واشنطن تحقق في العثور على أسلحة أميركية في غريان

مقاطعة لتركيا ومنتجاتها ورعاياها تشمل شرق ليبيا... وحكومة السراج تنتصر لأنقرة

صورة وزعتها مديرية أمن أجدابيا للموقوفين التركيين (فيسبوك)
صورة وزعتها مديرية أمن أجدابيا للموقوفين التركيين (فيسبوك)
TT

واشنطن تحقق في العثور على أسلحة أميركية في غريان

صورة وزعتها مديرية أمن أجدابيا للموقوفين التركيين (فيسبوك)
صورة وزعتها مديرية أمن أجدابيا للموقوفين التركيين (فيسبوك)

انتصرت حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فائز السراج، أمس، لصالح تركيا في مواجهتها الإعلامية والسياسية ضد المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي، بينما بدأت السلطات الموازية في شرق ليبيا حملة لـ«مقاطعة تركيا اقتصادياً» رداً على ما وصفته بـ«تدخلها السافر في الشؤون الداخلية للبلاد».
وقال جهاز الحرس البلدي في مدينة بنغازي بشرق ليبيا في بيان له، مساء أول من أمس، إنه «بناء على تعليمات المشير حفتر بشأن عدم التعامل مع دولة تركيا فقد تحرك على الفور لإزالة جميع مسميات الدولة التركية من على لافتات المطاعم والمقاهي ومحلات بيع الحلويات»، وأوضح في بيان له «استجابة المواطنين وأصحاب هذه المحلات إلى إزالة اللافتات فوراً».
وهدت تركيا أمس، رسمياً بالرد أي هجوم تنفذه قوات الجيش الوطني ضد مصالحها في ليبيا، ونقلت وكالة الأناضول الرسمية التركية للأنباء عن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار قوله: «سيكون هناك ثمن باهظ جداً لأي موقف عدائي أو هجوم، سنرد بالطريقة الأكثر فاعلية والأقوى».
وشملت الحملة ضد تركيا توقيف اثنين من رعاياها كانا يقيمان ويعملان في مدينة أجدابيا منذ عشرات السنين. وعلم أن الموقوفين مقيمان في أجدابيا منذ مطلع الستينات من القرن الماضي، حيث يعملان في مجال السمكرة وإصلاح السيارات.
في المقابل، قالت حكومة السراج في بيان لمجلسها الرئاسي، مساء أول من أمس، إن لديها ما وصفته بـ«الوسائل الحازمة» للرد على تهديدات حفتر باستهداف المصالح لتركية في ليبيا، بما في ذلك إسقاط الطائرات التركية وقصف سفنها في البحر المتوسط.
وحمّلت الحكومة المشير حفتر «المسؤولية الكاملة عن أي ضرر يلحق برعايا أي دولة أو يمس بمصالحها على الأراضي الليبية»، واعتبرت أن تهديداته «دعوة للفتنة والكراهية»، وستسفر عما سمته بـ«كوارث جسيمة». ونفت وزارة الداخلية بحكومة السراج وجود عسكريين أتراك داخل الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، ووصفت هذه الادعاءات بأنها محاولة للتضليل على انتصارات قواتها التي تحققها ضد قوات الجيش الوطني.
وقالت الوزارة في بيان لها إنها «لن تتوانى عن حماية كل المعابر البحرية والجوية والبرية في مواجهة أي تهديد»، واعتبرت أن «اتهام قوات الجيش الوطني لتركيا بدعم حكومة السراج بالسلاح، يأتي عقب انهيار معنوياتها وخسائر قواتها في تحقيق أي انتصار على الأرض».
وطمأنت داخلية الوفاق كل «الرعايا الصديقة والأجنبية بمن فيهم الأتراك والعاملون بالشركات الأجنبية».
بدوره، رأى المجلس الأعلى للدولة بطرابلس أن تهديدات حفتر لتركيا محاولة لـ«تبرير الهزيمة في غريان، وإيجاد ذرائع إضافية لتدخلات الدول التي تساند حفتر، وتدعم بصورة مباشرة الحروب التي يشنها».
وبعدما اعتبرها بمثابة «إعلان حرب على تركيا، وضرباً للعلاقات المشتركة مع دولة تتعاون معها ليبيا في مجالات كثيرة» هدد بأن «أي أعمال عدوانية أو هجمات ضد أصدقائنا وعلى رأسهم الأتراك تعتبر إضراراً بأمننا القومي وستتم مجابهتها بكل حزم وقوة».
وكانت قوات السراج قالت على لسان الناطق الرسمي باسمها العقيد محمد قنونو: «أسرنا أكثر من 150 عنصراً من ميليشيات حفتر من ضمنهم مرتزقة، كما استحوذنا على أسلحة نوعية من ضمنها صواريخ أميركية، إلى جانب 70 آلية وعربة مسلحة وتدمير عدد مثلها».
وأعلنت الولايات المتّحدة أنّها «تتحقّق من صحة معلومات بشأن العثور في غريان على أربعة صواريخ أميركية مضادة للدروع»، وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية: «نحن نأخذ على محمل الجد كل المزاعم المتعلقة بسوء استخدام معدات دفاعية أميركية المنشأ، نحن على علم بهذه التقارير ونبحث عن معلومات إضافية». وأضاف: «نتوقّع من جميع المستفيدين من عتاد دفاعي أميركي المنشأ التزام تعهدات الاستخدام النهائي الخاصة بهم».
وكانت قوات السراج قد أعلنت أن «العلامات الموجودة على الصناديق الصاروخية تتضمن اسم الشركة المصنعة المشتركة لها وهي عملاق الأسلحة رايثون ولوكهيد مارتن».
ونشرت أمس الصفحة الرسمية لعملية بركان الغضب التي تشنها قوات السراج، «مشاهد مصوّرة تُظهر أعداداً لمن وصفتهم بمرتزقة تابعين لقوات الجيش» وقالت إنهم «وقعوا في الأسر خلال عملية تحرير مدينة غريان». كما ادعت العملية في بيان لها مساء أول من أمس أن قواتها «سيطرت على منطقة الكسارات التي وصفتها بأنها أهم منطقة استراتيجية في منطقة اسبيعة جنوب العاصمة طرابلس».
في المقابل، أعلن مجلس النواب الليبي الحداد الرسمي في البلاد ثلاثة أيام على قتلى قوات الجيش في غريان متهماً «الميليشيات المارقة الخارجة عن القانون وعصابات الإجرام بمدينة غريان، المدعومة من قبل حكومة السراج وتركيا وقطر» بتصفيتهم.
وفى إطار المكايدة مع تركيا، أصدرت الحكومة الموازية في شرق ليبيا قراراً مساء أول من أمس باعتبار يوم 24 أبريل (نيسان) من كل عام يوماً وطنياً لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن من قبل حكومة تركيا خلال وبعد الحرب العالمية الأولى.
وأعلنت وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة التي يترأسها عبد الله الثني، أن «قضية الغدر بجنود الجيش في غريان قيد التحقيق»، وقالت في بيان لها إن «المؤشرات الأولية تُشير إلى قتل الجنود عمداً، وذلك بعد أسرهم وإنه لا تزال الاستدلالات جارية حيال الجريمة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