تأجيل مفاوضات «الوثيقة الدستورية» يهدد الثورة السودانية ومكتسباتها

توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى في الخرطوم  (أ.ب)
توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى في الخرطوم (أ.ب)
TT

تأجيل مفاوضات «الوثيقة الدستورية» يهدد الثورة السودانية ومكتسباتها

توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى في الخرطوم  (أ.ب)
توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى في الخرطوم (أ.ب)

الجولة الحاسمة من المفاوضات الماراثونية بين مفاوضي «قوى الحرية والتغيير» و«المجلس العسكري الانتقالي» تأجلت من اليوم إلى وقت لاحق، وعلى طاولة التفاوض بنود «الإعلان الدستوري» الذي يفصّل ويكمّل ما توافق عليه الطرفان في «الإعلان السياسي»، ووقّعا عليه بالأحرف الأولى، فجر الأربعاء 17 يوليو (تموز) 2019.
غياب الثقة العنوان الحقيقي للأزمة التي أدَّت لكل هذا التعقيد والتطويل في جولات التفاوض، فـ«قوى الحرية والتغيير» تصف المجلس العسكري بالمراوغة والاستهانة بالعهود والوعود، وتستدل على ذلك بحادثة فض الاعتصام الدامية، بينما المجلس العسكري من جانبه لم يخفِ هواجسه من أجندة مطوية خلف الشعارات تستهدف تفكيك المنظومات النظامية، وبالتحديد جهاز الأمن والمخابرات السوداني، وقوات الدعم السريع، وربما الجيش السوداني نفسه، في مرحلة لاحقة.
غياب الثقة أدى من جانب «قوى الحرية» للتشدد في المطالبة بتحصين القرار التنفيذي الذي يصدر من مجلس الوزراء عن أي مراجعة أو نقض من جانب مجلس السيادة، رغم الغالبية المدنية فيه، فمعظم البنود محل الخلاف التي تُناقَش اليوم تتعلق بمهام واختصاصات وقرارات المجلس السيادي.
ومن جانب المجلس العسكري، فهو يرى أن القرارات ذات الصفة «التشريعية» تمثل تهديداً كبيراً لمستقبل القوات النظامية خاصة، وللبلاد عامة، وقد تؤدي للانزلاق في حضن الفوضى. وفي لقائه برؤساء تحرير الصحف السودانية يوم الجمعة 28 يونيو (حزيران)، 2019، جادل الفريق أول عبد الرحمن البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي بأن تجربة الحكم الانتقالي السابقة في 1985 لم تتطلب إنشاء مجلس تشريعي، وتولى المجلس العسكري الانتقالي مع مجلس الوزراء مهام التشريع، لحصر المهمة في «تسيير» الدولة فقط، وأكد بكل وضوح أن المجلس العسكري يرى أن التشريع في الفترة الانتقالية يجب ألا يمسّ هياكل الدولة السودانية، لأن ذلك من مهام مجلس تشريعي منتخب ويحظى بشرعية دستورية طبيعية.
وكان الطرفان، المجلس العسكري الانتقالي، و«قوى الحرية والتغيير»، في جولات سابقة مبكرة، اتفقا على نسبة 67 في المائة من مقاعد المجلس التشريعي لصالح «قوى الحرية والتغيير» وترك الـ33 في المائة المتبقية لكل القوى السياسية الأخرى (عدا «المؤتمر الوطني»)، فيصبح السؤال الحتمي: لماذا وافق المجلس العسكري بكل هذه الأريحية والكرم الحاتمي على إهداء ثلثي مقاعد المجلس التشريعي «البرلمان» لـ«قوى الحرية والتغيير»؟ ثم لماذا عاد وتنكر لهذا الوعد للدرجة التي يكاد يطالب فيها بإلغاء المجلس التشريعي؟
حسب مصدر قيادي في الصف الأول لـ«قوى الحرية والتغيير»، فإن أول جولة مفاوضات بين الطرفين بعد انتصار الثورة شهدت نقاشاً حول المجلس التشريعي، وكان أعضاء الوفد المفاوض عن «قوى الحرية والتغيير» قبل دخول قاعة التفاوض متفقين على المطالبة بـنسبة 40 في المائة من مقاعد المجلس التشريعي، وكموقف تفاوضي داخل القاعة بدأ الوفد المطالبة بنسبة 67 في المائة، وكان لدهشتهم أن وافق وفد المجلس العسكري دون تردد.
هذه الواقعة تبرهن على أن الطرفين، «قوى الحرية والتغيير» والمجلس العسكري لم يكونا في بداية المفاوضات يضعان اعتباراً كبيراً لدور المجلس التشريعي، وهو نمط سوداني شائع عبر العهود السياسية في وضع المجلس التشريعي بالدرجة الثالثة من الأهمية بعد المستوى التنفيذي في مجلس الوزراء، والمستوى السيادي في مجلس السيادة.
لكن الأسابيع التي أعقبت التفاهمات الأولية وموافقة المجلس العسكري على نسبة 67 في المائة من مقاعد المجلس التشريعي لـ«قوى الحرية والتغيير»، شهدت رفع شعارات ومطالبات بحل جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وتصفية قوات الدعم السريع، ومن هنا بدأ التوجس في المنظومة النظامية، والانتباه للدور الخطير الذي يلعبه المجلس التشريعي في إصدار قوانين تعيد هيكلة ما يعتبرونه من المحرمات التي لا تتناسب مع مهام الفترة الانتقالية.
الخلاف حول «الإعلان الدستوري»، موضوع مفاوضات اليوم، يعكس «الانتباهة» المتأخرة لدور المجلس التشريعي، هذه الانتباهة التي أدت بالمجلس العسكري للتراجع عن موافقته السابقة على نسبة الـ67 في المائة، ثم تأجيل مناقشة توزيع مقاعد المجلس التشريعي للتفاوض خلال الثلاثة أشهر المقبلة.
ورغم أن اللجان الفنية القانونية المساعدة للطرفين أوعزت للإعلام بتجاوزها عقدة «الضمانات» التي تمثل واحداً من بنود «الإعلان الدستوري» فإن البعد الجماهيري لحادثة فض الاعتصام يلعب دوراً مؤثراً على وفد «قوى الحرية والتغيير»، فموافقة اللجان الفنية القانونية لا تعني اقتناع الجماهير التي خرجت في مظاهرات ترفع شعار «العدالة أولاً» بحجة قبول، وتجاوز هذا البند.
وكان المجلس العسكري وضع بنداً في الإعلان الدستوري يمنح ضمانات من المساءلة أو القبض أو المحاكمة لعضويته خلال تحمُّلِهم لأعباء المنصب.
الخلافات بين مكونات «قوى الحرية والتغيير» حول توقيع الإعلان السياسي، قد تكون مهددة للتوصل إلى اتفاق حول «الإعلان الدستوري»، فكتلة «الإجماع الوطني» التي تضمّ عدداً مقدراً من الأحزاب السودانية، وعلى رأسها الحزب الشيوعي السوداني، رفضت «الإعلان السياسي» ولم تشارك في جلسة التوقيع عليه بالأحرف الأولى، و«الجبهة الثورية السودانية» التي تمثل أحد أهم مكونات كتلة «نداء السودان» داخل تحالف «قوى الحرية والتغيير» أصدرت بيانات أعلنت رفضها لـ«الإعلان السياسي» ووصفت التوقيع عليه بأنه تجاهل لتفاهمات جرت في أديس أبابا بين قادتها ووفد من «قوى الحرية والتغيير».
قد يكون في حكم المؤكد التوقيع على «الإعلان الدستوري» ليكتمل بنيان الاتفاق حول هياكل الفترة الانتقالية، لكن في المقابل يسود شك كبير في عدد الجولات والمدة التي قد يبددها الطرفان قبل الوصول إلى الاتفاق، فيبقى السؤال، هل يؤدي التأخير إلى تهديد حقيقي يطيح بالثورة السودانية ومكتسباتها؟
الإجابة توفرها شواهد كثيرة ترتبط بعمق قوى «الثورة المضادة» من أتباع النظام السابق الذين ينشطون في الخفاء، ويعيدون تنظيم أنفسهم لمجابهة مخاطر الإقصاء والمساءلة المتوقعة.
كثير من المصادر أكدت أن «حزب المؤتمر الوطني» المطاح به شعبياً أعاد تكوين قيادته بكوادر لم تكن ظاهرة على سطح المشهد السياسي، علاوة على تحكمه في منظومة شبه عسكرية متهمة بارتكابها كثير من الجرائم قبل وبعد انتصار الثورة الشعبية.
تأخر التوقيع على «الإعلان الدستوري» يمنح هذه القوى المضادة مساحة زمنية وإحباطاً جماهيرياً يسهّل مهمتها في إفشال الفترة الانتقالية، وإعادة إنتاج النظام القديم في ثوب جديد.



«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.