الربع الساعة الأخير في معركة خلافة السبسي

حرب ليبيا وأزمة الجزائر تعقّدان أوضاع تونس

الربع الساعة الأخير في معركة خلافة السبسي
TT

الربع الساعة الأخير في معركة خلافة السبسي

الربع الساعة الأخير في معركة خلافة السبسي

تنفّس التونسيون الصعداء وهم يتابعون صورة جديدة للرئيس الباجي قائد السبسي حياً يرزق، مبتسماً، وحوله فريق الأطباء في المستشفى العسكري. إذ تأكدوا من زيف الإشاعات التي روّجت يوم الخميس 27 يونيو (حزيران) الماضي عن وفاته، وعن دخول البلاد في مرحلة «فراغ سياسي» قبل 3 أشهر فقط من الانتخابات المقرر تنظيمها الخريف المقبل. بل وتنفسوا الصعداء أيضاً وهم يشاهدون رئيس البرلمان محمد الناصر سليماً يرأس جلسة عامة بعد إشاعات عن تدهور خطير في صحته وتسميمه؛ ما يعني «فراغاً دستورياً» باعتباره الشخصية المكلفة في الدستور بخلافة رئيس الدولة لمدة 3 أشهر في حال شغور منصبه مؤقتاً أو نهائياً.
إلا أن الإشاعات الخطيرة عن مرض رئيسي الدولة والبرلمان فجّرت في الوقت نفسه أزمة سياسية حادة داخل البرلمان وبين كبار السياسيين، وسط تبادل الاتهامات بـ«التورط في محاولة انقلابية بيضاء»، وذلك في اليوم نفسه الذي شنت فيه مجموعات إرهابية هجمات متزامنة وسط تونس العاصمة وعلى الحدود مع الجزائر، وارتفعت فيه المخاطر الأمنية بسبب الحرب غربي ليبيا. فكيف ستخرج تونس من مضاعفات ما أصبح يسمى «الخميس الأسود»؟ وهل تنجح النخب التونسية مجدداً في تجنب «سيناريو» القطيعة والصدام، وفي احتواء المخاطر الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجه تونس بعد تعقد الأوضاع في «جارتيها» الجزائر وليبيا؟... أم تدخل البلاد في أزمة شاملة جديدة بسبب انخراط عدد كبير من صناع القرار التونسيين في لعبة المحاور الإقليمية والميل إلى أحد طرفي الحرب في ليبيا؟
في تونس، وجّه مسؤولون من المعارضة وإعلاميون وساسة بارزون تهمة الإعداد لـ«انقلاب أبيض» إلى الحزبين الكبيرين في البرلمان وفي حكومة يوسف الشاهد «تحيا تونس» و«حركة النهضة». وأورد رئيس كتلة حزب «نداء تونس» سفيان طوبال والبرلماني حسن العماري في تصريحات رسمية أن النائبين عن حزب رئيس الحكومة (تحيا تونس) هاجر بالشيخ أحمد والصحبي بن فرج أعلما البرلمانيين بـ«تحركات» و«اجتماعات» جرت داخل البرلمان وخارجه، بعد نقل رئيس الدولة الباجي قائد السبسي إلى المستشفى العسكري - وما أشيع عن إعلان وشيك عن عجزه، - ورئيس البرلمان محمد الناصر، وعجزهما عن ممارسة مهامهما لأسباب صحية ولتقدمهما في السن (93 سنة بالنسبة للسبسي و85 سنة بالنسبة للناصر). واتهم بعض نواب المعارضة وساسة وخبراء قانون عبر وسائل الإعلام قياديين في «حركة النهضة» بالتورّط في «التحضير لانقلاب أبيض».
وفق هذه الرواية، فإن النائب الأول لرئيس البرلمان والنائب الأول لـ«النهضة» المحامي عبد الفتاح مورو أوشك أن يعين رئيساً جديداً للبرلمان ليتولى الرئاسة المؤقتة للدولة بعد اجتماع كان سيُعقد في قصر البرلمان لتأكيد الشغور في قصر قرطاج (الرئاسي) وفي رئاسة مجلس النواب.
غير أن مورو فنّد هذه الرواية في عدد من الحوارات والتصريحات، وقال إنه ليس معنياً بأي منصب سياسي أو حزبي في المرحلة المقبلة، كذلك فنّدها البرلماني مصطفى بن أحمد، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «تحيا تونس» في البرلمان.
وفي الاتجاه نفسه، رد قياديون بارزون في «النهضة» بينهم راشد الغنوشي رئيس الحركة، ونور الدين البحيري رئيس كتلتها البرلمانية، بقوة على الحملة الإعلامية التي استهدفتهم من قبل بعض الإعلاميين والمثقفين مثل لطفي العماري، ومايا القصوري، وآمال بالحاج. بل صعّد الغنوشي خطابه وشن هجوماً مضاداً، فاتهم في حوار تلفزيوني مطوّل «أطرافاً» لم يسمّها بمحاولة إبعاد الرئيس قائد السبسي عن المشهد السياسي وتغييبه والإساءة إلى «حركة النهضة». ورجّحت تصريحات الغنوشي فرضية «المحاولة الانقلابية البيضاء» رغم توجيهه التهمة إلى ساسة من خارج «النهضة» لم يسمّهم.
- محاولة انقلابية ثانية؟
