بنيامين فرنكلين... فيلسوفاً تنويرياً

الأب المؤسس الذي وقّع على ثلاث وثائق يقدسها الأميركيون

بنيامين فرنكلين... فيلسوفاً تنويرياً
TT

بنيامين فرنكلين... فيلسوفاً تنويرياً

بنيامين فرنكلين... فيلسوفاً تنويرياً

في الوقت الذي تحتفل فيه الولايات المتحدة بعيدها الوطني ويريد الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع علمها على المريخ! يجدر بنا أن نعود إلى البدايات الأولى لكي نتعرف على أحد شخصياتها الكبرى.
ونقصد به بنيامين فرنكلين؛ أحد كبار السياسيين والمفكرين الذين أسسوا أميركا قبل أكثر من مائتي عام. ومعلوم أنه ولد في بوسطن عام 1706 ومات في فيلادلفيا عام 1790 عن عمر يناهز الرابعة والثمانين.
ولم يكن بنيامين فرنكلين قائداً سياسياً فحسب؛ وإنما كان أحد كبار فلاسفة التنوير الأميركان؛ بل ويمكن أن نقارنه بالموسوعيين الفرنسيين الذين أدخلوا العلم والفلسفة إلى فرنسا في القرن الثامن عشر. وهذا يعني أنه جمع المجد من طرفيه: مجد السياسة، ومجد الفكر. وهل هناك من سياسة ناجحة من دون فكر متنور يضيء لها الطريق؟
نضيف أن بنيامين فرنكلين كان أول سفير للولايات المتحدة في بلاط فرساي أيام لويس السادس عشر. وهو يعدّ أحد آباء الثورة الأميركية التي اندلعت عام 1776، وبالتالي فقد سبقت الثورة الفرنسية بعشر سنوات على الأقل.
كما أنه أحد أولئك القادة الكبار الذين دبجوا إعلان الاستقلال الأميركي ووقعوا عليه بالإضافة إلى جورج واشنطن وتوماس جيفرسون... وآخرين. وبالتالي فقد ساهم في تأسيس الجمهورية الأميركية الوليدة في نهاية القرن الثامن عشر. ولذلك يعد أحد الآباء المؤسسين لأميركا. وله مكانة عظيمة هناك.
وبالإضافة إلى نشاطاته الدبلوماسية والسياسية التي أدت إلى تحرير أميركا من الاستعمار الإنجليزي، فإنه ساهم أيضاً في مجال العلم والفكر والفلسفة. وقد اشتهر بتجاربه العلمية في مجال الفيزياء والطاقة الكهربائية؛ حيث استطاع التوصل إلى اختراعات عدة مهمة ومفيدة.
وقد أدت هذه البحوث والاختراعات إلى شيوع شهرته في شتى أنحاء أوروبا. يضاف إلى ذلك؛ أنه كان صديقاً لكبار فلاسفة التنوير من إنجليز وفرنسيين. ولذلك قال عنه الفيلسوف الإنجليزي الشهير ديفيد هيوم إنه أول أديب ومفكر كبير أنجبته أميركا.
وقال عنه أيضا: «إنه يمثل القيم العلمية والفلسفية العليا لعصر التنوير. ويحق له بالتالي أن يؤسس دولة جديدة في أميركا: أي دولة قائمة على مبادئ العقل الفلسفي ومضادة للكهنوت الظلامي والإقطاع السياسي».
وبالتالي؛ فإن بنيامين فرنكلين جمع المجد من جميع أطرافه: أي مجد العلم، ومجد الفلسفة، ومجد السياسة. وهذا شيء يندر أن يتوفر في شخص واحد.
ويبدو أنه كان أشهر شخصية فكرية وسياسية في عصره. نقول ذلك رغم أنه كان من أصول فقيرة متواضعة في البداية... ولكنه استطاع أن يتجاوزها بعصاميته ومثابرته وفضوله العلمي الكبير. ألم يقل نيتشه: وحدها الشخصيات الاستثنائية تخترق الظروف؟
كان بنيامين فرنكلين مثالياً وبراغماتياً في آن معاً. وهاتان هما الصفتان اللتان ينبغي أن يتمتع بهما كل مفكر يريد تغيير الواقع. فلم يكن فقط مفكراً نظرياً يغوص في غياهب الميتافيزيقا وتجريدات الأوهام كما يفعل بعضهم، ولم يكن فقط رجلاً عملياً سياسياً يخبط خبط عشواء كما يفعل كثير من رجال السياسة الذين لا يتمتعون بأي أفق فكري أو مشروع فلسفي ولا يرون إلى أبعد من أنوفهم. لم يكن فيلسوفاً منعزلاً عن الناس في برجه العاجي، وإنما كان مُنظّراً عميقاً وسياسياً عملياً في الوقت ذاته. من هنا؛ أهميته بالنسبة للتاريخ الأميركي وتأسيس الحياة السياسية الأميركية.
ونضيف أيضاً أنه في الواقع أن الفكر السياسي لبنيامين فرنكلين هو ذاته فكر عصر التنوير. إنه لا يختلف في شيء عن فكر جون لوك وفولتير ومونتسكيو وجان جاك روسو وديدرو. فهو يدعو إلى التسامح الديني، والفصل بين السلطات الثلاث: أي التشريعية، والسياسية، والقضائية، كما يدعو إلى المساواة الكاملة بين المواطنين أيا تكن أعراقهم أو مذاهبهم وطوائفهم.
كلهم مواطنون متساوون أمام القانون.
بالطبع؛ فإن هذه المساواة لم تكن كاملة فيما يخص السود، ولكنها سوف تكتمل لاحقاً. فأنت لا تستطيع أن تحقق كل شيء دفعة واحدة! وإنما ينبغي أن تنتظر حتى تنضج الظروف لكي تستطيع تحقيق كل إنجاز في وقته.
مهما يكن من أمر؛ فإن تأسيس الدولة الأميركية الحديثة تم على يديه وعلى أيدي بقية الآباء المؤسسين الكبار مثل جورج واشنطن وجون آدامز وتوماس جيفرسون... وسواهم.
ولكنه كان الأب المؤسس الوحيد الذي أتيح له أن يوقع على الوثائق الثلاث التي يعدّها الأميركان الآن شبه مقدسة: أي إعلان الاستقلال عن إنجلترا، ووثيقة السلام، والدستور الأميركي.
والواقع أن بنيامين فرنكلين طبق فلسفة التنوير على مجال السياسة وأسس جمهورية حديثة مضادة للنظام الإقطاعي الأرستقراطي الذي كان سائداً سابقاً ليس فقط في أميركا؛ وإنما أيضاً في عموم أوروبا.
ففي ظل النظام الجديد لم يعد هناك ابن سيدة وابن جارية كما كان سائداً سابقاً. لم يعد هناك ابن الاقطاعي وابن الفلاح... وإنما أصبح الجميع سواسية أمام القانون والمؤسسات الأميركية الحديثة؛ لا فرق بين كبير وصغير، أو غني وفقير، أو متدين وغير متدين، أو كاثوليكي وبروتستانتي... الخ. وهذا ما نعجز للأسف عن تحقيقه حتى الآن في معظم الدول العربية والإسلامية. لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟
ويبدو أن بنيامين فرنكلين كان في السنوات الأخيرة من عمره من أكبر المعادين لنظام العبودية المطبق على السود في أميركا. وقد دعا إلى إلغائه فوراً لأن السود بشر مثلنا نحن البيض سواء بسواء. إننا نتساوى ونتلاقى في الصفة البشرية والإنسانية. ولكن للأسف، فإن دعوته بقيت حبراً على ورق حتى تحققت لاحقاً بعد حرب أهلية ضارية ونضالات عارمة ذهب ضحيتها ذلك الرجل العظيم: مارتن لوثر كينغ.
