الحوثيون يستخدمون التعليم منصة للتعبئة الطائفية والقتالية

عبر فعاليات مدرسية وأنشطة ودورات ومحاضرات خارج القانون

TT

الحوثيون يستخدمون التعليم منصة للتعبئة الطائفية والقتالية

لم يدرك منصور الأكحلي (16 عاماً) أن العلامة المطبوعة على قميصه الرياضي ستجلب له كل تلك المتاعب. لكنه لمس خطورة ذلك على حياته في 16 فبراير (شباط) 2019. عندما تعرّض للاعتداء على يد زملائه في الصف الأول الثانوي في مدرسة خاصة جنوبي صنعاء، حيث وضعوه أرضاً، وضربوه وشتموه بألفاظ جارحة ثم مزقّوا قميصه.
يقول منصور: «لم يكن القميص هو السبب بل العلم الأميركي المرسوم عليه».
أحد وكلاء المدرسة يعلق على تلك الحادثة: «قبل لحظات من الاعتداء على منصور، تعرّض الطلاب لشحنة عاطفية وحماسية ضد أميركا وإسرائيل وحكومة اليمن المعترف بها دوليا، أحرقوا خلالها أعلام الدولتين وصور بعض قيادات حكومة اليمن، وداسوها بأقدامهم». يضيف وكيل المدرسة الذي فضّل حجب هويته: «عندما شاهدوا العلم على قميص زميلهم اعتبروه نوعا من الخيانة».
قبل تلك الواقعة بثلاثة أيام، كانت المدرسة تلقّت تعميماً من إدارة الإعلام التربوي في أمانة العاصمة صنعاء - التي تسيطر عليها جماعة ما تسمى بـ«أنصار الله»، المعروفة باسم الحوثيين - بفرض إقامة وقفات احتجاجية في طابور الصباح. كما أمرت بتخصيص جميع فقرات الإذاعة المدرسية لمدة أسبوع للحديث عن رفض «التطبيع» والدوس على علمي أميركا وإسرائيل.
تقول مشرفة في مدرسة حكومية إن إدارة المدرسة تتلقّى «يوميا» توجيهات من مكتب التربية في العاصمة صنعاء ووزارة التربية والتعليم، التي يديرها يحيى الحوثي شقيق زعيم الحوثيين. وتوضح المشرفة - التي طلبت حجب اسمها لأسباب أمنية - أن معظم المذكرات الداخلية تركّز على «تنفيذ أنشطة تخدم جماعة الحوثي ولا علاقة لها بالأنشطة المدرسية التي يفترض أن تنمي مهارات الطلاب».
وتوصل معد التحقيق بعد جولة في 20 مدرسة في محافظتين مختلفتين إلى أن جماعة الحوثي تفرض على المدارس - الواقعة ضمن مناطق سيطرتها - إقامة «أنشطة طائفية»، بغرض إقناع الطلاب بأفكارها ومبادئها المذهبية، ما يشكّل تهديداً للنسيج المجتمعي ويدفع بأسر يمنية لنقل أبنائها إلى مدارس في محافظات أخرى خارج سيطرة الجماعة.
كما تتضمن الأنشطة غير المنهجية دعوات للتعصب وحمل السلاح، ودفع طلاب إلى جبهات القتال، فضلا عن إساءات لرموز وقناعات عقيدة الطلبة ممن لا يتبعون المذهب الديني المعتمد لدى الحوثيين، حسبما وثق معد التحقيق خلال جولات ميدانية على مدى ستة أشهر.
على أن وزارة التربية والتعليم الحوثية تنفي سيطرة جماعة الحوثي على العملية التعليمية في المناطق الخاضعة لها أو فرض خطابها على التلاميذ.
المهندس مهيوب القباطي (43 عاماً) نقل ابنه حسام من مدرسة الطبري في صنعاء القديمة إلى مدرسة الشعب في تعز، بعد أن أساء مدرسون وطلاّب معاملته لأنه يرفض ترديد شعار جماعة الحوثي المعروف بـ(الصرخة) في طابور الصباح: «الموت لأميركا... الموت لإسرائيل... اللعنة على اليهود... النصر للإسلام».
يقول القباطي: «كانوا يقولون لحسام أنت لا تردّد الشعار، يعني أنت مع العدوان»، في إشارة إلى التحالف العربي الذي يساند الجيش التابع للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي منذ ربيع 2015 في الحرب ضد جماعة الحوثي.

