«صندوق النقد» يحذر لبنان من مخاطر فشل الإصلاح المالي

قلق مالي متصاعد وترقب «التصنيف السيادي»

TT

«صندوق النقد» يحذر لبنان من مخاطر فشل الإصلاح المالي

في الوقت الذي يترقب فيه لبنان واقتصاده بقلق صريح إمكانية إقدام وكالة التقييم الدولية «ستاندرد آند بورز» على خفض التصنيف الائتماني السيادي، بعدما أقدمت وكالة «موديز» قبل أسابيع على خفض الدرجة من الفئة «B» إلى الفئة «C»، التي تؤشر إلى تناقص قدرة الحكومة على الإيفاء باستحقاقات السندات في مواعيدها... زاد منسوب التوجُّس بعيد ترجيح صندوق النقد الدولي عدم القدرة على ضبط عجز الموازنة بنسبة 7.6 في المائة من الناتج، وتوقعه ببلوغها 9.75 في المائة للعام الحالي.
وقد حازت الحكومة تفويضاً تشريعياً باستمرار الإنفاق على القاعدة الاستثنائية (الاثنتي عشرية) حتى نهاية شهر يوليو (تموز) الحالي. بينما توشك لجنة المال النيابية على إنهاء مناقشات مشروع قانون الموازنة العامة خلال الأسبوع الحالي تمهيداً لإحالتها إلى الهيئة العامة للمجلس، على أمل التمكن من إقرار القانون قبل نهاية الشهر الحالي؛ ما يعني تنفيذ الإصلاحات في مجالي الإنفاق والإيرادات لمدة 5 أشهر فقط من السنة، وهذا ما يتلاقى مع مضمون التقرير الدولي.
وعلى أمل صدور القانون تزامناً مع انتهاء مهلة الإنفاق «الاستثنائي»، تقاطعت معلومات مالية ومصرفية لدى «الشرق الأوسط» تؤكد أن وزارة المال تنجح في «شد الحزام الإنفاقي» من مطلع العام الحالي، بحيث صدت «رغبات» الصرف خارج «الضرورات»، وحددت معالم خطة الطريق الناجعة لاستعادة التوازن المفقود الذي تستهدفه من خلال تنفيذ الموازنة في الأشهر الباقية، والتأسيس والتدعيم المنشود في الموازنات اللاحقة.
وفي المعلومات، فإن وزارة المال قد تصدر قريباً نتائج عمليات الموازنة للأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، بحيث تعكس مؤشرات الفصل الأول توقعات أكثر تفاؤلاً وتظهر الجدية في التصحيح المالي بعد النتائج المخيبة لعام 2018. لكن تبقى مسألة الاكتتاب في سندات دين لصالح الحكومة بفائدة مخفضة متأرجحة بين اطمئنان وزير المال علي حسن خليل، وتحفُّظ أصحاب القرار المصرفي على المشاركة في هذه العملية، سواء لعدم توفر فوائض بمقدار المبلغ الإجمالي الذي قد يصل إلى نحو 7.3 مليارات دولار، أو لعدم الاقتناع بأي إسهام إضافي.
ورغم تجدد شهية مستثمرين محليين وخارجيين على شراء سندات الدين الدولية المصدرة من وزارة المالية، بدليل الانتعاش النسبي لأسعار الإصدارات كافة هذا الأسبوع وانخفاض متوسط الفوائد إلى نحو 10.5 في المائة، وتراجع هوامش المقايضة الائتمانية إلى نحو 850 نقطة أساس (مقارنة بالسندات الأميركية)، ما زالت الأسواق تنتظر إشارة جدية من قبل «البنك المركزي» حول كيفية مقاربته لتلبية طلب الدولة بالاكتتاب بهذه السندات، وفي جدوى التسهيلات المقابلة التي بدأ بعرضها على المصارف، إذ إن المساهمة في السندات تتطلب التضحية بربح سنوي يزيد على 800 مليون دولار، في وقت تعاني فيه المصارف من صعوبات جدية في جذب رساميل جديدة وستخضع وشيكاً لرفع الضريبة على أرباح توظيفاتها في السندات بالليرة ولدى «البنك المركزي» من 7 إلى 10 في المائة، فضلاً عن دفع 17 في المائة ضريبة على الأرباح الإجمالية.
وقالت بعثة صندوق النقد إنه «بناء على المعلومات الحالية، من المرجح أن يتجاوز العجز المتوقَّع بكثير المستوى المستهدف الذي أعلنته السلطات».
