أربعة تطورات شهدتها الأيام القليلة الماضية، ثبّتت قضية اللاجئين واحدةً من المسائل المحورية التي تدور حولها السياسات الدولية والمحلية، والتي باتت أساليب علاجها التقليدية غير ناجعة، خصوصاً مع تصاعد موجة العداء للاجئين في ظل حكومات اليمين المتطرف في أوروبا وغيرها.
التطور الأول والأكثر دموية كان الغارة الجوية التي تعرض لها مركز إيواء اللاجئين في تاجوراء الليبية وأسفر عن مصرع 46 لاجئاً وإصابة العشرات بجروح، ما استدعى تنديداً دولياً واتهامات متبادلة بين أطراف الصراع الليبي بالمسؤولية عن الحادث الذي عدّ المبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة أنه يرقى إلى مستوى «جريمة حرب».
التطور الثاني كان عودة السجال الصاخب في الولايات المتحدة حول مراكز تجميع اللاجئين الأميركيين الجنوبيين الآتين عبر المكسيك بعد تقرير لوزارة الداخلية الأميركية أشار إلى الظروف المروعة التي يعيش اللاجئون في ظلها؛ حيث يسود الاكتظاظ، وتتدنى مستويات النظافة والتغذية، وتطول فترات احتجاز الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 7 سنوات إلى ما يزيد على أسبوعين؛ في خرق للقانون الأميركي الذي يفرض تسوية أوضاع الأطفال في غضون 72 ساعة. وجد الرئيس دونالد ترمب الحل على طريقته: «قولوا لهم أن يبقوا في بلدانهم، إذا لم تعجبهم مراكز الإيواء عندنا؛ بكل بساطة».
أما الثالث فهو المسألة التي أثارتها قائدة السفينة «سي ووتش» الألمانية كارولا راكيتيه بعد خرقها أوامر القوات المسلحة الإيطالية بعدم الدخول إلى مرفأ لامبيدوزا بسفينتها التي كانت تحمل أكثر من 40 لاجئاً أفريقياً أمضوا في البحر نحو الأسبوعين إلى أن أنقذتهم «سي ووتش». أفرج القضاء الإيطالي عن راكيتيه بعدما برأها من تهمة تعريض سلامة 4 من عناصر الشرطة الإيطالية للخطر، مما حمل وزير الداخلية ماتيو سالفيني، الذي ينتمي إلى حزب الرابطة اليميني المتطرف، على التعبير عن «اشمئزازه» من الحكم، وعلى التوعد بتصعيد حملات ملاحقة اللاجئين وطردهم.
والتطور الرابع هو تكثيف السلطات اللبنانية عمليات الترحيل القسري للاجئين السوريين وإعادتهم إلى بلادهم وسط تحذيرات المنظمات المحلية والدولية المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان من أن هذا الإجراء لا يعني غير إنزال حكم الإعدام على العائدين، بسبب السجل الرهيب من الانتهاكات والإعدامات خارج القانون الذي يحمله النظام السوري في الوقت الذي لم تحقق فيه جهود التوصل إلى حل سياسي للحرب الدائرة هناك أي تقدم يذكر.
الطبيعة متعددة الأوجه والفاعلين لأزمة اللاجئين، تفرض تناولاً غير تقليدي لها بصفتها واحدة من القضايا التي أنتجها عالم اليوم الذي تتداخل عوامل التأثير والتأثر فيه تداخلاً شديداً. وسائل الإعلام الغربية، على سبيل المثال، تقدم القضية بصفتها شأناً أوروبياً أو أميركياً داخلياً. فحالة القبطان كارولا راكيتيه تحولت إلى مشكلة دبلوماسية بين ألمانيا التي تعمل انطلاقاً منها المؤسسة الخيرية التي تملك سفينة «سي ووتش»، وبين إيطاليا التي تسعى حكومتها إلى منع وصول اللاجئين إليها بأي شكل من الأشكال ولو من خلال خرق قرارات الاتحاد الأوروبي. إضافة إلى مشكلة ثانية بين إيطاليا وفرنسا التي تكرر استنكارها ممارسات السلطات الإيطالية بحق اللاجئين.
يخفي هذا التناول أبعاداً عدة للأوضاع السائدة في بلدانهم والتي دفعت باللاجئين إلى ركوب بحور الخطر وتعريض أنفسهم للموت غرقاً وجوعاً واحتراقاً بأشعة الشمس من أجل الوصول إلى الشواطئ الأوروبية. اختزال الأسباب في العامل الاقتصادي والفقر المهيمن على دول أفريقيا جنوب الصحراء، يتجاهل أن لهذا العامل أسباباً أعمق؛ تبدأ من فشل مشاريع التنمية، وسيطرة الأنظمة الاستبدادية التي غالباً ما تعتمد سياسات التمييز القبلي والعرقي ضد مواطنيها، ولا تنتهي بالآثار الجسيمة التي يخلفها التغير المناخي والتصحّر وتقلص المناطق الصالحة للزراعة والانفجار السكاني. وغني عن البيان أن تجاهل الغرب هذه الأسباب، وله منها حصة لا تُنكر، وحصره نقاشاته في حجم الحصص التي يتعين على كل دولة أوروبية استيعابها من اللاجئين، لن يوصدا باب الهجرة.
في الحالتين الليبية واللبنانية، تظهر قضية اللاجئين عنصراً من عناصر الانقسام الأهلي. لبنان الرسمي، على سبيل المثال، قرّر - بغطاء من مختلف القوى الممثلة في الائتلاف الحكومي - أن التخلص من اللاجئين السوريين ولو عن طريق إعادتهم إلى بلد سيلاقون فيه الموت والسجن والتعذيب، هو بمثابة ورقة رابحة للتخفيف من وطأة الفشل الذريع الذي وصلت إليه كل محاولات الإصلاح ومكافحة الفساد وتقليص العجز ومعالجة المشكلات البنيوية للنظام السياسي. تحويل الفشل إلى غضب من اللاجئين وتحميلهم مسؤولية المشكلات التي يعيشها اللبنانيون، يستوحي نهج الأنظمة التوتاليتارية من دون أن يكون لبنان مؤهلاً، في الأصل، لإنتاج أو تحمل هذا الصنف من الأنظمة؛ أولاً. بعد صدور قرار القضاء الإيطالي بالإفراج عن كارولا راكيتيه، صرح سالفيني بأنه سيعيد «الشرف والكبرياء والرفاه والأمل والكرامة إلى إيطاليا، مهما كلف الأمر». أصداء كلام كبير وفارغ نجده بسهولة عند كل المحرضين على اللاجئين من دون تحميل المسؤولية إلى أصحابها الحقيقيين.
اللاجئون: أربعة تطورات... وكلام فارغ
اللاجئون: أربعة تطورات... وكلام فارغ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة