الحصانات لا تحمي نواب «حزب الله» من العقوبات الأميركية

TT

الحصانات لا تحمي نواب «حزب الله» من العقوبات الأميركية

لم تظهر بعد التداعيات السياسية والقانونية للعقوبات التي شرعت وزارة الخزانة الأميركية بتطبيقها ضدّ نواب ومسؤولين في «حزب الله»، إلّا أنها المرّة الأولى التي يعبّر فيها الحزب عن مستوى القلق الذي ينتابه، والآثار الداخلية والخارجية لعقوبات كهذه عليه وربما على بعض حلفائه، في ضوء ما يتسرّب عن معلومات عن قائمة جديدة ستضم قيادات في أحزاب قريبة منه وتؤمّن غطاء سياسيا لأعماله.
وكانت كتلة «حزب الله» النيابية التي يرأسها النائب محمد رعد المشمول بالعقوبات الأميركية مع زميله النائب أمين شرّي، وصفت العقوبات بأنها «تشكّل عدواناً على لبنان وشعبه وخياراته وهو أمر مرفوض ومدان بكلّ المعايير السيادية والأخلاقية». وقالت إنها «لن تغيّر شيئا في قناعاتنا ولا في مقاومتنا للاحتلال الإسرائيلي».
واعتبر أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية ببيروت الدكتور شفيق المصري أن «العقوبات صادرة عن دولة واحدة وليست عن المجتمع الدولي وتأثيراتها مرتبطة بأي تعامل للأشخاص المعاقبين مع الأميركيين». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الإدارة الأميركية دمجت بين الجناح السياسي والجناح العسكري للحزب منذ سنوات، في حين أن الاتحاد الأوروبي لا يزال متحفظاً على ذلك، ما عدا بريطانيا التي باتت في طور الخروج من الاتحاد».
أما تأثير هذه العقوبات على الحصانة النيابية التي يتمتع بها نائبا «حزب الله» رعد وشرّي، فذكّر المصري بأن «الحصانة النيابية متوفرة لهما على الأراضي اللبنانية، ولا تمتدّ إلى دول أخرى»، مشيراً إلى أن «المعاهدات الدولية لا تمنح الحصانة خارج البلاد إلّا لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الخارجية».
وتتباين القراءات القانونية والسياسية حيال نتائج مثل هذه العقوبات، إذ لفت النائب السابق محمد عبد الحميد بيضون، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «العقوبات لم تصدر عن الإدارة الأميركية، بل بقانون عن الكونغرس، وتعمل وزارة الخزانة على تنفذه»، مشيراً إلى «توافر معلومات عن دفعة جديدة من العقوبات ستصدر قريباً، وتشمل أسماء المتعاملين مع (حزب الله)، وهذا ما يبرر الخوف لدى مسؤولين وربما رؤساء، ولذلك بدأوا يختبئون خلف الحصانات».
ولا يرى بيضون أن الحصانات النيابية والسياسية قد تحمي المدرجين على قوائم العقوبات. وقال: «بالنسبة إلى الأميركيين، لا حصانة على أحد، وكلّ المصارف والشركات التي تعمل مع الأسواق المالية والتجارية الأميركية تلتزم هذه العقوبات». وأضاف: «معلوم أن هناك مسؤولين في مراكز عليا لديهم فواتير يسددونها لـ(حزب الله)، ويصدرون بيانات الإدانة للعقوبات، لكن الدولة ليست لديها فواتير تؤديها، وبالتالي يجب أن تحتفظ بمسافة بينها وبين هذا الحزب»، داعياً الدولة اللبنانية إلى «النأي بنفسها عن (حزب الله) حتى لا يذهب البلد إلى الانهيار وينهار معه القطاع المصرفي والمؤسسات الشرعية العسكرية والأمنية».
وبدا موقف بيضون متطابقاً إلى حدّ كبير مع قراءة مدير «معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن العقوبات الأميركية «تتخطى مسألة الأفراد ومصالحهم، لتطال الدولة اللبنانية ما دام أن (حزب الله) جزء أساسي في تركيبتها». وأوضح أن أهمية العقوبات «ليست في أنها تطال رئيس أكبر كتلة نيابية من حيث الدور والتأثير، بل بتأثيراتها على الدولة ككل، خصوصاً بعدما قلبت الانتخابات النيابية موازين القوى لمصلحة (حزب الله)».
ولاحظ أن «الأوضاع تأخذ منحى تصاعدياً، وهي مرتبطة بالمواجهة مع إيران، وعلينا أن ننتظر الخطوة المقبلة التي ستليها، والمرجّح أن تطال الطرف الأكبر وزناً وتأثيراً في الدولة اللبنانية». وعن مدى جدوى هذه العقوبات ما دام أنها مقتصرة على الجانب الأميركي وليست عقوبات دولية، أكد نادر أنه «لا توجد قنوات قانونية للالتفاف على العقوبات... هذه الخطوة هي أول غيث الترجمة الفعلية للفصل بين جناحي (حزب الله) السياسي والعسكري، وهي غيرت المعادلة وألغت هامش المناورة عند الأطراف اللبنانية وعند الدول الغربية التي كانت تتذرع بأنها تتعامل مع الجناح السياسي للحزب وليس العسكري». ورأى أن هذه العقوبات «وضعت الأرضية لتطال لبنان الرسمي، ما دام أن الحزب جزء أساسي من التركيبة السياسية، وهذا مؤشر سلبي قد يهدد مؤتمر سيدر والاستثمارات الأجنبية المنتظرة».
واستنكرت لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النيابية اللبنانية العقوبات الأميركية، أمس، معتبرة أنها «عدوانية ولم ترع الحصانة التي يتمتع بها كل نائب منتخب من الشعب». واعتبرت اللجنة أن «خير تعبير عن موقفها وموقف المجلس النيابي من هذا القضية عبر عنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري»، وهي إذ أثنت على هذا الموقف، وموقف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في استنكار هذه الخطوة، أكدت «ضرورة أن يكون هناك تحرك لبناني باتجاه الولايات المتحدة حتى لا يتم التمادي في خطوات كهذه».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.