ترمب يهاجم أكبر حلفائه السابقين في الكونغرس ويصفه بـ«الفاشل»

TT

ترمب يهاجم أكبر حلفائه السابقين في الكونغرس ويصفه بـ«الفاشل»

شن الرئيس الأميركي دونالد ترمب هجوماً عنيفاً على حليفه بول رايان، رئيس مجلس النواب السابق، بعد أن عبّر الأخير عن رأيه في طريقة إدارة ترمب للبلاد، الذي تضمن بعض الانتقادات لشخص الرئيس وطريقة تفكيره.
وشن ترمب هجومه المضاد على رايان، واتهمه بأنه يفتقر إلى ملكات الإدارة، وأنه «فاشل» لم يحقق أي إنجازات خلال فترة عمله بالكونغرس، باستثناء العامين اللذين عمل فيهما مع ترمب. وفي سلسلة من التغريدات، مساء أول من أمس، قال ترمب: «بول ريان الفاشل... الذي كان سجل إنجازه فظيعاً (باستثناء خلال أول عامين من عملي رئيساً)، أصبح في نهاية المطاف بطة عرجاء فاشلة لمدة طويلاً، تاركاً حزبه في حالة من الجمود فيما يتعلق بجمع التبرعات والقيادة. عندما اختاره ميت رومني للترشح معه نائباً للرئيس، قلت للناس إن هذه هي نهاية السباق الرئاسي».
جدير بالذكر أن عبارة «بطة عرجاء» تُطلق على أي مسؤول حكومي تقترب فترة ولايته من النهاية، وعادة يكون ذلك خلال الستة أشهر الأخيرة من فترة ولايته. واستمر ترمب في هجومه على رايان قائلاً في تغريدة لاحقة: «لقد استقال من الكونغرس، لأنه لم يعرف كيف يفوز. لقد هتفوا لي بشكل كبير في ولاية ويسكونسن العظيمة، وهتفوا ضده على المنصة».
وأوضح ترمب أن رايان كان يعلم أنه سيخسر في الانتخابات التشريعية في ولايته الأم، ويسكونسن، التي فاز فيها ترمب على هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، بنسبة أقل من نقطة مئوية.
وتابع الرئيس، في تغريدة أخرى: «لقد وعدني بالجدار وفشل، لكنه يتم بناؤه على أي حال. لقد كان لديه الأغلبية، وأضاعها بقيادته السيئة، وتوقيته السيئ. لم يعرف قطّ كيف يهاجم الديمقراطيين كما يهاجموننا. لم أتمكن من إخراجه من الكونغرس بشكل أسرع».
ويأتي هجوم ترمب رداً على الانتقادات التي وجهها له ريان، والتي ظهرت في مقتطفات مفصلة من كتاب «المذبحة الأميركية» للكاتب الصحافي تيم ألبرتا، التي نشرتها الصحف الأميركية، خلال اليومين الماضيين. ويحمل الكتاب عنواناً فرعياً يقول: (على الخطوط الأمامية للحرب الأهلية الجمهورية وصعود الرئيس ترمب)».
ويقول رايان في تصريحاته في الكتاب إن الشعب الأميركي أصبح «مخدراً» لأفعال وسلوك الرئيس ترمب. وأضاف: «كل منا ممن كان حول الرئيس ساعده بشكل حقيقي في ألا يتخذ قرارات سيئة. طوال الوقت، ساعدناه في اتخاذ قرارات أفضل بكثير، وهو ما كان يتعارض مع رد فعله المتسرع. الآن أعتقد أنه يقوم ببعض ردود الفعل هذه».
وتابع: «لقد تم تخديرنا بكل هذا. ليس فقط في الحكومة، ولكن حيث نعيش حياتنا. علينا مسؤولية محاولة إعادة البناء... لا تغش زوجتك. لا تغش في أي شيء. كن شخصاً جيداً. كن مثالاً جيداً».
وكانت صحيفة «بوليتيكو» نشرت، خلال الأيام الماضية، مقتطفات تفصيلية من واقعة هوليوود التي حدثت في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، أي قبل أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية، عندما تم تسجيل ترمب وهو يتحدث عن النساء بشكل غير لائق من الناحية الجنسية.
وأُطلق على هذه الحادثة «فضيحة الوصول إلى هوليوود». وكانت هناك مخاوف كبيرة من القادة الجمهوريين من تداعياتها على فرص الحزب في الفوز في انتخابات الرئاسة. وطلب ريان من رئيس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري آنذاك، رينس بريبوس، إخراج ترمب من السباق الرئاسي.
وكان من المقرَّر أن يظهر ترمب في حشد مع بول رايان في ولاية ويسكونسن، ولكن رايان ألغى دعوة الرئيس وقام بإدارة الحشد بمفرده، إلا أن أنصار ترمب ومؤيديه الحاضرين في الحشد الجمهوري صرخوا في وجه رايان وطالبوه بالنزول عن المنصة.
ومن المقرّر أن يصدر الكتاب الجديد «المذبحة الأميركية» للكاتب تيم ألبرتا، كبير المراسلين السياسيين في مجلة «بوليتيكو» يوم الثلاثاء المقبل. وطبقاً لما أعلنه ألبرتا، فإن الكتاب يتضمن انتقادات شديدة للرئيس ترمب، من عدد من الشخصيات والمسؤولين البارزين في الحزب الجمهوري.
وفي حديثه إلى ألبرتا، قال رايان في مقتطف آخر من الكتاب: «قلت لنفسي إنني يجب أن أبني علاقة مع هذا الرجل لمساعدته في تصويب عقله. لأنه لم يكن يعرف شيئاً عن الحكومة... أردت أن أنبهه طوال الوقت».
وعندما رأى رايان أنه لا جدوى من الحديث إلى ترمب فيما يتعلق بتعديل قراراته، قال إنه رأى أن اعتزاله من مجلس النواب في عام 2018 بمثابة بوابة للهروب من العمل مع ترمب.
جدير بالذكر أنه عندما أعلن بول رايان أنه لن يترشح نفسه مرة أخرى في انتخابات الكونغرس، في أبريل (نيسان) 2018، قال عنه ترمب في ذلك الوقت إنه «شخص جيد حقيقي»، ولديه «إرث من الإنجازات لا يمكن لأحد أن يشكك فيها».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