أطفال {الدواعش} وأسرهم... قنبلة موقوتة؟

إشكالية قانونية وتعقيدات إنسانية تبحث عن حل

أطفال {الدواعش} وأسرهم... قنبلة موقوتة؟
TT

أطفال {الدواعش} وأسرهم... قنبلة موقوتة؟

أطفال {الدواعش} وأسرهم... قنبلة موقوتة؟

هل باتت قضية عوائل الدواعش تمثل قنبلة موقوتة تكاد تنفجر في وجه الجميع، مهددة أمن وسلام واستقرار العالم عامة، والمجتمع الأوروبي على نحو خاص؟... يبدو أن السبب المباشر هو انتماء أعداد كبيرة منهم لدول أجنبية، وجلهم من أبناء القارة الأوروبية، وقد خلف المقاتلون الأجانب من «الدواعش» وراءهم في أراضي المعارك بسوريا والعراق عشرات الآلاف، ما بين نساء وأطفال، بعضهم فر آباؤهم وأزواجهم إلى الخارج، فيما البعض الآخر يقبع وراء جدران السجون، وبين هؤلاء وأولئك تبقى هناك حالة من القلق والترقب وربما الحيرة في التعاطي وتقرير المصير.

من الواضح جداً أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» هي من ألقت الأضواء، وأثارت ملف هؤلاء الأطفال القابعين في مخيمات أو مراكز احتجاز، وهم بحسب البيان الصادر عن المديرة التنفيذية لليونيسيف السيدة هنريتا فور في مايو (أيار) الماضي، من بين الأطفال الأشد ضعفاً في العالم، ويعيشون في ظروف فظيعة، وسط تهديدات مستمرة إزاء صحتهم وأمنهم ورفاههم، ولا يتوفر لهم إلا دعم أسري ضئيل، فالعديد منهم وحيدون تماماً برغم أن معظمهم قد تقطعت السبل بهم رفقة آبائهم أو مقدمي رعاية آخرين.
هل نحن أمام إشكالية قانونية تتعلق بجماعة إرهابية خلفت وراءها أطفالاً ينبغي أن يدفعوا ثمن جرائم الآباء، أم أننا إزاء معضلة إنسانية لأطفال أبرياء لا ذنب لهم، ولد معظمهم في مناطق النزاع التي سيطر عليها «الدواعش»، أو أنهم سافروا إلى المنطقة بصحبة والديهم، فيما البقية ومعظمهم أولاد ذكور، تم تجنيدهم قسراً، أو خدعوا فانضموا للجماعات المسلحة، أو أجبروا على الانضمام لهذه الجماعة كي يتمكنوا من النجاة، وهم جميعاً ضحايا لظروف مأساوية وانتهاكات جسيمة لحقوقهم، ويجب التعامل معهم والاعتناء بهم كأطفال؟
ووفقاً لدراسة نشرها مؤخراً المركز الدولي لدراسات التطرف في جامعة «كينجز كوليدج» في لندن، هناك على الأراضي السورية والعراقية، وجد نحو 41 ألف مواطن أجنبي من ثمانين دولة، هؤلاء تركوا وراءهم 4640 ولداً أقل عمراً من 17 عاماً، و760 طفلاً ولدوا ما بين سوريا والعراق، وتشكل النساء نسبة 13 في المائة من المنتسبين إلى «داعش»، ويشكل 4 في المائة فقط من العائدين إلى بلادهم اعتباراً من يونيو (حزيران) 2018. والشاهد أن هؤلاء الأطفال يواجهون رفضاً مضاعفاً، فغالباً ما يكونون موصومين من قبل مجتمعاتهم المحلية، كما تتخلى عنهم حكومات بلادهم الأصلية، وهم يواجهون تحديات قانونية ولوجيستية وسياسية هائلة في الحصول على الخدمات الأساسية أو العودة إلى بلدانهم الأصلية.
غير أن خطورة هذه المجموعات الصغيرة من أطفال «الدواعش» ما بين 12 و17 عاماً، هي خطورة مضاعفة على الأمن الدولي وأمن الإقليم على حد سواء، والمسألة لا تتعلق بالبراءة مرة وإلى الأبد... ما معني ذلك؟
وفي تقرير لها أوائل العام الجاري، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إلى أن قادة «الدواعش» قد استخدموا هؤلاء الأطفال ليقوموا بدور «الكشاف»، أي فرق الاستطلاع في الجيوش الحديثة، معتمدين على أن أحداً لن يشك فيهم لصغر سنهم، ومن ثم الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات، والتي عليها يتم التخطيط والقيام بالعمليات الإرهابية المطلوبة». ولم يكتف «الدواعش» بهذا فقط، لكنهم يستخدمون الأولاد الصغار والقصر بمثابة جواسيس في الداخل، وعيون في الخارج، وفي أحيانٍ أخرى طهاةَ لتجيز الطعام للكبار.
