قطرات دم وبقايا عظام تسلط الضوء على جرائم «داعش» ضد الإيزيديين

حصاد 5 سنوات من الفظائع التي ارتكبها التنظيم الإرهابي في العراق

ليلى شيمو ناجية إيزيدية تنظر إلى وشم يحمل اسمي ولديها في خيمة بمخيم خونكي للنازحين شمال غربي العراق (إ.ب.أ)
ليلى شيمو ناجية إيزيدية تنظر إلى وشم يحمل اسمي ولديها في خيمة بمخيم خونكي للنازحين شمال غربي العراق (إ.ب.أ)
TT

قطرات دم وبقايا عظام تسلط الضوء على جرائم «داعش» ضد الإيزيديين

ليلى شيمو ناجية إيزيدية تنظر إلى وشم يحمل اسمي ولديها في خيمة بمخيم خونكي للنازحين شمال غربي العراق (إ.ب.أ)
ليلى شيمو ناجية إيزيدية تنظر إلى وشم يحمل اسمي ولديها في خيمة بمخيم خونكي للنازحين شمال غربي العراق (إ.ب.أ)

ست قطرات من الدم على قصاصة ورقية وعلبة زجاجية تحوي عظاماً مكسرة... هي العناصر الهزيلة التي يعتمد عليها الطب الشرعي العراقي لتسليط الضوء على الفظائع التي ارتكبها تنظيم «داعش»، خصوصاً ضد الإيزيديين. ويشبّه اختصاصي الطب الشرعي محمد إحسان العملية بالأحجية، بينما يحاول، مرتدياً قناعاً يغطي وجهه، إعادة جمع هيكل عظمي يميل لونه إلى الاصفرار داخل مختبر في بغداد.
وقد تمّ جمع رفات بشرية وأدلة وقرائن صغيرة في المقابر الجماعية لتنظيم «داعش». بينما أُخذت عينات من الحمض النووي للناجين، وتُستخدم كلها للتعرف على الضحايا ومحاولة معرفة المزيد عن أولئك الذين قد لا يزالون على قيد الحياة. وبعد خمسة أعوام من اجتياح المتطرفين للشمال العراقي، لا يزال نحو ثلاثة آلاف إيزيدي في عداد المفقودين. والإيزيديون أقلية ليست مسلمة ولا عربية، تُعد أكثر من نصف مليون شخص، ويتركز وجودها خصوصاً قرب الحدود السورية في شمال العراق. ويقول الإيزيديون إن ديانتهم تعود إلى آلاف السنين، وإنها انبثقت من الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، في حين يرى آخرون أن ديانتهم خليط من ديانات قديمة عدة مثل الزرادشتية والمانوية.
وناصب تنظيم «داعش» تلك الأقلية العداء، فقتل الآلاف من رجالها، واتخذ من نسائها سبايا للاستعباد الجنسي، فيما أرغم الأطفال على القتال في صفوفه. وتمّ تحرير كثيرين بعد سقوط آخر معقل للتنظيم المتطرف في شرق سوريا، في مارس (آذار). بالنسبة إلى الأمم المتحدة، قد يكون ما تعرض له الإيزيديون إبادة جماعية محتملة، وهي أخطر جريمة في القانون الدولي. وعليه، يعمل المحققون الأمميون، وكذلك السلطات العراقية على الوصول إلى نهاية قانونية وعاطفية لتلك الأقلية الصغيرة التي أصيبت بصدمة كبيرة. لكن التحديات هائلة، والأدلة في حالة سيئة، وتحديد الحمض النووي أصبح صعباً، بسبب زواج الأقارب، وهو قانون في الديانة الإيزيدية. ومنذ مارس الماضي، تسلم الطب الشرعي في بغداد عظاماً وخصلات شعر وأمتعة شخصية مستخرجة من 12 مقبرة جماعية من معقل الإيزيديين في سنجار.
ويعمل الخبراء المتخصصون على تحديد «جنس وطول وعمر الضحية، ويمكن معرفة أسباب الوفاة أو الكسور أو الإصابات الناتجة أثناء الوفاة»، بحسب ما يوضح إحسان. وبعد ذلك، يتم رفع الحمض النووي للضحايا، خصوصاً من منطقة الفخذ أو الأسنان، إذا ما وجدت، بعد طحنها ووضعها في أجهزة مختلفة، ويُقارن الحمض النووي بعينات دم لناجين مخزنة على بطاقات بحجم البطاقة المصرفية.
وتقول المتخصصة في علم الوراثة ميس نبيل لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن إيجاد آثار حمض نووي على بقايا تعرضت للأمطار والنيران ولسنوات من المعارك يُعدّ إنجازاً رائعاً.
وتضيف: «أحياناً تكون العينة تالفة تقريباً، ونحاول مرات عدة استخراج الحمض النووي منها قبل أن تتلف تماماً».
وعندما يتم عزل الحمض النووي، تبدأ عملية تحديد الهوية، وهو عمل يحتاج إلى وقت طويل».
وفرّ نحو مائة ألف إيزيدي من أتباع الأقلية التي كانت تُعدّ 500 ألف نسمة، قبل عام 2014، إلى خارج العراق، أو إلى مخيمات النازحين، خصوصاً في إقليم كردستان المجاور». ويقول معاون المدير العام للطب العدلي عامر حمود، إنه بالنسبة إلى بعض الضحايا، لم يعد هناك من يطلب معرفة مصيرهم، لأن «هناك عائلات فنت بالكامل».
ويرى حمود أنه حتى مع وجود 1280 اسماً لمفقودين، و1050 بطاقة عينات دم، و2600 بطاقة أخرى ينتظرها من السلطات الكردية العراقية، فالحل هو في الخارج. ويوضح أن هناك «2200 عائلة إيزيدية في ألمانيا، و800 في أستراليا و800 في كندا، و150 في فرنسا. أطمح أن أحصل منهم على عينات حمض نووي لغرض المطابقة. قاعدة البيانات هذه ستكون أكبر من تلك الموجودة داخل العراق». بالنسبة إلى الطب العدلي في العراق الذي شهد حروباً متتالية منذ عام 1980، فإن قضية الإيزيديين ليست إلا حلقة إضافية، فالبطاقات الكرتونية مترامية في كل مكان في المركز.
وقرب تلك المعنونة باسم «سنجار»، هناك «الأنفال» العائدة للمجزرة التي ارتكبتها قوات صدام حسين ضد الأكراد في عام 1988، و«البصرة» الحدودية مع إيران التي دمرتها حرب الثماني سنوات مع العراق، إضافة إلى «الكرادة»، وهو حي شعبي في وسط بغداد شهد اعتداء دامياً في عام 2016 أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص. ويقول حمود: «هناك خبرة اكتسبناها من مقابر سابقة، لكننا نأخذ وقتنا أكثر كي تكون نسبة الخطأ لدينا صفراً». لكن الإيزيدي بشار حمد لا يمكنه الانتظار أكثر. ويبلغ حمد 51 عاماً، وهو يعيش في مخيم للنازحين في شمال العراق، منتظراً أخبار شقيقه وخمسة من أقاربه منذ صيف عام 2014، عندما فقد أثرهم لدى فرارهم مع تقدم تنظيم «داعش» في منطقة سنجار. ويقول إن «معرفة أي شيء أفضل من لا شيء». ويضيف: «هناك دائما أمل... (داعش) انتهى، وفي مخيم الهول بسوريا هناك نساء وأطفال، لكن لا رجال».
ويتابع: «لن نرتاح تماماً مع كل هذه الأحداث في رؤوسنا، لكن الأفضل أن نعرف».


مقالات ذات صلة

وزير الدفاع الأميركي: نحتاج لإبقاء قواتنا في سوريا لمواجهة تنظيم داعش

الولايات المتحدة​  وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا (أ.ف.ب)

وزير الدفاع الأميركي: نحتاج لإبقاء قواتنا في سوريا لمواجهة تنظيم داعش

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن لوكالة أسوشيتد برس إن الولايات المتحدة بحاجة إلى إبقاء قواتها في سوريا لمنع تنظيم داعش من إعادة تشكيل تهديد كبير.

«الشرق الأوسط» (قاعدة رامشتاين الجوية (ألمانيا))
المشرق العربي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تكشف عن 4 مطالب دولية في سوريا

كشفت تركيا عن إجماع دولي على 4 شروط يجب أن تتحقق في سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد وهددت بتنفيذ عملية عسكرية ضد القوات الكردية في شمال سوريا وسط دعم من ترمب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي مستقبلاً وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة (التلفزيون الأردني)

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

هناك رأي داخل مركز القرار الأردني ينادي بدور عربي وإقليمي لتخفيف العقوبات على الشعب السوري و«دعم وإسناد المرحلة الجديدة والانتقالية».

محمد خير الرواشدة (عمّان)
المشرق العربي فيدان والصفدي خلال المؤتمر الصحافي في أنقرة (الخارجية التركية)

تنسيق تركي - أردني حول دعم المرحلة الانتقالية في سوريا... وعودة اللاجئين

أبدت تركيا توافقاً مع الأردن على العمل لضمان وحدة وسيادة سوريا ودعم إدارتها الجديدة في استعادة الاستقرار وبناء مستقبل يشارك فيه جميع السوريين من دون تفرقة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي عبد القادر مؤمن

كيف أصبح ممول صومالي غامض الرجل الأقوى في تنظيم «داعش»؟

يرجّح بأن الزعيم الصومالي لتنظيم «داعش» عبد القادر مؤمن صاحب اللحية برتقالية اللون المصبوغة بالحناء بات الرجل الأقوى في التنظيم

«الشرق الأوسط» (باريس)

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».