لم يعد الشاب الليبي عبد الله الزبيدي يخشى الحرب الدائرة في الضاحية الجنوبية للعاصمة طرابلس، منذ قرابة 3 أشهر، بقدر ما يعبر عن تخوفه هو وآخرون من استمرار تعرض منطقتهم لنقص شديد في المياه العذبة.
وطالت الفوضى التي ضربت البلاد منذ إسقاط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011 مرافق حيوية عدة، من بينها شبكات الكهرباء، وخطوط «النهر الصناعي»، ما تسبب في انقطاع المياه لفترات طويلة عن كثير من المدن والبلدات. وبسبب ذلك بدأ يلجأ عدد كبير من المواطنين في بلدات عدة بغرب ليبيا إلى حفر آبار للمياه بجوار منازلهم، أو بالقرب من مزارعهم لمواجهة انقطاعاتها لفترات طويلة.
يقول عبد الكريم الدرسي، من منطقة وادي الربيع، التي شهدت جانبا من المعارك خلال الأسابيع الماضية: «ليس لدينا مياه في منازلنا. فقد تضررت شبكات الكهرباء والمياه بسبب الاشتباكات والقصف المدفعي المتبادل، وكثير من المواطنين هجروا بيوتهم، وهناك من يبحث عن المياه في باطن الأرض».
ومنذ العام الماضي وطرابلس العاصمة تعاني من نقص المياه العذبة، وقد تفاقمت الأزمة منذ اندلاع معركة طرابلس في الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، حتى أصبحت المياه المعبأة سلعة إجبارية. لكن الأزمة المالية باتت تدفع المواطنين للبحث عن «مياه السبيل» مجاناً إذا توفرت.
يقول عبد الرحمن الغميض، الذي ينتمي إلى طرابلس عبر حسابه على «تويتر»: «المياه مقطوعة عن العاصمة، بالإضافة إلى انعدام السيولة بالمصارف، وضراوة الحرب في ضواحيها، بينما الحكومة الفاشلة لم تقم لسنوات طويلة بحل أي أزمة، بل زادت المشاكل أكثر، فيما تستمر بتثبيت ومكافأة الفاسدين».
ووقعت اعتداءات كثيرة على خطوط «النهر الصناعي»، البالغ طوله 4 آلاف كيلومتر من قبل أصحاب مطالب فئوية، بالإضافة إلى تعرض آلات رفع المياه من الآبار على طول شبكة الأنابيب إلى التفكيك، وسرقة محتوياتها، وبيع الأجزاء النحاسية منها خردة.
وفيما أكد الزبيدي لـ«الشرق الأوسط» أن طرابلس تعاني من انقطاع المياه «بسبب عمل تخريبي في إحدى الآبار الكبيرة التابعة لمنظومة النهر الصناعي»، يتوقع البعض أن تصبح المياه النقية في طرابلس هدفاً مستقبلياً إذا استمرت الحرب على طرابلس، وتصاعدت وتيرتها، وهو ما دفع الزبيدي، إلى القول إن «كل شيء محتمل نظراً لمعتقدات أغلب القوات المعتدية على طرابلس».
ولمواجهة نقص المياه في الغرب الليبي، لجأت مدينة مصراتة (200 كيلومتر شرق العاصمة) إلى حفر سبع آبار مياه في مناطق عدة بالمدينة لتعويض النقص الحاصل في الإمدادات المائية من منظومة النهر الصناعي، المصدر الوحيد للمياه في البلدية، والانقطاعات المتكررة فيها».
وقبل ثلاثة أيام سلم مكتب المشروعات في بلدية مصراتة، وفرع الهيئة العامة للموارد المائية بالمنطقة الوسطى، أول موقع لحفر بئر للمياه الارتوازية بمنطقة بدر للشركة، التي تعاقدت معها البلدية لتنفيذ المشروع.
ووسط مخاوف متوقعة من تحول المياه في ليبيا إلى سلاح، خاصة بعد تعرض منظومة «النهر الصناعي» لأضرار كثيرة من قبل مسلحين، عقدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا و«يونيسف» والبنك الدولي اجتماعاً قبل ثلاثة أيام، ضم الهيئة العامة للموارد المائية الليبية ووزارتي التخطيط والمالية، وذلك بهدف الاتفاق على آلية عمل مناسبة لمعالجة أزمة المياه المتنامية في ليبيا، بما في ذلك توفير الأمن اللازم لمنظومة النهر الصناعي.
وفي الاجتماع الممول من الاتحاد الأوروبي، حثت ستيفاني ويليامز، نائبة الممثل الخاص للأمين العام، المحاورين الليبيين على التوصل إلى حلول محلية لأزمة المياه، وأكدت مجدداً على استعداد بعثة الأمم المتحدة لتقديم الدعم. ومع تصاعد المخاوف من تضرر «النهر الصناعي» من كثرة الاعتداءات، رأى المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة، وفقا لـ«رويترز»، أن ما يقدر بنحو أربعة ملايين شخص سيحرمون من الحصول على المياه النقية، وقال بهذا الخصوص «النتيجة المحتملة لذلك هي الإصابة بالكوليرا والتهاب الكبد الوبائي (أ)، والإسهال الذي يعد من الأسباب الرئيسية لوفاة الأطفال.
ويعتمد قرابة 80 في المائة من السكان، البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، على المياه العذبة التي تضخ عبر الأنابيب من خزانات جوفية في صحراء جنوب البلاد، التي لحقتها أضرار بالغة من كثرة الاعتداءات من قبل مسلحين وجماعات متشددة.
أزمة مياه حادة تهدد صحة سكان العاصمة طرابلس وضواحيها
أزمة مياه حادة تهدد صحة سكان العاصمة طرابلس وضواحيها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة