أفاد مركز «ستراتفور» الاستخباراتي بأن استيلاء «الحرس الثوري» الإيراني على ناقلة النفط البريطانية يزيد من مخاطر التصعيد أكثر من أي وقت مضى وسط إشارات متناقضة بين طهران وواشنطن إزاء التفاوض، وأن الأحداث المتصاعدة من الجانبين تشير إلى أن المواجهة ستحتد قبل أن يتمكن الطرفان من إيجاد حل.
وجاء في بحث، تنشر «الشرق الأوسط» ترجمة خاصة له، أنه في ساعة متأخرة من يوم 19 يوليو (تموز) الحالي، قامت ناقلة نفط كبيرة ترفع العلم البريطاني وتحمل اسم «ستينا إمبيرو» بتغيير خط سيرها بشكل مفاجئ وغير مخطط تجاه إيران. جرى تتبع السفينة فيما كانت تبحر باتجاه الموانئ الإيرانية قرب مدينة «بندر عباس»، جنوب إيران، قبل أن يتوقف جهاز الإرسال عن العمل. تكرر الشيء نفسه مع ناقلة ثانية تحمل اسم «مصدر»، مملوكة لليبيريا وتحمل العلم البريطاني، حيث اتخذت مسارا مماثلا قبل أن يغلق جهاز الإرسال. وأفاد الحرس الثوري الإيراني في وقت لاحق بأنه أوقف سفينة «مصدر» لفترة وجيزة لتحذيرها من مخالفة «اللوائح البيئية» ولفت نظره طاقمها إلى بعض الأمور الأخرى قبل السماح لها بمواصلة الإبحار.
عقوبات بريطانية
دفعت كل هذه الأحداث المسؤولين البريطانيين إلى عقد اجتماع وزاري طارئ، ومن المحتمل أن يجري تفسير الإجراءات الإيرانية على أنها إجراء انتقامي لقيام المملكة المتحدة باحتجاز الناقلة الإيرانية «غريس 1» في 4 يوليو في «جبل طارق» للاشتباه في تهريب النفط الإيراني إلى النظام السوري.
إذا كان الأمر كذلك فمن المرجح أن تحتفظ إيران بناقلة «ستينا إمبريو» كورقة مساومة لإقناع المملكة المتحدة بالإفراج عن «غريس 1». ومع ذلك، فإن كل حدث عدائي من هذا القبيل يزيد من خطر نشوء صراع أوسع بين إيران وخصومها. وربما يدفع احتمال فرض عقوبات بريطانية جديدة على إيران بسبب هذه الحوادث، إيران، إلى الانخراط في المزيد من الاستفزازات، ما يزيد من فرص رد الولايات المتحدة وحلفائها بضربة عسكرية محدودة تستهدف المنشآت الإيرانية.
إن احتمال فرض عقوبات بريطانية جديدة على إيران بسبب تلك الأحداث قد يدفع إيران إلى الانخراط في المزيد من الاستفزازات، مما يزيد من فرص رد الولايات المتحدة وحلفائها بتوجيه ضربة عسكرية محدودة.
كانت الولايات المتحدة أول من أشار إلى أن إيران ربما تكون احتجزت الناقلة التي توقف جهاز إرسالها عن العمل في 13 يوليو بعد دخولها المياه الإيرانية عبر مضيق هرمز. وجرى التعرف في البداية على السفينة «إم تي رياه»، وهي ناقلة صغيرة تحمل مليوني لتر من المنتجات البترولية (نحو 12500 برميل)، باعتبارها مملوكة لإماراتيين وتحمل العلم البنمي. لكن الإمارات العربية المتحدة نفت ملكيتها للناقلة وأفادت بعدم احتجاز أي إماراتيين.
تشبه الأحداث الأولية أحداثا سابقة شهدتها المنطقة خلال الشهرين الماضيين عندما استهدفت إيران أو التنظيمات المرتبطة بها ست ناقلات نفط في حادثين منفصلين. ويشير رد وزارة الخارجية الأميركية تجاه إيران في 18 يوليو - وهو مطلب بالإفراج الفوري عن الناقلة «إم تي رياه» - إلى أن واشنطن تنظر إلى الحادث على أنه استفزاز إيراني جديد.
إلا أن التوصيف الأميركي للحدث توارى إلى حد ما بسبب ادعاء الحرس الثوري الإيراني لاحقا بأنه احتجز الناقلة واعتقل الطاقم بسبب تهريبه للوقود المزعوم. ولهذا التفسير بعض المنطق والمعقولية بالنظر إلى حملة إيران الطويلة لكبح جماح عمليات التهريب التي يباع فيها الوقود المدعوم في إيران في الخارج بأسعار أعلى.
احتجاز غامض
في الواقع، في أبريل (نيسان)، استولى الحرس الثوري الإيراني على ناقلة صغيرة تحمل 11 مليون لتر من الوقود المهرب من إيران في مضيق هرمز. ومع ذلك، وبالنظر إلى احتجاز الناقلة «ستينا إمبريو» في 19 يوليو، فقد استولت إيران على الناقلة «إم تي رياه» التي ترفع العلم البنمي بسبب اعتقاد خاطئ بأنها مملوكة لبريطانيا، وهو ما يمكن أن يفسر سبب عدم وضوح قصة إيران في هذه المرحلة.
من المؤكد أن الناقلة «إم تي رياه» تحمل العلامات المميزة لسفينة تستخدم في عمليات التهريب. وخلال العام الماضي، أوقفت الناقلة جهاز إرسالها أكثر من عشرين مرة ولم تقم بإجراء أي مكالمات في الميناء أثناء إجراء العشرات من عمليات نقل الشحنات من سفينة إلى أخرى في المياه قبالة سواحل دبي وسلطنة عمان.
بطبيعة حالة، يشارك الحرس الثوري الإيراني في عمليات تهريب النفط المربحة، ما يعني أن احتجاز «إم تي رياه» يمكن أن يكون محاولة من الحرس الثوري الإيراني لتقويض حلقة تهريب منافسة. ومع ذلك، ومنذ ذيوع الأخبار، لم يدّع أي كيان ملكية «إم تي رياه» ولم يطالب حتى بكشف جنسيات أفراد الطاقم المحتجزين.
غارة مجهولة
في هذه الأثناء، أظهرت لقطات فيديو التقطت في العراق نشوب حريق بمستودع يحوي صواريخ باليستية أرسلتها إيران في وقت مبكر من يوم 19 يوليو، لتشير إلى احتمال وقوع هجوم، لكن البنتاغون نفى حتى الآن أي علاقة في أي غارة جوية.
ومع ذلك، فإن الانخراط الأميركي لا يزال محتملا - بالنظر إلى تقييم الولايات المتحدة - أن تهديدات جاءت من الأراضي العراقية بدعم إيراني. كما أن مقتل اثنين من أعضاء «حزب الله» اللبناني في حادثة 19 يوليو يشير أيضا إلى احتمال تورط إسرائيل في الهجوم بالنظر إلى مخاوفها من تزايد مخزون الأسلحة الإيرانية في مستودعات الميليشيات الشيعية في العراق. وفي حال تورط إسرائيل في انفجار المستودع فسيكون ذلك تصعيدا ملحوظا تجاه الجهود الإسرائيلية لتحدي إيران عسكريا.
الأسبوع الحالي، سنت الولايات المتحدة أيضا عقوبات بموجب قانون «غلوبال ماجنيتسكي» للحد من نفاذ إيران داخل العراق، وذلك بتقييد قدرة زعماء التنظيمات المتحالفة مع إيران على السفر أو إجراء معاملات مالية. إذ جرى معاقبة قائدي اللواء 30 و50 من وحدات «الحشد الشعبي»، إضافة إلى اثنين من حكام المقاطعات السابقين، أحدهما معروف بعلاقاته الوثيقة بإيران.
تسلط العقوبات الضوء على الطبيعة متعددة الأوجه للجهود الأميركية للحد من النفوذ الإيراني بجميع أنحاء الشرق الأوسط. ورغم نفي واشنطن أن الولايات المتحدة لها علاقة بانفجار المستودع، فإن ذلك سيكون بمثابة جهد منطقي لإرسال رسالة إلى إيران مفادها أن استخدام العراق قاعدة انطلاق لمهاجمة القوات الأميركية والمنشآت والحلفاء لن يجري التسامح معه.