أعلنت الرئاسة الفرنسية، أمس (الاثنين)، أن إيمانويل بون المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور إيران اليوم الثلاثاء وغداً الأربعاء للقاء مسؤولين إيرانيين سعياً إلى «التخفيف من حدة التوتر» حول الملف النووي.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن قصر الإليزيه أن بون «سيزور طهران لإيجاد عناصر تساهم في التخفيف من حدة التوتر مع خطوات يجب أن تتخذ فوراً قبل 15 يوليو (تموز)»، دون مزيد من الإيضاحات.
وكان بيان «الإليزيه» الذي صدر مساء السبت 7 يوليو (تموز) الحالي، عقب المكالمة الهاتفية بين الرئيس ماكرون ونظيره الإيراني حسن روحاني، جاء فيه أن الطرفين اتفقا على تحديد مهلة من أسبوع تنتهي في 15 من الشهر الحالي من أجل «التعرف على الشروط (المطلوبة) لمعاودة الحوار بين الأطراف كافة». ويضيف بيان «الإليزيه» أن ماكرون «سيتواصل في الأيام المقبلة مع السلطات الإيرانية ومع الشركاء الدوليين المعنيين من أجل الدفع نحو التهدئة الضرورية للتوترات المرتبطة بالملف النووي الإيراني».
تقول مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس إن ماكرون «يود أن يلعب دوراً رائداً على المسرح الدولي من خلال إنقاذ الاتفاق النووي». ولذلك، فإنه يريد «استثمار» استمرار التواصل بينه وبين روحاني من جهة؛ وبينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترمب من جهة أخرى، ليكون «وسيطاً» مقبولاً. ومن الأفكار التي كانت مطروحة فرنسياً قيام ماكرون بزيارة إلى طهران كان وعد بإتمامها منذ زمن طويل. وربما حانت اليوم الفرصة ليكون لها اليوم هدف «سام» وهو إنقاذ السلام وتجنب المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة في منطقة مضطربة.
ولا تلحظ الأجندة الرئاسية الرسمية كما وزعتها دوائر الإليزيه زيارة قريبة لماكرون إلى طهران. كذلك، فإن المشروع الأوروبي الذي جرى الحديث عنه في الأيام الماضية وعنوانه القيام بزيارة جماعية لوزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى العاصمة الإيرانية، لم يعد قيد التداول.
لم تخرج ردود الفعل الأوروبية على تخلي طهران عن التزاماتها وآخرها أمس على لسان الناطقة باسم الدبلوماسية الأوروبية مايا كوسيانسيتش، عن حدود التعبير عن «القلق الشديد» وحض المسؤولين الإيرانيين «بقوة» من أجل «العودة عن الانتهاكات» المرتكبة و«الكَفّ» عن إنتاج اليورانيوم المخصب بأعلى من 3.67 في المائة، علما بأن السلطات الإيرانية أعلنت أنها وصلت إلى نسبة 4.5 في المائة. لكن الأهم في الموقف الأوروبي أن البلدان الثلاثة المعنية، خصوصاً فرنسا؛ «غير مستعجلة» للدعوة إلى انعقاد «اللجنة الخاصة بتسوية النزاعات» بخصوص تطبيق الاتفاق. ذلك أن هذه الخطوة قد تعني العودة لفرض العقوبات الدولية على طهران كتلك التي كانت مفروضة قبل الاتفاق.
لكن للوصول إلى هذه المرحلة، يتعين أن تقدم الوكالة الدولية، أولاً، تقريراً يثبت الانتهاكات، وأن تفشل الدول الموقعة على الاتفاق في التوصل إلى الحلول المطلوبة مع إيران لتتراجع عن انتهاكاتها. وفي هذه الحالة، ينتقل الملف إلى مجلس الأمن، مما يفتح الباب أمام العودة إلى العقوبات الدولية، خصوصاً أنه لا حاجة لقرار دولي جديد يمكن لموسكو أو لبكين أن تعطله عن طريق استخدام حق النقض (الفيتو).
تقول المصادر الأوروبية إن الدول الثلاث «فرنسا وبريطانيا وألمانيا» لا تريد الوصول سريعاً إلى هذه المرحلة التي ستعني حكماً أمرين: الأول، موت الاتفاق وإعادة فرض العقوبات الدولية «وليست فقط الأميركية» على طهران، والتي سيكون عليهم عندها العمل بموجبها. والثاني، العودة إلى المربع الأول أي ما قبل الاتفاق. وثمة قناعة أوروبية بأن سياسة «حافة الهاوية» التي تتبعها إيران عن طريق الخروج «البطيء» من بعض الالتزامات وإعطاء المهل المتتالية لأوروبا، غرضها استمرار الضغوط على الأوروبيين ودفعهم للتدخل. كذلك تلاحظ هذه المصادر أن طهران تذكر، لدى تخليها عن أحد بنود الاتفاق، أنها ستعود للعمل بموجبه في حال مكنها الأوروبيون من الاستمرار في تصدير النفط والقيام بعمليات تجارية والاستفادة من الدورة المالية العالمية. والحال أن الأوروبيين، وفق ما تشير إليه هذه المصادر، يرون أن «هامش المناورة المتاح لهم ضيق للغاية» وأن وسائل الضغط الوحيدة المتوافرة لديهم هي على طرف واحد هو إيران بينما وسائل الضغط على الطرف الأميركي تبقى معدومة.
من هذه الزاوية، تعدّ هذه المصادر أن حظوظ القيام بوساطة فرنسية - أوروبية مرهونة بما تريد طهران تقديمه من «تنازلات» من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات «مع جميع الأطراف» بحسب البيان الصادر عن «الإليزيه» السبت الماضي والمقصود به بطبيعة الحال الولايات المتحدة. والحال أن هناك قناعة مفادها بأنه في غياب استفزاز إيراني أمني جديد في الخليج، فإن إدارة الرئيس ترمب غير مستعجلة، وإنها تراهن على عامل الزمن وعلى «الضغوط القصوى» الاقتصادية والمالية على طهران لإرغامها على العودة للتفاوض حول برامجها النووية والصاروخية وحول سياستها الإقليمية. وإزاء ذلك، تبدو أوروبا عاجزة؛ لا بل مشلولة الحركة، فلا هي قادرة على الاستجابة لما تريده طهران، ولا هي قوية إلى درجة مقاومة الضغوط الأميركية. ولعل أبلغ صور هذا العجز أن الآلية المالية «إنستكس» التي عمل عليها الأوروبيون منذ 14 شهراً، ما زالت حتى اليوم غير موجودة عملياً، مما يدفع الطرف الإيراني إلى اتهامهم بـ«غياب الإرادة السياسية» لمقاومة ضغوط واشنطن. لكن هل هم حقيقة راغبون في الدخول بعملية لي ذراع مع الاقتصاد الأول في العالم؟
حظوظ الوساطة الأوروبية مرهونة بـ«تنازلات» إيرانية
حظوظ الوساطة الأوروبية مرهونة بـ«تنازلات» إيرانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة