البرازيل تتحرر من «أسر» نيمار وتستعيد توازنها

لا يمكن القول إن فوز البرازيل ببطولة «كوبا أميركا» على أرضها جاء بمثابة مفاجأة، فقد استضافت البرازيل البطولة خمس مرات، وبفوزها على بيرو بنتيجة 3 - 1 في المباراة النهائية، تكون بذلك قد فازت بها خلال المرات الخمس. ومع هذا، فإن التلميح بأن الفوز بالبطولة كان نتاجاً حتمياً لمسيرة المنتخب، سيكون مضللاً بالتأكيد ويتجاهل حقيقة أن آخر نجاح للبرازيل في اقتناص بطولة كبرى كان منذ 12 عاماً ماضية، الأمر الذي يضفي على هذه البطولة أهمية خاصة لها.
من خلال الفوز بالبطولة، أظهرت البرازيل قدرتها على التعامل مع فكرة كونها المرشح الأول للفوز ببطولة ما، وأن هذه التوقعات لم تثقل كاهلها وتسقطها أرضاً مثلما حدث معها على نحو مدوٍ خلال بطولة كأس العالم منذ خمس سنوات. واللافت أن البرازيل فازت بالبطولة باعتمادها على أسلوب لعب عصري وتقدمي في الجزء الأكبر منه، والأهم من ذلك، أنها حققت هذا الإنجاز في ظل غياب نيمار بسبب الإصابة، الأمر الذي جاء بمثابة انتصار كبير لمدرب «راقصي السامبا» تيتي وكل ما يجسده من قيم.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هزيمة البرازيل أمام بيرو في فوكسبورو منذ ثلاثة سنوات، والذي تسبب في خروج البرازيل من دور المجموعات ببطولة «كوبا أميركا» المئوية، شكلت بداية التحول المتأخر للبرازيل نحو الحداثة. ورحل دونغا وجاء تيتي، الذي كان بعيداً تماماً عن ضيق الأفق الذي اتسم به سلفه. وحرص تيتي على دراسة الفرق الأخرى وسافر إلى أوروبا للتعلم واتبع أسلوباً في اللعب يعتمد على الضغط.
ومع هذا، خلال منافسات بطولة كأس العالم، كان هناك شعور بأن طريق تيتي كان مسدوداً دوماً بعقبة نيمار، النجم العالمي الذي كان من المتعذر الاعتماد عليه في الضغط وتسبب في إبطاء وتيرة أداء الفريق.
وشهدت البطولة التي استضافتها روسيا لحظات أظهر خلالها منتخب البرازيل ما يمكنه تقديمه لولا وجود نيمار، خاصة أمام المكسيك في دور الـ16. وأضر وجود نيمار أداء الفريق بشكل خاص أمام بلجيكا عندما خلقت انطلاقات توماس مونييه غير المقيدة عبر الجانب الأيمن ضغوطاً هائلة على فيليبي كوتينيو، الذي ربما تحمل واجبات دفاعية تفوق استطاعته.
من دون نيمار في هذه البطولة، أصبح منتخب البرازيل يحمل صبغة الأداء المميز لفكر تيتي على نحو كامل. وتأكدت عبقرية تيتي بعد البطاقة الحمراء التي تلقاها غابرييل جيسوس في الدقيقة الـ70. لفترة وجيزة، بدا أن بيرو التي بدأت في تشكيل خطر، ربما تتمكن من فرض ضغوط حقيقية. إلا أن تيتي نجح في التصرف بحسم باستدعائه فيرمينو إلى خارج الملعب والدفع بريتشارليسون بدلاً منه والذي تعامل مع الكرة ببراعة، ومع دفع داني ألفيس نحو داخل قلب الملعب بعد تقدم إيدر ميليتاو لدعم كوتينيو، نجح تيتي في كبح جماح الزخم في صفوف بيرو.
في بطولة كأس العالم، غالباً ما بدا تيتي الرجل الأكثر هدوءاً داخل معسكر البرازيل، وهنا من جديد بدا شخصاً حاسماً وعقلانياً. وجاءت النتيجة في صورة منتخب برازيل بدا أكثر ذكاءً وقوة، وأقل هيستيرية وعصبية عن ذي قبل. واللافت أن الفوز لم يجر استغلال دعائياً لصالح الرئيس جوليو بولسونارو، على خلاف ما كان متوقعاً.
نظراً لارتفاع أسعار التذاكر، ساد اعتقاد بأن الجماهير كانت مؤلفة في معظمها من الطبقات الكسولة التي تشكل الغالبية الكاسحة من قاعدة تأييد الرئيس، وظهر ربط متنامٍ بين المنتخب البرازيلي وحركة اليمين المتطرف التابعة له. ومع ذلك، فإنه عندما نزل بولسونارو إلى أرض الملعب لتوزيع كأس البطولة والميداليات، تعالت صيحات الجماهير معربة عن استيائها.
واللافت أنه عندما اصطف أفراد الفريق للحصول على الميداليات، تجاهل المدافع ماركينيوس الرئيس تماماً، في الوقت الذي بدا الامتعاض بوضوح على وجه كوتينيو، بينما نجح تيتي ببراعة في تجنب محاولة الرئيس احتضانه. المؤكد أن منتخب البرازيل لم يكن مثالياً، فقد نجح بشق الأنفس في الإفلات من فنزويلا وباراغواي. كما أنه قدم أداءً محافظاً على نحو مفرط أمام الأرجنتين في دور قبل النهائي عندما سارت قرارات التحكيم في صالحهم. ومع هذا، تظل الحقيقة أن هدفاً واحداً فقط اقتحم شباك البرازيل خلال ست مباريات، وبدت صفوف الفريق متناغمة كوحدة واحدة ـ الأمر الذي افتقر إليه الفريق منذ سنوات، ربما حتى قبل بطولة كوبا أميركا 2007 التي بدت صفوفه خلالها متنافرة على نحو شديد.
ومع ذلك، تحيط الشكوك بوضع تيتي الذي يشعر بالإحباط إزاء السماح للعديد من أفراد فريق التدريب المعاون له، بما في ذلك لاعبي آرسنال السابقين سيلفينيو وإيدو، بالرحيل. الأسبوع الماضي، أصدر الاتحاد البرازيلي لكرة القدم بياناً شدد فيه على أن مستقبل تيتي سيكون من اختياره. إلا أنه بالتأكيد لو كان تيتي قد أصبح أول مدرب يخفق في الفوز ببطولة «كوبا أميركا» لصالح البرازيل على أرضها، فإنه كان سيتعرض لضغوط كبيرة. والآن، تمضي البرازيل نحو التأهل لبطولة كأس العالم وبطولة «كوبا أميركا» الجديدة العام المقبل، في شكل أفضل عن أي وقت مضى منذ فترة طويلة. أما التساؤل الأكبر الآن ماذا سيصبح الحال عندما يعود نيمار.