الإعلام الفضائي العربي

الإعلام الفضائي العربي
TT

الإعلام الفضائي العربي

الإعلام الفضائي العربي

مع نهاية 2020 وبداية 2021 تكون التجربة الفضائية العربية قد أكملت عامها الثلاثين.
ثلاث عشريات، اختزلت كلُّ عشرية كثيراً من الأحداث والتجارب.
منذ نهاية عام 1990 وتحديداً في ديسمبر (كانون الأول) حيث انطلقت الفضائية المصرية، أول فضائية عربية، وبعدها في عام 1991 انطلقت «إم بي سي» كأول فضائية عربية خاصة.
تقسيم العمر الفضائي العربي إلى عشريات ليس اختياراً وإنما بقليل من التدقيق سنجد أنه تقسيم فرضته مجريات الأحداث التاريخية والسياسية.
> العشرية الأولى (بدأت في نهاية 1990 وبداية 1991 وانتهت في 2001):
يمكن أن نطلق عليها مرحلة التأسيس والتشكل.
هذه العشرية سنجدها قد بدأت باجتياح صدام حسين للكويت، ثم إعلان حرب تحرير الكويت، وانهيار جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق، وإعلان النظام العالمي الجديد، وبداية عصر القطبية الواحدة والحكم الأميركي للعالم أو ما سُمي «نظام العولمة». كان حقاً عصراً جديداً شكّلت أحداثه أهم مفاصل التاريخ الحديث، في هذه الحقبة كنا نتابع كل شيء عبر عيون الآخرين، فلم يكن الزمن الإخباري العربي قد آتى ثماره، فقد تشكل في النصف الثاني من التسعينات ولم يكن قد أثمر بعد.
استمرت الأحداث حتى وصلنا إلى سبتمبر (أيلول) 2001، وضرْب برجَي التجارة العالمية في أميركا، لتنتهي حقبة وتبدأ حقبة أخرى.
> العشرية الثانية (مرحلة النضج والحضور والمنافسة - تبدأ من 2001 وتنتهي في 2011):
هي عشرية مليئة بالأحداث الدراماتيكية تبدأ باحتلال أفغانستان في أكتوبر (تشرين الأول) 2001، وبعدها إرهاصة احتلال العراق، ثم احتلاله في 2003، لتبدأ حرب تستمر تداعياتها حتى الآن، فيها تم تقسيم السودان إلى دولتين؛ دولة شمال السودان وعاصمتها الخرطوم، ودولة الجنوب وعاصمتها جوبا. وأيضاً العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006. لتنتهي هذه العشرية بمتغير شديد الخطورة وهي الموجة الأولى للربيع العربي التي بدأت في يناير 2011.
في كل الأحداث التي مرت في هذه المرحلة كان الإعلام العربي حاضراً قوياً، ويمكن القول إنها المرحلة الأولى لنا التي رأينا فيها أزماتنا بعيوننا نحن لا بعيون الآخرين كما حدث في نهاية العشرية الأولى.
> العشرية الثالثة (بدأت في 2011 ولم تنتهِ بعد لكن المفروض أنها ستنتهي في 2021):
وأؤكد لك، عزيزي القارئ، أن هذه العشرية لن تنتهي إلا وقد حدث شيء جلل يكون عنواناً حقيقياً لعشرية رابعة ستبدأ في ذلك التاريخ، لا أضرب الودع ولا أعرف الغيب لكنّ خبرة الماضي تنبئ بكثير مما يأتي في المستقبل.
يمكن النظر إلى تلك العشرية الثالثة باعتبارها المرحلة التي تجلى فيها المرض الإعلامي العربي بامتياز، أي إنها كانت بمثابة الكاشف الضوئي للجسد الإعلامي العربي الذي أظهر المخفيّ فيه من عِلل.
لنركز على الأحداث التي تشكّلت في هذه العشرية التي نعيش عاميها الأخيرين. فيها انطلقت الموجة الأولى للربيع العربي الذي بدأ من تونس ثم مصر وبعدهما ليبيا وسوريا واليمن، وتحت كل عنوان من هذه العناوين قصص وحكايات، آمال وآلام.
شهدت أيضاً الموجة الثانية للربيع العربي في الجزائر وسقوط نظام بوتفليقة، وفي السودان بسقوط نظام البشير. وما زال الملف الجزائري مفتوحاً، والملف السوداني أيضاً، وبقية ملفات الموجة الأولى خصوصاً سوريا، وليبيا، واليمن.
في هذه العشرية انطلقت موجة جديدة للإرهاب في نسخة معدلة اسمها «داعش»، ولأول مرة تتحول التنظيمات الإرهابية من تنظيمات حركية إلى تنظيم له دولة بحدود جغرافية وعملة مالية، وخليفة هو أبو بكر البغدادي.

***
قبل أن تنتهي العشرية الثالثة وقبل أن يجيء عام 2021 على جميع العقول أن تطرح فكراً جديداً يكون حصانةً في مواجهة الآتي، خصوصاً أن جميع الجروح العربية مفتوحة على كثير من الكوارث، وكل الملفات تنزف.
هذه الأفكار يجب أن تخرج من مرتكزين:
الأول- فتح البطن الإعلامي العربي وإظهار أمراضه بلا خجل وتفنيدها تبعاً لخطورتها.
الآخر- وضح خطط لتلافي الوقوع فيها، مع الأخذ في الاعتبار الاتي:
> عدم الطموح نحو اتفاق رسمي عبر الحكومات العربية، لأن الواقع بصراحة يقول إن الأنظمة العربية تعيش عصر التنافر بل التصارع أيضاً.
> عدم التطرق ولو من بعيد إلى ذكر كلمة «ميثاق الشرف الإعلامي» لأنه مصطلح بات سيئ السمعة ومنفراً.
> الخطط التي تُطرح لا بد أن تتحرك على مستوى المؤسسات الإعلامية العربية وعلى مستوى العقول الإعلامية العربية لتتحول مع الوقت عبر التراكم إلى مكون رئيسي يصل إلى مرتبة العقيدة المهنية للإعلاميين.
وكما نتحدث عن عقيدة الجيوش العربية غير القابلة للتبدل نتمنى أن نصل إلى عقيدة للإعلامي العربي تكون غير قابلة أيضاً للتبدل.
كيف يتحقق ذلك؟
ما الطريق إلى ذلك؟
إنه السعي نحو تأسيس لمصطلح جديد هو «الأمن القومي الإعلامي العربي».
ليس مجرد مصطلح، ليس مجرد بريق لا يتخطى التنظير وفقط، إنما منهج تفكير ومصلحة قومية وخطة استراتيجية توجد عبر مؤسسات تمارس عملها محمية بتشريعات يقوم عليها موظفون يكونون جزءاً رئيسياً من السلطة التنفيذية لكل بلد، نوجز تفاصيله في المقال المقبل.
- إعلامي مصري



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.