محمد ولد الغزواني...رئيس موريتانيا الهادئ

«رجل الظل» يتقدم إلى الواجهة

محمد ولد الغزواني...رئيس موريتانيا الهادئ
TT

محمد ولد الغزواني...رئيس موريتانيا الهادئ

محمد ولد الغزواني...رئيس موريتانيا الهادئ

قبل أسبوعين، وقف الرئيس الموريتاني المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز أمام عشرات الآلاف من أنصاره في العاصمة نواكشوط، طلب منهم التصويت لصديقه محمد ولد الغزواني، ووصفه بـ«رئيس موريتانيا المقبل». وكان ولد الغزواني يقف إلى جواره ينظر إلى الأرض محتفظاً بهدوئه المعهود، حتى لكأن الحديث ليس عنه ولا يعنيه، وبالفعل صوّت الموريتانيون لصالح الرجل وانتخب رئيساً للبلاد.
لقد سبق أن وقف محمد ولد عبد العزيز وصديقه محمد ولد الغزواني وقفات أخرى كثيرة غيّرت مجرى التاريخ السياسي الحديث لموريتانيا، وتركت أثرها القوي خلال العقدين الأخيرين. أولى هذه الوقفات جاءت عندما أطاحا معاً عام 2005، في انقلاب عسكري أبيض، بالرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع الذي حكم البلاد لأكثر من عشرين سنة (1984 - 2005)، ثم عندما وقفا خلف انتخاب الرئيس المدني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله عام 2007، مغلقين الباب أمام انتخاب زعيم المعارضة التاريخي أحمد ولد داداه.
إلا أن الرجلين سرعان ما اصطدما بالرئيس الذي اختاراه واجهة مدنية لإدارة البلاد، فوقفا خلف أزمة بين الرئيس وغالبيته البرلمانية انتهت بانقلاب عسكري أبيض جديد عام 2008، توصلا بعده إلى قناعة راسخة بصعوبة إدارة البلاد من وراء ستار، وأنه لا بد أن يتوليا الحكم بشكل مباشر.
استقال ولد عبد العزيز من الجيش عام 2009، وترشح للانتخابات الرئاسية ليحكم البلاد طيلة عشر سنوات، مع نهايتها كان صديقه ولد الغزواني يتلقى رسالة تقاعده من الجيش، فأعلن ترشحه للرئاسيات الأخيرة. وها هو الآن يفوز بها ويصبح رئيساً للبلاد، خلفاً لصديقه.
لقد بدا واضحاً أن الأمور تسير كما خطط لها الرجلان قبل قرابة عقدين من الزمن، وربما قبل ذلك، فالرجلان جلسا معاً على مقاعد الدراسة في الأكاديمية الملكية العسكرية بمدينة مكناس المغربية، أواخر سبعينات القرن الماضي.

«رجل الظل»
وطيلة المسار العسكري والسياسي الذي جمع الرجلين، كان ولد عبد العزيز «رجل الأضواء»، بينما فضل ولد الغزواني أن يكون «رجل الظل»، محيطاً نفسه بهالة من الغموض والسرّية التامة. وهو مَن تولى مهام عسكرية كثيرة شديدة الحساسية، كقيادة المخابرات العسكرية والأمن الوطني، وختمها بسنوات من قيادة أركان الجيوش خاض فيها معركة شرسة ضد الإرهاب.
أما بعد التقاعد ودخول معترك السياسة، فها هو الرجل يدخل دائرة الضوء، بشكل تدريجي وبحذر شديد، لكنه لا يزال وفياً لعاداته في السرية والكتمان، رغم تصدره للمشهد السياسي وتربّعه على عرش القرار في البلاد.

خلفية شخصية وعائلية
يتحدر ولد الغزواني من مدينة بومديد، وهي مدينة يغلب عليها الطابع الريفي، تقع وسط البلاد، وتنتصب بجوارها هضبة تكانت وكتلها الصخرية السوداء الهائلة التي تتحول مع كل فصل خريف إلى شلالات لا تتوقف لعدة أشهر... وفي المقابل تقع هذه المدينة عند بوابة المجابات الكبرى الممتدة نحو الشرق الموريتاني لتتصل بالصحراء الكبرى.
وهكذا كانت بومديد مكاناً مناسباً للانعزال، في ظل وعورة الطرق المؤدية إليها وانقطاعها شبه التام عن العالم.
هذه الصفات هي التي دفعت أجداد ولد الغزواني إلى تأسيس المدينة قبل أكثر من قرن من الزمن، فجعلوا منها مركزاً لطريقة صوفية مبنية على الزهد والتجرّد من متاع الدنيا، حظيت بسمعة واسعة في موريتانيا وخارجها.

