تمثال توت عنخ آمون يباع في مزاد «كريستيز» بنحو خمسة ملايين جنيه إسترليني

حقق تمثال رأس بُني اللون من حجر الكوارتزيت للإله آمون على هيئة الملك توت عنخ آمون، تم بيعه أمس في مزاد لدار كريستيز بلندن، مبلغ 4.746.250 مليون جنيه إسترليني. وقالت الدار في بيان تلقت الشرق الأوسط نسخة منه: «كان هذا العمل نادراً وجميلاً ومهماً، ندرك أن القطع التاريخية تثير مناقشات معقدة حول الماضي، لكننا نرى أن دورنا اليوم يكمن في العمل على الحفاظ على سوق فنية شفافة وشرعية تحرص على رقي عملية نقل القطع. هناك سوق (شريفة) للتجارة في القطع الأثرية، ونعتقد أنه من حق العامة أن تظهر تلك القطع في العلن، حيث يتسنى التحقيق في أمرها، وأيضاً أن يتمكن الجمهور العالمي من رؤيتها والاستمتاع بها».
وقد دارت الفترة الماضية مجادلات حول بيع 32 قطعة أثرية مصرية، بينها تمثال رأسيّ للإله آمون على هيئة الملك توت عنخ آمون، وهو ما اعتبره آثاريّون مصريون بارزون مخالفة للأعراف والاتفاقيات الدولية.
وقال الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار المصري الأسبق، في بيان صحافي أمس، إن «بيع تمثال منسوب للملك توت عنخ آمون يعد نقطة سوداء في تاريخ (كريستيز)، لأنه تمثال لملك، ولا يخص الحضارة المصرية فقط، بل يخص العالم أجمع»، مشيراً إلى أن «مالك التمثال أو دار المزادات لو سلموا التمثال لمصر، لعرض داخل معرض توت عنخ آمون المقام حالياً في باريس، والذي من المنتظر أن يصل لندن مع نهاية العام الحالي، بدلاً من أن يشتريه شخص ثري، ويعرضه داخل حجرة مظلمة، لا يراه فيها أحد». وضمّت القطع المعروضة للبيع في المزاد أمس، قطعتين مصريتين، الأولى لتمثال منسوب لملك توت عنخ آمون، والثانية جزء من تمثال رأسي للملك أمنحتب الثالث.
وأشار حواس إلى أن «التمثال يمثل الإله آمون، بوجه توت عنخ آمون، ولم يخرج من مقبرة توت عنخ آمون، التي ضمت 5398 قطعة أثرية، اكتشفها عالم الآثار الإنجليزي هوارد كارتر، ولم يكن من بينها هذا التمثال، ولا أي تمثال آخر من الحجر»، موضحاً أن «تمثال توت من حجر الكوارتزيت، ومن المرجح أنه سرق من معابد الكرنك بعد عام 1970».
وأوضح حواس أن «اللجنة العليا لاسترداد الآثار، التي يشارك في عضويتها، ووزير الآثار المصري طلبوا من النائب العام المصري عمل إنابة قضائية بهذا الخصوص، كما تم إرسال خطابات إلى اليونيسكو، ووزارة الخارجية البريطانية، ودار (كريستيز)، لكنها لم تستجب للمطالبات المصرية».
وأكد الدكتور بسام الشماع، خبير الآثار، لـ«الشرق الأوسط»: «مصر اتبعت الخطوات الرسمية كافة لإيقاف عملية البيع، وبدأت المطالبة بالمستندات الرسمية لإثبات ملكية التمثال، بعدها صعّدت عن طريق النائب العام والخطابات الرسمية للخارجية البريطانية واليونيسكو، لكن هذه الإجراءات لم تنجح، لأن هناك قوانين مكبلة واتفاقيات فاشلة تحكم هذه العملية».
وقال إن «مصر يجب أن تغضب، وتعبر عن هذا الغضب، عبر تدشين الحملة الشعبية حتى يشارك الشعب في المطالبة بآثاره».
واتفقت معه الدكتورة مونيكا حنا، رئيسة وحدة الآثار والتراث الطبيعي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من وقف البعثات البريطانية العاملة في مصر كوسيلة للضغط لاستعادة آثارنا المسروقة، وهو ما تفعله دول أخرى، مثل تركيا، التي هددت بوقف البعثات الألمانية عندها للغرض نفسه».
وعلى مدار الشهر الماضي، وجّهت مصر خطابات رسمية إلى وزارة الخارجية البريطانية ودار «كريستيز» للمزادات، ومنظمة اليونيسكو، للمطالبة بوقف بيع قطع الآثار المصرية، وعلى رأسها التمثال الرأسيّ المنسوب لتوت عنخ آمون، وإرسال الوثائق التي تثبت ملكية التمثال. وفي المقابل أكدت «كريستيز» أنها «تواصلت مع السلطات المصرية»، وأنها «لا يمكن أن تعرض أي قطعة للبيع، بها شكوك بشأن ملكيتها أو تصديرها».
لكن حواس شكّك في الوثائق التي تحملها «كريستيز» عن ملكية التمثال، وقال إن «دار (كريستيز) أعلنت اسم الشخص الذي كان يملك التمثال في ستينات القرن الماضي، وعندما تواصلت الصحف مع عائلته، أنكرت العائلة معرفتها بالتمثال»، مضيفاً: «لا يوجد لدى دار (كريستيز) أي دليل لخروج التمثال الرأسيّ المنسوب لتوت عنخ آمون بطريقة قانونية».
