استمرار تحالف بري ـ جنبلاط استثناء في السياسة اللبنانية

لم يتأثر لعقود بخلافهما على ملفات استراتيجية

TT

استمرار تحالف بري ـ جنبلاط استثناء في السياسة اللبنانية

يشكل تحالف رئيس المجلس النيابي زعيم «حركة أمل» نبيه بري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط حالة استثنائية في السياسة اللبنانية، لاستمراره لعقود رغم الطبيعة المتغيرة لمعظم التحالفات الحزبية، وخلافهما على ملفات استراتيجية شتى، أبرزها العلاقة مع النظام السوري والموقف من سلاح «حزب الله».
وتعود علاقة بري بجنبلاط إلى مرحلة الحرب الأهلية، فالزعيمان اللذان تواجها فيما عُرف بـ«حرب العلم» في العام 1985 ما لبثا أن تكاتفا في المرحلة اللاحقة ليخوضا الحروب في خندق واحد كما زمن السلم يداً بيد، ويتحول أحدهما بالنسبة إلى الآخر بمثابة درع يقيه سهام الآخرين.
وفي الأزمة الحالية التي يجتازها جنبلاط بعد الحادثة التي شهدها جبل لبنان الأحد الماضي وقُتل فيها مرافقان لوزير شؤون النازحين صالح الغريب، يقف بري إلى جانب حليفه رغم سعيه للعب دور الوسيط لحل المشكلة بالحد الأدنى من الضرر على الطرفين.
ولفت الموقف الأخير لرئيس المجلس النيابي الذي تمايز به عن بقية مكونات فريق «8 آذار» لجهة اعتباره أن إحالة الملف إلى المجلس العدلي قد تكون من دون جدوى، طالما المحكمة العسكرية قد تكون أسرع منه.
ويتمسك «الحزب الديمقراطي اللبناني» الذي يترأسه النائب طلال أرسلان، مدعوماً بـ«التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، بطلب الإحالة إلى المجلس العدلي لاعتباره أن ما حصل «محاولة اغتيال وزير في الحكومة عبر كمين مسلح ومحضر له سلفاً، وهو أمر يمس بأمن الدولة وبالسلم الأهلي ويزعزع الاستقرار والأمن في الوطن»، وهي نظرية يرفضها تماماً «الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي يضع ما جرى بإطار «حادثة وليدة زمانها ومكانها».
ويقف بري إلى جانب جنبلاط في ملف التعيينات بعدما تحدث الأخير أكثر من مرة عن خطة لاستبعاده تمهيداً لإضعافه وفرض زعامات درزية جديدة. ويؤثر هذا التلاحم بين «أمل» و«التقدمي الاشتراكي» في كثير من الأحيان سلباً على علاقة بري بـ«حزب الله» الذي يتواجه في كثير من الأحيان مع «بيك المختارة» وليد جنبلاط.
ويؤكد عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي خريس أن علاقة «أمل» بـ«حزب الله» كما علاقة «أمل» بـ«التقدمي الاشتراكي»، ويصفها بأنها «متينة جداً رغم الاختلاف مع الفريقين على ملفات ومسائل معينة، وهذا أمر طبيعي باعتبار أن الخلافات تحصل حتى ضمن الحزب الواحد».
وقال خريس لـ«الشرق الأوسط» إن علاقة بري بجنبلاط «تندرج في إطار التحالف القائم منذ عشرات السنوات، فرغم الخلاف على ملفات أساسية كالعلاقة مع سوريا وإيران وغيرها من الملفات، لكننا نجحنا بتنظيم هذه الخلافات». وأضاف: «أما بخصوص حادثة الجبل، فنحن لا نقف في صف طرف ضد آخر بقدر ما نسعى للتوافق ونزع فتيل الفتنة، خصوصاً أن للجبل خصوصية الكل يدركها. ومن هنا يعمل الرئيس بري ليل نهار لوأد هذه الفتنة». ويعود مفوض الإعلام في «التقدمي الاشتراكي» رامي الريس إلى تاريخ العلاقة بين بري وجنبلاط، لافتاً إلى أنهما «خاضا معارك وطنية كبرى معاً ساهمت بتحويل مجريات الصراع أثناء الحرب اللبنانية لجهة تثبيت عروبة لبنان ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي في أكثر من منعطف ومحطة».
وأوضح الريس لـ«الشرق الأوسط» أن الرجلين «شاركا معاً في إسقاط اتفاق 17 أيار (بعد الاجتياح الإسرائيلي في 1982) ولاحقاً في التوصل إلى اتفاق الطائف كل من موقعه». وأشار إلى أنه «بعد انتهاء الحرب وفي مرحلة حل الميليشيات وقيام مشروع الدولة، كانا في طليعة المتجاوبين مع الواقع السياسي الجديد والمندفعين للانتقال بلبنان من حقبة الحرب الأهلية الأليمة إلى حقبة الاستقرار والنهوض بالبلد».
واعتبر أن «ما يميز الزعيمين أنهما يفهمان بشكل عميق طبيعة التركيبة اللبنانية، إضافة إلى أن الرئيس بري وبما يملك من حيثية وطنية وسياسية ودستورية، يعلم الوزن السياسي لوليد جنبلاط وحزبه في الحياة الوطنية كما أنه يتقن تدوير الزوايا وإعادة لم الشمل، وهو ما يقوم به في المرحلة الحالية».
ولعل أبرز ما يجمع «أمل» و«التقدمي الاشتراكي» هو غياب الود بينهما من جهة، وبين «التيار الوطني الحر» من جهة أخرى، سواء بقيادة الرئيس ميشال عون أو الوزير جبران باسيل. إذ تتفجر علاقات كل منهما مع «التيار» عند كل استحقاق ومحطة في ظل الفشل بالتوصل لصياغة حد أدنى من التفاهمات.