- فرض الشعار
ومن خلال استبيان وزع على مشرفين ومديرين في 20 مدرسة بصنعاء ومحافظة إب (193 جنوب صنعاء) - الخاضعة أيضا لسيطرة الحوثي منذ سبتمبر (أيلول) 2014. توصل معد التحقيق إلى أن الحوثيين لم يفرضوا على جميع الطلاب ترديد شعار الجماعة، لكنهم فرضوا على مدى أربعة أعوام أنشطة تخدم فكرهم.
ويقول معلمون - فضّلوا حجب أسمائهم - إن الحوثيين استقطبوا لذلك عددا كبيراً من المدرسين وعينوا مديري مدارس موالين للجماعة، ما أسهم في نشر ما يطلقون عليه الـ«الثقافة القرآنية» المستقاة من محاضرات مؤسس الحركة حسين الحوثي. وهكذا نجحوا في إقناع عدد كبير من الطلاب بترديد «الشعار» الداعي بالموت لأميركا، وإسرائيل واليهود، والذي يستخدم كغلاف للنشاط المذهبي الحوثي، وفق أحد المعلمين.
تقول مشرفة في مدرسة حكومية إن وزارة التربية تكرر إرسال أحد القيادات التعبوية ويدعى عبد الفتاح الجبري لإلقاء محاضرات على الطلاب في طابور الصباح وتوزيع ملصقات ومطويات تحمل شعارات الحوثيين. وتتابع «كان في البداية يردّد «الصرخة» بعد كل محاضرة بمفرده، لكن مع مرور الوقت درج عدد من الطالبات والمدرسين على ترديدها خلفه».
معلم في مدرسة جمال الحكومية بمديرية التحرير في صنعاء يؤكد ما سبق، ويضيف لمعد التحقيق: «هناك أسر تنتمي إلى السلالة الهاشمية التي تناصر جماعة الحوثي وتعلم أبناءها ترديد هذا (الشعار) وهناك طلاب أصبحوا مقتنعين بفكر الجماعة». لكنه يستدرك أنهم لا يتجاوزون 25 في المائة من عدد الطلاب، وفق ملاحظته الشخصية.

- «كونوا أنصار الله»
قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ»، هكذا اجتزأ أبو هاشم القيادي فيما تسمّى «الهيئة الثقافية» للجماعة الحوثية الآية القرآنية مستهلا بها كلمته أمام أكثر من 600 طالب في مدرسة (أ. ك) الحكومية بصنعاء صباح السبت 23 فبراير(شباط) 2019. وفي غمرة انفعاله، حضّ أبو هاشم الأطفال على المشاركة في إسناد جبهات القتال بمختلف «أنواع الصمود». على مدى ساعة، استشهد أبو هاشم 17 مرة بـ«توجيهات السيّد»، في إشارة إلى عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة. وكلما ذكر اسم الحوثي كان العديد من الطلاّب والمدرسين يردّدون شعار (الصرخة).
مدرسة (أ.ك) إحدى أهم المدارس الحكومية التي رفدت جبهة الحوثيين بالمقاتلين، بحسب وكيل المدرسة، الذي يقول إن أزيد من 20 طالبا سقطوا قتلى في الجبهات.
الوكيل - الذي فضّل حجب اسمه - يقدّر بالمئات عدد المقاتلين من خريجي المدرسة. «فجميع من يشارك في القتال ضمن صفوف الحوثيين مؤمنون بثقافة وفكر الجماعة»، حسبما يشرح الوكيل، الذي يقطن في ذات الحي حيث المدرسة.
ويؤكد أن إدارة المدرسة وعائلات طلبة أسهمت في تعبئة الطلاب بالثقافة الحوثية، ذلك أن أحياء منطقة شمال مدينة صنعاء من أهم مراكز تجمع المنتمين للسلالة الحوثية، التي تقدّسها الجماعة وترى أنها الأحق بالحكم امتثالا «لأمر إلهي»، وفق معتقدها.