مشيخة ونفوذ
في هذه الأجواء وُلد محمد ولد الغزواني عام 1956، أي قبل الاستقلال بأربع سنوات فقط، كان له أربعة إخوة غير أشقاء يكبرونه، وأخت واحدة هي شقيقته. وكان والده الشيخ محمد ولد الشيخ الغزواني هو خليفة جده، الذي كان صاحب النفوذ الروحي والسياسي والاجتماعي.
وبالتالي، تربّى ولد الغزواني في بيت مشيخة ونفوذ، واحتكّ خلال طفولته بالأمراء وشيوخ القبائل والعلماء، لا سيما أن بيت والده ما كان يخلو من ضيف قادم من أحد أطراف موريتانيا. لكن الطفل الصغير الذي فتح عينيه في هذا البيت الميسور، بدأ حياته بالتوجّه إلى الكتاتيب، حيث حفظ القرآن الكريم ودرس بعض متون اللغة العربية والسيرة النبوية والفقه، إذ كان مستقبل من هو في موقعه ومكانته الاجتماعية معروفاً سلفاً، وهو المتحدر من أسرة علم وتصوف.
كان الطفل يكبر، والدولة الموريتانية الفتية تحاول الوقوف على قدميها، وتدفع حكومة الرئيس المؤسس المختار ولد داداه أعيان المجتمعات وشيوخ القبائل نحو تدريس أبنائهم في «المدارس العصرية»، وكان والده يتنقل بين المدن الموريتانية ويلتقي بالمسؤولين الإداريين في الدولة الفتية، يحدثونه عن مستقبل البلد وأهمية التعليم العصري، والآفاق التي يمكن أن يفتحها أمام المنخرطين فيه. ويومذاك قرر أن ابنه محمد سيتجه إلى هذه المدارس، بعدما استوفى القدر الكافي من «المحظرة التقليدية». كان ذلك القرار غير مألوف وغير مستساغ في مجتمعه المحافظ والتقليدي، لكنه غيّر أقدار الطفل الذي وُلِد بين الهضاب والمجابات الكبرى.
درس ولد الغزواني في كثير من المدن الموريتانية، من كيفه، بوسط البلاد، إلى كيهيدي وروصو في أقصى الجنوب على ضفاف نهر السنغال، ووصولاً إلى العاصمة نواكشوط على ضفاف المحيط الأطلسي. وفي كل محطة كان يحتك بأطفال ومراهقين آتين من مختلف مناطق موريتانيا.
كان في البداية يلفت الانتباه باسمه الطويل، محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني، غير أنه فيما بعد تحوّل إلى ذلك الطالب الذي ينظر إليه الجميع باحترام كبير. ويقول رئيس البرلمان الموريتاني الشيخ ولد بايه، وهو عقيد سابق في الجيش الموريتاني: «لقد درست معه الثانوية، في روصو ونواكشوط، خلال الفترة من 1973 إلى 1976. وهو الوحيد من بيننا الذي كان يحترمه الجميع. لم تكن لديه أي مشاكل مع أي أحد، وبعدما دخلنا الجيش، كانت علاقته طيبة مع الجميع».