أما الكارثة الكبرى، فهي إعدادهم ليكونوا مقاتلين ومفجرين انتحاريين... والسؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن أمام جيل من الأبرياء الذين غرر بهم، أم أننا في مواجهة مع قتلة وإرهابيي المستقبل، إن لم يتم التعامل معهم بالقدر اللازم من القانون والحكمة في ذات الوقت؟
الثابت وكما ظهر، من خلال أشرطة الفيديو الدعائية لـ«داعش»، أن أطفالاً صغاراً من «الدواعش»، قد قاموا بقطع رؤوس بعض الأسرى، وإطلاق النار على السجناء، كما أن بعضهم قد تلقى سنوات من حشو الرؤوس بالأفكار المتطرفة، وفي حالة الصبية الأكبر سناً يكونون قد تلقوا تدريبات عسكرية.
يصف بيتر نيومان مدير المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة «كينجز كوليدج»، في لندن وضع عوائل الدواعش والأطفال منهم على نحو خاص بالقول: «إنهم ضحايا الوضع لأنهم خالفوا إرادتهم، لكن هذا لا يعني أنهم في بعض الحالات يكونوا على الأقل مصدر خطر». والثابت أن قضية أطفال «الدواعش» غاية في التعقيد، ولا يوجد من لديه تصور كامل عن بدايات نشأتها وبالقدر نفسه لا يمتلك أحدهم تصوراً مستقبلياً شافياً وافياً عن مآل قضيتهم.
تقول بعض الروايات إن هؤلاء قد لحقوا بمعسكرات «الدواعش» في حالتين فقط، الأولى هي أن يكونوا قد هربوا مع أمهاتهم دون علم من الآباء، أو أن الآباء من المتطرفين قد اصطحبوهم عنوة معهم، ودون إبلاغ الأمهات، وربما كانوا من قليلي الحظ جداً، أي أبناء لعائلات إرهابية، رأى الأب والأم معاً أنه الوقت الملائم للذهاب إلى «الجهاد» كاسرة واحدة، ومن هنا وجدوا طريقهم إلى أرض المعركة.
هناك كذلك الذين جندوا بدورهم - أي الآباء والأمهات - عن طريق الأصدقاء خلال رحلاتهم إلى دول مجاورة مثل تركيا، أو من تم تجنيدهم داخل بلدانهم عن طريق الأصدقاء أيضاً أو من خلال عناصر التنظيم عبر الإنترنت، وبالتالي التحق معهم أبناء لصفوف التنظيم، أما الحالة الثانية فتتمثل في ولادة الأطفال داخل معسكرات التنظيم، وذلك بعد زواج السيدات الأوروبيات الملتحقات بصفوف «داعش» من مقاتليه.
ونحن بصدد هذه القصة المؤلمة تقابلنا عدة أسئلة... أولها هل تسمح الدول الأجنبية بعودة هؤلاء الأطفال إلى أراضيهم أو أراضي والديهم؟ أم أن الباب موصد أمامهم مرة وإلى الأبد؟
وإذا كان هذا هو الخيار؟ فهل يعني ذلك أن العالم وعما قريب جداً، سيجد ذاته في مواجهة جيل من منعدمي الولاء، ومنقطعي الصلة بأي قيم أو أخلاقيات إلا الإرهاب والعنف وسفك الدماء؟
أمر آخر، ذلك أنه إذا كان هناك من الدول من سيغلب الرحمة على العدل، فهل لدى مثل تلك الدول ما يكفي من البرامج اللازمة لإعادة تأهيل مثل هؤلاء، وحتى يعودوا أسوياء مرة أخرى، ويقدر لهم الاندماج في صفوف المجتمعات الأجنبية؟
يمكن القطع بأن ردات الفعل مختلفة من دولة إلى أخرى، كما أنه داخل الدولة الواحدة تتغير المواقف بحسب ضغوطات الرأي العام من جهة، وتوجهات المجتمع المدني من جهة ثانية.
على سبيل المثال لا الحصر، فإن فرنسا أعلنت أنها تريد إعادة قسم من نحو 150 طفلاً من أبناء «دواعش» فرنسيين تم الإبلاغ عن وجودهم في سوريا في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد، الذين يبحثون عن حل لمسألة المقاتلين الأجانب الشائكة في ظل رفض الغربيين استعادتهم. وفي ألمانيا يتم مناقشة قضية استعادة أطفال الدواعش الألمان إلى ألمانيا وفق اعتبارات أمنية، لا سيما بعد أن حذر رئيس هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية الألمانية) هانس غيورغ ماسن قائلاً: «نرى خطراً في عودة الأطفال الذين خالطوا الإرهابيين، وتلقوا تعاليم منهم من مناطق الحرب إلى ألمانيا».
