طهران سعت إلى «التقارب» مع واشنطن عبر إطلاق سراح نزار زكا

نزار زكا
نزار زكا
TT

طهران سعت إلى «التقارب» مع واشنطن عبر إطلاق سراح نزار زكا

نزار زكا
نزار زكا

سعت إيران إلى التمهيد لمحادثات ثنائية مع الولايات المتحدة، عبر إطلاق سراح رجل الأعمال اللبناني الحاصل على إقامة أميركية دائمة، الشهر الماضي، بعد 4 سنوات قضاها في السجن، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» عن 3 مصادر غربية مطلعة في تقرير خاص أمس.
وقال مصدر مطّلع على التفكير الإيراني وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن إيران أطلقت سراح نزار زكا في 11 يونيو (حزيران) الماضي إشارة إلى رغبتها في تهدئة التوتر الذي يغذي المخاوف من نشوب حرب، ووصف الإفراج عنه بأنه «بادرة لحسن النيات». وأضاف لـ«رويترز»: «كان ذلك يعدّ خطوة لخفض التصعيد من جانبهم، ومن الواضح أنهم توقعوا رداً مماثلاً بشكل ما من الجانب الأميركي»، لكن واشنطن لم تستجب للبادرة.
بدوره، عدّ مصدر أميركي القرار الأميركي عدم السعي إلى محادثات مع طهران «فرصة ضائعة... كان يتعين علينا التأكد مما إذا كان هناك شيء».
وأحجم متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق على ما إذا كانت واشنطن قد ضيّعت فرصة للحوار مع إيران بعد الإفراج عن زكا، وقال إذا أرادت إيران خفض التوتر؛ فعليها الإفراج عن مواطن أميركي. وقال المتحدث لـ«رويترز»: «إذا كانت إيران تريد خفض التوتر والحوار مع حكومة الولايات المتحدة، فعليها القيام بلفتة إنسانية مثل إطلاق سراح أحد مواطنينا الأميركيين الأبرياء الذين تحتجزهم رهائن».
بدورهم، أحجم المسؤولون الإيرانيون عن قول ما إذا كانت تلك مفاتحة من جانب إيران، أو ما التنازلات التي تريدها طهران من واشنطن.
وخلال الشهر الذي أعقب الإفراج عن زكا، مرت العلاقات المتوترة أصلاً بين واشنطن وطهران بمنعطفات عدة إلى الأسوأ، بما في ذلك إسقاط إيران طائرة أميركية مسيّرة، وفرض عقوبات اقتصادية أميركية على الزعيم الأعلى الإيراني، واحتجاز قوات بريطانية ناقلة نفط إيرانية عملاقة الأسبوع الماضي.
وكاد تدمير الطائرة المسيّرة يدفع بالرئيس الأميركي دونالد ترمب لتوجيه أول ضربة عسكرية صريحة لأهداف إيرانية منذ عام 1988.
وزكا خبير في تكنولوجيا المعلومات ولديه تصريح إقامة دائمة في الولايات المتحدة، وجرى اعتقاله في عام 2015 أثناء حضور مؤتمر في إيران. وتمول منظمات خاصة وحكومات، بينها الحكومة الأميركية، شركة «آي جيه إم إيه3» التي كان يعمل بها.

- قضية السجناء
دخل زكا أثناء احتجازه في سجن إيفين سيئ السمعة بطهران، في إضراب عن الطعام 6 مرات على الأقل. وكان يرتجف بوضوح لدى وصوله إلى بيروت في وقت متأخر من مساء يوم 11 يونيو الماضي بصحبة مدير الأمن العام اللبناني عباس إبراهيم الذي سافر إلى إيران لإحضاره.
وقال زكا لاحقاً لصحيفة «نيويورك تايمز» إنه يعتقد أن إخلاء سبيله كان بادرة تصالحية من إيران تجاه الولايات المتحدة. ويمثل محاميه جيسون بوبليتي سجناء آخرين في إيران، وقال لـ«رويترز» إنه يعتقد أن إطلاق سراح زكا «يظل فرصة لآخرين محتجزين على نحو غير قانوني في إيران». وأضاف: «مع الإرادة السياسية يصبح الأمر ممكناً. ينبغي على جميع الأطراف المعنية التدخل بشكل أكبر مما يفعلون في هذه المسائل»، في إشارة إلى الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى التي أبرمت الاتفاق النووي مع إيران في 2015.
وقرر ترمب سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وشدد العقوبات الاقتصادية على طهران وعزز الوجود العسكري الأميركي في الخليج. وفي رد أولي مدروس بعناية على إطلاق سراح زكا، قالت وزارة الخارجية الأميركية إنه «يوم رائع» لأسرته، وإنها تأمل أن تؤدي الخطوة إلى إخلاء سبيل الأميركيين المحتجزين في إيران.
وكانت تلك لحظة وفاق نادرة بين البلدين، لكنها لم تكن كافية لتغيير الأمور بينهما رغم استعداد ترمب المعلن لبدء مفاوضات مع طهران.
وتطالب واشنطن إيران بالإفراج عن أميركيين تحتجزهم، بينهم سياماك نمازي ووالده باقر نمازي، وشيوي وانغ؛ وهو طالب يحمل الجنسيتين الصينية والأميركية، وتخرج في جامعة برنستون، وتم اعتقاله في عام 2016، ومايكل آر. وايت؛ وهو من قدامى محاربي مشاة البحرية وأودع السجن العام الماضي، وروبرت ليفنسون؛ وهو عميل سابق بمكتب التحقيقات الفيدرالي مفقود منذ عام 2007.
وهناك عشرات الإيرانيين المحتجزين في السجون الأميركية، بينهم كثيرون اعتقلوا لانتهاكهم العقوبات. وبينهم الأستاذ الجامعي مسعود سليماني؛ وهو خبير في الخلايا الجذعية اعتقلته السلطات بمطار شيكاغو في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة محاولة تصدير مواد بيولوجية إلى إيران في خرق للعقوبات.
وقال مسؤولون في طهران بعد الإفراج عن زكا إن الخطوة ترجع جزئياً إلى العلاقات الوثيقة مع «حزب الله» اللبناني.

- عقوبات محتملة على ظريف
يعتقد بعض الدبلوماسيين والمحللين أن إيران ترغب بشدة في التفاوض لتخفيف العقوبات التي شلّت اقتصادها، لكن من غير الواضح ما إذا كانت واشنطن راغبة في التحرك نحو محادثات. ورهنت طهران مراراً أي مفاوضات مع الولايات المتحدة بتخلي واشنطن عن أي شروط مسبقة.
وقال مسؤولون أميركيون سابقون كبار إن الخطوة الأولى قد تكون محاولة لخفض التوترات. وقد يكون من ضمن السبل عدم إقدام وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين على تنفيذ تهديده في يونيو بفرض عقوبات على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وهو أيضاً كبير مفاوضي إيران. إلا إن صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت أمس عن مسؤول في الإدارة الأميركية قوله إن الإدارة لا تستبعد فرض عقوبات على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. وقال المسؤول الرفيع أول من أمس: «من البديهي أننا نبحث في مسارات مختلفة لعقوبات إضافية، والوزير ظريف يبقى شخصاً موضع اهتمام أساسياً».
وكان ظريف قد اقترح خلال زيارة إلى نيويورك في أبريل (نيسان) الماضي تبادلاً للسجناء بين البلدين، وأشار أيضاً إلى إمكانية تعاون طهران مع واشنطن فيما يتعلق بأفغانستان والعراق، حيث لا يرغب البلدان في عودة الحرب الأهلية أو توسع تنظيم «داعش» الإرهابي حين تسحب واشنطن قواتها.



قلق أميركي من سعي إيران لإعادة حضورها العسكري في سوريا

عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
TT

قلق أميركي من سعي إيران لإعادة حضورها العسكري في سوريا

عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

تخشى الولايات المتحدة من محاولات إيران لاستعادة حضورها العسكري في سوريا، بما في ذلك خط إمداد «حزب الله»، رغم سحبها الكبير لقواتها من الأراضي السورية بعد انهيار نظام الأسد، الشهر الماضي، في ضربة لاستراتيجيتها الإقليمية، وفقاً لمسؤولين غربيين وإقليميين.

وقال مسؤول أميركي رفيع لصحيفة «وول ستريت جورنال» إن الانسحاب الإيراني من سوريا يمثل نهاية لجهود طهران الإقليمية لنشر النفوذ وشن حروب بالوكالة ضد أميركا وإسرائيل، حيث فر أعضاء في «فيلق القدس»، وتم تفكيك الميليشيات.

