«استوديو عماد الدين» لاستعادة العصر الذهبي للمسرح المصري

جانب من ورشات الاستوديو الفنية لذوي الاحتياجات الخاصة
جانب من ورشات الاستوديو الفنية لذوي الاحتياجات الخاصة
TT

«استوديو عماد الدين» لاستعادة العصر الذهبي للمسرح المصري

جانب من ورشات الاستوديو الفنية لذوي الاحتياجات الخاصة
جانب من ورشات الاستوديو الفنية لذوي الاحتياجات الخاصة

منذ إنشائه عام 2005، يفتح «استوديو عماد الدين» أبوابه لتعليم الشباب والفتيات فنون المسرح وتقنياته، فضلاً عن تدريبات الرقص التعبيري والإلقاء، ولا يضع المسؤولون في الاستوديو شروطاً يخضع لها المتدربون، فمنهم من لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، ومنهم من كان في الخامسة والثلاثين، وهناك برامج وورشات لذوي الاحتياجات الخاصة حيث يمكنهم التعبير عن أنفسهم من خلال أنشطته وفعالياته.
وفي عام 1924 أنشأ المخرج السينمائي المصري محمد بيومي استوديو صغيرا في شارع جلال الموازي لشارع عماد الدين (وسط القاهرة) سماه «بيومي فوتو فيلم»، كانوا يطلقون عليه أحيانا استوديو عماد الدين، واستمر في العمل عاماً واحداً فقط، وشهد تصوير الفيلم القصير «الباشكاتب».
وحين ظهر استوديو عماد الدين عام 2005، لم يكن بالطبع أمام المخرج أحمد العطار مديره وصاحب فكرة إنشائه، تجربة بيومي فقط، لكن كان أمامه سينمائيون كثيرون، كان شارع عماد الدين يضم مؤسساتهم الفنية ودور عرضهم، وشركاتهم التي تعمل في مجال الإنتاج السينمائي، والمسرح، والغناء والرقص، وقد اشتهر الشارع في جانب منه بصناعة الفن.
وعلى جانبيه، من ناحية شارع 26 يوليو إلى نهايته في شارع رمسيس كانت المسارح ودور السينما والملاهي الليلية والحانات، أما المباني السكنية فقد ضمت مكاتب وكلاء الفنانين ودور الإنتاج ومتعهدي الحفلات، ولعقود عدة كان شارع عماد الدين يعتبر منبع الفنون في مصر والشرق الأوسط.
تقول باسمة حامد، مسؤول العلاقات العامة بالاستوديو لـ«الشرق الأوسط»، إن الاستوديو «يسعى لتنشيط المسرح، وإقالته من عثرته، عبر ضخ دماء جديدة فيه تعيد أمجاد هؤلاء العمالقة من فناني الخمسينات»، وأشارت إلى أنه (الاستوديو) «واحد من أهم المشروعات الخاصة بفنون الأداء، ومهمته تكمن في توفير أماكن وساحات تؤدي الفرق الخاصة بروفات مسرحياتهم في براحها، حيث لا يتدخل أحد فيما يقدمون، نحن فقط نوفر المكان، نقوم بتأجيره بأسعار رمزية لطلبة الجامعات والفرق الخاصة».
ومن بين أنشطة الاستوديو حسب ما ذكرت حامد، تنظيم ورشات فنية، خاصة بالمسرح وتقنياته، فضلا عن التمثيل والإخراج، والرقص المعاصر، وهناك أيضا مهرجان «البقية تأتي» ويضطلع أساساً بالفنون الأدائية التي ينظم لها الاستوديو تدريبات خاصة للفنانين الشباب، ويقام كل عامين، و«دي كاف» وهو واحد من أكبر الفعاليات، التي تشهدها أماكن مختلفة بالقاهرة الخديوية، هذا إلى جانب فرقة «المعبد» المسرحية التي يتولى إدارتها وإخراج أعمالها الفنان أحمد العطار، كما يقدم الاستوديو مشروع «مكتبي» ويتم من خلاله توفير أماكن لأصحاب الفنون الإبداعية، من المتخصصين في التصميم، والإعلام، والمسرح والسينما.
من جهتها، تقول نيفين الإبياري، مديرة الورشات والتدريبات في الاستوديو، إنها والعطار قاما بتأسيس الاستوديو قبل 14 عاماً، قبل أن تتوسع أنشطته. ولفتت الإبياري إلى أن «التدريبات والورشات التي يقدمها استوديو عماد الدين، تأخذ منحى أكاديميا، أشبه بما تقدمه المعاهد الفنية، ويقوم بها فنانون من مصر والدول العربية، وأوروبا، وهي منتظمة طوال شهور السنة، وتتنوع بين الإخراج والتمثيل، والكتابة، والإضاءة، والإدارة المسرحية، وهي فنون يسعى المشاركون في الورشات على إكسابها للمتدربين من أجل تسهيل حصولهم على وظائف مطلوبة دائما في سوق العمل الفني».
وأشارت الإبياري إلى أنها قامت منذ عام 2008 بعمل مهرجان «البقية تأتي»، الذي امتد لثلاثة أيام، وشاركت فيه أربع فرق، وتم تنفيذ معظم عروضه على مسرح الفلكي بالجامعة الأميركية بالقاهرة.
ومن بين المشروعات المجتمعية التي يقدمها استوديو عماد الدين، ورشة بعنوان «باك استيدج» في منطقة عزبة خير الله بالتعاون مع جمعية «تواصل»، انطلقت منذ بداية العام الحالي، وتستمر حتى نهايته، وتهدف لتعليم أبناء المنطقة تقنيات المسرح، وتعليمهم مهارات يمكن من خلالها الالتحاق بسوق العمل، وقد تم تدريب 12 شاباً وفتاة على فنون الإضاءة والصوت والإدارة المسرحية والإنتاج، وتتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة، وحصلوا على تدريبات عملية في الدورة الأخيرة من مهرجان «دي كاف».
ويبقى من بين الأعمال التي تخطط الإبياري لتنفيذها في استوديو عماد الدين ورشة عنوانها «360 درجة» لا تتوقف عند إعداد الممثل فقط ولكنها أيضا تكسبه مهارات الإلقاء والرقص وفنون الحركة التي تركز على لغة الجسد.
ولا يتوقف دور استوديو عماد الدين عند ذلك لكنه أيضا يتجه لتعليم فن التعبير الحركي لشباب وفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي ورشة تقوم على التدريب فيها الفنانة الفرنسية فلورانس منتيين، والتي تعيش في القاهرة، وقامت بتقديم أربع نسخ منها، كان آخرها منذ عدة شهور، كما أنها تقوم بتدريس برنامج لغة الجسد واليوجا وغير ذلك من فنون الأداء الجسدية في ورشات الاستوديو بشكل عام.
ولا تهتم فلورانس حسب ما قالت لـ«الشرق الأوسط»، بتتويج تدريبات المشاركين في الورشة، بعرض ما، بقدر ما تسعى لتنمية إمكانياتهم التعبيرية بالجسد، لكنها مع ذلك تعمل منذ فترة على فكرة عرض يقدمونه، مستغلة في ذلك رغبتهم الكبيرة في التفاعل مع الجمهور، وتطلعهم للتعبير عما بداخلهم من مشاعر وأحاسيس وخصوصية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».