• دورات للمدرسين والمديرين
«إنه اختطاف وليس دعوة لحضور دورة ثقافية»، بهذه العبارة يلخّص مدير مدرسة خاصة في العاصمة صنعاء تجربة حضور دورة ثقافية أقامتها جماعة الحوثي لنشر أفكارها.
كان مدير المدرسة - الذي تجاوز عمره (الخمسين عاماً) - قد رفض مراراً دعوة مشرف المنطقة للمشاركة في دورة ثقافية، ما اضطر القائمين على النشاط للحضور إلى مكتبه «دخلوا مكتبي بعد انتهاء الدوام وطلبوا مني مرافقتهم رافضين أي عذر وأكدّوا أنهم سيخبرون زوجتي وأبنائي بمكاني» في حال خرج معهم، يستذكر المدير بألم. وبعد خمسة أيام من الانقطاع عن العالم اكتشف أن أسرته لم تبلغ بمكان وجوده، لتعيش أسبوعا من الخوف والقلق على مصيره.
ويؤكد المدير أن معظم المحاضرات التي شارك فيها على مدى أسبوع مع 27 من مديري ووكلاء مدارس أخرى، تركّز على «حق الولاية للإمام علي بن أبي طالب» وأبنائه من بعده (يرجع الحوثي أصوله إلى سلالة علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله). كما تحث على نصرة الجماعة بالمال والرجال وحشد الشباب للالتحاق بالقتال.
ويطالب المحاضرون أيضا بتوظيف الأنشطة والإذاعة المدرسية في تعزيز هذا التوجه وغرس الولاء في نفوس الطلاب للحوثي الذين يعتقدون بأن الله «ولّاه على المسلمين».
في تعميم عبر مجموعة «واتس آب» مخصّصة لمديري ووكلاء ومشرفي المدارس بمديرية «الثورة» بالعاصمة صنعاء، فرض مدير المنطقة التعليمية حينها عصام الخالد في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2018 على كل مدرسة إرسال مدرس أو إداري لحضور دورة ثقافية. وشدّد مرسل التعميم على أن «كل موظف في المدرسة سيأتي عليه الدور لحضور تلك الدورة»، كما طالب «بإيفاد المدرسين والإداريين لحضور الدورات الثقافية واعتبارهم في إجازة رسمية». كما هدّد مرسل التعميم الإلكتروني «من يتساهل بالأمر بتعريض نفسه للمحاسبة».
لدى تحليل محتوى استمارة الاستبيان، وجد معد التحقيق أن 14 من 20 مستجيبا أكّدوا أن «معظم المدرسين يجبرون على المشاركة في الدورات الثقافية»، فيما يعتقد «أربعة من العينة أن المدرسين يذهبون إلى الدورات وفق رغبتهم». وأجاب اثنان من الـ20 بأنهما يشاركان تجنبا للمشاكل.
ولا تنحصر الدورات الحوثية بالمدرسين والإداريين بل تأمر إدارات المناطق التعليمية المدارس باستمرار إرسال التلاميذ خلال إجازات نصف العام والإجازة الصيفية للمشاركة في «دورات ثقافية»، تتمحور حول مواضيع دينية.
ويسعى المحاضرون لإقناع المشاركين بهذا الفكر وصواب الحرب الحوثية التي «تستهدف أميركا وإسرائيل وعملاءهما، وبالتالي مناصرة هذا الحق بالقول والفعل وحمل السلاح».
وفي تعميم عقب امتحانات الفصل الأول من العام الدراسي الحالي، طلب مدير المنطقة التعليمية بمديرية الثورة بصنعاء من كل مدرسة في المنطقة «تجهيز خمسة طلاب في الثانوية لإدخالهم دورة ثقافية مدتها ٢٠ يوما».

