يبدأ الموظفون بشركة «أمازون» الأميركية العملاقة للتجارة الإلكترونية نوبة العمل باجتياز بوابات الدخول الدوارة، ثم المرور بجوار لوحة مدون عليها الأغراض التي لا يسمح لهم بجلبها معهم عندما يأتون إلى العمل؛ جنباً إلى جنب مع أجهزة الروبوت.
فالهواتف المحمولة والأحزمة والمفاتيح والنقود المعدنية، على سبيل المثال، لا بد من وضعها أولاً داخل واحد من مئات الخزانات المصفوفة على جانب القاعة المخصصة للراحة في مخازن الشركة، في مدينة ويست ديبفورد بولاية فيلادلفيا الأميركية.
وداخل المخازن، تتحرك روبوتات صغيرة لا يزيد طولها عن عشرين سنتيمتراً، وإن كانت قادرة على حمل أوزان تصل إلى 560 كيلوغراماً، ولا تتشابه مطلقاً مع الروبوتات المصممة على أشكال بشرية، والتي تظهر في أفلام الخيال العلمي. وتساعد هذه الماكينات ذاتية الحركة موظفي «أمازون» على أداء المهام الموكلة إليهم.
وتنطلق الروبوتات على عجلات بسرعة لا تتجاوز متراً ونصف متر في الثانية، في قفص ضخم بالطابقين الثاني والثالث، من المخزن الذي تقارب مساحته نحو ثلاثين ملعب كرة قدم، بحسب تحقيق لوكالة الأنباء الألمانية.
وفي حين توظف شركة «أمازون» عشرات الآلاف من الأشخاص للعمل في مخازنها، تتبنى الشركة التي تتخذ من مدينة سياتل الأميركية مقراً لها، فكرة ميكنة العمل، وتستخدم الروبوتات لأداء الأعمال التي كان البشر يقومون بها فيما سبق.
ويشعر النقاد ومؤيدو حقوق العمال بالقلق، من أن الروبوتات ستحل يوماً ما محل البشر، وأن مخازن «أمازون» التي تكتظ بالآلات تعد بيئة عمل غير آمنة.
وقال تاي برادي، كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة «أمازون روبوتيكس» في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) هذا الشهر: «المسألة لا تتعلق مطلقاً بالبشر في مواجهة الآلات؛ بل يعمل البشر والآلات جنباً إلى جنب لتحقيق مهمة ما».
وتوسعت «أمازون» بشكل سريع، من 20.7 ألف موظف في عام 2008، إلى 647.5 ألف موظف العام الماضي، يعملون في دوام كامل أو نصف دوام. وفي مخازن مدينة ويست ديبفورد، يوجد أكثر من 1500 موظف يعملون بدوام كامل، ويستخدمون أكثر من ثلاثة آلاف روبوت، بحسب ما أعلنته الشركة.
وارتفع صافي مبيعات «أمازون» بنسبة 31 في المائة العام الماضي إلى 232.9 مليار دولار، كما تضاعف صافي أرباح الشركة بأكثر من ثلاث مرات إلى 10.1 مليار دولار.
وذكر المجلس الوطني الأميركي للسلامة المهنية والصحة: «رغم الموارد الضخمة، لا توجد دلائل كافية على أن الشركة بذلت مجهودات كبيرة لمواجهة شكاوى العاملين لديها، بشأن التوتر والإجهاد في العمل، وغيرها من الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى الأمراض أو الإصابات أو حتى الوفاة».
وتوفي ستة عمال في مقرات شركة «أمازون» أو خلال عملياتها بالولايات المتحدة، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، كما وصل عدد الوفيات منذ عام 2013 إلى 13 موظفاً، حسب تقرير المجلس.
وتؤكد «أمازون» أن منشآتها آمنة، وأن زيادة الميكنة لا تعني أنها ستقلل عدد الأشخاص الذين تقوم بتوظيفهم. وتشير التقديرات التي جاءت في تقرير لمؤسسة «ماكينزي» العالمية إلى أن الاعتماد على الآلات يمكن أن يطيح نحو 800 مليون موظف على مستوى العالم، بحلول عام 2030، رغم أن التقرير أقر أيضاً بأن الميكنة يمكن أن تساعد في خلق فرص عمل.
وتصل السلع من شركة «أمازون» أو غيرها من شركات التوريدات إلى مخازن ويست ديبفورد على متن سير تحميل، وتنتقل إلى الطابق الثاني؛ حيث تعمل موظفات مثل ليزا بايلي، وهي موظفة تعبئة تبلغ من العمر 51 عاماً.
وتقف بايلي خارج قفص الروبوتات، وتفحص السلع التي تتنوع من الألعاب النارية من «أمازون» إلى أكياس الحلوى والمقرمشات. ويحمل الروبوت هذه الأغراض ليضعها على أحد الرفوف المكدسة بالصناديق المصنوعة من الورق المقوى، في الوقت الذي تضع فيه بايلي هذه الأغراض داخل الصناديق.
وتتحرك روبوتات أخرى من خلفها ويسير بعضها بقرب بعض، ولكنها لا تتصادم أبداً. وما إن تنتهي بايلي من مهمتها، حتى يدفع الروبوت الرف إلى مكانه الأصلي. وتقول بايلي، وهي تجلس داخل المخزن المكيف: «تبدو الروبوتات مثل سيارات السباق الصغيرة».
