تراجع حاد لمؤشر ثقة المستهلكين الأتراك في الاقتصاد

أوضح البيان أن توقعات الوضع المالي لمؤشر الأسرة في فترة الـ12 شهراً المقبلة انخفضت بنسبة 1.7% إلى 77 نقطة خلال يوليو نزولاً من 78.3 في يونيو الماضي (رويترز)
أوضح البيان أن توقعات الوضع المالي لمؤشر الأسرة في فترة الـ12 شهراً المقبلة انخفضت بنسبة 1.7% إلى 77 نقطة خلال يوليو نزولاً من 78.3 في يونيو الماضي (رويترز)
TT

تراجع حاد لمؤشر ثقة المستهلكين الأتراك في الاقتصاد

أوضح البيان أن توقعات الوضع المالي لمؤشر الأسرة في فترة الـ12 شهراً المقبلة انخفضت بنسبة 1.7% إلى 77 نقطة خلال يوليو نزولاً من 78.3 في يونيو الماضي (رويترز)
أوضح البيان أن توقعات الوضع المالي لمؤشر الأسرة في فترة الـ12 شهراً المقبلة انخفضت بنسبة 1.7% إلى 77 نقطة خلال يوليو نزولاً من 78.3 في يونيو الماضي (رويترز)

كشفت إحصاءات رسمية عن تهاوي ثقة الأتراك في اقتصاد بلادهم خلال شهر يوليو (تموز) الجاري. وحسب بيان لهيئة الإحصاء التركية، أمس (الثلاثاء)، تراجع مؤشر ثقة المستهلك على نحو حاد في السوق التركية خلال يوليو الجاري، على أساس سنوي وشهري، مع ضعف البيئة الاقتصادية في البلاد وعدم الخروج من أزمة سعر صرف الليرة التركية التي تدخل عامها الثاني في أغسطس (آب) المقبل.
وأشار البيان إلى تراجع مؤشر ثقة المستهلك بنسبة 22% على أساس سنوي، إلى 56.5 نقطة، نزولا من 72.7 نقطة في الفترة ذاتها من العام الماضي. بينما تراجعت قراءة المؤشر على أساس شهري بنسبة 1% في يوليو الجاري، ليهبط إلى 56.6 نقطة مقابل 57.6 نقطة في يونيو (حزيران) الماضي، الذي شهد ارتفاع المؤشر بنسبة 4.3% على أساس شهري.
ويعاني الاقتصاد التركي أزمة حادة نتيجة تهاوي الليرة التركية منذ أغسطس الماضي حيث فقدت الليرة 30% من قيمتها بحلول نهاية العام، وواصلت خسائرها في النصف الأول من العام الجاري بنحو 10% من قيمتها، ما تسبب في تأثيرات ضارة على الاقتصاد انعكست في ارتفاع التضخم إلى معدلات غير مسبوقة وزيادة البطالة إلى ما فوق 14%، وإفلاس آلاف الشركات، وزيادة العجز في الحساب الجاري، وسط عجز الحكومة المحلية والمؤسسات الرسمية عن وقف تدهورها، رغم اتخاذ إجراءات وإصدار تشريعات جديدة، فشلت جميعها في دعم الليرة.
وأوضح البيان أن توقعات الوضع المالي لمؤشر الأسرة في فترة الـ12 شهراً المقبلة، انخفضت بنسبة 1.7% إلى 77 نقطة خلال يوليو، نزولاً من 78.3 في يونيو الماضي.
وانخفض مؤشر توقعات الوضع الاقتصادي العام خلال فترة الـ12 شهراً المقبلة، من 73.9 نقطة في يونيو الماضي، إلى 73.4 نقطة في يوليو الجاري، بنسبة هبوط بلغت 0.5%.
كما أشارت التوقعات إلى تراجع مؤكد لمؤشر الادخار خلال فترة الـ12 شهراً المقبلة، والذي كان 22 نقطة في يونيو الماضي، وواصل هبوطه في يوليو الجاري وأصبح 20 نقطة.
وعلى الرغم من استمرار تذبذب سعر صرف الليرة التركية، عزل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في 6 يوليو الجاري، محافظ البنك المركزي، مراد شتينكايا، وعين مكانه نائبه مراد أويصال، لرفضه الاستجابة لضغوطه الرامية إلى خفض سعر الفائدة البالغ 24% والذي تم رفعه في سبتمبر (أيلول) العام الماضي إلى هذا المستوى كإجراء لمواجهة أزمة الليرة التركية وجذب رؤوس الأموال الأجنبية.
في غضون ذلك، قال نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكطاي، إن صادرات تركيا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري ارتفعت بنسبة 5%، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
وأضاف أوكطاي، خلال مشاركته أمس في منتدى الأعمال التركي الأوزبكي بالعاصمة التركية أنقرة، أن قيمة الصادرات التركية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، بلغت 76.6 مليار دولار. واعتبر أن هيكلية الاقتصاد التركي باتت متينة بفضل سياسات الرئيس إردوغان، مشيراً إلى أن تركيا تحتل حالياً المرتبة 17 عالمياً والسادسة أوروبياً من ناحية القوة الاقتصادية. وتابع أن «الصادرات التركية تزداد بشكل مستقر رغم الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، والعقوبات المفروضة على إيران، وحالة الغموض التي تحيط بملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».
إلى ذلك، تسبب قرار الحكومة العراقية حظر استيراد بعض السلع التركية ومنها الدجاج والبيض والمكرونة، الذي اتُّخذ في مايو (أيار) الماضي، وبدأ سريانه الأسبوع الماضي، في خسائر ضخمة خصوصاً في قطاع الدواجن.
