ازدهرت الفنون الزخرفية في مجال الساعات، منذ عدة قرون، وشهدت أوجها في الصين في عهد الإمبراطور جيا تشينغ وخليفته الإمبراطور داوجوانج. مع الوقت أصبحت هذه الساعات الفنية مطلب هواة الساعات النادرة والفريدة من نوعها. ورغم مرور عدة قرون على ولادة هذا الفن، لا تزال هذه الساعات تُلهب الخيال والجيوب في الوقت ذاته، بالنظر إلى أسعارها في الأسواق من جهة، وإلى ارتفاع قيمتها في المزادات العالمية من جهة ثانية. لهذا ليس غريباً أن تتوجه إلى هواة اقتناء التحف الفنية والساعات الفريدة من نوعها.
وحسبما تشرح «يوليس ناردان»، وهي واحدة من الشركات التي تفخر بأنها تتوجه إلى الذواقة في المقام الأول، فإن هذه الفنون تمثّل تحدياً كبيراً أمام الحرفيين لما تتطلبه من رسم دقيق على سطح صغير. بعضها يحتاج إلى مئات الساعات من العمل لإنتاج كل «مينا»، ورسم التفاصيل الدقيقة، التي تتطلّب في غالب الأحيان استخدام مجهر ثنائي العينية وفرشاة تتكون من شعرة واحدة للسمور.
وتشرح الدار أيضاً أن إتقان فنون وتقنيات طلاء «ميناء الساعات» بمادة «المينا»، أو «الورنيش»، من الأمور التي لا يتقنها أيٌّ كان. وبالفعل، فشركات قليلة جداً لها باع وتاريخ في هذا المجال نذكر منها على سبيل المثال، وليس الحصر، «فاشرون كونستانتين» و«بياجيه» و«كارتييه» و«بوفيه» و«فان كليف وأربلز» و«أوليس ناردين». السبب بسيط، حسب هذه الأخيرة. وهي أنها من التقنيات الأكثر تطلباً، وتحتاج إلى الكثير من الصبر والمهارة. ورغم أن أصول هذا الفن تعود إلى وقت ظهور صناعة الساعات نفسها، إلا أنه لا توجد مدرسة رسمية للتدريب عليه، بل هي نتيجة خبرة تراكمية يتم تعلمها بالممارسة والعمل مع حرفي متخصص فيها، بحيث لا يتم تسليم فرشاة الطلاء إلا بعد أن يؤكد المتدرب موهبته ومهارته، وبأنه أصبح أهلاً لتسلم المشعل من معلمه. وقد تصل مدة التدريب إلى سنتين أو أكثر.
وتكمن تعقيدات تقنية الطلاء بـ«المينا» في أنها لا تنجح سوى بنسبة 10 في المائة، ويتطلّب تنفيذها وضع طبقات متعددة من «المينا»، لتحقيق النتيجة النهائية المطلوبة اعتماداً على التصميم واللون. وتحتاج كل طبقة من الطلاء إلى تعريضها للحرارة العالية في الفُرن، ما يرفع نسبة تعرضها للخطر والضرر أيضاً، كأن تتلطّخ ببقايا من الفرن، أو تتشقق بفعل الحرارة العالية، أو تتشكّل فقاعات على سطحها تخلق ثقوباً صغيرة عليها. في مثل هذه الحالات، فإن الحل الوحيد هو التخلص من القطعة والبدء بطلاء «ميناء» جديد. ولعل ارتفاع معدلات الإتلاف العالية لقطع «الميناء» المعطوبة يبرر ارتفاع تكلفة هذه العملية الإنتاجية، وينعكس على سعر الساعات.
تجدر الإشارة إلى أن تقنيات الطلاء بـ«المينا» بالنسبة لدار «يوليس ناردان»، التي تطرح بين الفينة والأخرى ساعات تستعرض خبرتها وقدرتها في هذا المجال، عديدة تحتاج جميعها إلى تفاصيل معقدة غاية في الإتقان، مثل تقنية «كلوازونيه»، وهي تقنية قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل العصور الوسطى بفترة طويلة، إذ تقوم هذه الطريقة على ابتكار خطوط التصميم الأساسية من أسلاك رفيعة جداً من الذهب تبدو في سماكتها كشعر الإنسان، يتم تثبيت مادة «المينا» بين فراغاتها بدقة متناهية. وقد يستغرق تصميم الأسلاك الذهبية وتطبيقها بدقة حسب المخطط نحو 15 ساعة، قبل أن تبدأ عملية الطلاء بـ«المينا».
تقنية «جران فو»
تُعدّ هذه التقنية طريقة بالغة التعقيد والدقّة لطلاء وجه الساعة، بطبقات متعددة ملوّنة من مادة «المينا». ويتم تسخين كل طبقة في الفرن على درجة حرارة مرتفعة جداً، حيث يضمن التعرض المتكرر للحرارة تثبيت طلاء «المينا»، وعدم تأثره، أو تغيّره، بمرور الوقت.
تقنية «شامبلوفيه»
ظهرت هذه التقنية في القرن الثاني عشر، وتتطلّب عملاً مشتركاً بين اثنين من الحرفيين؛ واحد اختصاصي حفر فنّي وآخر خبير طلاء بـ«المينا»، حيث يتم حفر «ميناء الساعة» بدقّة وفقاً للتصميم الموضوع، وبعدها يتم ملء هذه النقوش بـ«المينا».
تقنية «فلانكيه»
وهي طريقة تعتمد على ابتكار تصميم من الخطوط المتقاطعة، أو المتعرّجة بالحفر اليدوي، أو باستخدام الآلات. ويتم طلاء القطعة بقلم ريشة قبل وضعها في الفرن، ما يمنح المنتج النهائي إيحاءً ثلاثي الأبعاد.