بعد الانتخابات الرئاسية خريطة سياسية جديدة في موريتانيا

أسفرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في موريتانيا عن إعادة رسم الخريطة السياسية في البلاد، وأحدثت هزة عنيفة داخل صفوف المعارضة على وجه التحديد، بينما ظهرت قوى جديدة داخل الغالبية الرئاسية الحاكمة، وتراجع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.
محمد ولد الغزواني الذي فاز بالانتخابات، كان مرشحاً مستقلاً، إلا أنه مدعوم من طرف عشرات الأحزاب والمبادرات السياسية والشخصيات السياسية، ويتقدم داعميه حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» (الحاكم). هذا يعني أن الرجل سيدخل القصر الرئاسي وهو لا يملك حزبه السياسي الخاص، ما يضع أمامه العديد من السيناريوهات:
السيناريو الأول أن يحتفظ بحزب صديقه، وهو أمر سبق أن أكد عليه سلفه محمد ولد عبد العزيز الذي قال إنه سيواصل مساره السياسي عن طريق «حزب الاتحاد من أجل الجمهورية»، الذي سيستمر حزباً حاكماً خلال السنوات المقبلة.
السيناريو الثاني هو أن يقرّر الرئيس الجديد أن يخرج من جلباب صديقه، وأن يختطّ لنفسه مساراً سياسيا خاصاً، يبدأ بحل البرلمان ودعم حزب جديد، يستحوذ على الأغلبية البرلمانية ويصبح الحزب الحاكم الجديد. وهو ما سيمكّنه من التخلص من حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» الذي يعاني من عيوب هيكلية كبيرة، وارتكب خلال السنوات الأخيرة أخطاء سياسية قاتلة، قد لا يرغب ولد الغزواني في أن يرثها.
السيناريو الثالث يتمثل في أن يبقى الرئيس الجديد في منطقة الحياد بين الأحزاب الداعمة له، كما ينصّ على ذلك الدستور الموريتاني، وأن يبني تحالفات سياسية تمكّنه من ضمان الغالبية البرلمانية، ولكنه يقلص دور الحزب الحاكم الأوحد، لصالح تفاهمات سياسية صلبة. غير أن هذا السيناريو يحمل مخاطرة كبيرة في بلد تعود على «حزب الرئيس» الذي تنتظم فيه قوى المجتمع الحية من قبائل ورجال أعمال ونافذين.
أما على مستوى المعارضة، فيبدو المشهد أكثر ارتباكاً، فالأحزاب السياسية التقليدية التي كانت تمثل المعارضة التاريخية في موريتانيا، تلقت ضربات موجعة في هذه الانتخابات. وكانت النتيجة التي حصلت عليها هي «الضربة القاضية»، إذ لم يتجاوز المرشح الذي تدعمه (محمد ولد مولود) نسبة 2 في المائة من أصوات الموريتانيين. التصويت كان بمثابة آخر مسمار في نعش هذه المعارضة المصابة بأمراض كثيرة، من أبرزها العجز عن تجديد قياداتها التي بقيت هي نفسها منذ أكثر من ثلاثة عقود.
أيضاً الإسلاميون، الذين حققوا مكاسب انتخابية معتبرة خلال السنوات الماضية، أصابتهم هذه الانتخابات الأخيرة بحالة من التشرذم والانشقاق، بسبب قرار دعم المرشح سيدي محمد ولد ببكر. ولد ببكر وزير أول أسبق في عهد الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع، الذي كان قد سجن قيادات «الإخوان المسلمين» ورفض الترخيص لحزبهم السياسي مطلع الألفية الثالثة. وعندما قرر الحزب الإسلامي دعم أحد رموز هذا النظام، أثار ذلك غضب كثير من قواعده الشعبية وصوّتوا ضده، وهذا ما ظهر بقوة في مقاطعة عرفات بالعاصمة نواكشوط، التي توصف بأنها معقل الإسلاميين، إلا أنها في هذه الانتخابات صوتت لصالح ولد الغزواني.
تراجع الإسلاميين والمعارضة التاريخية، فتح الباب أمان صعود قوى معارضة جديدة، يتصدرها الناشط الحقوقي والسياسي بيرام ولد الداه اعبيد، الذي حل في المرتبة الثانية بنسبة 18 في المائة، وغدا رقماً صعباً في المعادلة السياسية الموريتانية، وهو الذي استفاد من خطاب حقوقي «راديكالي» مناهض للعبودية، وأصبح يحظى بشعبية واسعة في صفوف «العبيد السابقين».
هذه الهزات الكبيرة التي أحدثتها هذه الانتخابات في الساحة السياسية الموريتانية، تركت سؤالاً واحداً معلقاً، وهو المستقبل السياسي للرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز... فهل سيكتفي الرجل بصفة «رئيس سابق»... أم أنه سيكون «شريكاً» في الحكم؟!