بعدها زاد الأمر تعقيداً امتناع محمد الناصر، رئيس البرلمان، عن نفي تهمة «محاولة الانقلاب» عن نائبه الأول عبد الفتاح مورو والمقربين منه، رداً على سؤال علني وجهه إليه البرلمانيون خلال الجلسة العامة، بينهم النائب عن حزب رئيس الحكومة الحقوقي القومي الصحبي بن فرج. وقد اتهم بن فرج وآخرون رئيس البرلمان بعد هذا الامتناع بـ«فضح بعض الحقائق»، وبينها ما له صلة بتغيب الناصر عن مكتبه وعن بعض جلسات البرلمان في المدة الماضية.
وانطلق قياديون من «حركة النهضة» ومن الساسة الموالين لرئيس الحكومة، وأيضاً شخصيات معتدلة، في توجيه اتهامات لرئيس البرلمان والتشكيك في مصداقيته ونزاهته. وفي المقابل، انخرط جامعيون وخبراء دستوريون كبار في المعركة حول «الانقلاب الأبيض الافتراضي» وفي «حرب الاستنزاف» بين الطرفين، بينهم رئيس منظمة «دستورنا» جوهر بن مبارك وخبير القانون الدولي سليم اللغماني والمقرّر العام للدستور البرلماني الحبيب خضر.
- مَن يخلف الرئيس؟
من ناحية ثانية، استغلّت بعض المواقع الاجتماعية القريبة من «حركة النهضة» وبعض الأطراف السياسية الراديكالية «الأزمة الصحية الحادة» التي أصيب بها الرئيس قائد السبسي لتوجيه رسائل مشفّرة إلى أطراف سياسية عدة واتهامها بمحاولة الانقلاب على الدستور، بما في ذلك الأطراف الموالية لرئيس الحكومة يوسف الشاهد. ولقد تدخّل الحبيب خضر، المقرّر العام للدستور والقيادي في «حركة النهضة»، وعدد من أنصاره، في وسائل الإعلام يوم «الخميس الأسود» وبعده للتعبير عن موقف معارض لنقل سلطات رئيس الدولة إلى رئيس الحكومة مؤقتاً، وفق الفصل 83 من الدستور. وأكّدوا على أنه يجب تطبيق «الفصل 84» الذي ينصّ على تكليف رئيس البرلمان بخلافة رئيس الدولة إذا ما أُعلِن شغورٌ مؤقت أو دائم. وتجدر الإشارة، إلى أن الفصل 83 من الدستور يسمح بأن يكون الخليفة المؤقت لرئيس الدولة رئيس الحكومة، لا رئيس البرلمان، إذا ما حصل على تكليف من رئيس الجمهورية. وفي هذه الأثناء، لزم يوسف الشاهد الصمت إزاء هذه الزوبعة، فلم ينخرط في الجدل، بل تابع أنشطته شمالي البلاد وجنوبها، وزار الرئيس المريض في المستشفى العسكري وأبدل صورته في صفحته الاجتماعية بصورة تجمعه بقائد السبسي الذي دخل معه في خلاف علني منذ أكثر من سنة.
- المعلن والمسكوت عنه
على صعيد آخر، تخفي الأزمة الجديدة بين كبار ساسة تونس، قبل 3 أشهر عن موعد الانتخابات العامة، جوانب أعمق من الخلافات في مناخ غير مسبوق من التوتر في ليبيا والجزائر، ومن انخراط ساسة تونسيين في لعبة المحاور العربية والإسلامية والدولية.
ويبدو الاصطفاف واضحاً وسط الأطراف السياسية التونسية بين قطب مناصر لهجوم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر على طرابلس وحكومة عبد الله الثني شرقاً، وآخر معارض له ومناصر لـ«حكومة الوفاق» بقيادة فايز السراج ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري ورفاقه المحسوبين على تيار الإسلام السياسي. ولقد تطور الخلاف حول المواقف من حرب ليبيا ومحوري «الجيش» – «الوفاق» منذ مدة إلى موضع رئيسي في الحملة الانتخابية السابقة لأوانها. فمناصرو «الجيش» وداعمو هجومه على طرابلس يتهمون خصومهم في الحكومة وحزبي «النهضة» و«تحيا تونس» و«نداء تونس» بـ«دعم الإرهاب» و«الميليشيات المسلحة» في ليبيا والمنطقة. وفي المقابل، يتهم الطرف المقابل معارضيه بدعم «سيناريو الانقلاب العسكري» و«التآمر على البلاد» من خلال تأييد «الجيش» على ما يعتبرونه «السلطات المدنية الشرعية» المعترف بها من قبل مجلس الأمن الدولي.
- حرب ليبيا ومستجدّات الجزائر
وبجانب إجماع الأوساط الحكومية والشعبية في تونس على المضاعفات السلبية للحرب الدائرة في ليبيا منذ 8 سنوات، ثمة من يشير أيضاً إلى التعقيدات السياسية والأمنية في الجزائر، وتأثيرها كذلك على الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية في تونس. إذ كشفت تصريحات وزير الداخلية التونسية هشام الفراتي، وأيضاً الناطق الرسمي باسم المحاكم التونسية القاضي سفيان السليطي، عن أن الجماعات الإرهابية التي تحركت في تونس خلال الفترة الماضية تابعة لتنظيمات إرهابية لديها علاقات بجماعات إرهابية في ليبيا والجزائر والدول المغاربية ودول الساحل والصحراء الأفريقية كـ«جماعة عقبة بن نافع» و«داعش» و«القاعدة في المغرب الإسلامي».
