الإعلام الليبي... حروب من داخل الاستوديو

فضائيات نقلت عملها إلى الخارج هرباً من الملاحقات

الليبي نعمان بن عثمان على قناة «ليبيا الأحرار» المؤيدة للإخوان
الليبي نعمان بن عثمان على قناة «ليبيا الأحرار» المؤيدة للإخوان
TT

الإعلام الليبي... حروب من داخل الاستوديو

الليبي نعمان بن عثمان على قناة «ليبيا الأحرار» المؤيدة للإخوان
الليبي نعمان بن عثمان على قناة «ليبيا الأحرار» المؤيدة للإخوان

في ثلاثة أشهر فقط، أطلق الصادق الغرياني مفتي ليبيا المعزول، عبر فضائية يمتلكها نجله، سهيل، أكثر من عشر دعوات صريحة بالتحريض على القتل ورفع السلاح ضد خصومه السياسيين، في إطلالات مسائية، استقبلها أنصاره بالرضا والتأييد، والمستهدفون بـ«بالغضب والانزعاج».
وفضائية «التناصح» التي تبث من تركيا، تُعد واحدة من الوسائط الإعلامية الليبية الكثيرة، الخاصة، التي تدار من خارج البلاد، ويتبنى بعضها خطاباً توجيهياً للجماعات المتشددة، بالإضافة إلى فضائيات تعمل من الداخل، وما بين هذه وتلك يغيب التأثير الرسمي لـ«الدولة الموحدة»، لتظل الهيمنة، إمّا لفضائيات رجال الأعمال والمال السياسي، أو للحكومتين المنقسمتين بين شرق البلاد وغربها.
المنظومة الإعلامية في ليبيا، على قدر ما بها من «هشاشة»، لم تنج من الوقوع تحت تأثير الانقسامات السياسية الحادة منذ رحيل نظام معمر القذافي قبل ثمانية أعوام وأكثر، فبدت استوديوهات بعض الفضائيات كساحة حرب، تجاوزت المِهنية إلى التحريض، والمواثيق الإعلامية إلى الشماتة وأحياناً التجريح، وهو ما أرجعه الصحافي والإعلامي الليبي عيسى عبد القيوم، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بعد (ثورة) 17 فبراير (شباط) عام 2011، ظهرت الحرية، وغابت المِهنية».
والفضائيات، التي لم تنأ بنفسها عن الانقسام العميق بين ساسة شرق البلاد وغربها، تتمدد على خريطة واسعة، من أنقرة إلى العاصمة الأردنية عمان، ومن القاهرة إلى العاصمة البريطانية لندن، لكن تظل العاملة منها في ليبيا تتقدم الخطوط الأمامية للقتال بمحتوى فئوي يعكس ميلاً سياسياً، فتجدها «تُرشد الجنود على الجبهة»، و«تبث الأغاني الجهوية، فرحاً بمقتل (أحد من الأعداء)»، بعيداً عن أي مبادئ حاكمة لصناعة الإعلام.
وأدى غياب التنظيم إلى انحراف ممارسات وسائل الإعلام بشدة، حتى إن معاهد ومراكز بحوث دولية؛ مثل المعهد الأميركي لمؤشرات السلام (USPI)، ومعهد الاستشارات ألتاي (Altai Consulting)، اعتبرت أن «الرأي العام الليبي لم يعد يثق بوسائل الإعلام الوطنية بسبب ممارساتها غير المهنية، وشيوع أنماط الأداء الحادة والمنفلتة، وعدم الالتزام بالقواعد المنظمة للعمل الإعلامي».
وكما أن الحرب بين المتقاتلين على الجبهة سجال، فهي في القنوات كذلك، إذ لم يجد أي من الفريقين غضاضة في أن يطلق إشاعات وأخبارا مضللة ضد الآخر، ما دام امتلك كل منهما الوسيلة الإعلامية التي تمنحه هذه المساحة، في ظل غياب هيمنة السلطة المركزية.
وبدأ «الجيش الوطني» الليبي عملية عسكرية منذ الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، قال إنها تستهدف «الجماعات الإرهابية».