ووفقاً لدار «كريستيز»، فإن «التمثال يُفهم أنه كان جزءاً من المجموعة الخاصة بالأمير ويلهلم فون ثورن أوندتاكسي، وهو مقتني آثار ألماني، منذ ستينات القرن الماضي، ثم اشتراه جوزيف مسينا في الفترة ما بين عامي 1973 و1974. وبعدها انتقلت ملكيته إلى أرنولف روزمان في الفترة بين عامي 1982 و1983. وبعدها انتقل إلى هاينز هيزر في يونيو (حزيران)، قبل أن تدخل مجموعة ريساندرو في يوليو (تموز) 1985».
ونشر موقع «لايف ساينس» تقريراً خاصاً، الأسبوع الماضي، قال فيه إنه «تواصل مع أسرة الأمير ويلهلم فون ثورن أوندتاكسي، وأصدقائه، وإنهم أكدوا عدم معرفتهم بالتمثال، حتى إن ابنة الأمير قالت إن والدها لم يكن من محبي التحف القديمة والفن بشكل عام».
ورغم التشكيك في ملكية التمثال، فإن مصر لم تتمكن من إيقاف عملية البيع، لأن اتفاقية اليونيسكو لحماية التراث تطالب الدولة صاحبة الحق بإثبات ملكيتها للأثر من واقع السجلات، وهو أمر غير ممكن في حالة الآثار التي يتم العثور عليها من الحفائر غير الشرعية، إذ إنها غير مسجلة في سجلات الآثار المصرية، وهو الحال بالنسبة لتمثال توت عنخ آمون، ما دفع الدكتور خالد العناني، وزير الآثار المصري، للمطالبة بتعديل الاتفاقية الشهر الماضي. وطالبت حنا مصر بالانسحاب من اتفاقية اليونيسكو لحماية التراث الثقافي، وقالت إن «هذه الاتفاقية لا تسمح لنا باستعادة الآثار، التي خرجت بطرق غير شرعية جراء عمليات الحفر خلسة؛ حيث تفرض على مصر أن تثبت ملكيتها للآثار من خلال سجلات تسجيل الآثار، وهذا غير متاح في الآثار غير المسجلة في السجلات»، مشيرة إلى أن «الحل هو الانسحاب من هذه الاتفاقية والاعتماد على الاتفاقيات الثنائية كتلك الاتفاقية الموقعة مع الولايات المتحدة الأميركية، والتي بموجبها تعيد أميركا أي قطع أثرية مصرية ليست لديها مستندات أو وثائق تثبت كيفية خروجها من مصر».
وأضافت حنا إن «اتفاقية اليونيسكو مضى على إعدادها نحو 50 عاماً، وكان معظم من كتبوها من الغرب، والوضع اليوم مختلف»، مطالبة «وزارات الخارجية والثقافة والآثار في مصر، بعقد اجتماع مع الخبراء، وتقديم مقترح لتعديل اتفاقية اليونيسكو بالتعاون مع الدول العربية».
وانتقد الشماع «صمت منظمة اليونيسكو»، مطالباً بموقف مصري للرد عليها، والتهديد بالانسحاب من المنظمة «لأنها لم تقدم شيئاً لحماية التراث».
وباعت دار «كريستيز» للمزادات في لندن، 30 قطعة من الآثار المصرية، في مزاد مساء الأربعاء الماضي، بلغت عائدات بيعها مليوناً و38 ألف جنيه إسترليني، متجاهلة المطالبات المصرية بوقف البيع، ما دفع وزارتي الآثار والخارجية المصريتين إلى إصدار بيان، قالت فيه إن «بيع دار كريستيز للمزادات عدداً من القطع الأثرية المصرية - دون الاستماع للمطالب المصرية المشروعة على مدار الأسابيع الماضية، والخطوات التي اتخذتها الوزارتان واليونيسكو مع صالة (كريستيز) ووزارة الخارجية البريطانية، بالإضافة إلى المساعدة القضائية التي طلبتها السلطات المصرية من جهات الاختصاص البريطانية - أمر يتنافى مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة؛ حيث إن صالة المزادات لم تقدم للجانب المصري حتى تاريخه المستندات الخاصة بالقطع الأثرية».
وفي العاصمة البريطانية، لندن، ذكرت دار «كريستيز»، عندما اتصلت بها صحيفة «الغارديان» البريطانية للتعليق على القائمة الأصلية: «من المهم للغاية تأكيد الملكية الأخيرة، والحقّ القانوني للبيع، وهو الأمر الذي فعلناه بوضوح. نحن لن نعرض أي شيء للبيع ما دام هناك قلق حول الملكية أو التصدير».
وقالت، في بيان لها: «لقد قدّمنا معلومات مكثفة حول رأس آمون، بما ذلك تاريخ العمل، كما دعونا الجهات المصرية للاجتماع بنا لرؤية العمل ومراجعة الوثائق المرفقة، إلا أنهم لم يقبلوا العرض، ولكننا نبقى على استعداد للترحيب بهم ومناقشة العمل وطريقتنا».