أطفال {الدواعش} وأسرهم... قنبلة موقوتة؟

إشكالية قانونية وتعقيدات إنسانية تبحث عن حل

أطفال {الدواعش} وأسرهم... قنبلة موقوتة؟
TT

أطفال {الدواعش} وأسرهم... قنبلة موقوتة؟

أطفال {الدواعش} وأسرهم... قنبلة موقوتة؟

هل باتت قضية عوائل الدواعش تمثل قنبلة موقوتة تكاد تنفجر في وجه الجميع، مهددة أمن وسلام واستقرار العالم عامة، والمجتمع الأوروبي على نحو خاص؟... يبدو أن السبب المباشر هو انتماء أعداد كبيرة منهم لدول أجنبية، وجلهم من أبناء القارة الأوروبية، وقد خلف المقاتلون الأجانب من «الدواعش» وراءهم في أراضي المعارك بسوريا والعراق عشرات الآلاف، ما بين نساء وأطفال، بعضهم فر آباؤهم وأزواجهم إلى الخارج، فيما البعض الآخر يقبع وراء جدران السجون، وبين هؤلاء وأولئك تبقى هناك حالة من القلق والترقب وربما الحيرة في التعاطي وتقرير المصير.

من الواضح جداً أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» هي من ألقت الأضواء، وأثارت ملف هؤلاء الأطفال القابعين في مخيمات أو مراكز احتجاز، وهم بحسب البيان الصادر عن المديرة التنفيذية لليونيسيف السيدة هنريتا فور في مايو (أيار) الماضي، من بين الأطفال الأشد ضعفاً في العالم، ويعيشون في ظروف فظيعة، وسط تهديدات مستمرة إزاء صحتهم وأمنهم ورفاههم، ولا يتوفر لهم إلا دعم أسري ضئيل، فالعديد منهم وحيدون تماماً برغم أن معظمهم قد تقطعت السبل بهم رفقة آبائهم أو مقدمي رعاية آخرين.
هل نحن أمام إشكالية قانونية تتعلق بجماعة إرهابية خلفت وراءها أطفالاً ينبغي أن يدفعوا ثمن جرائم الآباء، أم أننا إزاء معضلة إنسانية لأطفال أبرياء لا ذنب لهم، ولد معظمهم في مناطق النزاع التي سيطر عليها «الدواعش»، أو أنهم سافروا إلى المنطقة بصحبة والديهم، فيما البقية ومعظمهم أولاد ذكور، تم تجنيدهم قسراً، أو خدعوا فانضموا للجماعات المسلحة، أو أجبروا على الانضمام لهذه الجماعة كي يتمكنوا من النجاة، وهم جميعاً ضحايا لظروف مأساوية وانتهاكات جسيمة لحقوقهم، ويجب التعامل معهم والاعتناء بهم كأطفال؟
ووفقاً لدراسة نشرها مؤخراً المركز الدولي لدراسات التطرف في جامعة «كينجز كوليدج» في لندن، هناك على الأراضي السورية والعراقية، وجد نحو 41 ألف مواطن أجنبي من ثمانين دولة، هؤلاء تركوا وراءهم 4640 ولداً أقل عمراً من 17 عاماً، و760 طفلاً ولدوا ما بين سوريا والعراق، وتشكل النساء نسبة 13 في المائة من المنتسبين إلى «داعش»، ويشكل 4 في المائة فقط من العائدين إلى بلادهم اعتباراً من يونيو (حزيران) 2018. والشاهد أن هؤلاء الأطفال يواجهون رفضاً مضاعفاً، فغالباً ما يكونون موصومين من قبل مجتمعاتهم المحلية، كما تتخلى عنهم حكومات بلادهم الأصلية، وهم يواجهون تحديات قانونية ولوجيستية وسياسية هائلة في الحصول على الخدمات الأساسية أو العودة إلى بلدانهم الأصلية.
غير أن خطورة هذه المجموعات الصغيرة من أطفال «الدواعش» ما بين 12 و17 عاماً، هي خطورة مضاعفة على الأمن الدولي وأمن الإقليم على حد سواء، والمسألة لا تتعلق بالبراءة مرة وإلى الأبد... ما معني ذلك؟
وفي تقرير لها أوائل العام الجاري، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إلى أن قادة «الدواعش» قد استخدموا هؤلاء الأطفال ليقوموا بدور «الكشاف»، أي فرق الاستطلاع في الجيوش الحديثة، معتمدين على أن أحداً لن يشك فيهم لصغر سنهم، ومن ثم الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات، والتي عليها يتم التخطيط والقيام بالعمليات الإرهابية المطلوبة». ولم يكتف «الدواعش» بهذا فقط، لكنهم يستخدمون الأولاد الصغار والقصر بمثابة جواسيس في الداخل، وعيون في الخارج، وفي أحيانٍ أخرى طهاةَ لتجيز الطعام للكبار.
