معرض جديد للرسامة فاطمة الحاج يطرد غيوم الخريف الباريسي

تزرع روضها في «مونبارناس» وتدعو زائرها للتأمل والاكتشاف

الرسامة اللبنانية فاطمة الحاج ودعوة للاكتشاف.  -  أصفر وبرتقالي وفيروزي في لوحة لفاطمة الحاج.  -  لكل حديقته الداخلية.
الرسامة اللبنانية فاطمة الحاج ودعوة للاكتشاف. - أصفر وبرتقالي وفيروزي في لوحة لفاطمة الحاج. - لكل حديقته الداخلية.
TT

معرض جديد للرسامة فاطمة الحاج يطرد غيوم الخريف الباريسي

الرسامة اللبنانية فاطمة الحاج ودعوة للاكتشاف.  -  أصفر وبرتقالي وفيروزي في لوحة لفاطمة الحاج.  -  لكل حديقته الداخلية.
الرسامة اللبنانية فاطمة الحاج ودعوة للاكتشاف. - أصفر وبرتقالي وفيروزي في لوحة لفاطمة الحاج. - لكل حديقته الداخلية.

هي دعوة لجولة مختلفة في العاصمة الفرنسية. فإذا خلفت برج «مونبارناس» وراءك وتناسيت الظل الثقيل لذلك المارد الأسود، وانعطفت يسارًا في شارع «ليتريه» الصغير وتجاوزت بائع اليانصيب ودكان الحلويات الدسمة، فإنك ستقع على حديقة من الأزاهير والألوان الساطعة بنور الشمس، في قبضة كف لا تزيد على 30 مترًا مربعًا، هي مساحة «غاليري كلود ليمان»، أو صالة الفنانين العرب في فرنسا.
حديقة من طابقين مختصرين، يسمحان بالحميمية ولا يبعثران البصر، يسهر عليها منذ سنوات جامع لوحات لبناني يحرص على أن تكون هذه البقعة موعدًا دوريًّا لرسامين؛ من الجزائري عبد الله بن عنتر، والعراقي ضياء العزاوي، والسوري يوسف عبدلكي، وطبعًا مجموعة الفنان الكبير الراحل شفيق عبود، وعشرات غيرهم. والموعد، هذه المرة، مع الفرنسية، لبنانية الأصل، فاطمة الحاج ولوحاتها التي تستدعي الربيع وتبقيه مقيمًا مهما تغيرت الفصول.
وفاطمة هي «صيادة ضوء»، تميزت ببراعة اقتناص الشعاع في لوحاتها، بحيث يشعر الناظر إليها وكأن شمسًا مسلطة عليها وحدها. وفي دليل المعرض نقرأ عرضًا للناقدة اللبنانية كارول داغر، تنقل فيه عن الرسامة قولها: «أنا ابنة ضيعة حافظ فيها الجيران على علاقات دافئة... هذه هي حياتنا في قرى لبنان؛ حيث يريد الآخرون أن يفرضوا علينا توترات وصراعات».
ولكي تعلن فاطمة موقفها الرافض للحرب، أمسكت بريشتها وراحت تلون فضاءات للجمال والهناء وكل ما تكتنزه الطبيعة من تحريض على المودة الإنسانية والتآلف بين مخلوقاتها.
ولدت الرسامة في لبنان أواسط خمسينات القرن الماضي، وحصلت على شهادتها من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية. وبخلاف الآلاف من هواة الفنون التشكيلية في العالم، لم تتطلع صوب باريس، المدينة التي تتنفس رسمًا ومنحوتات وتصاميم وابتكارات، بل قصدت ليننغراد لتدرس في أكاديميتها وتنال الشهادة العليا عام 1983. وعندها، فقط، جاءت إلى باريس للتدريس في مدرستها الوطنية للفنون التزيينية، كما تولت التدريس في معهد الفنون الجميلة الذي كانت طالبة فيه، في بيروت.
في عام 1985 حازت فاطمة الحاج جائزة «بيكاسو» في مدريد، وتواصلت معارضها في بلدها وفي دول عربية مثل الكويت والإمارات والبحرين والمغرب وسوريا وقطر. ويصف كلود ليمان أجواء لوحاتها بأنها مستوحاة من الحدائق التي رأتها في لبنان واليمن والمغرب وفرنسا. لقد حفظت عيناها ضياء تلك الأماكن ونقلتها إلى الخشبة التي يمزج عليها الفنان أصباغه الزيتية وأعادت بعثرتها على القماشة البيضاء. إنها تشبه أيضًا حديقتها الخاصة التي زرعتها أمام مرسمها في الرميلة، تيمنًا، ربما، بالحديقة التي أنشأها الرسام الانطباعي الفرنسي كلود مونيه في بلدة «جيفيرني» وكانت ملهمته الوحيدة طوال السنوات الثلاثين الأخيرة من حياته. لكن ما ترسمه ريشة فاطمة لا يعكس ما تراه العين فحسب، بل الأوجه اللامتناهية للسكينة الداخلية المستقرة في روحها والمؤثثة بالصمت والجمال، بهدوء إنسانة غارقة في القراءات والتأمل، بثنائي تطربه الموسيقى، بجماعات يلتقون في حفل ودي. لهذا، فإن الرسامة لا تجد ما تصف به أعمالها سوى أنها دعوة لاكتشاف الخمائل السرية الموجودة في داخل من يتأملها.
تعالوا نجرب أن نكتشف حدائقنا مع فاطمة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».