البيئة الطبيعية «المتوازنة الجراثيم»... صحية

تتحقق باعتماد «النظافة الموجهة»

البيئة الطبيعية «المتوازنة الجراثيم»... صحية
TT

البيئة الطبيعية «المتوازنة الجراثيم»... صحية

البيئة الطبيعية «المتوازنة الجراثيم»... صحية

يبدو أن الجدل المستمر حول البيئة الأكثر صحية للأطفال ربما ينتهي قريبا لصالح البيئة الطبيعية التي تحتوي على بعض الميكروبات، ولكنها ليست بالبيئة التي يكون الطفل فيها عرضة للإصابة بأنواع كثيرة من الميكروبات المختلفة.
هذه البيئة المطلوبة يجب ألا تكون بالطبع شديدة النظافة، حيث يمكن أن يمثل التعرض للميكروبات نوعا من الوقاية من الأمراض البسيطة في الصغر من خلال تعريض الجسم لجرعات بسيطة باستمرار من الميكروبات، وبالتالي تتكون لدى الطفل أجسام مضادة طبيعية، وهو الأمر الذي يشبه عملية التطعيم إلى حد كبير. وكانت قد انتشرت هذه النظرية في الفترة الماضية، حيث ساد الاعتقاد أن البيئة شديدة النظافة ربما تتسبب في الحساسية. وفي المقابل حذرت دراسة جديدة من أن تعرض الطفل للبيئات الملوثة يحمل بالطبع خطر الإصابة بالميكروبات المختلفة وأكدت أن التوازن هو الحل الأمثل.
التباس «ميكروبي»

أوضح الباحثون في تقرير طبي سابق للجمعية الملكية للصحة العامة Royal Society for Public Health بالمملكة المتحدة شمل 2000 شخص أن الآباء يختلط عليهم الأمر فيما يمكن تسميته «القدر المناسب من التعرض للميكروبات»، وذلك راجع لزيادة الوعي بما يسمى فرضية النظافة hygiene hypothesis حيث إن معظم البيوت الآن سواء في المدينة أو القرى تكون على قدر عال من النظافة، ويصعب فيها تعرض الأطفال للجراثيم التي تعتبر ضرورية لتحفيز جهاز المناعة لديهم.وجاء التقرير معبرا عن حالة الحيرة فيما يخص البيئة الصحية للحد الذي تم تسميته «بيئة نظيفة جدا أم غير نظيفة جدا Too Clean or Not Too Clean». ومن خلال هذا التقرير أعرب 25 في المائة من الأشخاص عن اعتقادهم بضرورة تعرض الطفل للميكروبات. وكانت نسبة الرجال الذين يعتقدون ذلك ضعف السيدات وهو ما يعني أن الأمهات في المنازل لن يقمن بالسماح لأطفالهن بالتعرض للميكروبات، وفي المقابل أيضا كان هناك اختلاف كبير حول تعريف التعرض الآمن للميكروبات.
وأعرب 61 في المائة من الذين شملتهم الدراسة البريطانية أن لمس يد الطفل بعد اللعب يكون ضارا بالفعل ويساهم في نشر الأمراض وأيضا أعربت نسبة بلغت 36 في المائة أن الأتربة دائما ما تكون محملة بالجراثيم. وفي الأغلب تكون الأتربة المحيطة بالمنازل والمدارس غير محملة بالجراثيم الضارة إلا في حالات أن تكون هناك حيوانات أليفة في الجوار، ولذلك فإن مجرد تلوث الأيدي بالأتربة ليس ضارا.