أما الكارثة الكبرى، فهي إعدادهم ليكونوا مقاتلين ومفجرين انتحاريين... والسؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن أمام جيل من الأبرياء الذين غرر بهم، أم أننا في مواجهة مع قتلة وإرهابيي المستقبل، إن لم يتم التعامل معهم بالقدر اللازم من القانون والحكمة في ذات الوقت؟
الثابت وكما ظهر، من خلال أشرطة الفيديو الدعائية لـ«داعش»، أن أطفالاً صغاراً من «الدواعش»، قد قاموا بقطع رؤوس بعض الأسرى، وإطلاق النار على السجناء، كما أن بعضهم قد تلقى سنوات من حشو الرؤوس بالأفكار المتطرفة، وفي حالة الصبية الأكبر سناً يكونون قد تلقوا تدريبات عسكرية.
يصف بيتر نيومان مدير المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة «كينجز كوليدج»، في لندن وضع عوائل الدواعش والأطفال منهم على نحو خاص بالقول: «إنهم ضحايا الوضع لأنهم خالفوا إرادتهم، لكن هذا لا يعني أنهم في بعض الحالات يكونوا على الأقل مصدر خطر». والثابت أن قضية أطفال «الدواعش» غاية في التعقيد، ولا يوجد من لديه تصور كامل عن بدايات نشأتها وبالقدر نفسه لا يمتلك أحدهم تصوراً مستقبلياً شافياً وافياً عن مآل قضيتهم.
تقول بعض الروايات إن هؤلاء قد لحقوا بمعسكرات «الدواعش» في حالتين فقط، الأولى هي أن يكونوا قد هربوا مع أمهاتهم دون علم من الآباء، أو أن الآباء من المتطرفين قد اصطحبوهم عنوة معهم، ودون إبلاغ الأمهات، وربما كانوا من قليلي الحظ جداً، أي أبناء لعائلات إرهابية، رأى الأب والأم معاً أنه الوقت الملائم للذهاب إلى «الجهاد» كاسرة واحدة، ومن هنا وجدوا طريقهم إلى أرض المعركة.
هناك كذلك الذين جندوا بدورهم - أي الآباء والأمهات - عن طريق الأصدقاء خلال رحلاتهم إلى دول مجاورة مثل تركيا، أو من تم تجنيدهم داخل بلدانهم عن طريق الأصدقاء أيضاً أو من خلال عناصر التنظيم عبر الإنترنت، وبالتالي التحق معهم أبناء لصفوف التنظيم، أما الحالة الثانية فتتمثل في ولادة الأطفال داخل معسكرات التنظيم، وذلك بعد زواج السيدات الأوروبيات الملتحقات بصفوف «داعش» من مقاتليه.
ونحن بصدد هذه القصة المؤلمة تقابلنا عدة أسئلة... أولها هل تسمح الدول الأجنبية بعودة هؤلاء الأطفال إلى أراضيهم أو أراضي والديهم؟ أم أن الباب موصد أمامهم مرة وإلى الأبد؟
وإذا كان هذا هو الخيار؟ فهل يعني ذلك أن العالم وعما قريب جداً، سيجد ذاته في مواجهة جيل من منعدمي الولاء، ومنقطعي الصلة بأي قيم أو أخلاقيات إلا الإرهاب والعنف وسفك الدماء؟
أمر آخر، ذلك أنه إذا كان هناك من الدول من سيغلب الرحمة على العدل، فهل لدى مثل تلك الدول ما يكفي من البرامج اللازمة لإعادة تأهيل مثل هؤلاء، وحتى يعودوا أسوياء مرة أخرى، ويقدر لهم الاندماج في صفوف المجتمعات الأجنبية؟
يمكن القطع بأن ردات الفعل مختلفة من دولة إلى أخرى، كما أنه داخل الدولة الواحدة تتغير المواقف بحسب ضغوطات الرأي العام من جهة، وتوجهات المجتمع المدني من جهة ثانية.
على سبيل المثال لا الحصر، فإن فرنسا أعلنت أنها تريد إعادة قسم من نحو 150 طفلاً من أبناء «دواعش» فرنسيين تم الإبلاغ عن وجودهم في سوريا في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد، الذين يبحثون عن حل لمسألة المقاتلين الأجانب الشائكة في ظل رفض الغربيين استعادتهم. وفي ألمانيا يتم مناقشة قضية استعادة أطفال الدواعش الألمان إلى ألمانيا وفق اعتبارات أمنية، لا سيما بعد أن حذر رئيس هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية الألمانية) هانس غيورغ ماسن قائلاً: «نرى خطراً في عودة الأطفال الذين خالطوا الإرهابيين، وتلقوا تعاليم منهم من مناطق الحرب إلى ألمانيا».
