اتفاق سوداني يعيد الحكم للمدنيين... وحمدوك أقوى المرشحين لرئاسة الحكومة

مجلسا «الوزراء» و«السيادي» يمارسان سلطة التشريع في غياب «التشريعي»... ولجنة قانونية لصياغة الاتفاق تمهيداً لتوقيعه في غضون يومين... واحتفالات تعم مدن السودان

احتفالات شعبية في شوارع الخرطوم أمس... وفي الاطار حميدتي خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
احتفالات شعبية في شوارع الخرطوم أمس... وفي الاطار حميدتي خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
TT

اتفاق سوداني يعيد الحكم للمدنيين... وحمدوك أقوى المرشحين لرئاسة الحكومة

احتفالات شعبية في شوارع الخرطوم أمس... وفي الاطار حميدتي خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
احتفالات شعبية في شوارع الخرطوم أمس... وفي الاطار حميدتي خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)

دخل السودان، مرحلة جديدة من تاريخه، أمس، مع إعلان المجلس العسكري الانتقالي الحاكم وقوى الحرية والتغيير، التي تقود حراك الشارع، التوصل إلى اتفاق بتقاسم السلطة، تنهي رسمياً، حالة الاحتقان الممتدة لعدة أسابيع منذ عزل الرئيس السابق عمر البشير، في 11 أبريل (نيسان) الماضي، وتمهد لحكم مدني ينهي سنوات الحرب.
فبعد يومين من المفاوضات المكثفة، أكد وسيط الاتّحاد الأفريقي محمد الحسن لبات خلال مؤتمر صحافي، عقد في الساعات الأولى من صباح أمس، أنّ المجلس العسكري وتحالف «إعلان قوى الحرّية والتغيير» اتفقا على «إقامة مجلس للسيادة بالتناوب بين العسكريين والمدنيين ولمدّة 3 سنوات قد تزيد قليلاً». كما اتفقا على «تشكيل حكومة كفاءات مستقلة»، تدير المرحلة الانتقالية. وأوضح لبات أنّ الطرفين اتفقا أيضاً على إجراء «تحقيق دقيق شفّاف وطني مستقلّ لمختلف الأحداث والوقائع العنيفة المؤسفة التي عاشتها البلاد في الأسابيع الأخيرة».
وبحسب لبات، «وافقت الأطراف أيضاً على إرجاء إقامة المجلس التشريعي والبتّ النهائي في تفصيلات تشكيله، حالما يتمّ قيام المجلس السيادي والحكومة المدنيّة»، في فترة لا تزيد على 3 أشهر.
وينتظر أن يتم التوقيع على الاتفاق بشكله الرسمي بحضور زعماء دول إقليمية ودولية، بينهم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وعدد من القيادات الإقليمية وممثلين من الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج) الراعية للسلام، والأمم المتحدة، بحلول يوم الاثنين الموافق 8 يوليو (تموز) الحالي في أجواء احتفالية تم الترتيب لها.
ويتضمن المجلس السيادي من 11 عضواً مناصفة (5+5)، بالإضافة إلى شخص مدني مستقل ذي خلفية عسكرية، يتم الاتفاق عليه بين الطرفين، كما نص الاتفاق على أن يتولى المجلس العسكري فترة الرئاسة الأولى لمدة 21 شهراً بما فيها الستة أشهر الأولى التي خصصت لتحقيق السلام بالتفاوض مع الحركات المسلحة، على أن تتولى قوى الحرية والتغيير لمدة 18 شهراً من عمر الفترة الانتقالية التي ستعقبها إجراء انتخابات عامة.
وبدوره، قال نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي) عقب التوقيع أمس، إن الاتفاق «سيكون له ما بعده، وسيكون شاملاً ولا يقصي أحداً، ويستوعب الحركات المسلحة والقوى السياسية وكل طموحات الشعب السوداني وثورته الظافرة».
وشكر حميدتي جهود الوسيطين الأفريقي والإثيوبي، في تقريب وجهات النظر والروح الطيبة التي تحلت بها قوى إعلان الحرية والتغيير، وأثنى على دور الوسطاء الوطنيين وجهود سفراء الدول العربية، وأميركا وبريطانيا التي أسهمت في التوصل إلى الاتفاق.
وأوضح عضو وفد التفاوض عمر الدقير أن الاتفاق يفتح الطريق لتشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية، وتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والاهتمام بقضية السلام.
وأبدى الدقير أمله بأن يكون الاتفاق «بداية لعهد جديد تسوده الوحدة والوعي والإرادة الجماعية، ولتحقيق أحلام الشعب السوداني وإسكات صوت البندقية إلى الأبد وتحقيق المصالح الوطنية».
وفور الإعلان عن التوصل إلى اتفاق، خرجت حشود من السودانيين المبتهجين إلى شوارع الخرطوم، والمدن الأخرى، هاتفين «حكم مدني»، في حين لم يكن هناك وجود للقوات الأمنية في الشوارع. وكانت الحشود تضرب على علب معدنية وزجاجات مياه بلاستيكية أثناء مسيرتهم في الشوارع الرئيسية في العاصمة، مرددين شعارات ثورية.
وحددت قوى إعلان الحرية والتغيير، أمس، موعد تسمية رئيس الوزراء وأعضاء مجلس السيادة، مباشرة إثر توقيع الاتفاق مع المجلس العسكري الانتقالي بعد الصياغة القانونية في غضون الساعات المقبلة، وأوضحت أن صلاحيات مجلس السيادة تتمثل في إجازة واعتماد قرارات مجلس الوزراء التي سيتم تفصيلها في وثيقة الاتفاقية النهائية، وأن مجلس الوزراء والمجلس مجتمعين سيكوّنان مجلساً تشريعياً مؤقتاً لحين تسمية المجلس التشريعي خلال 3 أشهر من تاريخ توقيع الاتفاق.
وقال متحدثون باسم تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير في مؤتمر صحافي أمس، إن الأطراف اتفقوا على مواعيد أقصاها 48 ساعة، تقوم خلالها لجنة قانونية مشتركة بتكييف الصياغة القانونية وإحكامها قبل توقيعه.
وأوضح القيادي بالحرية والتغيير مدني عباس مدني للصحافيين، أن رئيس الوزراء وممثلي التحالف سيتم إعلانهم مباشرة عقب مراسم توقيع الاتفاق مع العسكري، في حفل كبير يتم ترتيبه الأسبوع الحالي. وأضاف: «نرتب لاحتفال كبير بمناسبة توقيع الاتفاق، يحضره رؤساء دول شقيقة وصديقة، وضامنين إقليميين دوليين، خلال الأسبوع الحالي».
من جهته، قال المتحدث باسم التحالف خالد عمر يوسف، إن قوى إعلان الحرية والتغيير وافقت على تكوين لجنة تحقيق وطنية مستقلة، تتولى مهام التحقيق في الجرائم التي ارتكبت أثناء فض الاعتصام وما بعدها، وتتكون من مجموعة من القانونيين السودانيين ذوي الكفاءة والنزاهة يحظون بالقبول.
وبدورها، أوضحت المتحدثة ميرفت حمد النيل، أن تكوين لجنة التحقيق، لا يلغي حق أسر الضحايا والشهداء، في التقاضي أمام القضاء. وتابعت: «قتل المحتجين السلميين جريمة حق عام تستدعي التحقيق فيها، دون إلغاء الحق الخاص لذوي الضحايا».
ووجهت قوى الحرية والتغيير نداء للحركات المسلحة للقيام بدورها في حماية الثورة، وتحقيق مطالب الشعب، ونوهت بحقها في «التشكيك» فيما تم الاتفاق عليه، وقال مدني عباس: «الاتفاق ليس الثورة، بل بداية لها وخطوة أولى لتحقيق مطالبها».
وتابع: «الضمانات التي تحمي الثورة وأهدافها، هي الشعب السوداني، ومثلما خرج لإسقاط نظام البشير، يمكن أن يخرج مرات ومرات لتصحيح مسار الثورة»، بالإضافة إلى الضمانات الإقليمية والدولية.
وأوضحت ميرفت حمد النيل، أن المجلس العسكري تعهد بتنفيذ مطالب «إعادة الثقة»، والممثلة في إعادة خدمة الإنترنت، وإتاحة الحريات العامة، وإعادة نشر القوات العسكرية خارج المناطق المدنية، خلال الأيام المقبلة، وأن الأمر يخضع لترتيبات فنية.
وأعلنت الحرية والتغيير عن مواصلة جداولها «المعهودة»، بيد أنها قررت تحويلها إلى مواكب احتفائية بما أنجزه الشعب السوداني، ودعت لجان الأحياء للعمل على توحيد الصفوف، وإحياء عمل اللجان، والاستعداد لمواجهة قوى الثورة المضادة.
وقال خالد عمر إن المرحلة الانتقالية ليست نهاية للصعاب التي يواجهها السودان، بل بداية لمواجهتها باعتبارها خطوة أولى، و«إن نقل السلطة للمدنيين لا يعني نجاح الثورة».
ونفى عمر أن تكون المرحلة الانتقالية، مرحلة للانتقام من الآخرين، بقوله: «نحن لا نحمل أي أجندة إقصائية، ونمد أيادينا لجميع السودانيين، للوصول إلى مصالحة وطنية شاملة، وإلى العبور بالبلاد».
واعترف عمر بأن الاتفاق الذي تم توقيعه أمس (الجمعة)، لم يخاطب كل القضايا، واقتصر على تحديد مستويات السلطة الانتقالية، معلناً ترتيبات لحضور توقيع الاتفاق.
ووجه عمر باسم تحالفه شكراً للوساطة الأفريقية - الإثيوبية، والدول الصديقة والشقيقة العربية والأفريقية ودول العالم، لدورها في تيسير الوصول إلى اتفاق تسليم السلطة لحكومة مدنية.
من جهته، قال القيادي بقوى الحرية والتغيير منذر أبو المعالي، إن الترشيحات لمجلس السيادة لم تحسم بعد ولا تزال قيد النقاش، ومن أهم محددات اختيار الممثلين، مراعاة «التمثيل المتوازن للأقاليم والمرأة»، وإن اللجنة المنوط بها اختيار الأسماء للإجازة لم تكتمل بعد.
وتوقع أبو المعالي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن تحدث تغييرات في الأسماء المرشحة مسبقاً، لمراعاة تمثيل المرأة والأقباط. وأضاف: «تحديد 5 ممثلين لقوى الحرية والتغيير، كما جاء في الاتفاق يحتاج إلى مزيد من المشاورات، والتوافق بين الكتل المكونة للتحالف».
وبحسب أبو المعالي، فإن أكثر المرشحين حظوظاً لتولي رئاسة الوزراء في الحكومة الانتقالية هو الخبير الاقتصادي الذي يشغل منصب القائم بأعمال الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا عبد الله حمدوك. وتابع: «بعد الاتفاق على رئاسة الوزراء، يتم ترشيح 3 أسماء أو أكثر للوزارة المحددة، ويترك اختيار أحدهم لرئيس الوزراء».
ومن ناحيته، قال القيادي في قوى الحرية والتغيير، عضو وفد التفاوض بابكر فيصل لـ«الشرق الأوسط»، إن نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان حميدتي لعب دوراً حاسماً في الوصول إلى اتفاق، وطلب من الحاضرين ما أطلق عليه «تبييض النية للاستمرار في الشراكة من أجل الوطن». وتابع: «دفعت المخاوف والمخاطر التي يمكن أن تواجه البلاد، الطرفين للتوافق والوصول إلى اتفاق».
وأكد فيصل أن جلسات التفاوض التي استمرت ليومين، كانت شفافة وصريحة، أكد خلالها الطرفان على إعادة بناء الثقة، وإنشاء شراكة حقيقية بعيدة عن المشاكسات التي يمكن أن تفشل الفترة الانتقالية.



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.