وفي إطار مسودة الميزانية، تستهدف الحكومة تقليل تكاليف خدمة الدين بنحو تريليون ليرة لبنانية (660 مليون دولار) من خلال إصدار سندات خزانة منخفضة الفائدة بالتنسيق مع مصرف لبنان المركزي. وذكر الصندوق أن «شراء السندات الحكومية اللبنانية المقترحة ذات الفائدة المنخفضة سيؤدي إلى تدهور ميزانية المصرف المركزي وتقويض مصداقيته». وأضاف أنه «لا ينبغي فرض أي ضغوط على البنوك الخاصة لشراء السندات».
وتحركت الحكومة اللبنانية، التي تعاني من أحد أكبر أعباء الدين العام في العالم، في الأشهر الأخيرة لتنفيذ إصلاحات طال تأجيلها في مسعى لوضع ماليتها العامة على مسار مستدام وتجنب أزمة. وتستهدف ميزانية 2019 التي تُعتبر اختباراً مهماً لإرادة الحكومة في إجراء الإصلاحات، خفض العجز من 11.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2018، مثلما أعلنت الحكومة من قبل.
وقال حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، الأسبوع الماضي، إنه يدعم مساعي خفض تكاليف خدمة الدين، لكن لا يوجد اتفاق حتى الآن على كيفية تحقيق ذلك، ولن يُفرض أي شيء على البنوك التجارية. بينما يوصي صندوق النقد «البنك المركزي» بأن يتراجع عن «العمليات شبه المالية» وعن مشتريات السندات الحكومية، ليتيح للسوق تحديد العائدات على الدين الحكومي.
ويُعد القطاع العام المتضخِّم أكبر مصدر إنفاق في الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى تكاليف خدمة الدين والتحويلات الكبيرة لشركة الكهرباء العامة الخاسرة. ويمكن أن تساعد الميزانية - إذا نالت استحسان المانحين - في تدفُّق نحو 11 مليار دولار من التمويل الذي قُدمت تعهدات به في مؤتمر باريس «سيدر 1» للاستثمار في الاقتصاد اللبناني، العام الماضي.
واعتبر صندوق النقد أن الميزانية وخطة إصلاح قطاع الكهرباء، التي أُقرّت في أبريل (نيسان) هي «الخطوات الأولى على طريق طويل» لإعادة التوازن إلى الاقتصاد. وقال إن الحكومة اللبنانية «أمامها الآن فرصة لتنفيذ الإصلاحات وتغيير المسار». وأضاف الصندوق أن الفريق يتوقع أن تكون هناك حاجة لفائض أولي نحو 4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط إلى الطويل. ومن أجل تحقيق ذلك، شجع البنك الحكومة على تحديد إجراءات مالية دائمة إضافية وتطبيقها.
وقال إن إجراءات زيادة الدخل ينبغي أن تشمل رفع ضريبة القيمة المضافة ومكافحة التهرب الضريبي وزيادة الرسوم على الوقود.
وقال الصندوق إنه في حالة تطبيق الحكومة الجاد لإجراءات التعديل المالي في 2019 - 2020 والإصلاحات الهيكلية المزمعة، فإن ذلك قد يعزز الثقة ويفرج عن تمويل المانحين. لكنه حذر من أن لبنان ما زال يواجه مخاطر، وأن الفشل في تحقيق الأهداف أو المضي في الإصلاحات قد يقود لتآكل الثقة.
وقد كشفت البيانات المالية المنجزة للعام الماضي عن ارتفاع في النفقات الإجمالية بنسبة 16.2 في المائة، مقابل عدم تحقيق أي تقدم مماثل في الإيرادات التي تقلصت بنسبة 0.36 في المائة. وبذلك بلغ العجز الكلي نحو 5.6 مليارات دولار، موازياً نحو 34.6 في المائة من إجمالي النفقات، بينما العجز الإجمالي نحو 6.3 مليارات دولار بقفزة نسبتها 66 في المائة مقارنة بالعام الأسبق.
وبلغت خدمة الدين العام، بين تسديد مستحقات وتسديد فوائد على سندات قائمة بالليرة وبالدولار الأميركي، نحو 5.4 مليار دولار. بينما بينت البيانات اقتصار الزيادة في الإيرادات على بند «الضريبة على القيمة المضافة» بنحو 240 مليون دولار نتيجة زيادتها من 10 إلى 11 في المائة، وثمة معلومات عن التوجه لرفعها إلى 15 في المائة.
كذلك فإن الإيرادات غير الضريبية تراجعت بنسبة تفوق 11 في المائة، وتوازي نحو 295 مليون دولار، يعود الجزء الأكبر منها لتراجع واردات الاتصالات بنحو 215 مليون دولار.



إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
TT

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)

أعلن وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي، المهندس صالح الجاسر، عن تحقيق الموانئ تقدماً كبيراً بإضافة 231.7 نقطة في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية، وفق تقرير «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)» لعام 2024، إلى جانب إدخال 30 خطاً بحرياً جديداً للشحن.

كما كشف عن توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية باستثمارات تتجاوز 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار).

جاء حديث المهندس الجاسر خلال افتتاح النسخة السادسة من «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»، في الرياض، الذي يهدف إلى تعزيز التكامل بين أنماط النقل ورفع كفاءة الخدمات اللوجيستية، ويأتي ضمن مساعي البلاد لتعزيز موقعها مركزاً لوجيستياً عالمياً.

وقال الوزير السعودي، خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر، إن «كبرى الشركات العالمية تواصل إقبالها على الاستثمار في القطاع اللوجيستي؛ من القطاع الخاص المحلي والدولي، لإنشاء عدد من المناطق اللوجيستية».

يستضيف المؤتمر، الذي يقام يومي 15 و16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عدداً من الخبراء العالميين والمختصين، بهدف طرح التجارب حول أفضل الطرق وأحدث الممارسات لتحسين أداء سلاسل الإمداد ورفع كفاءتها. كما استُحدثت منصة تهدف إلى تمكين المرأة في القطاع من خلال الفرص التدريبية والتطويرية.

وأبان الجاسر أن منظومة النقل والخدمات اللوجيستية «ستواصل السعي الحثيث والعمل للوصول بعدد المناطق اللوجيستية في السعودية إلى 59 منطقة بحلول 2030، من أصل 22 منطقة قائمة حالياً، لتعزيز القدرة التنافسية للمملكة ودعم الحركة التجارية».

وتحقيقاً لتكامل أنماط النقل ورفع كفاءة العمليات اللوجيستية، أفصح الجاسر عن «نجاح تطبيق أولى مراحل الربط اللوجيستي بين الموانئ والمطارات والسكك الحديدية بآليات وبروتوكولات عمل متناغمة؛ لتحقيق انسيابية حركة البضائع بحراً وجواً وبراً، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ودعم العمليات والخدمات اللوجيستية وترسيخ مكانة المملكة مركزاً لوجيستياً عالمياً».

وخلال جلسة بعنوان «دور الازدهار اللوجيستي في تعزيز أعمال سلاسل الإمداد بالمملكة وتحقيق التنافسية العالمية وفق (رؤية 2030)»، أضاف الجاسر أن «الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار)» تعمل على تنفيذ ازدواج وتوسعة لـ«قطار الشمال» بما يتجاوز 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار)، وذلك مواكبةً للتوسعات المستقبلية في مجال التعدين بالسعودية.

إعادة التصدير

من جهته، أوضح وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، أن السعودية سجلت في العام الحالي صادرات بلغت 61 مليار ريال (16.2 مليار دولار) من قطاع إعادة التصدير، بنمو قدره 23 في المائة مقارنة بالعام الماضي، «وهو ما تحقق بفضل البنية التحتية القوية والتكامل بين الجهات المعنية التي أسهمت في تقديم خدمات عالية الكفاءة».

وأشار، خلال مشاركته في جلسة حوارية، إلى أن شركة «معادن» صدّرت ما قيمته 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار) من منتجاتها، «وتحتل السعودية حالياً المركز الرابع عالمياً في صادرات الأسمدة، مع خطط لتحقيق المركز الأول في المستقبل».

جلسة حوارية تضم وزير النقل المهندس صالح الجاسر ووزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف (الشرق الأوسط)

وبين الخريف أن البلاد «تتمتع بسوق محلية قوية، إلى جانب تعزيز الشركات العالمية استثماراتها في السعودية، والقوة الشرائية الممتازة في منطقة الخليج»، مما يرفع معدلات التنمية، مبيناً أن «قوة السعودية في المشاركة الفاعلة بسلاسل الإمداد تأتي بفضل الموارد الطبيعية التي تمتلكها. وسلاسل الإمداد تساهم في خفض التكاليف على المصنعين والمستثمرين، مما يعزز التنافسية المحلية».

وفي كلمة له، أفاد نائب رئيس «أرامكو السعودية» للمشتريات وإدارة سلاسل الإمداد، المهندس سليمان الربيعان، بأن برنامج «اكتفاء»، الذي يهدف إلى تعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد في البلاد، «أسهم في بناء قاعدة تضم أكثر من 3 آلاف مورد ومقدم خدمات محلية، وبناء سلاسل إمداد قوية داخل البلاد؛ الأمر الذي يمكّن الشركة في الاستمرار في إمداد الطاقة بموثوقية خلال الأزمات والاضطرابات في الأسواق العالمية».

توقيع 86 اتفاقية

إلى ذلك، شهد «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية» في يومه الأول توقيع 86 اتفاقية؛ بهدف تعزيز أداء سلاسل الإمداد، كما يضم معرضاً مصاحباً لـ65 شركة دولية ومحلية، بالإضافة إلى 8 ورشات عمل تخصصية.

جولة لوزيرَي النقل والخدمات اللوجيستية والصناعة والثروة المعدنية في المعرض المصاحب للمؤتمر (الشرق الأوسط)

وتسعى السعودية إلى لعب دور فاعل على المستوى العالمي في قطاع الخدمات اللوجيستية وسلاسل التوريد، حيث عملت على تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية والإنجازات التشغيلية خلال الفترة الماضية، مما ساهم في تقدمها 17 مرتبة على (المؤشر اللوجيستي العالمي) الصادر عن (البنك الدولي)، وساعد على زيادة استثمارات كبرى الشركات العالمية في الموانئ السعودية».