مهمات فضائية تدرس القمر وبعثات مستقبلية لاستكشافه

تساهم فيها أميركا والصين وروسيا والهند

عربة «لونا 25» الروسية المقبلة للهبوط على القمر  -  «جادي رابيت» عربة الصين القمرية الجوالة
عربة «لونا 25» الروسية المقبلة للهبوط على القمر - «جادي رابيت» عربة الصين القمرية الجوالة
TT

مهمات فضائية تدرس القمر وبعثات مستقبلية لاستكشافه

عربة «لونا 25» الروسية المقبلة للهبوط على القمر  -  «جادي رابيت» عربة الصين القمرية الجوالة
عربة «لونا 25» الروسية المقبلة للهبوط على القمر - «جادي رابيت» عربة الصين القمرية الجوالة

تزايدت التوجهات العالمية لاستكشاف القمر على مدى العقود الماضية. ومن المهمات الحالية: «أرتميس» – «لونار ريكونيسانس أوروبيتر» – «تشينج 3» – «تشينج 4». أما البعثات المستقبلية: «تشاندرايان - 2» – «تشينج 5» – «لونا - 25» – «لونا - 26» – «لونا - 27» – «تشينج 6» – «لونا - 28» – «لونا - 29». وكانت هناك جملة من البعثات السابقة: «بيونير 0» – «لونا 1958A» – «بيونير 1» – «لونا 1958B» – «بيونير 2» - «لونا 1958C».
- مهمات حالية
> تشينج 4. سفينة مدارية قمرية وعربة جوّالة (إدارة الفضاء الوطنية الصينية، الصين)
- سفينة مدارية قمرية (كيكياو)، ولونغجيانغ - 1 ولونغجيانغ - 2 - الإطلاق: 11 مايو (أيار) 2018.
- لونغجيانغ - 1 مفقود: بعد مدة قصيرة من الإقلاع.
- لونغجيانغ - 2 دخل في مدار القمر: 25 مايو (أيار) 2018.
- كيكياو وصلت إلى البعد الثاني من مدار هالو: 14 يونيو (حزيران) 2018.
- إطلاق سفينة الهبوط- العربة الجوّالة: 7 ديسمبر (كانون الأول) 2018.
- الهبوط: 3 يناير (كانون الثاني) 2019.
تشكّل بعثة «تشينج 4» جزءا من المرحلة الثانية من البرنامج الصيني لاستكشاف القمر، وتتألف من سفينة هبوط آلية وعربة جوالة قمرية هبطت، بحسب الخطة الموضوعة، في الجانب البعيد من القمر. تمّ بناء هذه البعثة كدعم احتياطي لبعثة «تشينج 3». وبسبب هبوطها في الجهة البعيدة من القمر، تتطلّب هذه البعثة قمرا صناعيا مناوبا اسمه «كيكياو»، الذي أُطلق مع قمرين صناعيين صغيرين لإجراء تجارب متداخلة، إلّا أنّ أحدهما تعطّل بعد فترة قصيرة من الإطلاق. وأخيراً، نجحت سفينة الهبوط والعربة الجوّالة «بوتو - 2» في بعثة «تشينج - 4» بالهبوط فوق فوهة بركان «فون كرمان» الموجودة في الجزء الشمالي من حوض «قطب آيتكن».
> تشينج 3. سفينة مدارية قمرية وعربة جوّالة (إدارة الفضاء الوطنية الصينية، الصين)
- الإطلاق: 1 ديسمبر (كانون الأول) 2013.
- الدخول في المدار: 6 ديسمبر (كانون الأول) 2013.
- الهبوط: 14 ديسمبر (كانون الأول) 2013.
تشكّل هذه البعثة جزءاً من المرحلة الثانية من البرنامج الصيني لاستكشاف القمر، وتتألّف من سفينة هبوط آلية وأوّل عربة جوّالة قمرية من صناعة الصين. نجحت العربة «يوتو» (جادي رابيت) في الهبوط والتقاط الصور للسطح القمري، إلّا أنّ نظام تنقّلها تعطّل وتركها عاجزة عن الحركة رغم فعاليتها. أمّا ما حافظ على فعاليته من بعثة «تشينج 3»، فهو أداة واحدة عبارة عن منظار بالأشعة فوق البنفسجية.
> تشينج 2. سفينة مدارية قمرية (إدارة الفضاء الوطنية الصينية، الصين)
- الإطلاق: 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2010.
- الدخول في المدار: 6 أكتوبر 2010.
- مغادرة المدار القمري: 8 يونيو 2011.
- الوصول إلى البعد الثاني الشمس – الأرض: 5 أغسطس (آب) 2011.