مشروع قانون مصري يوسّع مظلة المستفيدين من «الدعم النقدي»

مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
TT

مشروع قانون مصري يوسّع مظلة المستفيدين من «الدعم النقدي»

مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)

عقب «موافقة مبدئية»، يواصل مجلس النواب المصري (البرلمان)، مناقشة مشروع قانون «الضمان الاجتماعي والدعم النقدي»، الذي قدَّمته الحكومة، بهدف «توسيع مظلة الدعم النقدي» للفئات الفقيرة.

وأقرَّ «النواب»، مبدئياً مشروع القانون، الأحد الماضي، في حين واصل أعضاؤه مناقشة نصوصه، على مدار يومَي الاثنين والثلاثاء. وقالت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، مايا مرسي، إن «القانون يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، ويستهدف مأسسة منظومة الدعم النقدي، بتحويل المنظومة من مجرد برنامج ومبادرات مثل (تكافل وكرامة) إلى حق ينظمه القانون»، وفق بيان لوزارة التضامن.

وأقرَّت الحكومة المصرية عام 2015، برنامجاً للحماية الاجتماعية باسم «تكافل وكرامة» لتقديم دعم نقدي بشكل شهري للفئات الأكثر فقراً. ويصل عدد المستفيدين منه 21 مليوناً، جرى تخصيص 41 مليار جنيه مصري لهم، في موازنة العام المالي، وفق وزارة التضامن المصرية (الدولار يوازي 49.6 جنيه مصري).

ووفق البيان، عدَّدت وزيرة التضامن، أهداف التشريع الجديد، ومنها «استدامة دعم الفئات الأكثر احتياجاً، وحوكمة الدعم، والتحقق من المستفيدين سنوياً»، إلى جانب «ضمان أن يكون الدعم مقدماً من موازنة الدولة، وليس من خلال قروض ومنح مؤقتة».

وأشارت إلى أن «التشريع الجديد، يلتزم بمعايير حقوق الإنسان، بتوفير الحماية الاجتماعية والتكافل الاجتماعي لكل شخص بالمجتمع».

ومن المواد التي أقرَّها مجلس النواب، الثلاثاء، أن «لكل مواطن تحت خط الفقر القومي، ولا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي، الحق في التقدم للحصول على دعم نقدي»، كما أقرَّ نصّاً بشأن «درجة الفقر للأفراد والأسر بناء على خريطة الفقر والمؤشرات الدالة عليه»، على أن تحدد اللائحة التنفيذية للقانون درجات الفقر، والإجراءات المتبعة لمَن يستحق الدعم النقدي.

ووفق تقرير للبنك الدولي، في مايو (أيار) الماضي، ارتفع معدل الفقر في مصر، من 29.7 في المائة في العام المالي 2019 - 2020، إلى 32.5 في المائة عام 2022.

ويمثل مشروع القانون، «استحقاقاً دستورياً»، وفق وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي بمصر، المستشار محمود فوزي، الذي أشار إلى أن «التشريع يستهدف مدَّ مظلة الضمان الاجتماعي، واستكمال الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بشبكة الأمان الاجتماعي، والتوسع في مفهوم الفئات الأولى بالرعاية والحماية، باستحداث وضم وشمول فئات جديدة، لم تكن مستفيدة»، وفق إفادة لوزارة الشؤون النيابية.