وفي الطابق الثاني بجوار بايلي، يعمل ديفيد غريكو (45 عاماً) من منطقة لافييت هيل، وهو متخصص في «الانتقاء»؛ حيث يطالع التعليمات التي تظهر أمامه على شاشة الكومبيوتر، ثم ينتقي بعض الأغراض من فوق الرف المتحرك وينحيها جانباً. ويعكف غريكو على فحص تلك الأغراض ثم يضعها في عبوات بلاستيكية صفراء على سير التحميل.
وتنتقل هذه العبوات الصفراء إلى الطابق الأرضي، حتى تصل إلى تاليرا تومسون (22 عاماً)، وهي موظفة تعبئة من منطقة سيكلرفيل؛ حيث تضع الأغراض داخل العبوات الكرتونية التي تصل في نهاية المطاف إلى عتبة باب المستهلك مباشرة.
وبعد إغلاق العبوات الكرتونية بالشريط اللاصق، تضعها تومسون على سير تحميل آخر ينقلها إلى ماكينة تلصق عليها بطاقة الشحن، قبل نقلها إلى منطقة التحميل؛ حيث تصطف شاحنات لتوصيل الطلبيات إلى جميع أنحاء الشمال الشرقي الأميركي.
وفي مدن مثل هيوستن وسولت ليك سيتي وتامبا بولاية فلوريدا، وساكرامنتو في كاليفورنيا، يؤدي الموظفون هذه الأعمال جنباً إلى جنب مع الروبوتات.
ويقول روبرتو ميلر، مدير عام مخازن «أمازون» في ويست ديبفورد، إن الروبوتات تقوم بالأعمال الرتيبة، حتى يستطيع الموظفون الانخراط في أعمال تتطلب مزيداً من التركيز. وفي حين أن الموظف البشري كان يحتاج إلى نقل الصناديق الثقيلة بنفسه في السابق، يمكن لذراع روبوتية الآن أداء هذه المهمة، فيما يعمل الموظف كمسؤول عن تشغيل الماكينات.
وتقول «أمازون» إن مخزن ويست ديبفورد هو رابع مخزن يوظف الروبوتات في ولاية نيوجيرسي الأميركية. وأطلقت الشركة عملياتها في الولاية في عام 2012، وهي توظف الآن أكثر من 17500 شخص بدوام كامل في أنحاء الولاية.
وتمارس «أمازون» نشاطها في ولاية بنسلفانيا منذ عام 2008، وتقول إنها توظف أكثر من 10 آلاف موظف بدوام كامل في مختلف أنحاء هذه الولاية أيضاً. وتؤكد الشركة أنها مستمرة في التوظيف، وأنها ستفتتح أكثر من 150 فرعاً جديداً في نيوجيرسي.
ويصل الحد الأدنى للأجور في «أمازون» إلى 15 دولاراً في الساعة للموظفين الأميركيين، كما يحصل الموظفون بدوام كامل على رعاية صحية تشمل النظر والأسنان، فضلاً عن حق امتلاك أسهم في الشركة، ورعاية اجتماعية، بالإضافة إلى برنامج يسمح للموظفين بالحصول على عطلات مدفوعة الأجر مع أزواجهم أو شركاء حياتهم.
وتستطيع هذه النوعية من الشركات التي تعمل في مجال إدارة المخازن، أن تدعم الاقتصاد المحلي عن طريق توفير فرص عمل بأجور جيدة ومزايا أخرى للعاملين لديها، ولكن مارسي غولدشتاين، المديرة التنفيذية المساعدة في المجلس الوطني للسلامة المهنية والصحة، تؤكد أن «أمازون» ليست واحدة من هذه الشركات.
وتشير غولدشتاين إلى تقرير للمجلس، الذي يروج لظروف العمل الآمنة والصحية، يتضمن أسماء الشركات التي تضع موظفيها في المخاطر. وللعام الثاني على التوالي، تصدرت «أمازون» قائمة هذه الشركات في التقرير الذي يحمل اسم «الدزينة القذرة»؛ حيث أودت الماكينات بحياة موظفين اثنين في مخازن «أمازون» في بنسلفانيا، بفارق ثلاثة أعوام بينهما، كما توفي موظف ثالث بأحد مخازن الشركة في مدينة أفينيل بنيوجيرسي.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اصطدمت ماكينة تعمل آلياً داخل مخزن شركة «أمازون» في روبنسفيل بولاية نيوجيرسي بعبوة تحتوي على سائل مضغوط، ما أدى إلى انبعاث أبخرة ذات رائحة نفاذة في الهواء، على حد وصف «أمازون» للواقعة التي أدت إلى نقل نحو 25 موظفاً إلى المستشفى.
ويقول ستيوارد أبلباوم، رئيس نقابة العاملين في مجال تجارة التجزئة والجملة والأسواق التجارية، في الولايات المتحدة: «تهدد الروبوتات الآلية بشركة (أمازون) حياة البشر بشكل يومي، وهي نموذج صارخ على أن الشركة تولي اهتماماً أكبر بالأرباح على حساب صحة عامليها وسلامتهم». وتؤكد «أمازون» التزامها بتوفير بيئة عمل آمنة، كما تقبل مقترحات من العاملين في مخازنها، وتتعهد بأنها ستجري تغييرات.
آلاف البشر والروبوتات... جنباً إلى جنب في طرقات «أمازون»
آلاف البشر والروبوتات... جنباً إلى جنب في طرقات «أمازون»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة