روسيا وبيلاروسيا تطلقان مرحلة جديدة من التكامل الاقتصادي

اتفقتا على خطوات تنتهي باعتماد عملة موحدة

لقاء سابق بين الرئيسين الروسي والبيلاروسي (رويترز)
لقاء سابق بين الرئيسين الروسي والبيلاروسي (رويترز)
TT

روسيا وبيلاروسيا تطلقان مرحلة جديدة من التكامل الاقتصادي

لقاء سابق بين الرئيسين الروسي والبيلاروسي (رويترز)
لقاء سابق بين الرئيسين الروسي والبيلاروسي (رويترز)

تتجه روسيا وبيلاروسيا نحو اعتماد عملة موحدة للبلدين، وذلك في إطار مجموعة من الخطوات الرامية إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بينهما بموجب اتفاقية «الدولة الاتحادية»، التي يفترض أن تؤدي إلى خلق فضاء اقتصادي موحد للبلدين، يشبه إلى حد بعيد صيغة «الاتحاد الأوروبي».
هذا ما أكده مسؤولون من موسكو ومينسك، في تصريحات صدرت بعد أيام قليلة على محادثات جرت في بطرسبورغ يوم 18 يوليو (تموز) الحالي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بحثا فيها مستقبل العلاقات الثنائية، وآليات تعزيز التعاون، والتكامل بينهما بموجب الاتفاقية الاتحادية.
دميتري كروتوي، وزير الاقتصاد البيلاروسي، قال في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن روسيا وبيلاروسيا اتفقتا على خطة لتوحيد «أسواق الصناعة» بحلول عام 2021، وكشف عن «خريطة طريق» سيتم وضعها حتى خريف العام الحالي لتنفيذ الخطة، فضلاً عن تبني تشريعات موحدة يتم اعتمادها حتى منتصف العام المقبل، تنظم عمل المجالات التي سيجري تعميق التكامل فيها. وأشار إلى أن الحديث لا يدور عن أسواق النفط والغاز فقط، بل ويشمل أسواق المنتجات الصناعية، والزراعية، وكذلك سوق النقل، موضحاً أن الهدف من هذا كله تهيئة ظروف موحدة في البلدين لعمل الشركات المسجلة في روسيا وبيلاروسيا، من خلال توفير قواعد إدارية وأنظمة موحدة على كامل الفضاء الجغرافي للدولة الاتحادية الروسية - البيلاروسية.
على الجانب الروسي، أكد وزير الصناعة، مكسيم أوريشكين، العمل على توحيد قواعد وظروف العمل في روسيا وبيلاروسيا بحلول ديسمبر (كانون الأول) نهاية العام الحالي. وأشار إلى «عوامل تتطلب تكاملاً جدياً»، مثل «المنظومتين الضريبية والجمركية، والرقابة على الإنتاج الزراعي، وغيره»، مؤكداً ما قاله الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بأن هذه القضايا يجب إنجازها بشكل تام حتى ديسمبر نهاية العام الحالي. وقال: إن ما يعمل عليه الجانبان حالياً هو التكامل على المدى القريب، لافتاً إلى أن الهدف من هذا العمل «خلق ظروف يمكن معها للشركات البيلاروسية والروسية أن تعمل في فضاء اقتصادي موحد، بغض النظر عن مقر تسجيلها».
ومع إشارته إلى ضرورة أن يتم التكامل بين البلدين بخطى متسارعة، ليصبح مثلاً جيداً تحتذي به الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، عبّر أوريشكين عن قناعته بضرورة التريث في موضوع اعتماد عملة موحدة للبلدين، وقال إنه على روسيا وبيلاروسيا ألا تتعجلا في هذا الشأن، وكذلك بالنسبة للسياسة النقدية المشتركة. وقال إن خطوة كهذه يجب أن تكون في المرحلة الأخيرة من التكامل بين البلدين، مشدداً على ضرورة «أن تكون العلاقات الاقتصادية قوية بشكل لا يؤدي معها اعتماد عملة موحدة إلى تقلبات». ويتفق الوزير الروسي في رؤيته هذه مع نظيره البيلاروسي دميتري كروتوي، الذي قال أيضاً إن اعتماد عملة موحدة للبلدين يجب أن يكون في المرحلة النهائية من التكامل بينهما.
وعبرت فالنتينا ماتفينكو، رئيسة المجلس الفيدرالي الروسي (المجلس الأعلى من البرلمان الروسي) عن قناعتها بضرورة اعتماد عملة موحدة للبلدين، وقالت في تصريحات أخيراً إن «الاتحاد يجب أن يكون كاملاً (...) وفي مرحلة ما يجب أن تكون لديه عمله موحدة، لأنه سيكون من الصعب تبني سياسة نقدية موحدة مع عملات مختلفة في البلدين». وأشارت أيضاً إلى ضرورة توحيد آليات وقواعد عمل دوائر الضريبة والجمارك في البلدين، قبل أن تعود وتؤكد أن الحديث لا يدور عن التكامل بغية بناء دولة جديدة موحدة، وإنما دولة اتحادية.
وعبر مسؤولون بيلاروس عن رفضهم فكرة دولة جديدة موحدة تضم روسيا وبيلاروسيا، ويؤيدون التكامل في إطار الاتفاقية الاتحادية مع روسيا، لكن بصيغة تشبه «الاتحاد الأوروبي». وعبر الرئيس البيلاروسي في تصريحات مطلع مارس (آذار) الماضي عن دعمه فكرة العملة الموحدة، لكن بشرط أن تكون عملة جديدة، وألا يستخدم الروبل الروسي أو البيلاروسي كعملة موحدة. وفي اليوم ذاته، قال دميتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين: «من الممكن، بل ويجب بحث (مسألة العملة الموحدة) إذا كنا نريد المضي على درب بناء الدولة الاتحادية».
يعود تاريخ الاتفاقية الاتحادية إلى نهاية عام 1999، حيث وقّعها في 8 ديسمبر من ذلك العام الرئيسان الروسي بوريس يلتسين والبيلاروسي الكسندر لوكاشينكو. وبموجب الفقرات 13 و22 من نص الاتفاقية، يعمل الجانبان على مراحل لتبني عملة موحدة. وجاء في برنامج العمل لتنفيذ تلك الاتفاقية، أن العمل على تبني العملة الموحدة يجب أن ينتهي عام 2005. المحاولة الأولى في هذا المجال كانت منذ تولي فلاديمير بوتين الرئاسة عام 2000، حينها وقّع مع نظيره البيلاروسي اتفاقاً «حول اعتماد عملة موحدة وتأسيس مركز مالي موحد للدولة الاتحادية»، ونص على اعتماد الروبل عملة موحدة منذ مطلع عام 2005، على أن يتم إدخال عملة موحدة جديدة مطلع عام 2008. إلا أن تباينات في وجهات النظر حالت منذ ذلك الحين دون تنفيذ اتفاق العملة الموحدة. ومن العقبات التي حالت دون تنفيذ تلك الاتفاق خلاف حول مقر المركز المالي للدولة الاتحادية بعد اعتماد عملة موحدة. ومن ثم، برزت خلافات حول إمكانية تنفيذ هذه الخطوة دون التوصل إلى تفاهمات بشأن توفير شروط عمل موحدة للشركات الروسية والبيلاروسية في الفضاء الجغرافي للدولة الاتحادية.



«ستاندرد آند بورز» تحذر من تأثير السياسات الأميركية على اقتصادات أوروبا الوسطى

يزور الناس سوق عيد الميلاد في وسط مدينة بودابست بالمجر (رويترز)
يزور الناس سوق عيد الميلاد في وسط مدينة بودابست بالمجر (رويترز)
TT

«ستاندرد آند بورز» تحذر من تأثير السياسات الأميركية على اقتصادات أوروبا الوسطى

يزور الناس سوق عيد الميلاد في وسط مدينة بودابست بالمجر (رويترز)
يزور الناس سوق عيد الميلاد في وسط مدينة بودابست بالمجر (رويترز)

أفادت وكالة «ستاندرد آند بورز»، الخميس، بأن التصنيفات الائتمانية لأوروبا الوسطى، التي تحمل أغلبها نظرة مستقرة أو إيجابية، تتمتع بمرونة كبيرة، ولكن الطريقة التي ستتبعها الإدارة الأميركية الجديدة في الوفاء بوعودها الانتخابية قد تشكل تحدياً.

وفي تقرير بعنوان: «آفاق التصنيف السيادي لأوروبا الوسطى والشرقية لعام 2025»، قالت الوكالة إنه في ظل بعض السيناريوهات، قد تؤدي التعريفات التجارية الأميركية الأعلى على الاتحاد الأوروبي، وارتفاع حالة عدم اليقين بشأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى عرقلة نمو أوروبا الوسطى نتيجة تراجع الطلب الخارجي من أوروبا الغربية. وتعد كل من جمهورية التشيك والمجر وسلوفاكيا من البلدان الأكثر تأثراً بسبب الروابط العميقة مع قطاع السيارات الألماني، وقواعد تصنيع العلامات التجارية الألمانية. ومن المرجح أن تتأثر بولندا، أكبر اقتصاد في المنطقة، بشكل أقل بفضل اعتمادها المحدود على الصادرات وتنويع اقتصادها.

وقالت كارين فارتابيتوف، المحللة الرئيسة في وكالة التصنيف السيادي لأوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة، لـ«رويترز»: «التصنيفات مرنة للغاية. يمكن اختبار خطوط الأساس لدينا من خلال الطريقة التي تفي بها الإدارة الأميركية الجديدة بوعودها قبل الانتخابات». وأضافت: «قد تكون التأثيرات غير المباشرة من خلال الضعف في أوروبا المتقدمة، بما في ذلك ألمانيا، كبيرة للغاية. رغم أن خط الأساس يشير إلى مرونة التصنيفات، فإن عدم اليقين بشأنه قد زاد إلى حد ما».

وأوضحت فارتابيتوف أنه إذا كان الطلب المحلي الألماني مرناً، فمن غير المرجح أن تتأثر الصادرات البولندية بشكل كبير مقارنة بدول وسط أوروبا الأخرى، مثل المجر أو جمهورية التشيك، التي توجه صادراتها بشكل أكبر نحو قطاع السيارات.

وتتمتع بولندا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي خارج منطقة اليورو، أيضاً بأعلى نسبة من الإنفاق الدفاعي مقارنة بالناتج الاقتصادي بين دول حلف شمال الأطلسي، مما يجعلها أقل عُرضة لدعوات الرئيس المنتخب دونالد ترمب لزيادة الإنفاق الدفاعي.

وقال توني هوش، رئيس غرفة التجارة الأميركية في بولندا: «بولندا في وضع أفضل سياسياً واقتصادياً بالنسبة لأي تغييرات قد تطرأ نتيجة لإدارة ترمب الجديدة تجاه أوروبا». وأضاف: «سوف تتأثر إذا واجهنا مضاعفات تجارية، ولكن بشكل أقل من كثير من البلدان الأخرى، وربما بشكل أقل بكثير في بعض الحالات».

ومع ذلك، قد تتعطل القصة الإيجابية لبولندا في حال حدوث ركود حاد في الاقتصاد الألماني المجاور، وهذا يعتمد على تطورات الحرب في أوكرانيا. وقد حذّر بعض المستثمرين من أن هذين العاملين يشكلان مخاطر رئيسة.

نظرة بناءة

ورغم هذه التحديات، قالت فارتابيتوف إن «ستاندرد آند بورز» تحتفظ بنظرة بناءة بشكل عام بشأن توقعات النمو في أوروبا الوسطى، باستثناء أي صدمات خارجية كبيرة أو تصعيد في التوترات التجارية العالمية، والتي قد تعرقل مسارات النمو العالمية والأوروبية.

وأضافت: «في خط الأساس لدينا، ستظل أوروبا الوسطى والشرقية واحدة من أسرع المناطق نمواً في العالم، وعلى الرغم من التحديات المرتبطة بالتركيبة السكانية، فإننا نتوقع أداء نمو معقول على المدى المتوسط».

وتتوقع «ستاندرد آند بورز» أن يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا الوسطى إلى 2.8 في المائة خلال العام المقبل من 2 في المائة عام 2024، مدفوعاً بزيادة الإنفاق الاستهلاكي والاستثمارات بفضل الأموال الأوروبية.

وقالت فارتابيتوف إن البنوك المركزية في بولندا والمجر من المرجح أن تستأنف خفض أسعار الفائدة العام المقبل، على الرغم من أنّ كلاً من تقلبات العملة والتضخم الثابت في جميع أنحاء المنطقة قد خلق «خلفية صعبة للغاية» لصنّاع السياسات.

كما أضافت أن المشهد السياسي المتفتت بعد الانتخابات في رومانيا من المرجح أن يعقد جهود الحكومة في كبح العجز الكبير في الموازنة، الذي يبلغ نحو 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الهدف الذي تسعى رومانيا لتحقيقه على مدار سبع سنوات.

وقالت فارتابيتوف: «كما رأينا في بعض البلدان، يشكل خطر الائتلافات الحاكمة المتفتتة تهديداً لسياسات مالية أكثر مرونة».

وأوضحت: «في خط الأساس لدينا، نتوقع توحيداً تدريجياً في الأمد المتوسط، بدعم من توقعات نمو معقولة والجهود السياسية، لكن المخاطر التي تهدد هذا الخط الأساسي لا تزال قائمة. لدى رومانيا سجل حافل بنتائج مالية أضعف مقارنة بالأهداف المحددة».