توازن جرثومي

وأكد الباحثون على أنه ليست كل الجراثيم متساوية في مقدار الضرر، بمعنى أن هناك ما يعرف بالبكتيريا المفيدة والتي يمكن أن تكون موجودة في التربة الزراعية أو على أجسام الحيوانات الأليفة أو عند مصافحة الأيدي المحملة بالأتربة. وبطبيعة الحال فإن التعرض للميكروبات الضارة يسبب العدوى.
أشار الباحثون إلى أن التوازن الصحيح بين هوس النظافة والبيئة الملوثة وهو ما يسمى بالنظافة الموجهة targeted hygiene بمعنى أن يتحرك الأطفال في بيئتهم بشكل طبيعي مع اتخاذ إجراءات بسيطة للحد من العدوى وأبسطها على سبيل المثال غسل الأيدي.
وعلى الرغم من أن غسل الأيدي يبدو إجراء بسيطا جدا فإنه فعال في الوقاية من الكثير من الميكروبات. ويجب أن يكون غسل الأيدي أول عمل يتم بعد دخول الطفل للمنزل، وبعد التعامل مع الحيوانات الأليفة وقبل تناول الطعام وبعد استخدام الحمام، وأيضا بعد ملامسة اللحوم غير المطهية وبالطبع بعد العطس أو السعال. وعلى الرغم من أن معلومة غسل الأيدي تبدو بديهية فإن 73 في المائة فقط ممن شملتهم الدراسة أفادوا بأنهم دائما ما يقومون بغسل أيديهم بالصابون بعد إعداد اللحوم غير المطهية وذلك في دولة مثل المملكة المتحدة.
وشددت الدراسة على أهمية هذه العادة وعدم الاستهانة بالقدرة الوقائية، وتبعا للتقرير فإن البالغين في الأغلب يحدث لهم نوبات إصابة بنزلات البرد من 4 إلى 6 مرات والأطفال من 6 إلى 8 مرات في العام، ويمكن لمجرد غسل الأيدي أن يحد من هذه النسبة بشكل كبير.وأوضح الباحثون أيضا أنه يجب تنظيف الأسطح التي يتم إعداد الطعام عليها أو المنضدة التي يتم تناول الأكل عليها خاصة حينما يكون هناك الكثير من الأشخاص، وأن توجيه الاهتمام بهذه الأسطح أفضل من الحرص الشديد على تنظيف الأرضيات بالمنظفات المختلفة. كما يجب أن تتعامل الأمهات بنوع من عدم الخوف من الحيوانات الأليفة ما دام يتم الاعتناء بها بشكل جيد وتتلقى التطعيمات اللازمة، بل على النقيض يمكن للتعامل مع الحيوانات أن يساهم في بناء الجهاز المناعي حتى أن بعض المستشفيات تسمح بوجود هذه الحيوانات في بعض أوقات الزيارة.أكد الباحثون على ضرورة تعليم الأطفال طرق انتقال العدوى والوقاية منها، خاصة أن الإصابة بالنزلات المعوية ما زالت تحدث بمعدلات غير مقبولة تبعا للجهود المبذولة في الدول المتقدمة والتي سوف تكون أسوأ بالطبع في الدول النامية.وأشار العلماء إلى ضرورة أن تقوم الوسائل الإعلامية بتقديم معلومات كافية عن طرق الوقاية من الأمراض المختلفة خاصة أن التقرير اكتشف أن هناك نسبة كبيرة لديهم أفكار مغلوطة عن الوقاية من الأمراض مثل الاستخدام المبكر للمضادات الحيوية عند الإحساس ببوادر الإصابة بأي اعتلال، وكانت نسبة هؤلاء 59 في المائة. وكذلك تصور أن إبقاء الطفل في المنازل في أوقات أكثر يكون ضامنا للصحة الجيدة بنسبة بلغت 56 في المائة، وأن البيئة شديدة النظافة هي أفضل للصحة بنسبة بلغت 55 في المائة.
* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

صحتك بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

أفادت دراسة علمية حديثة بأن تناول المأكولات الغنية بالألياف يزيد من حماية الجسم من العدوى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية

7 نصائح للرجال للياقة بدنية تتجاوز العمر

القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية ليتمتعوا بصحة أفضل يوماً بعد يوم وفي أي عمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الرمان يزود الجسم بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام (غيتي)

تحسين الكولسترول والوقاية من السرطان... فوائد هائلة لتناول الرمان يومياً

بتناول حبات الرمان يومياً تضمن أن تزود جسمك بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مريضة بسرطان الثدي (رويترز)

تقرير: النساء الشابات أكثر عرضة للإصابة بالسرطان من الرجال

تمثل حالة الأختين رورك ظاهرة منتشرة في الولايات المتحدة، وهي تشخيص المزيد من النساء الشابات بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك 8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

ربما تكون مثل كثير من الناس الذين من أوائل الأشياء التي يقومون بها كل صباح هو النظر من النافذة لمعرفة حالة الطقس

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

التعرُّف على اضطرابات الدماغ من شبكية العين

العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
TT

التعرُّف على اضطرابات الدماغ من شبكية العين

العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)

أظهرت دراسة جديدة أجراها باحثون من معهد ماكس بلانك للطب النفسي بألمانيا، أنّ الشبكية بمنزلة امتداد خارجي للدماغ وتشترك في الجينات عينها، ما يجعلها طريقة سهلة للعلماء للوصول إلى دراسة اضطرابات الدماغ بمستويات أعلى من الدقة.

