حلوى السوريين في مصر مذاقات محببة وسوق رائجة

الحرب في بلادهم جعلت منهم نجوماً خارج سمائها

حلوى السوريين في مصر مذاقات محببة وسوق رائجة
TT

حلوى السوريين في مصر مذاقات محببة وسوق رائجة

حلوى السوريين في مصر مذاقات محببة وسوق رائجة

لم يكن يدري الشاب السوري زكريا أن الحرب التي تسببت في تهجيره هو وآخرين وأتت بهم إلى مصر ستكون سبباً في شهرتهم ونقل تجاربهم خارج محيط بلادهم، خاصة في مجال تصنيع الحلويات وترويجها بطرق جذابة ومحببة، سواء في المحال الراقية أو في الميادين العامة وإشارات المرور.
ورغم مرارة البُعد عن الوطن، فإن زكريا يعتز ببقائه في القاهرة، فهي كما يقول كانت سبباً في شهرة منتجاته، وقصة نجاحه حتى بات يتشارك في إدارة أحد المحال المتخصصة في تقديم الحلويات بوسط القاهرة، لدرجة أنه أصبح معروفاً بالاسم في هذه المهنة بين أقرانه.
مع مرور الوقت اتسع سوق الحلويات السورية في مصر، وأصبح من السهل رصد ذلك، خلال تجولك في مدينة القاهرة، أو السادس من أكتوبر (تشرين الأول) والشيخ زايد ومدينة نصر والرحاب والشروق، حيث انتشرت بشكل ملحوظ مدعومة بالسمعة الطيبة والمذاق المميز مما جذب إليه شريحة كبيرة من المصريين... «فمن يستطيع مقاومة الكنافة النابلسية بالجبن، وعش البلبل، والهريسة الشامية، والكنافة المبرومة بالقشدة والبللورية، والمدلوقة، والبقلاوات وغيرها؟ هكذا يصف أحد المصريين مشاعره، وهو يقبل على شراء الحلويات السورية.
ويجيب الشاب السوري زكريا حسن، الذي يتشارك مع شقيقه في إدارة «حلويات نصار» أحد المحلات الشهيرة بمنطقة وسط القاهرة، عن سؤال: لماذا لقيت الحلويات السورية رواجاً في مصر؟... «لأن بعض المشترين وجدوا أنواعاً جديدة ومختلفة عن تلك التي اعتادوها»، مضيفاً: «استقبال المصريين للحلويات السورية كان ممتازاً».
ويرى زكريا أن الحلويات السورية تتميز بجودة المكسرات، وهو ما جعلها أكثر قبولاً مع مرور الوقت، مشيراً إلى أنهم يصنعون الأصناف المعروفة من الحلويات مثل الهريسة والكنافة، ولكن بمذاقات مختلفة.
ويوضح أن منتجاته تستهدف الشرائح الاجتماعية العليا، لافتا إلى أن الكنافة النابلسية بالجبن، سواء الخشنة أو الناعمة، من أكثر المنتجات التي تلقى رواجاً، مستكملاً: «وإن كان الإقبال على النوع الخشن أكثر، وكذلك حلاوة الجبن، وبوظة الآيس كريم بالفستق، إلى جانب البقلاوة، والأخيرة محببة جداً لدى البعض لكونها من أطباق الحلويات المشهورة التي تقدَم في المناسبات المختلفة».
ويبّين الشاب السوري، الموجود في القاهرة منذ أكثر من 6 سنوات، أنهم يعتمدون في تصنيع منتجاتهم على مجموعة من الشيفات السوريين يعاونهم مجموعة من المصريين، مشيراً إلى أن المكونات المطلوبة يتم استيرادها من الخارج.
أما محمد السوري، كما يلقبه المصريون، في إحدى الأسواق الشعبية، فهو المسؤول عن منفذ بيع لأحد مصانع الحلويات السورية، ويشهد زحاماً خاصة في ساعات الذروة، ويوضح سبب الإقبال على منتجاته: «السوريون دخلوا السوق المصرية بأفكار جديدة واجتهدوا لخلق المذاق المختلف لمنتجاتهم، وهو ما لبى رغبات قطاع عريض من الزبائن».
وبينما يقف محمد لبيع منتجاته في منطقة المنيرة بوسط القاهرة، توجد 6 منافذ أخرى للمصنع نفسه في أحياء مختلفة منها ما يتميز بطابع شعبي، وآخر للطبقة الأكثر غنى، وفي ذلك يوضح الشاب السوري صاحب العشرين عاماً: «المصنع ينتج جميع المنتجات والمخبوزات، فهناك ما هو مرتفع الثمن مثل الكنافة النابلسية بالجبن والحلاوة بالجبن، والبسبوسة والهريسة إلى جانب المخبوزات المغلفة مثل البيتزا والباتيه والبقسماط».
ويلفت إلى أن المصنع يشرف عليه 8 شيفات سوريين، إلى جانب عدد كبير من العمالة السورية والمصرية التي تعمل في الإنتاج والتعبئة والتغليف.
وبالتوازي مع ظاهرة باتت تعرف بـ«مطابخ المنازل» التي تقوم عليها بعض السيدات السوريات بطهي الطعام والترويج له وبيعه، تخصصت أخريات في عمل الحلويات السورية، حيث يقمن بإعدادها منزلياً ثم بيعها بطرق مختلفة، أشهرها تغليفها وعرضها على المحال أو بيعها للمارة في الشوارع والميادين وإشارات المرور، في ظاهرة أصبحت مألوفة.
«المصريون لديهم ذوق خاص في الطعام ولا يُقبلون على شيء إلا إذا أحبوه»، هذا ما تقوله السيدة السورية آلاء الأديب، التي تتخصص في عمل «التورتات» بمنطقة العبور بشرق القاهرة، عن تجربتها تقول لـ«الشرق الأوسط»: «حضرت إلى مصر قبل 7 سنوات، وأُعد التورتات في منزلي وبيعها، وأحيانا كنت أنشر صورا لها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما جعل الصديقات السوريات في مصر يعرفنني، ثم بدأن يشجعنني على التوسع، وتسبب ذلك في انتشار منتجاتي على مواقع التواصل».
وتلفت آلاء إلى أنها تحاول دائماً إضافة لمسات خاصة بها في طريقة التقديم والعرض، في محاولة للتجديد والبعد عن الشكل التقليدي، أما المذاق فتحاول دائماً تجويده معتمدة في ذلك على فلسفة المطبخ السوري بأن تكون المكونات خفيفة السكر، على عكس الحلويات المصرية التي تكون مشبعة به، وبالتالي تكون التورتات في النهاية خفيفة على المعدة، وهو ما وجد ثناء ممن تذوقها.
وتنصح آلاء كل سيدة تحاول عمل التورتات في المنزل باختيار المكونات الأفضل في السوق وليست الأقل سعراً، إلى جانب ضبط حرارة الفرن، وقبل ذلك متابعة موقع «يوتيوب» لاكتساب الخبرات.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».