- معاناة مستثمرين
يفكّر أحد المستثمرين بإغلاق المدرسة التي أسسها قبل 14 عاماً، في منطقة بيت بوس وتسريح كادرها المؤلف من 38 مدرسا وموظفا نتيجة الممارسات التي تفرضها وزارة التربية والتعليم الخاضعة للحوثيين.
ويتذمر مالك المدرسة من ضغوط المنطقة التعليمية وإجبار إدارة المدرسة على تنفيذ أنشطة تسهم «في تحويل الطلبة إلى عناصر متعصبة لا يمكن أن تساعد في خدمة المجتمع».
يشكو هذا المستثمر من «الشعور بالإسهام في تدمير المجتمع، من خلال خلق جيل مدمر نفسيا ومتعصب طائفيا». في الأثناء تسعى إدارة المدرسة إلى «تخفيف آثار الممارسات الحوثية وإخفاء بعض الملصقات التي تحمل شعارات متطرفة: كالإساءة لبعض صحابة الرسول أو صور بشعة لضحايا الحرب». لكنهم لا يفلحون دائما في تجنيب الطلاب مثل هذه الأنشطة والمنشورات، حسبما يقول.
وفي معرض التنبيه إلى أثر هذه الأنشطة على الطلاب واهتماماتهم ومستوى تفكيرهم، يتساءل المستثمر: «تخيل طلاب في الصف السابع الأساسي يتجادلون في الخلاف التاريخي بين المذاهب؟» ثم يردف: «ما الذي تنتظر أن يقدمه هذا الجيل للبلد غير مزيد من الصراع؟».

- فعاليات طائفية
تتراوح «الاحتفالات» المفروضة على المدارس بين «أسبوع الشهيد وأسبوع الصمود والمولد النبوي وميلاد فاطمة الزهراء، وذكرى مقتل مؤسس الجماعة» حسين بدر الدين الحوثي في سبتمبر(أيلول) 2004. إذ تأمر وزارة التربية التابعة للحوثيين جميع المدارس الخاصة والحكومية بإقامة فعاليات فنية وثقافية وخطابية ورياضية، وتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلى الحرب التي تخوضها الجماعة.
وتراقب الجماعة مدى التزام المدارس بتنفيذ التوجيهات من خلال مشرفين اجتماعيين من عناصر الحوثيين وأنصارهم. ويمثّل هؤلاء المشرفون قناة التواصل الوحيدة التي تتلقى من خلالها المدارس توجيهات وأوامر وزارة التربية والمنطقة التعليمية.
تحليل الاستبيان أفضى إلى أن 80 في المائة من العينة المستهدفة يؤكدون أن الحوثيين يستخدمون تلك الفعاليات والمناسبات لنشر فكرهم الطائفي، فيما تذكر 20 في المائة من العينة أن الحوثيين لا يفعلون ذلك.
في الفترة بين 19 و29 يناير (كانون الثاني) 2019. أجبرت وزارة التربية الخاضعة للحوثي المدارس الحكومية والأهلية على إحياء ما تسميه «أسبوع الشهيد»، من خلال عدّة أنشطة؛ أهمها تخصيص الإذاعات المدرسية للاحتفال بذكرى القتلى وأبنائهم وبناتهم وتنظيم وقفات في هذه الذكرى. كما أمرت بإقامة محاضرات وأنشطة رياضية، وإعداد مطويات ومجلات حائطية، فضلا عن تنظيم زيارات لأسر القتلى وتقديم العون لهم وعرض نماذج من بطولاتهم وزيارات مقابرهم.
وكانت الوزارة الحوثية أصدرت تعميما رقم (429) بتاريخ 25 ديسمبر (كانون الأول) 2018. الخاص بإقامة فعاليات بمناسبة مرور أربعة أعوام على ما وصفته بـ«الصمود في وجه العدوان السعودي - الأميركي».
ومن تلك الفعاليات تنظيم معارض لصور قتلى الجماعة، بالإضافة إلى ندوات وفعاليات ثقافية ورياضية في جميع المدارس مع تخصيص حصص التعبير للحديث عما تصفه الجماعة بـ«الصمود الأسطوري». وكذا تنظيم زيارات تربوية (مدرسين وإداريين) وطلابية لجرحى الحرب في المستشفيات.
آثار نفسية
الطالبة فاتن حمود (15 عاماً) تقول إنها تتجنب النظر إلى لوحة كبيرة معلقة على الجدار الداخلي لمدرسة «عائشة» القريبة من جامعة صنعاء لأنها تشعر بـ«ألم نفسي فظيع واكتئاب يمنعاني من استيعاب دروسي».
وكانت جماعة الحوثيين فرضت على جميع المدارس في صنعاء رفع لوحة «بنر» على الجدار بطول مترين وارتفاع متر ونصف تحمل صور أشلاء أطفال تزعم أنهم من ضحايا قصف طيران التحالف العربي، حسبما يؤكد مشرفو مدارس.
حكيم دبوان - الذي يحمل الماجستير في الطب النفسي - يؤكد أن تعرّض الأطفال لمثل هذه المشاهد يولد لديهم أضراراً نفسية وجسدية كالإحساس بالذنب لعجزهم عن تقديم المساعدة، والاكتئاب والخوف وضعف الشهية والصداع. ويشرح دبوان بأن «الشحن الطائفي المتسم بثقافة الكراهية للآخر التي يتعرض لها الأطفال في المدارس يجعلهم أكثر عدوانية في تعاملهم مع بعضهم ومع المجتمع المحيط بهم، ويصبح من الصعب تقويم سلوكهم أو أفكارهم».
إلى ذلك يرى أن «ما تقوم به وزارة التربية في المدارس من أنشطة طائفية وتحريضية تضر بشكل مباشر وتؤثر على قدرة الطالب في التحصيل العلمي، فتصبح مواجهة الأعداء هي الأولوية عند الطالب وليس التعليم».