ويبدو أيضاً أنه كان أول ديمقراطي في الولايات المتحدة. فقد كان يدعو إلى المساواة بين البشر، ولكن مع تفضيل الذين يعملون ويكدحون ويفيدون المجتمع على عكس الكسالى المتقاعسين الذين لا يفيدون أحداً. من يستطيع أن يقول عكس ذلك؟
وبما أنه ولد فقيراً وفي أسرة متواضعة جداً فإنه طالب بفتح المدارس أمام كل أبناء الوطن بمن فيهم الفقراء؛ بل وبالأخص الفقراء. فالتعليم إما أن يكون ديمقراطياً يشمل الجميع، أو لا يكون. وأولاد الفقراء قد يصبحون عباقرة إذا ما توفرت إمكانية تعليمهم ودخولهم المدارس والجامعات. وأكبر دليل على ذلك هو شخصياً. فقد نبغ في المجالات كافة؛ علمية وفلسفية وسياسية، رغم أنه من أصول متواضعة كما ذكرنا. وعندما مات أوصى بتوزيع ثروته الضخمة على المشافي والمدارس لا على عائلته الشخصية! وهذا شيء عجيب ونادر. ولكنه قال عندئذ عبارته الشهيرة لتبرير فعلته: «عندما ولدت لم أجد ثروة في البيت؛ بل ولا فلساً واحداً. وهذا لم يمنعني من النجاح في الحياة. وبالتالي فما على أولادي وأحفادي إلا أن يفعلوا مثلي. عليهم أن يشكلوا ثروتهم بأنفسهم وبشكل عصامي؛ لا أن يعتمدوا علي. فثروتي ليست لخدمة العائلة الصغيرة الأنانية، وإنما لخدمة العائلة الكبيرة الوطنية: أي الشعب الأميركي ككل»!
باختصار فإن الفلسفة السياسية لبنيامين فرنكلين كانت تتلخص في كلمة واحدة: خدمة المصلحة العامة. هذا هو كل همه وهدفه في الحياة. كان يريد تشكيل مجتمع أميركي ناجح وغني ومزدهر. وهذا ما تحقق بالفعل لاحقاً بفضل جهوده وجهود الآباء المؤسسين الآخرين للأمة الأميركية. ولهذا السبب تفوقت أميركا على جميع أمم العالم؛ بل وتفوقت حتى على أُمّها ذاتها؛ أي أوروبا التي كانت سيدة البشرية طيلة قرون عدة متواصلة.
ومعلوم أن الجنرال ديغول كان يقول: أميركا من الناحية البشرية والحضارية هي بنت أوروبا. ولكن البنت تفوقت على أمها! انظروا كيف يوجه الرئيس ترمب الأوامر للأوروبيين لكي يفعلوا كذا أو كذا... وفي معظم الأحيان يخضعون.
لقد تفوقت البنت الصغيرة الوليدة أميركا على أمم عريقة جداً مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا، وأصبحت هي قائدة الغرب بعد أن كانت القيادة لأوروبا منذ القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن العشرين. بعدئذ تسلمت أميركا دفة القيادة.
وفي الختام نقول: نعم إن المجتمع الجديد الذي شكله الآباء المؤسسون الكبار كان مبنياً على الحرية والديمقراطية والتسامح الديني والمساواة في المواطنة وإتاحة الفرصة لكل فرد أميركي لكي ينجح في الحياة.
وهذه القيم هي التي شكلت أكثر المجتمعات ديناميكية في العالم؛ عنيت الولايات المتحدة الأميركية.
ولهذا السبب أصبحت أميركا قدوة حتى لدول أوروبا المتقدمة. ولهذا السبب أيضاً أصبحت جامعاتها تضم نخبة عباقرة العالم. ليس غريباً إذن أن يكون علماؤها هم الذين يحصدون معظم جوائز «نوبل» سنوياً وفي مختلف المجالات والاختراعات: الفيزيائية، والكيميائية، والطبية، والفلكية، والبيولوجية... إلخ.



كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية
TT

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام، ولفت الانتباه؛ لأن رواية المانجا «أنستان» أو «الغريزة» لصاحبها المؤثر أنس بن عزوز، الملقب بـ«إنوكس تاغ» باعت أكثر من 82 ألف نسخة خلال 4 أيام. وهو إنجاز كبير؛ لأن القصّة الموجهة إلى جمهور من القرّاء الشباب قد خطفت المرتبة الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً من «الحوريات»، الرواية الفائزة بجائزة «الغونكور» لهذه السنة.

ولمن يستغرب هذا الرواج أو اهتمام دور النشر بالكُتاب المبتدئين من صنّاع المحتوى، فإن الظاهرة ليست بالجديدة؛ حيث إن كثيراً من المكتبات والمواقع أصبحت تخصّص رفوفاً كاملة لهذه النوعية من الكتب، كسلسلة «#فولوي مي» التابعة لدار «أشيت»، والتي تضم أعمالاً للمؤثرين تتوزع بين السّير الذاتية والقصص المصوّرة والتنمية البشرية والأسفار، وحتى الطبخ.

في فرنسا، أول تجربة من هذا القبيل كانت عام 2015، بكتاب «إنجوي ماري»، وهو السيرة الذاتية للمؤثرة ماري لوبيز المعروفة بـ«إنجوي فنيكس» (6 ملايين متابع على إنستغرام). وإن كان البعض لا يستوعب أن تكتب فتاة في سن العشرين سيرتها الذاتية، فقد يستغرب أيضاً النجاح التجاري الكبير الذي حصل عليه هذا الكتاب؛ حيث باع أكثر من 250 ألف نسخة، رغم الهجوم الشديد على الأسلوب الكتابي الرديء، حتى لقَّبتها مجلة «لي زنكوريبتبل» الثقافية متهكمة بـ«غوستاف فلوبير الجديد». شدّة النقد لم تمنع زملاءها في المهنة من خوض التجربة نفسها بنجاح؛ المؤثرة ناتو (5 ملايين متابع على يوتيوب) نشرت مع مؤسسة «روبرت لافون» العريقة رواية «أيقونة»، قدمت فيها صورة ساخرة عن عالم المجلات النسوية، وباعت أكثر من 225 ألف نسخة. وتُعدُّ دار نشر «روبرت لافون» بالذات الأكثر تعاوناً مع صناع المحتوى؛ حيث نشرت لكثير منهم.

في هذا السياق، الأكثر نجاحاً حتى اليوم كان كتاب التنمية البشرية «الأكثر دائماً+» لصاحبته لينا محفوف، الملقبة بـ«لينا ستواسيون» (5 ملايين متابع على إنستغرام) وباع أكثر من 400 ألف نسخة.

مجلة «لي زيكو» الفرنسية، تحدثت في موضوع بعنوان «صناع المحتوى؛ الدجاجة التي تبيض ذهباً لدور نشر» عن ظاهرة «عالمية» من خلال تطرقها للتجارب الناجحة لمؤثرين من أوروبا وأميركا، حملوا محتواهم إلى قطاع النشر، فكُلّلت أعمالهم بالنجاح في معظم الحالات. المجلة استشهدت بالتجربة الأولى التي فتحت الطريق في بريطانيا، وكانت بين دار نشر «بانغوين بوكس» والمؤثرة زوي سوغ (9 ملايين متابع على إنستغرام) والتي أثمرت عن روايتها الناجحة «فتاة على الإنترنت» أو «غور أون لاين»؛ حيث شهدت أقوى انطلاقة في المكتبات البريطانية بـ80 ألف نسخة في ظرف أسبوع، متفوقة على سلسلة «هاري بوتر» و«دافنشي كود».

المجلة نقلت بهذه المناسبة حكاية طريفة، مفادها أن توم ويلدون، مدير دار النشر، كان قد تعاقد مع المؤثرة بنصيحة من ابنته البالغة من العمر 12 سنة، والتي كانت متابعة وفيّة لها.

ومما لا شك فيه هو أن اهتمام دور النشر بأعمال المؤثرين يبقى مدفوعاً بالأرباح المادية المتوقعة، وهو ما أكده موضوع بمجلة «لوبوان» بعنوان «المؤثرون آلة لصنع النجاحات التجارية في قطاع النشر». كشف الموضوع عن أن تحويل المحتوى السمعي البصري لصناع المحتوى إلى الكتابي، أصبح بمثابة الورقة الرابحة للناشرين، أولاً لأنه يوفر عليهم عناء الترويج الذي تتكفل به مجتمعات المشتركين والمتابعين، وكل وسائل التواصل التابعة للمؤثرين، والتي تقوم بالعمل بدل الناشر، وهو ما قد يقلّل من خطر الفشل؛ بل قد يضمن الرواج الشعبي للعمل. ثم إنها الورقة التي قد تسمح لهم في الوقت نفسه بالوصول إلى فئات عمرية لم تكن في متناولهم من قبل: فجمهور المراهقين -كما يشرح ستيفان كارير، مدير دار نشر «آن كاريير» في مجلة «ليفر إيبدو»: «لم يكن يوماً أقرب إلى القراءة مما هو عليه اليوم. لقد نشرنا في السابق سِيَراً ذاتية لشخصيات من كل الفضاءات، الفرق هذه المرة هو أن المؤثرين صنعوا شهرتهم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ولهم جمهور جاهز ونشيط، وإذا كانت هذه الشخصيات سبباً في تقريب الشباب إلى القراءة، فلمَ لا نشجعهم؟».

شريبر: الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته

هذه المعطيات الجديدة جعلت الأوضاع تنقلب رأس على عقب، فبينما يسعى الكتاب المبتدئون إلى طرق كل الأبواب أملاً في العثور على ناشر، تأتي دور نشر بنفسها إلى صناع المحتوى، باسطة أمامهم السّجاد الأحمر.

وإن كان اهتمام دور النشر بصنّاع المحتوى لاعتبارات مادية مفهوماً -بما أنها مؤسسات يجب أن تضمن استمراريتها في قطاع النشر- فإن مسألة المصداقية الأدبية تبقى مطروحة بشدّة.

بيار سوفران شريبر، مدير مؤسسة «ليامون» التي أصدرت مذكرات المؤثرة الفرنسية جسيكا تيفنو (6 ملايين متابع على إنستغرام) بجزأيها الأول والثاني، رفض الإفصاح عن كم مبيعات الكتاب، مكتفياً بوصفه بالكبير والكبير جداً؛ لكنه اعترف في الوقت نفسه بلهجة ساخرة بأن الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته؛ لكنها لم تدَّعِ يوماً أنها تكتب بأسلوب راقٍ، وكل ما كانت تريده هو نقل تجاربها الشخصية إلى الجمهور ليأخذ منها العبَر.

الناقد الأدبي والصحافي فريديك بيغ بيدر، كان أكثر قسوة في انتقاده لكتاب المؤثرة لينا ستواسيون، في عمود بصحيفة «الفيغارو» تحت عنوان: «السيرة الذاتية لمجهولة معروفة»؛ حيث وصف العمل بـ«المقرف» و«الديماغوجية»، مضيفاً: «بين الأنا والفراغ اختارت لينا ستواسيون الخيار الثاني». كما وصف الكاتبة الشابة بـ«بالجاهلة التي تعترف بجهلها»، منهياً العمود بالعبارة التالية: «147 صفحة ليس فيها سوى الفراغ، خسرتُ 19 يورو في لا شيء».

أما الناشر بيار سوفران شريبر، فقد قال في مداخلة لصحيفة «لوبوان»: «اتهمونا بنشر ثقافة الرداءة؛ لكن هذه النوعية من الكتب هي هنا لتلتقي بقرائها. إنهما عالمان بعيدان استطعنا تقريبهما بشيء سحري اسمه الكتاب. فلا داعي للازدراء».