وكانت الحكومة المصرية، أحالت التشريع الجديد، إلى البرلمان، في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.

وحسب تقرير لجنة التضامن بالبرلمان المصري، فإن القانون يستهدف «حماية الأسر الأفقر، والأقل دخلاً»، إلى جانب «كفالة حقوق ذوي الإعاقة، وكبار السن، والأيتام»، بجانب «إلزام الأسر المستفيدة من الدعم، بالاستثمار في صحة الأطفال، وانتظامهم في التعليم»، ولا يتوقف القانون عند تقديم الدعم، ولكنه يهدف إلى «التمكين الاقتصادي لهذه الفئات، للخروج تدريجياً من الفقر».

بدوره، يرى عضو البرلمان المصري ومقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، أيمن محسب، أن «التشريع الجديد سيسهم في تحسين شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع مظلته، لتشمل جميع الفئات الأولى بالدعم، وكفالة حقوقهم»، مشيراً إلى أن «القانون يتسق مع خطوات الإصلاح الاجتماعي التي تسعى لها الحكومة المصرية حالياً».

وينصُّ مشروع القانون على نوعين من المساعدات النقدية: الأول، يشمل دعماً نقدياً مشروطاً (تكافل)، ويُقدَّم للأسر الفقيرة، بما فيها الأسر التي لديها أبناء، أما الدعم الثاني فهو غير مشروط (كرامة)، ويُقدَّم للأفراد الفقراء من ذوي الإعاقة والمرضى وقدامى الفنانين والرياضيين والأدباء، وأسند القانون، لرئيس الوزراء، قرار تحديد قيمة الدعم النقدي، على أن تتم مراجعة القيمة كل 3 سنوات.

وقال محسب لـ«الشرق الأوسط»، إن «التشريع الجديد، يمهِّد الطريق أمام الحكومة المصرية، للتحول إلى نظام الدعم النقدي بدلاً من العيني». وأعاد ذلك إلى أن «القانون ينص على حوكمة برامج الدعم المُقدَّمة للحماية الاجتماعية، ويعتمد على قواعد بيانات دقيقة يتم تحديثها بشكل دوري، وسيتم ربطها بالمتغيرات الاقتصادية مثل معدلات التضخم»، عادّاً أن تلك الإجراءات، «من بين خطوات تطبيق الدعم النقدي».

وتتزامن مناقشات التشريع الجديد، مع مناقشات أخرى أعلنتها الحكومة المصرية، داخل «الحوار الوطني» (الذي يضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين)، مع خبراء ومتخصصين، لبحث التحول من نظام الدعم العيني إلى نظام الدعم النقدي للفئات الأولى بالرعاية.

وتتطلع الحكومة المصرية لبدء تطبيق منظومة الدعم النقدي، مع العام المالي الجديد، بداية من يوليو (تموز) 2025. وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «بلاده قد تبدأ في التحول من دعم السلع الأولية الأساسية، إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة، للفئات الأولى بالرعاية»، وربط البدء في التطبيق «بالتوصل إلى توافق في الآراء بشأن قضية الدعم النقدي في الحوار الوطني».

وتُطبِّق الحكومة المصرية منظومةً لدعم السلع الضرورية منذ عقود طويلة، بهدف خفض نفقات المعيشة للفئات الأولى بالرعاية، ويحصل المواطن على السلع المدعمة من خلال منظومة البطاقات التموينية، لكن الحكومات المتعاقبة تشكو من الأعباء الاقتصادية لمنظومة الدعم على الموازنة العامة، في ظل التوسع في عدد السلع المدعمة خلال السنوات الماضية.

من جهته، ينظر مدير «مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية»، عبد المنعم السيد، إلى مشروع القانون بوصفه «منظماً لسياسات الحماية الاجتماعية في مصر»، مشيراً إلى أن «القانون يختلف في نصوصه عن تشريعات مماثلة في دول أخرى، وفق الأولويات الاقتصادية والاجتماعية في مصر».

ويرى السيد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن التشريع «يحقق مرونة أمام الحكومة المصرية في تقديم الدعم النقدي خلال الأزمات والكوارث الطبيعية والأوبئة، كما حدث في جائحة (كورونا)»، مضيفاً أنه «يشمل تحت مظلته، فئات تتضرر بشكل مفاجئ مثل العاملين في القطاعات غير الرسمية، والذين يفقدون وظائفهم».