- الأطفال يصرخون
مبروك الجماعي (37 عاماً) يقول إنه تفاجأ عندما رأى ابنه عمر (6 سنوات) يؤدي «الصرخة» في احتفال أقامه مجمع الثورة التربوي في مدينة حجة لتكريم الطلاب المتفوقين في النصف الأول من العام الدراسي الحالي. وعندما سأله أين تعلّم «الصرخة»، رد عمر «يعلموننا إياها في المدرسة».
ويؤكد الجماعي في حديثه لمعد التحقيق «أن عمر وأقرانه لا يدركون معنى «الصرخة» (هي ذاتها الصرخة التي فرضت في إيران عقب الثورة الخمينية مطلع 1979)، لكن حرص الحوثيين على تأصيلها في التركيبة النفسية للصغار سيخلق جيلا طائفيا بامتياز». ويؤكد هذا الأب أنه وأقرانه لم يسمعوا «بالصرخة إلا بعد أن سيطر الحوثيون على المحافظة»، لافتا إلى «أنها ثقافة دخيلة على مجتمعنا».
وأكد تسعة من عشرة معلمين (18 من 20 مستجيبا للاستبيان) أن الحوثيين يمارسون ضغوطا على إدارات المدارس لتنفيذ مثل هذه الأنشطة. كما أجاب تسعة من العشرة أنهم تلقوا دعوة لحضور دورات ثقافية حوثية عرضها عليهم مديرون ومشرفون في المدارس، فيما استجاب سبعة من العشرة لهذه الدعوات.
وحول ما إذا كانت الجماعة أجبرتهم على المشاركة، أجاب أربعة من عشرة منهم أنهم لم يكونوا يرغبون في حضور الدورة، فيما شارك فيها ثلاثة من عشرة «تجنبا للوقوع في مشاكل» مع الحوثيين. ولم يتعرض المدرسون الذين رفضوا المشاركة لأي إجراءات عقابية، لكنهم يؤكدون أنهم لمسوا تغيرا في أسلوب التعامل معهم من المديرين والمشرفين، من قبيل استبعادهم من المشاركة في الأنشطة المدرسية وأي نقاشات تخص المدارس. كما يتعرضون للمحاسبة عن أي تقصير مهما كان بسيطا رغم أنهم يعملون دون مرتبات، حسبما يقول أحدهم، مضيفا: هذه الممارسات «تشعرنا دائماً بالقلق». في المقابل ينفي وكيل وزارة التربية والتعليم الحوثية بصنعاء سيطرة جماعة الحوثي على العملية التعليمية في المناطق الخاضعة لها. وفي رد عبر الهاتف على أسئلة شبكة أريج باتصال هاتفي، يقول النعيمي إن الأنشطة التي تنفذها المدارس تأتي «من باب التفاعل مع المناسبات الدينية وإحياء للموروث الثقافي الشعبي». كما ينفي توظيف المدارس لخدمة صراع جماعته السياسي والديني، أو أن تكون الوزارة قد أجبرت المدرسين على حضور «الدورات الثقافية» التي تقيمها الجماعة.
بمراجعة قائمة المناسبات التي كانت تحييها المدارس الحكومية والخاصة في عموم اليمن حتى عام 2015. تبيّن أن أيا من المناسبات التي فرضتها جماعة الحوثي لم تكن موجودة في إطار المادة 23 من اللائحة المدرسية الصادرة عام 1997.
كما أن الأنشطة التي تفرضها الجماعة ليست ضمن ما كانت تحدّده اللائحة في باب الأنشطة المدرسية، ولا تنسجم مع المادة 129 منها، والتي نصّت على أن الأنشطة المدرسية جزء من المنهج الدراسي بما يخدم تطوير معارف التلاميذ وخبراتهم. وتشدّد المادة 181 من الباب الخامس الخاص بالأحكام الختامية على خلو المدرسة من جميع ممارسات التعصب القبلي والطائفي والحزبي.

- المدرسة طريق إلى الجبهة
تقول سبأ القباطي المشرفة في إحدى المدارس الخاصة بمنطقة بيت بوس إن 12 من طلابها في المرحلتين الأساسية والثانوية التحقوا بجبهة للقتال في صفوف الحوثيين. وتستبعد سبأ ذهاب معظمهم لولا الأنشطة المدرسية التي تفرضها الوزارة على المدرسة.
وفي هذا السياق، اتهم وزير حقوق الإنسان اليمني محمد عسكر في ندوة عقدت بجنيف على هامش أعمال الدورة 38 لمجلس حقوق الإنسان، جماعة الحوثي بتجنيد أكثر من 15 ألف طفل منذ سبتمبر (أيلول) 2014 وإشراكهم في القتال الدائر بين الجماعة وقوات الجيش التابعة للحكومة الشرعية المدعومة من دول التحالف. وكانت منظمة مواطنة الحقوقية في صنعاء اتهمت أيضا جماعة الحوثي وحلفاءها بتجنيد مئات الأطفال. وذكرت في تقرير أصدرته عام 2018 أنها تحققت من تجنيد 510 أطفال خلال 2017 في صفوف جماعة الحوثي وحلفائها، «للعمل عند نقاط التفتيش، في اللوجيستيات القتالية ولأغراض عسكرية أو أمنية أخرى». كما اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش قوات الحوثي والحكومة والقوات الموالية لها وجماعات مسلحة أخرى باستخدام الأطفال كجنود، إذ ذكرت في تقريرها عن الأوضاع الإنسانية في اليمن للعام 2017. أن الأطفال يمثلون نحو ثلث المقاتلين في اليمن حتى أغسطس (آب) 2017، وأن حالتين من كل ثلاث حالات وثّقتها تنخرطان ضمن قوات الحوثي.

• معد التحقيق اضطر لحجب أسماء المدارس ومعظم المصادر لكي لا تتعرض للمساءلة في مناطق الحرب.
• أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية» (أريج).
* شارك في إنجازه أيضا: علي ربيع


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.