دراسات علمية جديدة على طائر الفراعنة المحنط

هدمت نظرية سائدة عن طريقة تربيته

الباحثون أثناء استخراج عينات الطيور المحنطة (جامعة غريفيث الأسترالية)
الباحثون أثناء استخراج عينات الطيور المحنطة (جامعة غريفيث الأسترالية)
TT

دراسات علمية جديدة على طائر الفراعنة المحنط

الباحثون أثناء استخراج عينات الطيور المحنطة (جامعة غريفيث الأسترالية)
الباحثون أثناء استخراج عينات الطيور المحنطة (جامعة غريفيث الأسترالية)

كيف حصل المصريون القدماء على الأعداد الوفيرة من طائر أبو منجل المقدس، والتي كان يتم تحنيطها لأغراض عقائدية، وعثر على الملايين منها في سراديب أثرية؟
الإجابة التي رجحها الأثريون هي أن هذه الطيور ربما تمت تربيتها في مزارع كبيرة أنشئت على مساحة ضخمة لتوفير أعداد كبيرة من هذا الطائر، الذي قدسه المصري القديم منذ بداية عصر «الأسرات» وحتى العصر الروماني، فكان رمزا لـ«تحوت»، إله القمر والحكمة والطب.
ورغم الاعتقاد السائد بانقراض هذا الطائر، فإنه لا يزال موجودا في بعض المناطق الأفريقية بأعداد صغيرة سمحت لفريق دولي يضم باحثين من جامعات غريفيث الأسترالية وكمبريدج البريطانية والجامعة الأميركية بالقاهرة، باستخدام تقنيات الحمض النووي للميتوكوندريا، للمقارنة بين التنوع الوراثي في الطيور الحالية، والطيور المحنطة في السراديب الأثرية المصرية، وكشفوا عن نتائج توصلوا إليها في دراسة نشرت بالعدد الأخير من دورية بيروكسيف «biorxiv» الشهرية، كانت سببا لرفض النظرية السائدة حول وجود مزرعة مركزية كبيرة لتوفير الطائر من أجل الممارسات العقائدية.
والميتوكوندريا التي استند الباحثون لحمضها النووي تعرف بأنها مصنع الطاقة داخل الخلية، الذي يقوم بتحويل الطاقة من المواد الغذائية لشكل يسمح للخلايا باستخدامها، وتحتوي كل خلية على المئات منها، واكتشف العلماء مؤخرا أنها تمتلك حمضاً نووياً مميزاً، يأتي من الأم فقط، على خلاف الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) الذي يأتي من الأب والأم.
وخلال الدراسة، التي تعد الأولى من نوعها لتوظيف حمض الميتوكوندريا، في كشف مومياوات هذا الطائر، تم جمع عينات 19 طائرا محنطا بعد الحصول على إذن من وزارة الآثار المصرية من السراديب الرئيسية الثلاثة التي وجدت بداخلها في سقارة، وتونة الجبل، وسوهاج (أبيدوس)، وفي المقابل تم جمع عينات من الدم والريش من الطائر المعاصر من مواقع مختلفة في جميع أنحاء أفريقيا.
ورغم أن الأسلوب الغالب لتحنيط هذا الطائر كان يعتمد على الغمر في الصمغ المذاب أو الملح، بما يصعب من مهمة استعادة الحمض النووي للميتوكوندريا، فإنه لحسن الحظ، وجدت عينات لم يتم تحنيطها بهذه الطريقة، وكان الريش والأنسجة لا يزالان سليمين إلى حد كبير، بما سمح باستخراج الحمض النووي منهما.
من خلال المقارنة بين الحمض النووي للميتوكوندريا في الطيور المحنطة والطيور الحالية، وجد الفريق البحثي أن الطيور القديمة أظهرت مستوى عالياً من التنوع الوراثي لا يقل عن الموجود في الطيور الحديثة، وهو ما جعل الفريق البحثي يرفض الاعتقاد السائد بوجود مزرعة مركزية كبيرة لتوفير الطائر للممارسات العقائدية.
وقال الفريق البحثي: «إذا كانت هناك مزرعة مركزية استخدم فيها عدد صغير من الطيور المؤسسة، لكنا نتوقع تنوعا وراثيا منخفضا في طائر أبو منجل القديم مقارنة بالحديث وهو ما لم يحدث».
وخلصوا من ذلك إلى ترجيح أن أبو منجل تمت رعايته في موائله الطبيعية أو في مزارع صغيرة محلية، وهذا هو الهدف الأساسي الذي انطلق البحث من أجله. لكن هناك قيمة أخرى للبحث تشير إليها الدكتورة سليمة إكرام، أستاذة المصريات بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وأحد الباحثين المشاركين بالدراسة، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «هذه النتيجة تؤكد إمكانية الحصول على معلومات من الحيوانات المحنطة منذ آلاف السنين، وهذه ميزة في حد ذاتها».
وعن أسباب الاتجاه لدراسة أبو منجل تحديدا بينما هناك حيوانات أخرى قدسها المصريون مثل القطط، أوضحت «القطط أكثر تعقيدا لوجود كثير من السلالات، لكن دراسة أبو منجل يمكن التحكم فيها في ظل وجود سلالات محدودة بما يسمح بالمقارنة بين الماضي والحاضر».


مقالات ذات صلة

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري اجتماعاً، الأحد، لاستعراض إجراءات الطرح العالمي لتخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً