنها مقتصرة حتى الآن على «الحد الأدنى». والآخر، أن باريس ولندن لا تستخدمان «الموجة» نفسها.
الواقع أن الوزير الفرنسي حرص على تأكيد أن هذه المهمة ليست عسكرية. وجاء في حرفية ما قاله أمام البرلمان: «نحن نعمل حالياً مع البريطانيين والألمان على مبادرة أوروبية لكي يتم تشكيل مهمة لمتابعة ومراقبة الأمن البحري بالخليج»، داعياً إلى «التفكير معاً بمنطق أمن مشترك في الخليج بطريقة دبلوماسية». وحسب لو دريان، فإن المحافظة على أمن الخليج والممرات يتعين أن يتأتى عبر العمل الدبلوماسي وليس عبر إبراز العضلات. ومطلع الشهر الجاري وقبل احتجاز إيران الناقلة البريطانية، قالت باريس إنّها لا تنوي تعزيز قواتها العسكرية بالخليج للمساعدة في الضغط على إيران، مثلما تفعل الولايات المتحدة. كما أكدت أنها لن تدخل في المبادرة الأميركية ورفضت أن يكون للحلف الأطلسي دور في مياه الخليج.
ولمزيد من الإيضاح ولتظهير الموقف الفرنسي، فقد أضاف لو دريان أن المطلوب هو «مسار يُفضي إلى خفض التصعيد»، وهو ما يدعو إليه الرئيس إيمانويل ماكرون منذ أن توترت الأوضاع خليجياً. وهذه الرسالة نقلها لو دريان إلى نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي جاء أول من أمس، إلى باريس حاملاً رسالة خطّية من الرئيس حسن روحاني، إلى الرئيس ماكرون حول التطورات الأخيرة وحول المبادرة الفرنسية التي سبق لمبعوث رئاسي، هو كبير مستشاري ماكرون الدبلوماسيين، أن نقلها إلى طهران قبل أسبوعين.
وأفادت مصادر فرنسية بأن ما تسعى إليه باريس هو تجنب أي عمل عرضي أو مقصود من شأنه زيادة التوتر في المنطقة وفتح الباب أمام المواجهة العسكرية رغم أن كل الأطراف تؤكد أنها لا تريد الحرب ولا تسعى للمواجهة. ولذا، فإن باريس لا تبدو متحمسة أبداً «لعسكرة» حضورها في المنطقة لأنها، وفق هذه المصادر، ما زالت تأمل إيجاد السبل التي من شأنها خفض التوتر من خلال المقترحات التي طرحتها.



تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)

أشعل رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس توتراً جديداً مع تركيا، بعد أشهر من الهدوء تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة للبناء على الأجندة الإيجابية للحوار بين البلدين الجارين.

وأطلق ميتسوتاكيس، بشكل مفاجئ، تهديداً بالتدخل العسكري ضد تركيا في ظل عدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل بشأن قضايا المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

تلويح بالحرب

نقلت وسائل إعلام تركية، السبت، عن ميتسوتاكيس قوله، خلال مؤتمر حول السياسة الخارجية عُقد في أثينا، إن «الجيش يمكن أن يتدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر». وأضاف: «إذا لزم الأمر، فسيقوم جيشنا بتنشيط المنطقة الاقتصادية الخالصة. لقد شهدت أوقاتاً تدخّل فيها جيشنا في الماضي، وسنفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكنني آمل ألا يكون ذلك ضرورياً».

رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس (رويترز - أرشيفية)

ولفت رئيس الوزراء اليوناني إلى أنه يدرك أن وجهات نظر تركيا بشأن «الوطن الأزرق» (سيطرة تركيا على البحار التي تطل عليها) لم تتغير، وأن اليونان تحافظ على موقفها في هذه العملية. وقال ميتسوتاكيس: «في السنوات الأخيرة، زادت تركيا من نفوذها في شرق البحر المتوسط. قضية الخلاف الوحيدة بالنسبة لنا هي الجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. إنها مسألة تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعلينا أن نحمي جرفنا القاري».