فمن داخل العاصمة طرابلس تعمل مكاتب قنوات منها «ليبيا الوطنية»، و«ليبيا الرسمية» التابعتين للمجلس الرئاسي بحكومة «الوفاق الوطني»، تحت شعار «المنبر الإعلامي المتميز للدولة الليبية»، ولهما مكاتب تنتشر في عموم المنطقة الغربية، وسبق أن توقف مكتب «الوطنية» في سرت عن العمل منذ فبراير عام 2015 بعد سيطرة تنظيم «داعش» على المدينة، ونهبه وتخريبه، لكنه عاد للعمل بعد صيانته بدعم حكومي وأهلي.
وفي موازاة ذلك، تقف القنوات المعبرة عن منطقة شرق ليبيا، لتقدم رسالة مناهضة، في مقدمتها: «ليبيا الحدث» لسان حال «الجيش الوطني» الذي يقوده المشير خليفة حفتر، و«ليبيا الإخبارية» التلفزيون الرسمي الوحيد التابع للحكومة الليبية المؤقتة، بالإضافة إلى قناة «المستقبل» الموالية لمجلس النواب الذي يعقد جلساته في طبرق.
ومع تصاعد وتيرة معارك طرابلس التي دخلت شهرها الرابع، فقد انخرطت قنوات كلا الطرفين لتدافع عنه بكل الأساليب، وأوقفت جل برامجها، خصوصاً الليلية، لتوجيه الرأي العام، في محاولة لاجتذاب جمهور من (الطرف المعادي)، أو التشكيك فيما يقوله قادته العسكريين، حتى إن برامج المنوعات والـ«ست كوم» لم تخل من الغمز واللمز والسخرية من (المختلف معهم)، غير أن كثيرا من القنوات الممولة من قطر وتتحدث بلسان الجماعة الليبية المقاتلة، والإخوان المسلمين، دخلت على الخط وأشعلت الأزمة على أرضية دينية، وصلت إلى تحريض الغرياني، المقيم في تركيا، على قتل عناصر الجيش الليبي وأنصاره.
متابعون لحركة الإعلام الليبي، يحيلون بعضاً مما يجري على الساحة إلى حداثة التجربة، وظروف الفوضى التي ضربت البلاد منذ إسقاط القذافي. ويتذّكر عبد القيوم، (الذي قدّم برنامجاً سياسياً على «قناة ليبيا») أن «الإعلام الليبي بدأ يتعثر مع سيطرة الدولة عليه، وإلغاء القطاع الخاص بعد (انقلاب) العقيد القذافي في 1969»، إلى أن «مر بمرحلة أدلجة عقب اعتماد (الكتاب الأخضر) في 1977، ومن هنا بدأ مشوار انحدار الإعلام في البلاد».
و«الكتاب الأخضر»، ألفه القذافي عام 1975، وعرض فيه بعض أفكاره حول أنظمة الحكم، والمجتمع والسياسية والاقتصاد، لكن بعد أكثر من ثمانية أعوام على مقتله اختفى أثر الكتاب الذي حل مكان الدستور في ليبيا، طوال مدة حكمه، لكن بقيت قناة «الجماهير» المعبرة عن نظام القذافي، تعمل من خارج البلاد، وتبث دعاية مؤيدة للنظام السابق، ومواد فيلمية عن إنجازات العقيد.
بعض الذين اتجهوا إلى تأسيس قنوات خارج البلاد، تعللوا بأن مناخ ما بعد (انتفاضة) 17 فبراير التي أسقطت القذافي، غير ملائم لإنتاج صناعة إعلامية محايدة، وبالتالي اتجهوا إلى الخارج هروباً من الضغوط والتهديدات، لكن ما حدث على مدار السنوات الماضية، من تيارات الإسلام السياسي، أظهر عكس ذلك، إذ إن أجندتهم الخاصة واختلافاتهم الآيديولوجية كانت حاضرة في برامج قنواتهم، كما أن معركة طرابلس، لم تكن بعيدة أيضاً عن ساحة استوديوهات «التناصح» و«النبأ».
واحدة من إطلالات الغرياني، الذي يتربع على عرش قناة «التناصح» يمتلكها نجله سهيل، والمتهمة بالحض على الكراهية والعنف، أفتى مبكراً بوجوب قتال قوات «الجيش الوطني» عندما كان يقاتل تنظيم «داعش» في بنغازي، ومؤخراً، أفتى ضمنياً بأن العاملين فيما سماها بـ«قنوات الفتنة» في حكم «القَتَلة» «لأنهم يقتلون بالكلام مثلهم مثل من يقتل بالسلاح».
«التناصح» تتبع في الأساس دار الإفتاء الليبية، قبل أن تتبنى دعم ما يسمى «مجلس ثوار بنغازي»، في مواجهة «الجيش الوطني»، أمّا قناة «النبأ» المدرجة ضمن الكيانات الإرهابية المصنفة من قبل الرباعي العربي في يونيو (حزيران) 2017، ويمتلكها عبد الحكيم بلحاج، القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة، انطلقت في أغسطس (آب) 2013. وبعد سيطرة ميلشيات «فجر ليبيا» على العاصمة طردت جميع القنوات الخاصة واستبقت على «النبأ»، التي تحاصرها الاتهامات بتعمد بث أخبار مضللة، حيث كانت في مقدمة القنوات التابعة لقطر وتنظيم الإخوان المسلمين، التي بثت أخباراً عن «موت حفتر» في فرنسا، خلال شهر أبريل العام الماضي.
وفتحت «التناصح» و«النبأ» وغيرهما من القنوات التي تبث من خارج ليبيا، الطريق أمام المال السياسي، والتمويلات الخارجية العابرة للإعلام الليبي الخاص، وهو ما وصفه متابعون لـ«الشرق الأوسط» بأنه «إحدى الكوارث التي حلت على ليبيا بعد (انتفاضة) 17 فبراير»، وقال عبد القيوم: «مع ثورة فبراير بدأ عهد الإعلام الممول من دول أجنبية... تجربة سيئة بدأتها قطر بدعم (الثوار) ضد القذافي، ثم (الإسلاميين) ضد (الوطنيين) وصولاً إلى مرحلة دعم الميليشيات ضد الدولة الشرعية، وهو ما نعيشه الآن».
والقنوات التابعة لجماعة الإخوان وتتبنى خطاباً آيديولوجياً كثيرة، بينها «ليبيا بانوراما» وتعمل من خلال عدد كبير من المراسلين وخاصة بغرب البلاد، وتُعنى بشؤون حزب العدالة والبناء الذراع السياسية للجماعة، وأجرت مؤخراً حواراً مع رئيسه محمد صوان، نال فيه من حفتر، ثم «ليبيا لكل الأحرار»، (L P C) المملوكة لشركة الريان القطرية، وكانت تبث منذ افتتاحها من الدوحة، قبل انتقالها إلى العاصمة التركية أنقرة، بالإضافة إلى قناة «الرائد»، الموالية لـ«الإخوان».
والحاصل أن قطاعاً كبيراً من القنوات الليبية تم توظيفها عمداً وفقاً لرغبات لرأس المال، لمصلحة أحد طرفي الحرب الدامية في طرابلس، بعيداً عن دورها المِهني. ومبكراً أثبتت دراسة علمية للباحث الدكتور محمد علي الأصفر، أعدها في فبراير 2015، أن «الفضائيات الليبية أسهمت في تأجيج الصراع، وباتت أداة من أدوات القتال، عبر تحيزها وبث الأخبار المجهّلة».
وتعرضت وسائل إعلام عاملة في البلاد لموجة كراهية عقب إسقاط القذافي، اضطرت بعض القنوات والوسائل الإعلامية للإغلاق، ودفعت رجال أعمال لإنشاء قنوات خارج ليبيا تفاديا للمداهمات والضغوط الأمنية التي مارستها الميليشيات المسلحة خاصة في غرب البلاد، فتم تدشين قنوات «الوطن»، و«ليبيا 24»، و«218»، منوعات، و«218 نيوز»، و«ليبيا روحها الوطن» في بلدان عربية عدة.
فمن منطقة برقاش بمصر فضّل رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الوسط» محمود شمام وزير الإعلام في أول حكومة ليبية بعد القذافي، تدشين قناة «wtv» في الذكرى الثامنة لـ(انتفاضة) 17 فبراير. وقال المسؤولون في المؤسسة، إن المحتوى البرامجي للقناة «سيهتم بما يبرز ويخدم الهويّة الليبية في إطار ثقافي متميز، وسيكون للمرأة والشباب عموماً الحيز الكبير فيما ستقدمه القناة لمشاهديها».
ورغم كل السلبيات والانتقادات التي يواجهها الإعلام الليبي، فإن عبد القيوم الصحافي والإعلامي الليبي، انتهى إلى أن التجربة، بكل ما فيها من تجاوزات: «ربما تكون أسهمت في خلق فرص ممتازة لتطوير بعض الكوادر، ورفع سقف التنافس، وهو ما نأمل بأن يساعد على استعادة الإعلام لتوازنه بعد استعادة سيادة الدولة».


