الأول من يوليو... عيد ميلاد موحد للعراقيين

ارتبط غالباً بأبناء العوائل الفقيرة التي تسكن بعيداً عن هويات الأحوال

TT

الأول من يوليو... عيد ميلاد موحد للعراقيين

استيقظ العدد الأكبر من أجيال الأربعينات والخمسينات والستينات وحتى السبعينات، من النساء والرجال العراقيين، صباح اليوم الأول من شهر يوليو (تموز) الحالي، ليجدوا أنفسهم وهم يتلقون التهاني بعيد ميلادهم المجيد! أو الأحرى، هذا ما وجدوه مثبتا في هوية الأحوال المدنية (الجنسية). وأصبح بحكم الملابسات والظروف، التاريخ الرسمي لميلادهم، وإن لم يكن التاريخ المحدد في الواقع.
ومع مرور الوقت والتطور المدهش في التكنولوجيا والاتصالات والزيادة الكبيرة في أعداد المستفيدين من وسائل التواصل الاجتماعي، بات الأول من شهر يونيو (حزيران) من كل عام مناسبة عراقية لتبادل التهاني «الساخرة» نوعا ما، بين أعداد كبيرة من الأصدقاء والأقارب ورواد مواقع التواصل وخاصة «فيسبوك» الذي يميل العراقيون إلى استخدامه أكثر من غيره من منصات التواصل الاجتماعي. كما بات مناسبة للضحك وكتابة النوادر الشخصية عن ذلك التاريخ.
وفي هذا الصدد، يقول الروائي العراقي المقيم في لندن عبد الله صخي الذي ولد في عقد الخمسينات من القرن الماضي وميلاده الأول من يوليو: «سألت أمي عن يوم ميلادي، وقد تقدمت في السن، فقالت: يمه شمدريني (ما أدراني) أي يوم، أذكر أنت ولدت يوم احترك (احترق) بيت لفتة!».
وحوادث الحرائق والفيضانات وتبدل الفصول والانقلابات العسكرية والتحولات السياسية، غالباً ما كانت تواريخ مهمة للولادات والوفيات، حيث يقول الأب أو الأم حين يسأل عن ولادة ابنه أو بنته أو حتى فلان من الناس، إنه ولد في ثورة عبد الكريم (ويقصد عام إطاحة عبد الكريم قاسم بالعهد الملكي 1958)، أو يقول ولد في «الربيع» أو في سنة «أم المصران» ويقصدون بها إحدى سنوات المجاعة التي مرت على الناس في عقد الخمسينات.
ومن المواقف الطريفة التي تروى عادة وتتعلق بتاريخ الأول من يوليو، أن وفداً حكومياً عراقياً رفيعاً كان يقيم في الشهر نفسه من عقد الثمانينات بأحد الفنادق الكبيرة في أوروبا، وكان من عادة ذلك الفندق الاحتفال بعيد ميلاد الزبون، إن صادف وجوده في الفندق المذكور، لذلك، كانت مفاجأة غريبة أن يجد أصحاب الفندق أن جميع أعضاء الوفد الحكومي الرفيع ولدوا في اليوم نفسه!
وارتبط ميلاد الأول من يوليو غالباً بأبناء العوائل الفقيرة الفلاحية وغير المتعلمة التي تسكن بعيداً عن المراكز الحضرية ودوائر النفوس وهويات الأحوال والمستشفيات، حيث كانت نساء تلك العوائل يلدن عادة في المنزل المتواضع بمساعدة إحدى القريبات، وبالتالي لا تستخرج شهادة ميلاد للطفل المولود، وربما تتأخر بعد ذلك عملية تسجيله ضمن سجلات الأحوال الشخصية إلى وقت وصوله السن المؤهلة لدخول المدرسة، وهي سن يمكن أن تزيد أو تنقص غالباً، تبعا للتقديرات غير الدقيقة التي يقدمها الأب أو العم لموظف دائرة التسجيل.
على أن هناك أسبابا أخرى مرتبطة بعدم وجود تعداد سكاني وغياب دوائر الأحوال المدنية في مناطق كثيرة من العراق في عقود الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي، لذلك تجد أن كثيرين ولدوا في المدن أو النواحي القريبة منها وكانوا أيضا من مواليد الأول من يوليو. أما لماذا اختير هذا اليوم بالتحديد ليكون ميلاد عدد كبير من العراقيين؟ فيقال، إنه اختير من قبل البروفسور المصري محمد رياض الشنواني أحد خبراء الأمم المتحدة المشرفين على الإحصاء السكاني العام في العراق عام 1957. وكان الأفضل من حيث العلمية والمهنية ودقة المعلومات قياساً بالإحصاءات التي سبقته في أعوام (1927 - 1934 - 1947). وحدد يوم 1 - 7 ميلاداً للعراقيين الذين ليس لديهم أوراق أو شهادات ولادة تثبت اليوم والشهر الذي ولدوا فيه بالتحديد، ويبدو أنه اختير لأنه يقع في منتصف السنة.
ولا يرتبط شهر يوليو بتاريخ الميلاد فقط بالنسبة للعراقيين، وتمتلئ ذاكرتهم بالكثير من الأحداث السياسية والتاريخية التي غيرت مجرى حياتهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، إطاحة الزعيم عبد الكريم قاسم بالنظام الملكي في هذا الشهر من عام 1958، ثم إطاحة حزب «البعث» بنظام عبد الكريم قاسم وفي الشهر نفسه من عام 1968.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».