ويعتبر الجنرال محمد المؤدب، المدير العام السابق للأمن العسكري وللقمارق (الجمارك) في تونس، أن «العصابات المورّطة بالإرهاب في تونس مرتبطة مع عصابات التهريب العابرة للحدود والقارات. وهي تستفيد من ضعف الدولة المركزية ومن الحرب في ليبيا والتوترات السياسية والعسكرية والأمنية والسياسية في بقية دول المنطقة». ويوافق المؤدب على هذا الراي الجنرال مختار بن نصر، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في رئاسة الحكومة التونسية.
- مليونا ليبي وجزائري
رغم تعتيم السلطات الأمنية والقضائية حول تفاصيل الهجمات الإرهابية التي استهدفت يوم «الخميس الأسود» محطة إرسال إذاعي وتلفزيوني على الحدود الجنوبية التونسية - الجزائرية، في محافظة قفصة جنوباً، وهدفين استراتيجيين في قلب العاصمة تونس، فإن معظم التقارير الصادرة عن مؤسسات الوقاية من الإرهاب تؤكد أن جُلّ الأسلحة المستخدمة في العمليات الإرهابية في تونس دخلت عبر ليبيا أو الجزائر عبر المهرّبين. وبالتالي، يخشى الساسة التونسيون أن يتسبب التصعيد العسكري والأمني في المنطقة الغربية لليبيا، حيث يقيم ثلاثة أرباع الشعب الليبي، في تدهور الوضع الأمني، وبالتالي، فرار المزيد من الليبيين نحو تونس، وقد يكون بين هؤلاء إرهابيون ومهربو أسلحة ومخدرات ومهاجرون غير قانونيين.
هذا، ويتراوح عدد الليبيين النازحين بصفة دائمة نحو تونس منذ 8 سنوات، حسب الرئيس التونسي قائد السبسي بين مليونين ونصف مليون نسمة. وتخشى مصادر تونسية ليبية وجزائرية أن يتضاعف عددهم إذا استمرت حرب «الجيش» و«الوفاق»، لكون تونس الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا تفرض تأشيرات دخول على المسافرين الليبيين. كذلك، يخشى بعض الخبراء في الدراسات الأمنية والاستراتيجية من أن تبرز مجدداً ظاهرة النازحين الجزائريين، إذا طالت الأزمة الداخلية في الجزائر. وكانت تونس طوال عقد التسعينات من القرن الماضي تستضيف نحو نصف مليون نازح جزائري، غالبيتهم من الفارين من الحرب الأهلية والصراعات الدامية بين التنظيمات المسلحة والسلطات.
- الخطر الداهم
وعلى الصعيد الاقتصادي، تؤكد المنظمات المشتركة لرجال الأعمال التونسيين والليبيين والتونسيين والجزائريين، مثل مجلس الأعمال التونسي الليبي برئاسة عبد الحفيظ السكروفي، أن تونس خسرت سنوياً نحو 5 مليارات دولار أميركي من المبادلات التجارية والاستثمارية مع ليبيا منذ اندلاع الحرب ضد نظام معمر القذافي. وتوشك أن تخسر مليارات من ديونها لدى الحكومات الليبية المتعاقبة، بينها ديون ضخمة لفائدة مؤسسات تونسية صناعية وسياحية وطبية أفلست بسبب عجز الجانب الليبي عن تسديد تلك الديون.
وفي سياق توجيه رسائل رمزية إلى أبناء الجنوب التونسي، الذين تضرّرت مصالحهم كثيراً من حرب ليبيا، كثف رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزيرا الداخلية هشام الفراتي والدفاع عبد الكريم الزبيدي خلال الفترة الماضية زيارات العمل إلى الشريط الحدودي التونسي - الليبي الذي يمتد 500 كلم. ودشنوا بالمناسبة مشاريع اقتصادية يُراد لها أن تفتح الآفاق لشعبي البلدين وتشجيع السياحة والاستثمار في البلدين بعد سنوات من الانهيار الاقتصادي في ليبيا تسبب في فقدان نحو ربع مليون تونسي موارد رزقهم. ويرى كثيرون من المراقبين في تونس وخارجها أن التحديات الأمنية والاقتصادية الجديدة التي تسببت فيها حرب ليبيا وتعقيدات أوضاع الجزائر، منذ أشهر، يمكن تصنيفها بـ«الخطر الداهم» الذي نص عليه الدستور التونسي وسمح من خلاله لرئيس الدولة تأجيل الانتخابات.
ولكن يبدو أن تحرّكات الكواليس في ربع الساعة الأخير أسفرت عن توافقات جديدة بين كبار صنّاع القرار السياسي. إذ وقّع الرئيس التونسي في الأجل القانوني الأمر الرئاسي الذي يدعو الناخبين إلى المشاركة في الاقتراع العام المقرر ليوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وبهذا التوقيع تكون الطبقة السياسية قد تجنّبت «كابوس» الفراغ الدستوري والسياسي. مع هذا، فإن ربع الساعة الأخير من عهد الرئيس الباجي قائد السبسي قد يشهد أشكالاً جديدة من الصراع على السلطة تؤثر في المشهد السياسي والانتخابي العام.
في المقابل، نجاح «التوافق بين الأطراف السياسية» مجدداً، وقبول حسم الخلافات عبر الانتخابات، من شأنه فتح الباب مجدداً أمام الترويج «للاستثناء الديمقراطي التونسي» في ليبيا والجزائر وبقية دول المنطقة واستبعاد اللجوء إلى الخيار العسكري. ولكن إنجاز الانتقال السياسي السلمي في تونس سيبقى، في مختلف الأحوال، رهين وقف القتال في ليبيا وتجميع ملايين قطع السلاح الثقيلة من أيدي مختلف الميليشيات وقيام سلطة مركزية قوية مدنية فيها.
- السفير الأميركي وزوجته جالا في شوارع العاصمة
> رغم تركيز وسائل الإعلام التونسية والعالمية على العمليات الإرهابية التي استهدفت صباح الخميس 27 يونيو (حزيران) الشارع الرئيس في تونس العاصمة ومقر مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الداخلية، نزل السفير الأميركي دونالد بلوم وزوجته مترجلين إلى الشارع ذاته، وتناولا قهوة في مقهى شعبي لتوجيه رسالة تطمين للتونسيين والمراقبين الأجانب المتخوفين على مستقبل البلاد وأمنها. أيضاً، قام وزير السياحة التونسي روني (رينيه) الطرابلسي - وهو يهودي الديانة - بمبادرة مماثلة، وأدلى بتصريحات عدة لوسائل الإعلام الأوروبية والعالمية بعد العمليتين الإرهابيتين. ثم أعلن أن الحجوزات للموسم السياحي الصيفي لم تشهد أي عملية إلغاء.
- مسلسل من «الانقلابات البيضاء» في تونس
> عرفت تونس سابقاً سلسلة من «الانقلابات البيضاء» ومحاولات الانقلابات. ولعل هذه الانقلابات «الانقلاب الأبيض» في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1987 الذي قاده زين العابدين بن علي، رئيس الحكومة ووزير الداخلية يومذاك، ضد الرئيس الحبيب بورقيبة (84 سنة)، اعتماداً على شهادة طبية وقّعها فريق من كبار الأطباء المدنيين والعسكريين. في ذلك اليوم جمع بن علي، في مقر وزارة الداخلية فجراً، معظم قيادات الجيش والأمن الوطني وكبار المسؤولين في الحكومة والبرلمان، وأعلمهم بـ«الشهادة الطبية» وبقراره تسلم الحكم «مؤقتاً». وهذا ما حدث فعلاً. وكان الدستور التونسي في حينه ينص على تسليم السلطة إلى رئيس الحكومة مؤقتاً في حال شغور منصب رئيس الدولة.
ووقع «الانقلاب الأبيض» الشهير الثاني يوم 14 يناير (كانون الثاني) 2011 ضد بن علي، وقاده عدد من مساعديه بينهم رئيس الحكومة محمد الغنوشي ورئيس أركان الجيش الجنرال رشيد عمار ومدير عام الأمن الرئاسي علي السرياطي. وبعد الضغط على بن علي وعائلته كي يغادروا تونس بحجة أداء العمرة تعاقبت الانقلابات البيضاء، فأبعد محمد الغنوشي عن رئاسة الجمهورية بعد يوم واحد وعوِّض برئيس البرلمان فؤاد المبزّع. ثم أعد من رئاسة الحكومة بعد أقل من شهرين وعوِّض بالباجي قائد السبسي.
أما على صعيد المحاولات الانقلابية، فلقد اتهم الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي وبعض شركائه في «حكومة الترويكا» في صيف 2013 بعض كبار الضباط ومعارضيهم بمحاولة الانقلاب على الحكومة والبرلمان المنتخبين في أكتوبر 2011. وطوال عهد بورقيبة تعاقبت المحاولات الانقلابية الفاشلة بمشاركة عسكريين وضباط في الأمن أو من دونهم. وكانت أولى تلك المحاولات عام 1962 بزعامة مدير أمن الرئيس بورقيبة واستهدفت قتل الرئيس في قصره، لكن بو رقيبة تفطّن إليها في آخر لحظة وقمعها بقوة.
بعدها، حاولت قيادات سياسية وعسكرية تابعة لـ«حركة النهضة» عام 1987 ثم عام 1992 تنظيم انقلابين على النظام، لكنها فشلت وتعرّضت بسببها إلى حملة قمع واسعة في عهد بن علي. وخلال العامين الماضين وجه ساسة كبار تهمة ترتيب محاولات «انقلابية بيضاء» إلى عدد من كبار المسؤولين في الدولة بينهم وزير الداخلية السابق لطفي ابراهم. كذلك، اتهم الزعيم السابق للحزب الوطني الحر رئيس الحكومة يوسف الشاهد بتنظيم محاولة انقلابية العام الماضي ضد رئيس الجمهورية. لكن الشاهد وأنصاره فنّدوا التهمة، وفرّ سليم الرياحي إلى خارج البلاد، ثم انسحب من المشهد السياسي.


مقالات ذات صلة

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

حصاد الأسبوع الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين…

الشيخ محمد (نواكشوط)
حصاد الأسبوع ميرتس

فريدريش ميرتس... محافظ وواقعي يقود سفينة الديمقراطيين المسيحيين الألمان في حقبة صعبة

انتظر فريدريش ميرتس 23 سنة قبل تحقيق طموحه بأن يصبح المستشار الألماني؛ إذ كان زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي قاد حزبه إلى الفوز بالانتخابات

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع شولتز (رويترز)

ألمانيا: حسابات الداخل والخارج تدفع نحو تسريع التفاهم على الائتلاف الحاكم الجديد

تنتظر ألمانيا أسابيع، أو حتى أشهراً، من المفاوضات بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (المحافظ) بزعامة فريدريش ميرتس الذي فاز بالانتخابات الأخيرة،

«الشرق الأوسط» ( برلين)
حصاد الأسبوع زامير

إيال زامير... رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد عسكري من خارج معارك السياسة

لم يعرف الجيش الإسرائيلي في تاريخه وضعاً أصعب من الوضع الذي يعيشه اليوم، لدى استعداده لاستقبال رئيس أركانه الجديد، إيال زامير. صعب، ليس لأنه يعاني من نقص في الذخيرة والعتاد، ولا لأنه ثبت فشله في تحقيق أي من أهداف الحرب على غزة، بل إن المشكلة الراهنة والاستثنائية هي أنه يفقد مزيداً من ثقة الناس، ويتعرّض في الوقت ذاته إلى حملة تحريض شعواء من الحكومة ورئيسها ووزرائها وجيش «النشطاء» في الشبكات الاجتماعية التابع لحزب «الليكود» الحاكم. هذه المشكلة تُدخل الجنرالات في أجواء توتر دائم وتهزّ ثقتهم بأنفسهم؛ ولذا فبعضهم يحاول إرضاء الحكومة بالنفاق، والبعض الآخر يحاول إرضاءها بتشديد القبضة ضد الفلسطينيين، وثمة فئة ثالثة أفرادها يرفضون فيستقيلون، وآخرون يرفضون ويبقون «دفاعاً عن أهم ركن من أركان الدولة العبرية» معتبرين أن الجيش يعيش موجة عابرة سيستطيع تجاوزها. ومع كل هذا، الجميع يشعرون أنهم في قلب معركة أقسى عليهم من الحرب على ست جبهات، ولا أحد سيخرج منها بلا جروح.

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع تعزيز سلاحي الدبابات والمدرعات في مقدم المطالبات الإسرائيلية لتطوير قدرات الجيش (آ ف ب)

رسالة مفتوحة إلى زامير من أكاديمي استيطاني يميني

إحدى الإشارات التي تدل على ما هو مطلوب من رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد إيال زامير، وردت على شكل رسالة مفتوحة وجّهها إليه الدكتور عومر أريخا؛ وهو ناشط يميني.


اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
TT

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين اتهمها بتمويل جماعات إرهابية من بينها «بوكو حرام»، التنظيم الإرهابي الذي يخوض حرباً داميةً ضد نيجيريا منذ 2009، قتل فيها عشرات آلاف النيجيريين. في نيجيريا لا صوتَ يعلو اليوم على مطالب التحقيق في مزاعم وصول أموال الوكالة الأميركية إلى «بوكو حرام»، ومحاسبة المتورطين في القضية جميعاً؛ لأن النقاش الذي يدور في الصحافة المحلية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أخذ أبعاداً خطيرة بعد اتهام شخصيات في الوسط السياسي والمجتمع المدني بأنها متورطة في إيصال أموال الوكالة إلى التنظيم الإرهابي. واتسعت دائرة الجدل ليطرح أسئلة حول خطورة أموال المساعدات الخارجية على الأمن القومي للدول المستفيدة منها، خصوصاً إثر الكلام عن دور سياسي لعبته تمويلات «الوكالة» في خسارة الرئيس النيجيري الأسبق غودلاك جوناثان رئاسيات 2015.

منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وقَّع الرئيس العائد عدداً من القرارات أو «الأوامر التنفيذية»، التي كان في مقدمها قرار بتعليق جميع المساعدات الخارجية الأميركية باستثناء تلك المخصَّصة لمصر وإسرائيل. وكانت الذريعة، انتظار التدقيق في نشاطات «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» التي ظلت لأكثر من 7 عقود تمثّل وجه الدبلوماسية الناعمة للولايات المتحدة.

ترمب يريد اليوم طيّ حقبة هذه الوكالة، وأسند مهمة تفكيكها إلى الملياردير إيلون ماسك، وزير «كفاءة العمل الحكومي» في فريقه الخاص. ولم يتأخر الأخير في وضع يده على جميع وثائق الوكالة، التي وصفها بأنها «عشٌ للأفكار اليسارية المتطرفة التي تكره أميركا».

هذا النقاشُ ظل أميركياً خالصاً، حتى جاءت تصريحات سكوت بيري، عضو الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا، لتخرج به نحو دوائر أبعد. إذ قال الرجل إن 697 مليون دولار أميركي من التمويلات السنوية لـ«الوكالة» تنتهي بحوزة تنظيمات إرهابية، من بينها جماعة «بوكو حرام»، وجماعة «طالبان»، وتنظيم «القاعدة».

تصريحات بيري جاءت خلال جلسة استماع للجنة الفرعية لمراقبة كفاءة الحكومة، تحت عنوان «الحرب على الهدر: القضاء على ظاهرة المدفوعات غير المشروعة والاحتيال». وقال بيري أمام اللجنة: «أموالكم تذهب لتمويل الإرهاب، عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية... يجب أن يتوقف هذا فوراً».

وأضاف بيري في حديثه أمام لجنة الاستماع أن الوكالة خصَّصت 136 مليون دولار لبناء 120 مدرسة في باكستان، إلا أنه لم يُعثر على أي دليل يثبتُ تنفيذ هذه المشاريع، معتبراً أن ذلك يثير الشكوك حول مصير هذه الأموال.

علم "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (آ ف ب)

مطالب التحقيق

تصريحات عضو الكونغرس أثارت بطبيعة الحال جدلاً واسعاً في نيجيريا، وحظيت بحيّز واسع من التداول في الصحافة المحلية. وخلال برنامج تلفزيوني على قناة محلية لنقاش تصريحات سكوت بيري، قال علي ندومة، عضو مجلس الشيوخ في نيجيريا عن ولاية بورنو، إن على نيجيريا فتح «تحقيق شامل حول الادعاءات التي تفيد بأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تموّل (بوكو حرام)».

وأردف السياسي النيجيري الذي ينحدرُ من بورنو، أكثر ولايات نيجيريا تضرراً من هجمات «بوكو حرام» الإرهابية: «لا يمكنكم القول إنها مجرد مزاعم، الأمر يتجاوز ذلك. ولهذا السبب يتوجَّب على الحكومة النيجيرية، والبرلمان الوطني على وجه الخصوص، التحقيق في هذه الادعاءات والتحقّق من صحتها، لأنها خطيرة للغاية».

ثم تابع ندومة: «هذا التطوّر مقلق للغاية، خصوصاً أن إحدى الجماعات الإرهابية التي ذكرها سكوت بيري هي (بوكو حرام)، التي لم تدمّر شمال شرقي نيجيريا فحسب، بل امتد تأثيرها أيضاً إلى مناطق أخرى من البلاد. تتذكرون أن (بوكو حرام) فجَّرت مقر الشرطة، ومكتب الأمم المتحدة في أبوجا، وكانت الخسائر البشرية هائلة. لذا، يجب أن تكون الحكومة النيجيرية مهتمةً بهذا الأمر».

ومن ثم، أعرب ندومة عن قلقه الكبير حيال هذه المزاعم، لافتاً إلى أن «أجهزة الأمن النيجيرية سبق أن أثارت هذه القضية بشكل غير مباشر مرات عدة»، في إشارة إلى تصريحات أدلى بها قائد أركان الجيش النيجيري أخيراً ذكرت أن «دولاً ومنظمات أجنبية» متورطة في تمويل «بوكو حرام». وخلص عضو مجلس الشيوخ النيجيري إلى التأكيد على ضرورة التحقيق في هذه المزاعم، وأن الجميع «كان يتساءل منذ سنوات طويلة عن مصدر تمويل هؤلاء الأشخاص».

قرويون نيجيرون إثر تعرّض قريتهم لإحدى هجمات "بوكو حرام" (آ ب)

المسلمون... و«بوكو حرام»

في الواقع، لأكثر من 15 سنة، دأبت جماعة «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا، وكان السؤال الذي يُطرَحُ بإلحاح من قِبَل الجميع هو: مَن يقف خلف هذا التنظيم الإرهابي؟ ومَن يوفر له التمويل والسلاح... ويمكِّنه من تجنيد آلاف الشباب المحبطين وفاقدي الأمل؟.

طيلة تلك الفترة، كانت أصابع الاتهام توجَّه إلى زمر من المسلمين الذين يشكلون غالبية سكان شمال نيجيريا، حيث تنشط الجماعة الإرهابية. ولكن مع إثارة الجدل حول مزاعم تمويل «بوكو حرام» عبر «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» أصدرَ «مركز الشؤون العامة للمسلمين» في نيجيريا بياناً يستحضر فيه اتهامات سابقة للمسلمين بتمويل الجماعة.

ولقد طلب «المركز» من البرلمان النيجيري التحقيق في تلك المزاعم، وأعرب رئيسه ديسو كامور، عن «قلقه العميق إزاء هذه الادعاءات»، قبل أن يستحضر «حملة التدقيق والاتهامات الظالمة التي واجهها المسلمون النيجيريون، ومنها التعاطف مع (بوكو حرام)».

وقال كامور: «إذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فإنها ستكشف نفاق أولئك الذين ألقوا باللوم على المجتمعات المسلمة المحلية، بينما كانت جهات خارجية تدعم الإرهابيين». وطالب، بالتالي، السلطات النيجيرية بالتحقيق في المزاعم لأن «النيجيريين يستحقون الشفافية والمساءلة بشأن أي تورّط أجنبي في تمويل الإرهاب على أراضينا».

شكوك كبيرة

من جانبه، ذهب آدامو غاربا، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في نيجيريا، والقيادي في حزب «المؤتمر التقدمي الشامل»، إلى أن «شكوكاً كبيرة» تحوم حول تمويلات الوكالة في نيجيريا، وأعلن تصديقه للادعاءات بأن بعض التمويلات قد تكون بالفعل أسهمت في تسليح «بوكو حرام» و«داعش في غرب أفريقيا».

وادعى غاربا، في مقطع فيديو نشره عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، أن «الوكالة» أنفقت مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا العام الماضي، وتساءل عن طريقة صرف هذا المبلغ الكبير.

ثم أضاف: «ذكرتُ سابقاً أن (بوكو حرام) و(داعش)، ومختلف التنظيمات الإرهابية في المنطقة، تتلقى أسلحتها عبر جهات أجنبية سرّية تموّلها وتزوّدها بالسلاح. وبعد الكشف عن دور (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، يكفي أن نعرف أنه في العام الماضي وحده، أنفقت الوكالة مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا، فأين ذهب هذا المال؟ هل تعلم ماذا يعني 824 مليون دولار؟ عند تحويله إلى النيرة (العملة النيجيرية)، يساوي 1.3 تريليون نيرة».

واستطرد قائلاً: «هذا يعني أن كل ولاية يمكن أن تحصل على 36 مليار نيرة، ومع ذلك، يزعمون أنهم أنفقوا هذه الأموال على الحدّ من وفيات الأطفال والتعليم، لكن ماذا رأينا؟ لا شيء. متى دخل هذا المال؟ وأين ذهب؟ هذه الأموال تذهب لتمويل (بوكو حرام)، والخاطفين الذين يستخدمونها للقتل وتدمير بلادنا، هذه هي الحقيقة».

قضية باينانس

في سياق موازٍ، بينما يحتدم النقاش في نيجيريا حول اتهام «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» بتمويل أنشطة «بوكو حرام»، اتهم فيمي فاني-كايودي، وزير الطيران السابق في نيجيريا، أخيراً، مسؤولاً تنفيذياً في شركة باينانس، أكبر منصة عالمية لتداول العملات الرقمية، بالتورط في إيصال التمويلات إلى الجماعة الإرهابية.

وزعم الوزير السابق إن تيغران غامباريان، المسؤول التنفيذي في شركة «باينانس» كان «أداة» استخدمتها الوكالة لتمويل الجماعة، قبل أن يصف غامباريان بأنه كان «عامل تمكين للإرهاب وأسهم في تخريب اقتصاد نيجيريا».

وللعلم، اعتُقل غامباريان في نيجيريا العام الماضي بعد اتهام السلطات النيجيرية شركة «باينانس» بالتهرب الضريبي، والتورّط في عمليات غسل أموال، بالإضافة إلى المساهمة في إضعاف العملة المحلية «النيرة». إلا أنه أُفرِج عن الرجل؛ بسبب تدهور وضعه الصحي، بينما تشير بعض المصادر إلى أن السلطات النيجيرية تعرَّضت لضغط دبلوماسي أميركي كبير.

وفي آخر تطور للقضية، رفعت نيجيريا دعوى قضائية في الأسبوع قبل الماضي ضد منصة «باينانس»، تطالبها بدفع 79.5 مليار دولار، تعويضاً عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن عملياتها في البلاد، بالإضافة إلى مليارَي دولار ضرائب متأخرة عن العامين الماضيين.

تمويل دون قصد!

في أي حال، لا يخلو النقاش الدائر في نيجيريا حول العلاقة بين «الوكالة» و«بوكو حرام» من حسابات سياسية ضيقة. ومن الأصوات التي بدت أكثر رصانةً، السفير والخبير الأمني نورين أبايومي موموني، عضو «حزب المؤتمر التقدمي» الحاكم، الذي نشر مقالاً تطرَّق فيه إلى طريقة عمل المنظمات الدولية، مشيراً إلى أنها تحتاج إلى المراجعة، لأنها قد تُموِّل أنشطة إرهابية «دون قصد».

وتابع: «أنا قلق للغاية بشأن الاتهامات الأخيرة» التي تفيد بأن الوكالة قد تكون دعمت الإرهاب دون قصد في نيجيريا ومناطق أخرى من العالم... «هذه الادعاءات تثير تساؤلات جوهرية ليس فقط حول نزاهة المساعدات الإنسانية، ولكن أيضاً حول تداعياتها الأوسع على الأمن العالمي، والعلاقات الدبلوماسية».

وأضاف أبايومي موموني أن «على الوكالات الدولية العاملة تقديم الدعم الإنساني من دون الإضرار بأمن المجتمعات المستضيفة». ورأى أن الاتهامات الأخيرة تؤكد «الحاجة الملحة إلى تعزيز الرقابة والمساءلة في برامج المساعدات الدولية. ومن الضروري أن تعزز وكالات مثل الوكالة الأميركية آليات المتابعة والتقييم والتدقيق؛ لضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها ولا يتم تحويلها لدعم التطرف العنيف».

وأوضح أنه «إذا ثبتت صحة هذه الادعاءات، فقد تؤدي إلى زيادة التدقيق في سياسات المساعدات الخارجية الأميركية، ما يستدعي عملية إصلاح جذرية... لأن اتباع نهج شفاف في تمويل المساعدات والالتزام بالمعايير الأخلاقية في تقديم الدعم الإنساني أمران أساسيان. وبالتالي، على الحكومة الأميركية أن تعزز التزامها بمنع تمويل الإرهاب، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان أن تكون المساعدات وسيلةً لتحقيق السلام والاستقرار، لا العنف».

المال السياسي

غير أن الاتهامات الموجَّهة إلى «الوكالة» لم تقتصر على تمويل الإرهاب في نيجيريا، بل وصلت إلى أن بعض تمويلاتها أسهمت في التأثير على الانتخابات الرئاسية في البلد الذي يملك الاقتصاد الأكبر في غرب أفريقيا، والذي يبلغ تعداد سكانه نحو ربع مليار نسمة.

إذ كتبت الصحافة المحلية، ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن «علاقة» ربطت «الوكالة» مع قيادة حملة «أعيدوا فتياتنا» التي أطلقها ناشطون في المجتمع المدني عام 2014 إثر اختطاف «بوكو حرام» مئات الفتيات من بلدة شيبوك في قضية هزَّت الرأي العام العالمي آنذاك. ولقد ادعى ناشطون سياسيون أن الحملة كانت مدعومة سراً من «الوكالة» بهدف الإطاحة بالرئيس النيجيري آنذاك، غودلاك جوناثان، بعد حملة واسعة لتشويه سمعته، ربطه بالفشل، وحمَّلته مسؤولية اختطاف الفتيات والعجز عن تحريرهن، ما فتح الباب واسعاً أمام فوز محمدو بخاري بانتخابات 2015 الرئاسية.

كذلك تعرَّضت الناشطة النيجيرية عائشة يسوفو، التي كانت من أبرز وجوه الحملة، لهجوم حاد على منصة «إكس»، حين طالبها البعض بتقديم تفسير أو اعتذار، لكن الناشطة النيجيرية في ردِّها على هذه الاتهامات، نفت أي علاقة لها أو للحملة بـ«الوكالة» أو أي منظمة دولية أخرى. وقالت في تغريدة مقتضبة: «أنا أعمل مع نيجيريين ملتزمين ببناء أمة عظيمة، بعيداً عن نظريات المؤامرة والتشكيك». لأكثر من 15 سنة دأب تنظيم «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا... وكان السؤال المطروح بإلحاح:

مَن يقف خلفه؟