مقالات ذات صلة

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحدّ من انتشار «المعلومات المضلّلة»، يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مرّرَتها المنصة الأشهَر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة برغم تقييد الإعلانات.

ما يُذكر أن «فيسبوك» أعانت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» – التي تملك «فيسبوك» – «غير متمرّسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، عدّ قرار «ميتا» الأخير «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ميتا تخشى اتهامها بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع إبان الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما وأنه سبق اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحدّ من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال المعلومات المضلّلة تحدياً قائماً برغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار الأخبار الكاذبة»، وقال عن دور الشركة في هذا الصدد: «لقد عزّزَت (ميتا) التعاون مع جهات خارجية للتحقّق من صحة الأخبار، فباتت تعتمد على منظمة (فاكت تشيك/ FactCheck)، وشبكات من المؤسسات المستقلة؛ للتحقّق من الأخبار المتداوَلة عبر المنصة».

واستشهد الدكتور مصطفى ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»؛ «إذ تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرّف على بعض الأنماط المتكرّرة للمحتوى المسيء، وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر»، غير أنه مع ذلك عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، مشيراً إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة، أو فهم السياقات الثقافية المعقّدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص خطاب الكراهية».

هذا، وكانت المنظمة الدولية «غلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرةً على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضلّلة الضارّة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنةً بمنصة مثل «تيك توك»، لكن التقرير لم ينفِ التورّط في نشر «معلومات مضلّلة» برغم القيود، كذلك ذكر التقرير أن «فيسبوك» وافَق على واحد من بين 8 إعلانات اختبرت بها المنظمة قيود المنصة للحَدّ من «المعلومات المضلّلة»، ما رأته المنظمة «تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بأداء المنصة السابق مع أنه لا يزال غير كافٍ».

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية»، إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصّتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وحول هذا الأمر، علّق خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» بمصر والمملكة العربية السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، على قرار «ميتا» بالقول إننا بصدد محاولات عدّها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهذه مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادّة في الحدّ من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدّية من خلال تقييد أي منشور موجّه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضلّلاً وزائفاً طُوّر بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي أن «(ميتا) لم تفرض قيوداً على الإعلانات بشكل عام، بل على نوع واحد فقط هو الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام»، ودلّل كذلك على قلة جدّية الشركة بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادّة، من بينها توظيف (فِرق سلامة) معنية بمراجعة النصوص؛ للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن عمل هذه الفِرق أُنهِي لاحقاً، ما يشير إلى أن ادّعاءات المنصة لم تكن جدّية».