وأفادت النتائج بأنّ العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً، وهذا من شأنه جعل الشبكية بديلاً رائعاً لدراسة الاضطرابات العصبية وبطريقة فائقة السهولة؛ «لأننا نستطيع فحص شبكية العين لدى المرضى بدقة أعلى بكثير من الدماغ»، وفق الباحثين. وهم أكدوا على أن فهم الآليات البيولوجية حول هذا الأمر من شأنه مساعدتهم على تطوير خيارات علاجية أكثر فاعلية وأكثر شخصية.

وحلَّل باحثو الدراسة المنشورة في دورية «جاما سيكاتري»، الارتباط الجيني بين خلايا الشبكية وعدد من الاضطرابات العصبية النفسية. ومن خلال الجمع بين البيانات المختلفة، وجدوا أنّ جينات خطر الفصام كانت مرتبطة بخلايا عصبية محدّدة في شبكية العين.

وتشير جينات الخطر المعنيّة هذه إلى ضعف بيولوجيا المشابك العصبية، وبالتالي ضعف قدرة الخلايا العصبية على التواصل مع بعضها البعض. ويرجح الباحثون أن يكون هذا الضعف موجوداً أيضاً في أدمغة مرضى الفصام.

وبناءً على تلك الفرضية، أظهر الباحثون أنّ الاتصال العصبي يبدو معوقاً في شبكية العين لدى مرضى الفصام بالفعل.

وأوضحوا، في بيان، الجمعة أنّ «العثور على هذا الخلل في العين يشير إلى أنّ العمليات في الشبكية والدماغ متشابهة جداً؛ وهذا من شأنه جعل الشبكية بديلاً رائعاً لدراسة الاضطرابات العصبية، لأننا نستطيع فحص شبكية العين لدى المرضى بدقة أعلى بكثير من الدماغ».

في دراستهم السابقة، وجد باحثو معهد ماكس بلانك للطب النفسي، برئاسة فلوريان رابي، تغيّرات في شبكية العين لدى مرضى الفصام أصبحت أكثر حدّة مع زيادة المخاطر الجينية. وبناءً على ذلك، اشتبهوا في أنّ التغيرات الشبكية ليست نتيجة لأمراض مصاحبة شائعة مثل السمنة أو مرض السكري فحسب، وإنما قد تكون ناجمة عن آليات أمراض مدفوعة بالفصام بشكل مباشر.

إذا كانت هذه هي الحال، فإنّ معرفة مزيد عن هذه التغيّرات قد تساعد الباحثين على فهم الآليات البيولوجية وراء الاضطراب. وبالإضافة إلى الفصام، لوحظت تغيرات في الشبكية لدى مرضى الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب والتصلّب المتعدّد ومرض ألزهايمر ومرض باركنسون والسكتة الدماغية.

باستخدام بيانات من دراسات كبيرة سابقة، دمج رابي والمؤلّف الأول إيمانويل بودريوت من معهد ماكس بلانك للطب النفسي وجامعة لودفيغ ماكسيميليان ميونيخ في ألمانيا، بيانات المخاطر الجينية من الاضطرابات العصبية النفسية مع بيانات تسلسل الحمض النووي الريبي للشبكية.

أظهرت النتائج أنّ جينات المخاطر كانت مرتبطة بخلايا شبكية مختلفة في الاضطرابات المذكورة أعلاه.

كما ارتبط الخطر الجيني للإصابة بالتصلّب المتعدّد بخلايا المناعة في الشبكية، بما يتماشى مع الطبيعة المناعية الذاتية للاضطراب. وكذلك ارتبطت جينات الخطر للإصابة بالفصام بفئة محددة من الخلايا العصبية الشبكية تشارك في الوظيفة المشبكية، وتحدّد قدرة الخلايا العصبية على التواصل مع بعضها البعض.