وفي بلجيكا، أعلن وزير المال البلجيكي ألكسندر دي كرو، أن بلاده ستعيد ستة أيتام بلجيكيين من أبناء مقاتلين من المخيمات النازية التابعة للسلطات الكردية، واشترطت ألا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً.
وبالوصول إلى أستراليا نجد أن رئيس وزراءها سكوت موريسون ينجح في إخراج 8 أيتام من أولاد مقاتلين أستراليين في تنظيم «داعش» من مخيم الهول... هل هذه الأعداد الضئيلة تكفي لحل الإشكالية؟
بالقطع لا وهذا ما دعا منظمة «اليونيسيف» للحديث من جديد الأسبوع الماضي على لسان المفوضة الأممية السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليه، دول العالم على استعادة زوجات وأطفال مواطنيها من مقاتلي الدواعش قائلة: «يتعين إعادة أفراد الأسر الأجنبية، إلا إذا كانت ستتم محاكمتهم عن جرائم وفقاً للمعايير الدولية، وأشارت إلى أنه على الدول أن تتحمل مسؤولية مواطنيها الذين انخرطوا في الحرب السورية. تلفت السيدة باشيليه المفوضة الأممية إلى أن هؤلاء الأطفال قد عانوا على وجه الخصوص من انتهاكات جسيمة لحقوقهم، بما في ذلك أولئك الذين يتم تلقينهم أو تجنيدهم من قبل تنظيم «داعش» لتنفيذ أعمال عنف. كما ترى السيدة باشيلية أنه يجب فتح أولوية لإعادة تأهيلهم وحمايتهم ولمصالحهم، وحذرت أيضاً من سحب جنسيات من ذهبوا للقتال ضمن صفوف «داعش» في سوريا أو العراق، مشيرة إلى أن ترك أشخاص من دون جنسية ليس خياراً مقبولاً أبداً، ومضيفة أن الأطفال هم أكثر من يعانون من جراء مثل هذه التدابير لأنها تتسبب في مشاكل لهم في الالتحاق بالمدارس والحصول على رعاية صحية. ويبقى السؤال: «هل من سيناريو لدى اليونيسيف» من أجل هؤلاء الأطفال ومستقبلهم وحل إشكالياتهم؟
ترى «اليونيسيف» أنه ينبغي تزويد الأطفال من مواطني الدول الأعضاء أو من المولودين لمواطني تلك الدول بتوثيق مدني بالإضافة إلى حماية هؤلاء الأطفال من حالة انعدام الجنسية أو من تحولهم إلى أشخاص عديمي الجنسية».
كما تذهب المنظمة الأممية المنوط بها حماية أطفال العالم إلى دعم عودة هؤلاء الأطفال عودة آمنة كريمة وطوعية إلى بلدانهم الأصلية، وإعادة إدماجهم فيها، وفيما يخص الأطفال المحتجزين، يجب ضمان أن احتجازهم هو إجراء مطبق كملاذ أخير ولأقصر مدة ممكنة.
أما بالنسبة للأطفال الذين دخلوا سن المسؤولية الجنائية والمتهمين بارتكاب أعمال إجرامية، فلا بد من التأكد من تطبيق المعايير المعترف بها دولياً للمحاكمات العادلة، وقضاء الأحداث كما يجب التعامل مع هؤلاء الأطفال بوصفهم ضحايا أساساً، وليسوا مرتكبي انتهاكات، ويجب أخذ مصلحة كل طفل بعين الاعتبار عند اتخاذ أي قرار بشأنهم، بما في ذلك إعادتهم إلى أوطانهم، وأن يمتثل القرار للمعايير القانونية الدولية. ويبقى السؤال: «هل يبقى الحل إنسانيا أم أمنياً؟ وهل أجهزة الأمن والاستخبارات حول العالم تتفق شكلاً وموضوعاً، مع توصيات «اليونيسيف» أم لا تزال هناك اعتراضات جوهرية تعيق الحل؟
يبقى السؤال مطروحاً والبحث عن الجواب جارياً.


مقالات ذات صلة

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

أفريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

إلى جانب الحربين اللتين تصدَّرتا عناوين الأخبار خلال عام 2024، في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تستمر نزاعات لا تحظى بالقدر نفسه من التغطية الإعلامية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».