الحملة «الواهنة» شمال سوريا تكشف حدود القوة الجوية السورية والروسية

خبير: بإمكان الفصائل في إدلب جعل النصر العسكري للنظام مكلفاً للغاية

عناصر «الخوذ البيضاء» يبحثون عن ناجين بعد غارة على أريحا بمحافظة إدلب الجمعة (أ.ف.ب)
عناصر «الخوذ البيضاء» يبحثون عن ناجين بعد غارة على أريحا بمحافظة إدلب الجمعة (أ.ف.ب)
TT

الحملة «الواهنة» شمال سوريا تكشف حدود القوة الجوية السورية والروسية

عناصر «الخوذ البيضاء» يبحثون عن ناجين بعد غارة على أريحا بمحافظة إدلب الجمعة (أ.ف.ب)
عناصر «الخوذ البيضاء» يبحثون عن ناجين بعد غارة على أريحا بمحافظة إدلب الجمعة (أ.ف.ب)

نفّذت الطائرات الروسية، أمس، ضربات جوية عدة طالت ريف محافظة حماة، حيث شنت عدة غارات على كلٍّ من بلدة كفرزيتا وقرية الزكاة شمال حماة، وقرية تل ملح شمال غربي المدينة، بعد هدوءٍ نسبي لعمليات القصف الجوي منذ مساء الأحد، في حين واصلت قوات النظام عمليات قصفها البري على منطقة «خفض التصعيد»، وارتفع إلى نحو 150 على الأقل تعداد القذائف الصاروخية والبرية التي أطلقتها قوات النظام منذ الصباح على أماكن في كل من تل ملح والأربعين والزكاة والجبين والجيسات والعريمة والحويجة والحواش والصخر وكفرزيتا بريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، وقرية جزرايا جنوب حلب ومنطقة الراشدين والبحوث العلمية بضواحي حلب الغربية، بالإضافة إلى محور كبانة بريف اللاذقية الشمالي.
وشهدت محافظة إدلب خلال الأسابيع الأخيرة أشدّ المعارك منذ توقيع الاتفاق. ومنذ بدء التصعيد نهاية أبريل (نيسان)، قُتل أكثر من 590 مدنياً جراء الغارات السورية والروسية، فيما قُتل 45 مدنياً في قصف للفصائل المقاتلة والجهادية على مناطق سيطرة قوات النظام القريبة، وفق المرصد السوري.
وأسفرت حملة على مدار شهرين من الضربات الجوية المكثفة من جانب قوات للنظام السوري وحلفائها الروس، مصحوبة بهجوم بري شرس ضد محافظة إدلب، آخر المناطق المهمة الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، عن مقتل المئات وتشريد أعداد ضخمة دون أن تحقق مكاسب تُذكر لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
وأسفرت هجمات المسلحين في المتوسط، عن مقتل ما يزيد على 12 جندياً ومسلحاً من الميليشيات المتحالفة مع جيش النظام السوري، يومياً خلال الأسابيع الأخيرة، حسب وكالة «أسوشيتد برس». وتسلط هذه الحملة «الواهنة»، الضوء على حدود قدرات القوة الجوية السورية والروسية وعجزها عن إحراز نصر حاسم في خضمّ الحرب الأهلية المشتعلة بالبلاد منذ فترة طويلة، وتدخل الآن عامها الثامن.
وبمساعدة عسكرية حيوية من روسيا وإيران، تمكنت القوات السورية خلال السنوات القليلة الماضية من استعادة السيطرة على معظم المناطق التي كانت خاضعة لجماعات المعارضة المسلحة داخل البلاد، عبر حملات هجومية كاسحة وفرض حصار لفترات طويلة. وفي كلٍّ من هذه المناطق، إما استسلم المعارضون المسلحون أو أُجبروا على التوجه إلى المنفى في إدلب، حيث أصبحوا محاصَرين اليوم دون ملجأ آخر يمكنهم الذهاب إليه. واليوم، تمتلئ نفوس هؤلاء المسلحين بقدر بالغ من المرارة واليأس، ولا يبدو أمامهم خيار سوى القتال حتى النهاية. وكان أبو محمد الجولاني، زعيم جماعة النصرة المرتبطة بـ«القاعدة»، قد دعا جميع الأفراد القادرين على «الاضطلاع بواجبهم الديني» والانضمام للقتال.
في هذا الصدد، قال سام هيلر، الخبير بالشأن السوري لدى «المجموعة الدولية للأزمات» والتي تتولى متابعة الموقف داخل المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين المعارضين: «ربما ليس بإمكان المعارضة المسلحة في إدلب الفوز في معركة مفتوحة في الشمال الغربي، لكن بمقدورها جعل مسألة تحقيق نصر عسكري سوري مكلفة للغاية، ربما مكلفة على نحو فادح».
