صلاحيات الرقابة الفنية تصطدم بتطور المنصات الرقمية في مصر

خبراء يطالبون بتعديل القوانين لمواكبة التقدم التكنولوجي

فيلم «حلاوة روح» أثار جدلاً واسعاً أثناء عرضه بمصر
فيلم «حلاوة روح» أثار جدلاً واسعاً أثناء عرضه بمصر
TT

صلاحيات الرقابة الفنية تصطدم بتطور المنصات الرقمية في مصر

فيلم «حلاوة روح» أثار جدلاً واسعاً أثناء عرضه بمصر
فيلم «حلاوة روح» أثار جدلاً واسعاً أثناء عرضه بمصر

تجدد الجدل في الأوساط السينمائية المصرية أخيراً، حول المادة 9 من القانون 430 لسنة 1955 المنظِّم لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية، بعد تأييد المحكمة الدستورية العليا، دستورية هذه المادة التي تمنح الرقيب سحب تراخيص الأفلام إذا طرأت ظروف جديدة، وذلك في القضية المحالة من محكمة القضاء الإداري عام 2014 الخاصة بوقف عرض فيلم «حلاوة روح» بعد منحه التصريح بأربعة أشهر تقريباً.
وطالب بعض صناع السينما المصريين بتعديل قوانين الرقابة لمواكبة تطورات العصر ومن بينها المنصات الرقمية الجديدة الآخذة في الانتشار، وقصر دور أجهزة الرقابة الفنية على التصنيف العمري فقط، كما هو متبع في دول العالم خصوصاً بعدما أصبحت فكرة المنع مستحيلة في ظل تعدد الوسائط والمنصات العارضة.
الناقد السينمائي محمود عبد الشكور، يرى أن الجدل حول أحقية الرقابة في سحب الفيلم بعد العرض أو قبله أصبح جزءاً من الماضي، مؤكداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن فكرة المنع لم تعد موجودة في العالم، لأن الواقع يقول إنها أصبحت شبه مستحيلة في ظل وجود منصات رقمية على شبكة الإنترنت، فالأمر لم يعد كما كان في الماضي مقصوراً على دور العرض فقط حتى يكون للمنع جدوى، فالعكس حالياً هو ما يحدث، فالفيلم الذي يصدر بحقه قرار بالمنع تكون بداية انتشاره لحصوله على أكبر قدر من الدعاية المجانية، وبالتالي أصبح المنع تحريضاً للجمهور على مشاهدة هذا المصنف، كما حدث مع «حلاوة روح» الذي أثار هذا الجدل منذ 2014 حتى اليوم، فقبل أن يُمنع لم يكن عليه إقبال جماهيري، وبعد أن تم منعه أصبح الجميع يبحث عنه في الوسائل الأخرى المتاحة. مشيراً إلى أن «مصر تحتاج إلى قانون جديد للرقابة على المصنفات الفنية، بحيث يقتصر دورها على سلطة التصنيف العمري للأفلام والمسلسلات».
فيلم «حلاوة روح» لم يكن الفيلم المصري الوحيد الذي تم سحب ترخيصه بعد إصداره من الجهات الرقابية الفنية، ففيلم «كارما» للمخرج خالد يوسف تم سحب ترخيصه في يونيو (حزيران) 2018 قبل أن يُسمح له بالعرض العام مرة أخرى.
الناقد السينمائي طارق الشناوي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن فكرة الرقابة بأثر رجعي على الأفلام مزعجة ومخيفة لصناعة السينما، وحدثت من قبل في ثمانينات القرن الماضي، عندما صادر وزير الثقافة الأسبق عبد الحميد رضوان، فيلمي «خمسة باب»، و«درب الهوا»، بعد الاحتجاج على الفيلمين، ورغم تصدي سعد الدين وهبة للقرار باعتباره رئيساً لاتحاد النقابات الفنية، فإن المحكمة أنصفت الفيلمين بعد 10 سنوات وحصلا على حكم بالعرض، لكن القرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية يعني أن الرقيب يملك في أي لحظة سلطة سحب الترخيص في أثناء عرض الفيلم، دون وجود أي شبهات دستورية».
ويرى الشناوي أن «هذا القرار يغلق الباب ويعطي الرقابة قوة مفرطة ضد الفن، فالمنتج في أثناء الحصول على الترخيص يتفاوض على التصنيف العمري والمَشاهد التي يتم مطالبته بحذفها، لكنه يكون ضامناً فكرة العرض، لكن بعد حكم (الدستورية) فإن المنتج لن يضمن عرض فيلمه أو استمراره في المنافسة، حتى إذا حصل على تصريح بالعرض، وهذا سيعود بالسلب على صناعة السينما».
وأضاف الشناوي أن «الرقابة على الأفلام سقطت بحكم الزمن، والدولة لا بد أن تركز على التصنيف العمري، سواء على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة، وتربي الناس على ثقافة الاختيار العمري، بأن يكون دخول الفيلم قراراً شخصياً وليس بقرار من الدولة».
ورغم أن محكمة القضاء الإداري حكمت عام 2014 لصالح منتج فيلم «حلاوة روح»، بعد أن ارتأت أن سحب الترخيص يتصادم مع المادة 67 في دستور 2014 التي تنص على أن «حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلاّ عن طريق النيابة العامة»، فإن المحكمة الدستورية العليا قضت بتأييد دستورية المادة التي تجيز سحب الترخيص بقانون الرقابة.
بدوره، يرى المخرج السينمائي مجدي أحمد علي، أن منح الرقابة سلطة سحب الأفلام بعد طرحها بدور العرض أمر كارثي، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «القانون الحالي لا يضر بالعملية الإبداعية فقط، لأنها بالفعل تراقَب أكثر من مرة قبل أن يتم تنفيذ الأفلام، لكن الخطر الحقيقي سيكون على العملية الإنتاجية، فهناك أموال بالملايين تُنفق على إنتاج الأفلام».
وأوضح مجدي أحمد علي، أن المنتج قبل أن ينفق الملايين على فيلمه يخضع لكل القوانين السائدة في الدولة، بمعنى أنه قبل التصوير يحصل على موافقة السيناريو من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وتراخيص تصوير من الوزارات والجهات المختصة، مشيراً إلى أنه ليس من الطبيعي بعد أن يلتزم بكل القوانين الرقابية ويحصل على تصريح بالعرض العام لاستعادة الأموال التي أُنفقت، تأتي الرقابة وتُصدر قراراً بسحب الفيلم من دور العرض بهذه السهولة.


مقالات ذات صلة

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

يوميات الشرق انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

تقع أهمية النسخة الـ10 من المهرجان بتعزيزها لدور الصورة الفوتوغرافية ويحمل افتتاحه إشارة واضحة لها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تجسّد لبنى في «خريف القلب» شخصية السيدة الثرية فرح التي تقع في ورطة تغيّر حياتها

لبنى عبد العزيز: شخصية «فرح» تنحاز لسيدات كُثر في مجتمعنا السعودي

من النادر أن يتعاطف الجمهور مع أدوار المرأة الشريرة والمتسلطة، بيد أن الممثلة السعودية لبنى عبد العزيز استطاعت كسب هذه الجولة

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )

لطيفة لـ«الشرق الأوسط»: أسعى لتنفيذ وصية يوسف شاهين

برأيها لطيفة أنها تحصد ما زرعته، فأغنياتها كلها {ديجيتال} عبر {يوتيوب} وتمتلك حقوقها ({الشرق الأوسط})
برأيها لطيفة أنها تحصد ما زرعته، فأغنياتها كلها {ديجيتال} عبر {يوتيوب} وتمتلك حقوقها ({الشرق الأوسط})
TT

لطيفة لـ«الشرق الأوسط»: أسعى لتنفيذ وصية يوسف شاهين

برأيها لطيفة أنها تحصد ما زرعته، فأغنياتها كلها {ديجيتال} عبر {يوتيوب} وتمتلك حقوقها ({الشرق الأوسط})
برأيها لطيفة أنها تحصد ما زرعته، فأغنياتها كلها {ديجيتال} عبر {يوتيوب} وتمتلك حقوقها ({الشرق الأوسط})

طوت المطربة التونسية لطيفة أزمة أغنية «المصري»، التي جرى تغيير كلماتها في حفل مبادرة «تحدي القراءة» بالإمارات، مؤكدة اكتفاءها بردّ الشاعر المصري جمال بخيت، مؤلف كلمات الأغنية الأصلية والجديدة.

وتنشغل لطيفة، في الوقت الراهن، بتجهيز ألبومها الجديد، الذي يجمعها مجدداً مع الموسيقار اللبناني زياد الرحباني بعد 17 عاماً من لقائهما الأول، وسيصدر ألبومهما الجديد في بداية 2025. وقالت لطيفة، خلال حوارها مع «الشرق الأوسط»، إن زياد الرحباني سابق لكل موسيقيّي عصره، وأنها لا تتنازل عن تصوير كل أغنياتها، ولا تقبل تحكُّم أي جهة إنتاج فيما تقدمه، فهي تملك زمام أمرها وتنتج أعمالها بنفسها.

تعود لموسيقى زياد رحباني بعد 17عاماً من تعاونهما الأول ({الشرق الأوسط})

وكان الشاعر جمال بخيت، مؤلف الأغنية التي غنتها لطيفة في فيلم «سكوت هنصور» للمخرج الراحل يوسف شاهين، قد أوضح، عبر حسابه بـ«فيسبوك»، أنه المسؤول الأول والأخير عن التغيير الذي طال النص، قائلاً: «لقد اعتقد البعض أن لطيفة جاءت بشاعر آخر لكتابة كلمات جديدة، وهذا مستحيل قانوناً، وانبرت بعض الأقلام بهجوم مُسيء على الفنانة الكبيرة دون وجه حق»، مؤكداً أنه كتب النص من عقله وروحه، وأن «كتابة كلام مختلف على نفس اللحن أسلوب فني حدث كثيراً مع أعمال غنائية مهمة».

وعن عودتها للتعاون مع زياد الرحباني، بعد كل هذه السنوات التي شهدت تطوراً في الموسيقى، تقول لطيفة: «زياد الرحباني خارج الزمن، ولموسيقاه طاقة أخرى وطريق آخر في الكون، هو سابق عصر الموسيقى في العالم العربي بسنوات ضوئية، وهذا ليس رأيي فقط، بل رأي الراحل عمار الشريعي وغيره من المبدعين، فموسيقاه لكل الأزمنة ويُعدّ مدرسة خاصة في إبداعاته».

تتمنى الفنانة لطيفة تنفيذ وصية المخرج الراحل يوسف شاهين ({الشرق الأوسط})

يحلو لها الحديث عنه فتقول: «كنت أسمعه وأنا بالمدرسة في تونس، وكنت أتبادل وزملائي شرائط الكاسيت لمسرحياته، وأذكر أنه في مؤتمر صحافي في التسعينات نقلته إذاعة الشعب، وكانت تجلس بيروت كلها بجوار الراديو لسماعه، وسألوه عن الفنانين الذين يمكن أن يعمل معهم دون شروط، فقال: لطيفة التونسية، وأخذتني صديقة مشتركة إلى الاستديو في يوم من أحلى أيام عمري، فلم أكن أصدِّق أن ألتقيه، وبدأنا بعدها نعمل على ألبومنا الأول (معلومات أكيدة)».

وعن مدى حرصها على التنوع في الألبوم تجيب بثقة: «هذا التنوع لا يُطلَب من زياد، فهو مختلف ومتنوع في الموسيقى والإيقاعات وكل شيء، وتوليفة لا تتكرر».

وأنهت لطيفة ألبومها قبل الحرب الجارية في لبنان، لكنها تقول: «لو لم ينته الألبوم لبقيت في لبنان، ومستعدة أن أستقل، الآن، أول طائرة لبيروت، فقد تعايشت مع انفجارات سابقة بها، فكنتُ على بُعد أمتار من موقع اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، وقد نجوتُ بفضل الله، حيث كنت أعرض مسرحية (حكم الرعيان) لمنصور الرحباني».

تفخر لطيفة بأنها قدمت المسرح الغنائي كما يجب في {حكم الرعيان} ({الشرق الأوسط})

وعن العرض تقول: «كنت، كل يوم، أشكر الله مع فتح الستار؛ لأن هذا هو الفن الهادف المحترم المُبهر الذي أحبه، لكن لم تُعرَض عليَّ أعمال بهذا المستوى، كما أنني لا أقبل بالمسرح الذي ينتهي فجراً، فكنا نقدم العرض في ساعة ونصف الساعة، كما أن الرحابنة هم أكثر من قدموا المسرح الغنائي».

وتكشف لطيفة عن ملامح الألبوم الجديد قائلة: «يضم 7 أغانٍ من ألحان زياد الرحباني؛ من بينها أغنيتان من كلمات الشاعر الكبير عبد الوهاب محمد، وهو أبي الروحي، وجمعنا 20 سنة من الأغنيات الحلوة، كان عمري 4 سنوات حين غنيت له (فكروني)، ثم اكتشفت أن كل أغنية أحبها تكون من كلماته مثل (أوقاتي بتحلو)، و(مستنياك)».

وتضيف لطيفة: «لقد وضع الله عبد الوهاب في طريقي حين جئت إلى مصر للمرة الأولى، وتبنّاني مع الموسيقار بليغ حمدي، وهما مَن جعلاني أقرر البقاء في مصر، ولولاهما لَما كانت لطيفة، وأقنعاني بأن أبقى في مصر، وقد ترك لي كل أعماله الأخيرة».

وأوصى الشاعر الراحل بأن تذهب أغنيات كثيرة له للطيفة، وفق تعبير الفنانة التونسية التي توضح: «مع كل ألبوم أقدِّم بعضاً من أعماله الجديدة، ففي الألبوم السابق قدمت أغنيتين من كلماته؛ إحداهما ألحان كاظم الساهر، والأخرى ألحان زياد الطويل. وقد تركت كلماته بصمة قوية في مشواري منذ (أكتر من روحي بحبك)، (بحب في غرامك)، (حبك هادي)، (استحالة)».

لا أقبل أن يفرض عليَّ أحد ماذا أغني

لطيفة

وفي السينما لم تقدم لطيفة سوى «سكوت هنصور» مع المخرج الكبير يوسف شاهين، مبررة ذلك: «لم تتكرر تجربتي في السينما؛ لأن ما عُرض عليَّ لا يستحق التعب، لذا ركزت في أعمالي الموسيقية».

وتكشف أنها تنتظر فيلماً في مرحلة الكتابة تحمست لفكرته، قائلة: «الآن أفكر في العودة للسينما، قد تكون لي تجربة، العام المقبل، فأنا أودّ أن أنفذ وصية يوسف شاهين، فقد قال لي قبل وفاته: (اوعديني بمواصلة التمثيل لأن بداخلك ممثلة لم يأت مثلها منذ سنوات)، وأنا أحب التمثيل وأحب الفن الراقي، وقدمت مسلسل (كلمة سر) قبل سنوات».

أشعار الراحل عبد الوهاب محمد لها بصمة قوية في مشواري

لطيفة

وتولي لطيفة اهتماماً لافتاً بتصوير أغنياتها، فهي لديها رصيد كبير من الأغنيات المصورة، وتبحث دوماً عن الفكرة والشكل المتجدد، وتعقد جلسات عمل مع المخرج اللبناني وليد ناصيف الذي صوَّر لها ألبومها الماضي بتقنية الذكاء الاصطناعي.

وتصف لطيفة نفسها بـ«ملكة التجدد والتحدي والإرادة»، مشددة على أن الفنان يجب أن يتجدد، وترى أن التحضير للتصوير أهم شيء، وتتبادل الأفكار حالياً مع ناصيف، استعداداً لبدء التصوير الشهر المقبل.

وتختتم لطيفة حوارها بنبرة مفعمة بالرضا: «الآن، أحصد كل ما زرعته، فأغنياتي كلها (ديجيتال) عبر قناتي بـ(يوتيوب)، والحقوق كلها مِلكي؛ لأنني أرفض أن يتحكم بي منتج، ولا أقبل أن يفرض عليَّ أحد ماذا أغني».