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم الأسد خلال الحرب، وأرسلت قوات من «الحرس الثوري» إلى سوريا؛ لمساعدة حليفها على البقاء في السلطة.

بدأت إيران بسحب قواتها بعد انهيار الجيش السوري في أواخر العام الماضي، في ظل ضربات إسرائيلية متواصلة، وكانت غاضبة من الأسد الذي ظل غائباً خلال صراعها مع إسرائيل.

وامتدت شبكة إيران في سوريا من الشرق لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى حدود لبنان لتسليح «حزب الله».

وقال مسؤولون غربيون وعرب إن معظم المقاتلين المدعومين من إيران في شرق سوريا، بينهم ضباط من «الحرس الثوري»، فروا إلى القائم بالعراق، بينما هرب بعض الإيرانيين المقيمين في دمشق إلى طهران، ومقاتلو «حزب الله» عبروا إلى لبنان.

وقالت باربرا ليف، المسؤولة عن شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية، عن مغادرة القوات الإيرانية من سوريا: «إلى حد كبير، نعم... إنه أمر استثنائي».

الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء مع وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته لسوريا في 2 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)

وقالت ليف إن سوريا أصبحت الآن أرضاً معادية لإيران، وأضافت: «هذا لا يعني أنهم لن يحاولوا العودة، لكن الأوضاع هناك معادية للغاية».

وهاجم المرشد الإيراني، علي خامنئي، الأسبوع الماضي، الانتقادات لحضور إيران الإقليمي، قائلاً: «بعض الأشخاص بسبب افتقارهم للفهم وقلة الوعي والتحليل الصحيح للقضايا يقولون إن الدماء التي أريقت في سبيل الدفاع عن الأضرحة قد ذهبت هدراً». وأضاف: «هذا التصور خطأ كبير؛ لأنه لولا قتال الجنرال سليماني ومدافعي الأضرحة لما بقي أثر من المراقد المقدسة، سواء السيدة زينب أو حتى كربلاء والنجف».

وقال دبلوماسيون غربيون إن العسكريين الإيرانيين وحلفاءهم أُجبروا على ترك كمية كبيرة من المعدات والذخائر العسكرية في أثناء هروبهم، وجرى تدميرها لاحقاً بواسطة إسرائيل، أو تم الاستيلاء عليها من قبل «هيئة تحرير الشام» وجماعات أخرى.

وقال مسؤول سابق في «البنتاغون» إن انهيار نظام الأسد قلل من تأثير إيران في المنطقة، وقدرتها على دعم الجماعات المسلحة لتحقيق أهدافها الإقليمية.

في الأيام الأخيرة، أفادت تقارير بأن إيران حاولت زيادة شحنات النقود إلى «حزب الله» في لبنان، وتم تأخير وتفتيش رحلة دبلوماسية إيرانية لدى وصولها إلى بيروت.

صورة نشرها موقع البرلمان الإيراني من سلامي خلال جلسة مغلقة حول سوريا ديسمبر الماضي

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن إيران ستسعى لإعادة الجسر البري، ولكن من غير المحتمل أن تسمح الحكومة السورية الجديدة لـ«الحرس الثوري» الإيراني بتجديد وجوده العسكري بسبب دعمه للأسد.

وفي نهاية ديسمبر (كانون الأول)، توقع خامنئي ظهور «قوة شريفة في سوريا»، قائلاً إن «الشباب الشجعان والغيارى في سوريا سيقومون بطرد إسرائيل».

ویخشی المسؤولون الأمیركيون من أن إيران قد تحاول إعادة نفوذها في سوريا على المدى الطويل، عبر تفعيل الشبكات القديمة، واستغلال عدم الاستقرار في البلد.

قال أندرو تابيلر، المدير السابق لسوريا في مجلس الأمن القومي: «هذا فشل كارثي لإيران. حجم الكارثة سيعتمد على ما إذا كانت سوريا ستظل موحدة»، وأضاف: «قد تجد إيران طريقاٌ للعودة بفضل الانقسامات الطائفية التي لا تزال غير محلولة في ظل النظام الجديد».