سياسياً، تعكس إدلب خريطة تحالفات الحرب بين عناصر دولية فاعلة تدعم أطرافاً متناحرة داخل الصراع السوري. يُذكر أن وقفاً لإطلاق النار أُقر في سبتمبر (أيلول) الماضي بوساطة روسيا، الحليف المحوري للأسد، وتركيا الداعمة للمعارضة المسلحة، انهار في 30 أبريل، عندما شرع النظام في شن هجوم بعد شهور من الانتهاكات لوقف إطلاق النار من الجانبين. من جهتها، تخشى تركيا التي تستضيف 3 ملايين لاجئ سوري، شن قوات النظام هجوماً كاسحاً يسفر عن موجة جديدة من اللاجئين نحو حدودها. ومع ذلك، ظلت تركيا عاجزة عن، أو ربما غير مستعدة للسيطرة على المسلحين الذين تدعمهم في إدلب.
اللافت أن مقاتلين مدعومين من إيران، بينهم أعضاء في جماعة «حزب الله» اللبنانية كانت مشاركتهم محورية في معارك سابقة، لم ينضموا إلى القتال في إدلب، واعتبروا المنطقة ذات أولوية منخفضة، على خلاف الحال مع مناطق أكثر استراتيجية تقع على الحدود مع العراق ولبنان. حتى روسيا لم تُلقِ بكل ثقلها في هذه المعركة واستمرت في محادثاتها مع تركيا حول سبل إعادة إقرار وقف إطلاق النار.
وبدلاً من شن هجوم كاسح لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب، التي تزدحم بـ3 ملايين نسمة، قصرت حكومة الأسد حالياً هجومها على أطراف المحافظة بهدف إعادة فتح طرق سريعة حيوية تمر عبر مناطق خاضعة لسيطرة معارضين مسلحين. إلا أنه حتى هذه الجهود أثبتت عدم جدواها مع مقاومة المسلحين بضراوة.
في مقدمة الحملة ضد إدلب والأجزاء الشمالية من محافظة حماة وسط سوريا، تشارك «قوة النمر» النخبوية بقيادة العميد سهيل الحسن، وهو ضابط سوري مدعوم من روسيا نُسب إليه الفضل في بعض أكبر انتصارات النظام على مدار الصراع الممتد لثمانية أعوام حتى الآن. ومع هذا، لم يفلح العميد الحسن في تحطيم دفاعات إدلب. وتبعاً لما ذكره نشطاء معارضون، فإن قوات نخبوية من الحرس الجمهوري واللواء الرابع الذي يقوده شقيق الأسد الأصغر، ماهر، بدأت في الفترة الأخيرة تشارك في الهجوم.
كان هجوم إدلب قد بدأ بسيطرة قوات النظام على أكثر من 10 قرى، بينها قلعة المضيق وكفر نبوذة اللتان تشكلان خط الدفاع الأول للمسلحين في إدلب. ومنذ ذلك الحين، تبدلت الجهة المسيطرة على كفر نبوذة عدة مرات. وفي وقت لاحق، فاجأ معارضون قوات النظام بشن هجوم عليها وفتح جبهة جديدة نجحوا من خلالها في السيطرة على قرى مدرسة الضهرة وتل ملح وجبين، وأخفقت هجمات قوات النظام المتكررة لاستعادة السيطرة على المنطقة.
من ناحيته، قال محمد العلي، وهو صحافي مقيم في إدلب، لوكالة «أسوشيتد برس»، إنه «بعد مرور شهرين على الهجوم الآن، لا تسيطر قوات النظام إلا على قرية قصيبية في إدلب، إضافة إلى عشرات القرى شمال محافظة حماة وبلدة قلعة المضيق».
وأضاف العلي أن واحداً من أكبر النجاحات التي حققها المسلحون كان فتح جبهة جديدة نجحوا من خلالها في قطع طريق رئيسي يربط قلب مدينة حماة وقرى خاضعة لسيطرة النظام على أطراف إدلب. وتابع: «ثبات المسلحين والخسائر الفادحة التي تكبدها النظام جعلت الأخير يخفق في تحقيق تقدم مشابه لما حققه في البداية». وأشار إلى أن الصواريخ المضادة للدبابات لعبت دوراً محورياً في إبطاء وتيرة هجوم النظام.
قد تستمر المعركة لشهور أخرى وتحصد مزيداً من الأرواح إلا إذا توصلت تركيا وإيران وروسيا إلى اتفاق جديد بخصوص المنطقة على غرار وقف إطلاق النار الأخير. وربما يدفع الهجوم المتداعي، روسيا، نحو محاولة التوصل إلى مثل هذا الاتفاق مع تركيا.
في هذا الصدد، قال هيلير، من «المجموعة الدولية للأزمات»: «عجز القوات السورية حتى الآن عن إحراز مزيد من التقدم داخل إدلب لا يعني أنه ليس بإمكانها تحقيق النصر في النهاية على مستوى البلاد، وإنما يكشف أن النصر العسكري مرهون بالتطورات على الصعيد السياسي، وهي تطورات أكبر من مجرد سوريا».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.