من ناحية أخرى، قال ميتسوتاكيس إن «هدفنا الوحيد هو إقامة دولة موحّدة في قبرص... قبرص موحّدة ذات منطقتين ومجتمعين (تركي ويوناني)، حيث لن تكون هناك جيوش احتلال (الجنود الأتراك في شمال قبرص)، ولن يكون هناك ضامنون عفا عليهم الزمن (الضمانة التركية)».

ولم يصدر عن تركيا رد على تصريحات ميتسوتاكيس حتى الآن.

خلافات مزمنة

تسود خلافات مزمنة بين البلدين الجارين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجرف القاري، وتقسيم الموارد في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن النزاعات حول جزر بحر إيجه.

وتسعى اليونان إلى توسيع مياهها الإقليمية إلى ما هو أبعد من 6 أميال، والوصول إلى 12 ميلاً، استناداً إلى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982 التي ليست تركيا طرفاً فيها.

وهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من قبل، مراراً، بالرد العسكري على اليونان إذا لم توقف «انتهاكاتها للمياه الإقليمية التركية»، وتسليح الجزر في بحر إيجه. وأجرت تركيا عمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في عام 2020 تسبّبت في توتر شديد مع اليونان وقبرص، واستدعت تحذيراً وعقوبات رمزية من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع تركيا وتسحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» في صيف العام ذاته.

سفن حربية تركية رافقت سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» خلال مهمتها في شرق المتوسط في 2020 (الدفاع التركية)

وتدخل حلف «الناتو» في الأزمة، واحتضن اجتماعات لبناء الثقة بين البلدين العضوين.

أجندة إيجابية وحوار

جاءت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة له خلال مناقشة البرلمان، الثلاثاء، موازنة الوزارة لعام 2025، أن تركيا ستواصل العمل مع اليونان في ضوء الأجندة الإيجابية للحوار.

وقال فيدان إننا «نواصل مبادراتنا لحماية حقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية، ونحمي بحزم حقوقنا ومصالحنا في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، ​​سواء على الأرض أو في المفاوضات».

وعُقدت جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان، في أثينا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية ألكسندرا بابادوبولو.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

وذكر بيان مشترك، صدر في ختام الاجتماع، أن الجانبين ناقشا مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وقاما بتقييم التطورات والتوقعات الحالية؛ استعداداً للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى، التي ستُعقد في تركيا العام المقبل.

ولفت البيان إلى مناقشة قضايا إقليمية أيضاً خلال الاجتماع في إطار العلاقات التركية - الأوروبية والتطورات الأخيرة بالمنطقة.

وجاء الاجتماع بعد زيارة قام بها فيدان إلى أثينا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكد البلدان خلالها الاستمرار في تعزيز الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لا أرضية للتوافق

وقال ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحافي عقده بعد القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في بودابست في 9 نوفمبر، إن الحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين بلاده وتركيا سيكون في مصلحة شعبيهما.

وأشار إلى اجتماع غير رسمي عقده مع إردوغان في بودابست، مؤكداً أن هدف «التطبيع» يجب أن يكون الأساس في العلاقات بين البلدين، وتطرق كذلك إلى المحادثات بين وزيري خارجية تركيا واليونان، هاكان فيدان وجيورجوس جيرابيتريتيس، في أثنيا، قائلاً إنه جرى في أجواء إيجابية، لكنه لفت إلى عدم توفر «أرضية للتوافق بشأن القضايا الأساسية» بين البلدين.

وزير الخارجية اليوناني يصافح نظيره التركي في أثينا خلال نوفمبر الماضي (رويترز)

وسبق أن التقى إردوغان ميتسوتاكيس، في نيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكد أن تركيا واليونان يمكنهما اتخاذ خطوات حازمة نحو المستقبل على أساس حسن الجوار.

وزار ميتسوتاكيس تركيا، في مايو (أيار) الماضي، بعد 5 أشهر من زيارة إردوغان لأثينا في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023 التي شهدت عودة انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بعدما أعلن إردوغان قبلها بأشهر إلغاء المجلس، مهدداً بالتدخل العسكري ضد اليونان بسبب تسليحها جزراً في بحر إيجه.