وفي بلجيكا، أعلن وزير المال البلجيكي ألكسندر دي كرو، أن بلاده ستعيد ستة أيتام بلجيكيين من أبناء مقاتلين من المخيمات النازية التابعة للسلطات الكردية، واشترطت ألا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً.
وبالوصول إلى أستراليا نجد أن رئيس وزراءها سكوت موريسون ينجح في إخراج 8 أيتام من أولاد مقاتلين أستراليين في تنظيم «داعش» من مخيم الهول... هل هذه الأعداد الضئيلة تكفي لحل الإشكالية؟
بالقطع لا وهذا ما دعا منظمة «اليونيسيف» للحديث من جديد الأسبوع الماضي على لسان المفوضة الأممية السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليه، دول العالم على استعادة زوجات وأطفال مواطنيها من مقاتلي الدواعش قائلة: «يتعين إعادة أفراد الأسر الأجنبية، إلا إذا كانت ستتم محاكمتهم عن جرائم وفقاً للمعايير الدولية، وأشارت إلى أنه على الدول أن تتحمل مسؤولية مواطنيها الذين انخرطوا في الحرب السورية. تلفت السيدة باشيليه المفوضة الأممية إلى أن هؤلاء الأطفال قد عانوا على وجه الخصوص من انتهاكات جسيمة لحقوقهم، بما في ذلك أولئك الذين يتم تلقينهم أو تجنيدهم من قبل تنظيم «داعش» لتنفيذ أعمال عنف. كما ترى السيدة باشيلية أنه يجب فتح أولوية لإعادة تأهيلهم وحمايتهم ولمصالحهم، وحذرت أيضاً من سحب جنسيات من ذهبوا للقتال ضمن صفوف «داعش» في سوريا أو العراق، مشيرة إلى أن ترك أشخاص من دون جنسية ليس خياراً مقبولاً أبداً، ومضيفة أن الأطفال هم أكثر من يعانون من جراء مثل هذه التدابير لأنها تتسبب في مشاكل لهم في الالتحاق بالمدارس والحصول على رعاية صحية. ويبقى السؤال: «هل من سيناريو لدى اليونيسيف» من أجل هؤلاء الأطفال ومستقبلهم وحل إشكالياتهم؟
ترى «اليونيسيف» أنه ينبغي تزويد الأطفال من مواطني الدول الأعضاء أو من المولودين لمواطني تلك الدول بتوثيق مدني بالإضافة إلى حماية هؤلاء الأطفال من حالة انعدام الجنسية أو من تحولهم إلى أشخاص عديمي الجنسية».
كما تذهب المنظمة الأممية المنوط بها حماية أطفال العالم إلى دعم عودة هؤلاء الأطفال عودة آمنة كريمة وطوعية إلى بلدانهم الأصلية، وإعادة إدماجهم فيها، وفيما يخص الأطفال المحتجزين، يجب ضمان أن احتجازهم هو إجراء مطبق كملاذ أخير ولأقصر مدة ممكنة.
أما بالنسبة للأطفال الذين دخلوا سن المسؤولية الجنائية والمتهمين بارتكاب أعمال إجرامية، فلا بد من التأكد من تطبيق المعايير المعترف بها دولياً للمحاكمات العادلة، وقضاء الأحداث كما يجب التعامل مع هؤلاء الأطفال بوصفهم ضحايا أساساً، وليسوا مرتكبي انتهاكات، ويجب أخذ مصلحة كل طفل بعين الاعتبار عند اتخاذ أي قرار بشأنهم، بما في ذلك إعادتهم إلى أوطانهم، وأن يمتثل القرار للمعايير القانونية الدولية. ويبقى السؤال: «هل يبقى الحل إنسانيا أم أمنياً؟ وهل أجهزة الأمن والاستخبارات حول العالم تتفق شكلاً وموضوعاً، مع توصيات «اليونيسيف» أم لا تزال هناك اعتراضات جوهرية تعيق الحل؟
يبقى السؤال مطروحاً والبحث عن الجواب جارياً.


مقالات ذات صلة

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

أفريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

إلى جانب الحربين اللتين تصدَّرتا عناوين الأخبار خلال عام 2024، في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تستمر نزاعات لا تحظى بالقدر نفسه من التغطية الإعلامية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».