صُممت بعثة «تشينج 2» كدعم لبعثة «تشينج 1». بعد تحقيق أهداف مهمّتها في المدار القمري، انطلقت «تشينج 2» من بعد الشمس - الأرض الثاني في نقطة «لاجرانجيان» لاختبار شبكة التعقّب والمراقبة. وصلت البعثة إلى البعد الثاني في 25 أغسطس (آب) 2011، بعد رحلة استمرّت 77 يوماً، لتصبح أوّل جسم يصل إلى نقطة البعد الثاني مباشرة من المدار القمري للمرور بكويكب «4179 توتاتيس»، وتسجّل أول لقاء صيني مع الكويكبات. حصل هذا المرور في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2012، على مسافة 3.2 كلم فقط من الكويكب. واليوم، لا يزال هذا المسبار يبحر في عمق الفضاء لإجراء مزيد من المراجعات لقدرات التعقّب والمراقبة الصينية.
> لونار ريكونيسانس أوروبيتر. سفينة مدارية قمرية أميركية (ناسا)
- الإطلاق: 18 يونيو (حزيران) 2009.
- الدخول في المدار: 23 يونيو (حزيران) 2009 (ولا يزال مستمراً)
- «لونار ريكونيسانس أوروبيتر» هي بعثة ناسا الأولى المصممة لالتقاط صورة عالية الدقة لكامل سطح القمر منذ نهاية برنامج «لونار أوروبيتر» عام 1967.
- أرتميس. سفينة مدارية قمرية «ناسا».
- الإطلاق: 17 فبراير (شباط) 2007.
- الدخول في المدار: يوليو (تموز) 2011 (لا يزال مستمراً)
السرعة، وإعادة الاتصال، والاضطراب، والديناميكيات الكهربائية التي يتّسم بها تفاعل القمر مع الشمس هي باختصار بعثة «آرتميس» التي تهدف إلى التحقيق في أسئلة جوهرية في عالم الفيزياء الشمسية وعلوم الكواكب عبر عمليات الرصد التي تجريها من المدار القمري. تعتمد هذه البعثة على اثنين من خمس سفن فضائية موجودة في المدار وتابعة لمجموعة «ناسا هيليوفيزيكس» للأقمار الصناعية التي أطلقت عام 2007 ونجحت في إتمام مهمتها عام 2010، أتاحت بعثة «أرتميس» للناسا إعادة توجيه أهداف اثنين من سفنها الموجودة في المدار القمري لتوسيع بعثتها العلمية، وتوفير عشرات ملايين الدولارات التي يدفعها الشعب لبناء وإطلاق مركبات فضائية جديدة.
بعثات مستقبلية
> شاندرايان – 2. سفينة مدارية قمرية وعربة جوّالة (منظمة البحوث الفضائية الهندية، الهند)
- الإطلاق: مزمع في منتصف عام 2019.
«شاندرايان - 2» هي البعثة الهندية الثانية إلى القمر، وتتألف من سفينة مدارية قمرية وعربة جوّالة، مهمّتها إجراء تحليلات في قلب الموقع لعينات من الصخر والتربة. في البداية، كان من المقرّر أن تعتمد البعثة على «لونا - غلوب 2» الروسية، كعربة جوّالة لأداء مهامها. ولكنّ بعثة «روسكوزموس» انسحبت على ضوء فشل بعثة «فوبوس - جرانت» بسبب أعطال تقنية، مما دفع البعثة الهندية إلى استكمال مهمّتها بشكل منفصل وبعربتها الجوّالة الخاصة.
> تشينج 5. سفينة مدارية قمرية وسفينة هبوط (إدارة الفضاء الوطنية الصينية، الصين)
- الإطلاق: مزمع في ديسمبر (كانون الأول) 2019.
يُفترض بـ«تشينج 5» أن تكون البعثة الصينية الأولى للعودة بعينات من القمر، وهي تتألف من مسبار وسفينة هبوط.
> لونا - 25. سفينة هبوط قمرية قطبية (روسكوزموس، روسيا)
- الإطلاق: مزمع في 2018.
وتُعرف أيضاً باسم سفينة «لونا - غلوب»، وكان قد تمّ الإعلان عنها عام 2014.
> لونا - 26. سفينة هبوط قمرية قطبية (روسكوزموس، روسيا)
- الإطلاق: مزمع في عام 2018 أو 2019.
تُعرف أيضاً باسم مسبار «لونا - بلوغ» وكان قد تمّ الإعلان عنها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014.
> لونا - 27. سفينة هبوط قمرية (روسكوزموس، روسيا)
- الإطلاق: مزمع في 2019 أو 2020.
تُعرف أيضاً باسم «لونا ريسورس»، وكان قد تمّ الإعلان عنها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014.
> تشينج 6. سفينة للعودة بالعينات القمرية (إدارة الفضاء الوطنية الصينية، الصين)
- الإطلاق: مزمع في 2020.
هي البعثة الصينية الثانية للعودة بعينات من سطح القمر ويقال إنها حالياً قيد التطوير.
> لونا - 28. عربة جوّالة قمرية (روسكوزموس، روسيا)
- الإطلاق: مزمع في 2023 أو 2025.
> لونا - 29. بعثة للعودة بعينات قمرية (روسكوزموس، روسيا)
- الإطلاق: مزمع بعد عام 2025.


مقالات ذات صلة

المسبار الفضائي «بيبي كولومبو» يلتقط أقرب صور لعطارد

تكنولوجيا وكالة الفضاء الأوروبية أصدرت أفضل الصور القريبة حتى الآن لكوكب عطارد (أ.ب)

المسبار الفضائي «بيبي كولومبو» يلتقط أقرب صور لعطارد

قالت وكالة «أسوشييتد برس» للأنباء إن وكالة الفضاء الأوروبية أصدرت أفضل الصور القريبة حتى الآن لكوكب عطارد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الشيخ حمدان بن محمد ولي عهد دبي وزير الدفاع والدكتور أحمد الفلاسي وزير الرياضة رئيس وكالة الإمارات للفضاء وفيصل البناي مستشار رئيس الإمارات للأبحاث الاستراتيجية والتكنولوجيا المتقدمة ممثل معهد الابتكار التكنولوجي خلال توقيع الاتفاقية (الشرق الأوسط)

الإمارات تطور مركبة هبوط لاستكشاف كويكب «جوستيشيا»

أُعلن في الإمارات توقيع اتفاقية تطوير مركبة الهبوط لمهمة استكشاف حزام الكويكبات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق قاعة من المرايا بأبعاد كونية (ناسا)

«قوس تنين» في الفضاء تحوَّل إلى «قاعة مرايا بأبعاد كونية»

رصد تلسكوب «ويب» القوي، التابع لوكالة «ناسا»، أكثر من 40 نجماً قديماً في مجرّة بعيدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا تظهر هذه الصورة غير المؤرخة المقدمة من شركة «فايرفلاي آيروسبايس» مركبة الهبوط القمرية «بلو غوست ميشين» المجمعة بالكامل (أ.ف.ب)

شركة أميركية خاصة سترسل قريباً مركبة إلى القمر

سترسل شركة «فايرفلاي آيروسبايس» الأميركية مركبة فضائية إلى القمر في منتصف يناير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم الذكاء الاصطناعي نجح في إنجاز محرك صاروخي متطور في 3 أسابيع

الذكاء الاصطناعي نجح في إنجاز محرك صاروخي متطور في 3 أسابيع

نجح الذكاء الاصطناعي في تصنيع محرك صاروخي متطور بالطباعة التجسيمية.

جيسوس دياز (واشنطن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)