وكشفت غرفة إسطنبول التجارية عن اتساع نطاق الحظر العراقي على المنتجات التركية، حيث شملت لائحة المحظورات العراقية الجديدة أكثر من 85 منتجاً بعد أن كانت 78 منتجاً من قبل، في مقابل ميل إلى السوق العراقية للتعويض بمنتجات دول أخرى مثل إيران والصين.
واتخذت وزارة الزراعة العراقية قراراً بمنع استيراد الدواجن من تركيا إلا بإذن مسبق منها، وامتد القرار إلى حظر بيع الموجود بالفعل في السوق العراقية، وإلا تعرض الفاعل للمساءلة القانونية.
وأثّر القرار العراقي على 8 شركات إنتاج كبرى في ولاية ماردين (جنوب شرق تركيا) التي يعتمد ناتجها المحلي على إنتاج البيض والدقيق بشكل أساسي.
كانت تركيا تصدّر ثلث إنتاجها من البيض للخارج، و85% من هذه الحصة تذهب إلى العراق وحده. وقال الأمين العام لاتحاد الغرف الزراعية التركية شمسي بيرقدار، إن إنتاج البيض ارتفع خلال شهر يونيو إلى مليار و622 مليون بيضة، لا تجد من يشتريها.
وبدوره، قال إبراهيم أفيون رئيس اتحاد منتجي البيض، إن توقف التصدير إلى العراق أدى إلى انخفاض أسعار البيض بنسبة 50%، ما يعني خسارة أكيدة لشركات الإنتاج التي لا تجد حلاً لتصريف المنتج الذي لا يمكن تخزينه لفترات طويلة.
وتوقع مسؤولون في قطاع الدواجن حدوث أزمة بيض في السوق التركية خلال 6 أشهر، إذا استمرت المقاطعة العراقية، بسبب الإفلاس المتوقع لشركات الإنتاج، لافتين إلى أنه فور صدور القرار العراقي، أتلفت شركات الإنتاج نحو مليون بيضة تم تخزينها لمدة 20 يوماً، وذلك لعدم قدرة السوق المحلية على الاستيعاب.
ويهدد هبوط أسعار البيض في السوق المحلية، نظراً إلى تزايد المعروض، بإفلاس القطاع لعدم تغطية نفقات الإنتاج، وإزاء ذلك اضطر المنتجون إلى ذبح 17 مليون دجاجة منتجة للبيض، حسب صاواش دوغان أحد أصحاب شركات إنتاج ،البيض الذي قال: «بدأ الحظر العراقي منذ أول مايو، فدخل القطاع أزمة حادة واضطر المنتجون إلى ذبح 17 مليون دجاجة، بعدما هبط سعر طبق البيض إلى النصف، وأفلس 8 منتجين نتيجة لذلك، ما يهدد الإنتاج كلياً خلال 6 أشهر».
وطالب الحكومة بدعم القطاع لتجنب الكارثة، قائلاً: «يتوقع القطاع من الدولة أن تقلل من ضريبة القيمة المضافة لتصبح 1% بدلاً عن 8% كما هي حالياً، مع محاولة العمل على الترويج لصادرات البيض بالخارج، فعودة القطاع للتعافي لن تصبح سهلة مطلقاً».
ويصل مجموع المنتجات التركية المحظورة على مستوى العالم 944 منتجاً، لذا سارعت أنقرة لفتح خط تفاوض مع بغداد لتجنب الكارثة، خصوصاً أن القرار العراقي امتد إلى حظر واردات المكرونة المختلفة وملح الطعام.
وكانت تركيا تصدر 400 ألف طن من لحوم الدواجن إلى العراق سنوياً، وبعد القرار توقفت هذه الصادرات، وتبحث تركيا عن أسواق أخرى لاستيعاب هذه الكمية. كما أدى قرار الحظر إلى أضرار أخرى منها فقد عشرات الآلاف من سائقي شاحنات التصدير عبر الحدود التركية العراقية مصدر دخلهم.
على صعيد آخر، وقّعت شركتان تركية وروسية، أمس، اتفاقية تعاون حول توريد المعدات وأعمال البناء في محطة «آككويو» للطاقة النووية الخاضعة للإنشاء في ولاية مرسين جنوب تركيا.
وتم التوقيع بين «كونسيرن تيتان» الروسية و«إج إتش طاش للإنشاءات» التركية، بموقع إنشاء المحطة، بحضور وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، وأليكسي ليهاتشيف المدير العام لشركة «روس آتوم» النووية الروسية (حكومية)، المكلفة بإنشاء المحطة، ومسؤولين آخرين. وتتضمن الاتفاقية، التعاون بين الشركتين في التصميم الداخلي للمحطة، خصوصاً القسم الرئيس فيها، إلى جانب أعمال البناء، وتوريد مختلف المعدات.
وذكر ليهاتشيف، في بيان صدر عقب حفل التوقيع، أن «الهدف من هذه الاتفاقية هو الاستفادة من خبرة الشركتين في مجالي البناء وإنشاء المحطات النووية، وأن العمل المشترك بين الشركتين سيؤدي إلى نتائج إيجابية على مستوى استكمال أعمال إنشاء المحطة بنجاح».
كانت تركيا وروسيا قد وقّعتا في ديسمبر (كانون الأول) 2010 اتفاقية تعاون لإنشاء وتشغيل محطة «آككويو» النووية لإنتاج الكهرباء في مرسين، بتكلفة 20 مليار دولار، بهدف المساهمة في تعزيز أمن الطاقة في تركيا، وتوفير فرص عمل جديدة. ومن المتوقع أن تدخل المحطة حيز التشغيل بحلول عام 2023 بعد أن تم وضع حجر الأساس لها في أبريل (نيسان) 2018.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».