التوازن في اختيار المصادر... معايير موضوعية أم وسيلة للضغط؟https://aawsat.com/home/article/1792076/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B2%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%B1-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%85-%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B6%D8%BA%D8%B7%D8%9F
التوازن في اختيار المصادر... معايير موضوعية أم وسيلة للضغط؟
اليوم أصبح للمعلن والممول تأثير كبير على آلية عمل وسائل الإعلام
تتعدد المصادر في فضاء الإعلام والصحافة، وتكتسب أهميتها من نظرة المتابعين لها كروافد مهمة موثوقة، تضيف للموضوع وتضيء جوانب مهمة فيه، بما يحقق الموضوعية في التناول والطرح وإثارة الأسئلة والرؤى حول القضية المثارة. لكن هناك من يرى أن تحقيق الموضوعية في اختيارها بمثابة حلم، وهناك من يؤمن بإمكانية تحقيقها إذا التزمنا بمجموعة من المعايير والشروط، ومن بينها الإلمام بالموضوع الذي تجري مناقشته، والاعتماد على المصادر الموثوق بها، ذات الصلة بالموضوع، وتحقيق التوازن بعرض الرأي والرأي الآخر. في هذا السياق، أعرب الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، عضو الهيئة الوطنية للصحافة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، عن اعتقاده بأن هناك «استحالة في تحقيق الموضوعية بالاعتماد على التوازن». وقال إن «ما نشاهده الآن أكبر دليل على ذلك، عبر ما تبثه قنوات تدعي المهنية، والتوازن؛ لكنها في النهاية تستضيف ضيفاً قوياً يعبر عن وجهة نظرها، مقابل ضيف آخر أضعف للتعبير عن وجهة النظر المغايرة». وأشار علم الدين إلى أن «هناك إعلاماً متحيزاً ضد المنطقة العربية لدرجة العداء، وشاهدنا هذا في تغطية الأحداث في السودان، وعدم مراعاة معايير المهنية باستضافة جميع أطراف الأزمة، وفي تغطية تقرير منظمة (هيومان رايتس ووتش) عن مصر، ليتحول نمط التغطية إلى نوع من التضليل والتحريف والتوجيه». لكن الإعلامي المصري الدكتور محمد سعيد محفوظ، أكد أن «التوازن مهم؛ لكنه ليس عمليات حسابية»، موضحاً أنه «في المؤسسات الصحافية الكبيرة من أهم شروط الصحافي توفر التقدير التحريري الذي يتيح له اختيار القصة الأهم، وحسن اختيار الضيوف، فلا تجوز استضافة ضيف لبق ومتحدث في مواجهة ضيف ضعيف يتلعثم؛ لأن هذا ينقل رسائل ضمنية مضللة، فالتوازن ليس عملية حسابية؛ بل مسألة يتدخل فيها ضمير الصحافي». وأشار محفوظ إلى أنه في أثناء تقديمه برنامج «مقص الرقيب» قبل عدة سنوات، استضاف بإحدى الحلقات في أعقاب تحرير جنوب لبنان، ضيفاً يمثل «حزب الله»، وآخر موالياً لإسرائيل، وأثناء التسجيل فوجئ بضعف المسؤول عن عرض وجهة نظر «حزب الله» في مواجهة الضيف الآخر. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «بعد الحلقة اتصلت بـ(حزب الله) وقلت لهم إن الضيف غير مناسب، وطلبت منهم إرسال شخص آخر ليتحدث باسمهم، ويعرض وجهة نظرهم، وأعدت تصوير الحلقة». وأضاف محفوظ: «هذا أمر ربما يكون سهلاً في البرامج المسجلة؛ لكنه صعب ومستحيل في البرامج المذاعة على الهواء مباشرة، وهي كثيرة». وإن كان محفوظ يرى أن المسألة يمكن تداركها على الهواء أيضاً. وذكر أنه «في القنوات الكبرى هناك شخص مسؤول عن تعريف الضيوف وميولهم، حتى تكون القناة على علم بقدراته؛ لأن الاختيار العشوائي للمصادر والضيوف يؤدي إلى نتائج سلبية... وإن كنت أعترف بأن هناك قنوات تتعمد اختيار ضيف أقوى من الآخر، وهنا لا يمكن الحديث عن مبدأ المهنية وتحقيق التوازن، فالضيف ليس سد خانة، والتوازن ليس عملية حسابية». من جهته، قال الدكتور علم الدين، إن «فكرة الموضوعية في الإعلام فكرة صعبة التحقيق، في ظل اتجاهات المحرر، وضغوط الوسيلة الإعلامية، من جانب المالك والممولين أو الموجهين لها»، مشيراً إلى أن «هناك قنوات ترفع شعار التوازن في الرأي والتغطية الإخبارية، وتعتمد على أكثر من مصدر؛ لكن بمتابعة ما تنشره أو تبثه تظهر ضغوط الممول، أو المالك... واليوم أصبح للمعلن والممول تأثير كبير في ظل المشكلات المالية التي تعاني منها وسائل الإعلام التقليدية، والتي جعلت المعلن هو طوق النجاة بالنسبة للوسيلة».
إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنهاhttps://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85/5091980-%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%88-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85-%D9%85%D8%B9%D8%B6%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%B9-%D8%A5%D9%83%D8%B3-%D8%A3%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D8%B9%D9%86%D9%87%D8%A7
إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها
الصحف الفرنسية أمام التحدي
يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).
الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).
نقاش إعلامي محتدم
ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.
للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».
أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.
«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك
من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».
أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.
... الفريق المتريّث
في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».
الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.
من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.
وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».
«لوفيغارو»... باقية
هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.
ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.
أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.
في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.