«ستارز 80»... عودة إلى أغاني الثمانينات في حفل «أعياد بيروت»

الفريق العالمي يقّدم أولى حفلاته الغنائية في لبنان والشرق الأوسط

فريق «ستارز 80» في صورة تذكارية في بيروت
فريق «ستارز 80» في صورة تذكارية في بيروت
TT

«ستارز 80»... عودة إلى أغاني الثمانينات في حفل «أعياد بيروت»

فريق «ستارز 80» في صورة تذكارية في بيروت
فريق «ستارز 80» في صورة تذكارية في بيروت

لكل منا ذكرياته الخاصة مع أغاني الثمانينات التي شكّلت محطة ذهبية في عالم الموسيقى والغناء ولا تزال تخطر على بال كثيرين من باب الحنين إليها. ومساء اليوم يحيي فريق «ستارز 80» العالمي والمشهور بأغاني تلك الحقبة حفلاً غنائياً ضمن مهرجانات «أعياد بيروت» مفتتحاً بذلك برنامجه للحفلات الغربية. فبعد هذه السهرة سيتبعها أخرى مع الموسيقي العالمي ينّي في 23 الجاري ومن ثم «بيروت سامر تشيكداون» في 30 منه.
ويعدّ فريق «ستارز 80» الذي وصل بيروت قبل 48 ساعة من موعد الحفل (يجري في 17 الجاري) الوحيد في عالم الموسيقى الذي لا يزال يغني أعمال فنانين اشتهروا في الثمانينات. وهو يتألف من نحو 21 مغنيا وموسيقيا وأبرزهم إميل آي إيماج وجان لوك لاهاي وسابرينا وكوكي دينغلر وباتريك إرنانديز جان بيار مادر.
«إنه أول حفل نحييه في لبنان وحتى في منطقة الشرق الأوسط ككل. ونحن سعداء بزيارة هذا البلد الذي تربطه علاقة تاريخية وطيدة مع بلدنا فرنسا». يقول كلود سينديكي منتج العرض والمشرف عليه في العالم. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الفريق هو امتداد للفيلم الذي يحمل الاسم نفسه والذي حقق نسبة مشاهدة عالية في عام 2012 وفاقت مبيعاته المليوني يورو». ويضيف كلود المعروف بـ«كوكو»: «أنا شخصياً متعلق جدا ببلدكم وطالما تمنيت أن أنظم عرضا هنا. وهذا العرض الذي يستمر لأكثر من ساعتين سيكون نسخة طبق الأصل عن العروض الني نقدمها في مدن فرنسية أمثال باريس ونيس وكان ونانت وكذلك في جنيف».
أغانٍ كثيرة سيؤديها المغنيون على خشبة مسرح «أعياد بيروت» مساء اليوم وبينها «ca plane pour moi» الشهيرة جدا التي يغنيها بلاستيك برتران في هذه السهرة. وكذلك أغنية «بويز بويز» لسابرينا و«ماكومبا» لجان بيار مادر وأخرى لفنانين عالميين اشتهروا في تلك الحقبة كميشال برجيه الفرنسي ودايفيد بوي البريطاني وأخرى لاندي غيب من فريق «بي جيز».
وينتظر اللبنانيون هذا العرض بحماس ولا سيما الأجيال التي عاشت موسيقى هذه الحقبة وحفظتها. ويقول أمين أبي ياغي منظم الحفل في بيروت: «الحجوزات أصبحت شبه مكتملة، فهناك شريحة من الشباب تحب استكشاف العصر الذهبي للأغنية الأوروبية، كما أن بعضهم سيرافق أهله للاستمتاع بأغان تعني الكثير لآبائهم وأمهاتهم ولطالما أخبروهم عن ذكرياتهم معها».
ومن جهته، يقول الكاتب والملحن والمغني باتريك إرنانديز الذي يرافق «ستارز 80» منذ عام 2012: «نحضر للجمهور اللبناني مفاجآت بالجملة بخصوص الأغاني التي سيستمعون إليها في هذه السهرة، إذ إننا إضافة إلى أدائنا أعمالا غنائية فرنسية يعرفونها عن كثب، سيحمل الحفل أغنيات أخرى من بلدان العالم أجمع حققت بدورها شهرة واسعة». وعن السبب الذي يدفع بالناس للتعلق إلى حد كبير بحقبة الثمانينات الفنية، يوضح إرنانديز في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إنها الحقبة التي شهدت أجمل الأغاني ووصفت بالحقبة الغنائية الذهبية. فيومها لم يكن هناك من فورمات معينة يتبعها المغنيون أجمعين ولا أعرف ما إذا كان هذا الأمر يحصل عندكم في لبنان. فاليوم جميع الأغاني تشبه بعضها، والهدف الأساسي لإنتاج أي عمل هو تجاري بحت. فيما أن الأغاني التي تقدمها (ستارز 80) لنجوم تلك السنوات فهي تختلف بالموسيقى والكلام والأداء». وهنا يتدخل في الحديث كلود سينديكي ويقول: «أعتقد أننا حاليا نعيش مجتمعا استهلاكيا بحتا في خصوص الموسيقى فصارت تشبه الوجبات السريعة. فعمرها قصير ونرميها في اليوم التالي بحيث لا تترك أي أثر على الساحة الفنية وبالتالي ينساها المستمع بسرعة فائقة».
وبالعودة إلى إرنانديز فهو يعتبر نفسه أنه ينتمي إلى الجيل الأخير الوفي للأغنية الجميلة التي تحمل الكلام واللحن والأداء الجيد معا. ويضيف: «حتى بعض برامج التلفزيونات في فرنسا تعيش على أمجاد هذه الحقبة ونراها تستذكر مغنيها وتكرمهم من خلال عرض أعمالهم، وكذلك من خلال أدائها من قبل جيل مغن شاب فتحصد نسب مشاهدات عالية».
وبحسب نجوم هذا الفريق فإن أغاني الثمانينات اتسمت بأجواء الفرح فكانت تشبه الاحتفالات والأعياد. فهي كانت تريح الناس وتحاكيهم وتدفعهم إلى الاستمتاع باللحظة التي يعيشونها معها. أما اليوم فتغير الوضع الفني تماما وصار إنتاج هذا النوع من الأغاني نادرا جدا لا بل مفقودا على الساحة.
ويستهل برنامج الحفل في «أعياد بيروت» بأغنية جماعية يشارك فيها أعضاء الفريق ليتوزعوا بعدها في لوحات غنائية ثنائية وفردية، يلونها عرض ميدلاي لأغان كثيرة ولتنتهي أيضا بعرض غنائي جماعي.
أما سابرينا إحدى النجمات الشابات المشاركات في الفريق منذ كانت في السابعة عشرة من عمرها تقول إن «أكثر ما يحفزني على المشاركة في هذا الفريق هو الإنتاجات التي تقدمها والمصحوبة بسيناريوهات لا يمل منها. فنحن على تماس دائم مع جماهير مختلفة تتذوق هذا النوع من الأغاني. كما أننا نقوم بجولات مستمرة عبر القارات وهو أمر يسعدني ويحفزني على الاستمرار مع الفريق. وسابرينا التي لمع اسمها مع أولى أغانيها «سيكسي غيرل» ستقدم أغنية «بويز بويز»، إضافة إلى أخرى من نوع الروك. «رغم أنني إيطالية الأصل فإنني أحب الأغاني الفرنسية تلك وأعشق تقديمها على المسرح». وفي الختام تتوجه سابرينا إلى الجمهور اللبناني وتقول: «أنصحكم بحضور حفل (ستارز 80) في (أعياد بيروت) لأنه متنوع ويتضمن أغنيات حققت نسب استماع عالية ستأخذكم إلى عالم حالم مليء بالفرح لا يشبه غيره».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)