هادئ جداً... وصارم
ولد الغزواني، وهو متزوج من طبيبة أسنان، ولديه خمسة أبناء، ثلاثة منهم من زوجتين سابقتين، يصفه المقرّبون منه بأنه هادئ جداً، إلا أنه يخفي وراء هدوءه قدراً كبيراً من الصرامة والجدية، ثم إنه يصغي أكثر مما يتكلّم، كما أنه مثقف وأديب، ويتحدث لغة عربية رصينة، ولديه ثقافة فرانكفونية محترمة.
انخرط ولد الغزواني في صفوف الجيش الموريتاني «متطوعاً»، شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1978، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من أول انقلاب عسكري تشهده البلاد أطاح بنظام الرئيس المؤسس المختار ولد داداه. وكان الجيش حينها منهكاً بسبب حرب الصحراء والضربات الموجعة التي تلقاها من جبهة «البوليساريو»، التي كان مقاتلوها على أبواب العاصمة نواكشوط.
أسقط الجيش نظام ولد داداه، وأعلن الانسحاب من الحرب، وظهر قادة الانقلاب كالأبطال الذين أنقذوا البلد المهدد بالانهيار. ظهروا وهم يرتدون زيهم العسكري المُزركش يلوحون بعلامات النصر وسط المتظاهرين الفرحين في شوارع العاصمة نواكشوط... إنه مشهد علق في أذهان كثير من الشباب الموريتانيين خلال تلك الفترة، ودفع كثيرين منهم للانخراط في صفوف الجيش، ربما يكون من بينهم ولد الغزواني الذي قاد بعد قرابة ثلاثة عقود انقلابين عسكريين.
وبعد انضمامه إلى الجيش، توجه إلى المغرب حيث تلقى تكويناً عسكرياً في الأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس ليتخرج فيها ضابطاً، رفقة صديقه محمد ولد عبد العزيز وضباط آخرين كانوا شركاء في انقلابي 2005 و2008، من أبرزهم الجنرال حننا ولد سيدي، الذي يتولى حالياً قيادة القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل الخمس.
حصل ولد الغزواني على شهادة البكالوريوس في الدراسات القانونية، ثم الماجستير في العلوم الإدارية والعسكرية، وتلقى دراسات وتدريبات عسكرية عليا في الأردن، وتدرّج في المناصب والرتب العسكرية حتى رقّي عام 2008 إلى رتبة جنرال في الجيش الموريتاني رفقة صديقه ولد عبد العزيز، كما سبق أن تولى قيادة المخابرات العسكرية عام 2004، وإدارة الأمن الوطني عام 2005، في عام 2008 أصبح قائد الأركان الوطنية، وفي عام 2013 أصبح قائد الأركان العامة للجيوش وهو المنصب الذي استمر فيه حتى تقاعده نهاية العام الماضي (2018).
خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2012 أصيب ولد عبد العزيز بطلق ناري في البطن، بسبب خطأ من ضابط شاب اشتبه في سيارته التي كانت تمرّ بجوار قاعدة عسكرية شمال البلاد، نُقل الرئيس على جناح السرعة إلى العاصمة الفرنسية لتلقي العلاج. في حينه بقيت البلاد في قبضة ولد الغزواني لذي رفض مطالب البعض بإعلان شغور منصب رئيس الجمهورية وتجاهل عروضاً تغريه بالانقلاب على صديقه «الجريح»، الذي استغرق علاجه 45 يوماً.
ومنذ تولى ولد الغزواني قيادة الأركان الوطنية عام 2008، وهو يمسك بملف «الحرب على الإرهاب»، فنجح في إصلاح المؤسسة العسكرية، وأعاد هيكلة الجيش الموريتاني، وضاعف من تسليحه، وخاض حرباً شرسة ضد تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الذي كان مقاتلوه يشنون هجماتهم في أحياء العاصمة نواكشوط... إلا أن استراتيجية الرجل الأمنية أوقفت هذه الهجمات منذ عام 2011.

انتقادات ووعود
ولئن كان ولد الغزواني قد نجح في كبح جماح الخطر الإرهابي، فإنه واجه العديد من الانتقادات، خصوصاً فيما يتعلق بترقيات العسكريين التي قيل إنه كان يمارس فيها المحسوبية والزبونية، وأن بعض الضباط تعرض للظلم. كذلك انتقد أيضاً لفشل استراتيجيته في الحد من الجريمة التي ارتفعت بشكل مخيف خلال السنوات الماضية، وأصبحت بعض أحياء العاصمة نواكشوط، خارج نطاق التغطية الأمنية وتسيطر عليها عصابات السطو والنهب، ووقعت عمليات سطو مسلح في وضح النهار على البنوك والمحلات التجارية.
مع هذا، رفع ولد الغزواني ورقة الأمن والتنمية خلال حملته الانتخابية الأخيرة، وقدّم جملة من التعهدات التي قال إنه سيحققها خلال خمس سنوات مقبلة، من أبرزها الحد من الفقر ومكافحة الفساد والعدالة في توزيع الثروة، وتسوية ملفات حقوق الإنسان، مؤكداً أنه سيعمل على «إنصاف» مَن وصفهم بـ«الفئات المغبونة»، بيد أن الوعد الأكبر الذي قدمه هو شق قناة تربط نهر السنغال بمدينة ألاك، لمسافة تزيد على 50 كيلومتراً. هذا مشروع يتطلب إمكانيات كبيرة وتقف في وجهه عراقيل سياسية ودبلوماسية قد تؤثر على العلاقات مع دول الجوار، خصوصاً السنغال ومالي، لكن الرجل يراهن على المشروع للحد من الفقر والبطالة، إذ تعهد في السياق نفسه بإنعاش قطاع الزراعة، من خلال استصلاح 5 آلاف هكتار سنوياً لصالح الفئات الأكثر فقراً، وتشجيع القطاع الخاص على استصلاح ألفي هكتار سنوياً على ضفاف النهر.
وعود كثيرة وكبيرة أطلقها الرجل في حملته الانتخابية، ولكن هذه الوعود لم تحجب حقيقة أنه يرث بلداً مثقلاً بالمشاكل، من انتشار البطالة وتدهور التعليم وضعف القطاع الصحي، وصولاً إلى أزمة اجتماعية وعرقية تهدد الأمن في البلد الهش، ما يجعل مهمة الرجل صعبة ومعقدة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».